الأجداد.. ملاذ البراعم الحائرة



تهاني الشروني



إذا كان الآباء والأمهات قد انشغلوا في الحياة، وأخذهم السعي فيها كل اتجاه، وإذا كان الواقع يدفع بكل منهما إلى العجلة في كل شيء، وإذا كانت سمة العصر السرعة المفرطة، والتقلب الدائم، فمن للبراعم الصغيرة التي تفتح عيناها على الدنيا؟ ومن يرعى أمل أمة الإسلام فيهم أن يكونوا أجيال سليمة قوية خالية من أمراض العصر، وقادرة على تصحيح المفاهيم، وتقديم ديننا إلى العالم؟

هل لهؤلاء من مُعلمة مُحبة تغرس فيهم قيم الهدي النبوي، وتقدم لهم قدوة مشرقة لا تفارق مخيلتهم؟

هل لهم من مراقب وحفيظ وهم يتفتحون على العالم من حولهم بكل بهرجته وتقنيته وزينته التي قد تجرفهم بعيدا حتى عن ذواتهم؟

لاشك أن الآباء والأمهات هم القدوة لأطفالهم، فعيون الصغار متعلقة بهم.. ترقب حركاتهم وتصرفاتهم وصراعاتهم، ولكن في زحمة الحياة كثيرا ما يغفل الوالدين عن المشكلات التي يمر بها أطفالهم، أو تبدو لهم هيّنة عابرة، وهي عند الصغار كالجبال.

إنهم بحاجة إلى جانب توفير متطلباتهم المادية، إلى من يقدر همومهم الصغيرة، ويمنح وقتا صافيا، وأذنا مصغية إلى أسئلتهم الحائرة.. إلى ركن شديد يكون سندا لهم عند مواجهة أحداث كبيرة عليهم، إلى يد حانية، وقلب حكيم يعبر معهم وبهم اللحظات الصعبة، عندما يتضاءلون خطواتهم أمام تسارع ما حولهم وضخامته في عيونهم.

إنهم بحاجة إلى الأجداد، هذا هو ما يشهد به التاريخ، وتنطق به ذكرى البيوت العامرة الدافئة، عندما كان الأجداد جزءا هاما في حياة أحفادهم، وليسوا طيفا بعيدا يتراءى خاطفا بين حين وآخر، وهو ما تشهد به أيضا الدراسات الحديثة التي تؤكد على الاستقرار النفسي للطفل والمراهق الذي يحظى بجد - أو جدة- مهتم ومتواجد.

همسة للأجداد

كونوا الأخصائيين الاجتماعيين لأحفادكم، فأنتم تملكون الوقت لتصبحوا واحة الراحة و"الفضفضة" لهم، للانتباه إلى حواراتهم، وتعليقاتهم، لتقديم الحكمة والخبرة إليهم ممزوجة بالحنان الكبير.

عندما يرتمي الأحفاد في أحضانكم يشعرون بالدفء والحنان والسكينة، فأقبلوا عليهم فلوجبة الحنان والاهتمام منكم مذاق خاص، وتأثير ممتد.

استقبلوا الحفيد الحائر فأنتم ملاذه؛ ليهدأ قلبه الصغير إلى وجودكم، ويجد علاج ما يعاني دون أن يطلبه.

إلى الآباء والأمهات

لا تلقوا بالجد بعيدا، تحسبون أنه لم يعد مؤثرا، لا تظنوا أن في إبعاده عن حياتكم، وحياة صغاركم راحته، بل إن هذا حرمان له مما يريد إعطاءه، ويحسن أداءه.

لا تكلفوا الجدة فوق طاقتها، بتحميلها مهام تخدم أغراضكم دون مراعاة قدراتها، إنها تفتقر إلى القوة الجسدية، فلا تحملوها عبء خدمة الحفيد، ولكن ضعفها الجسدي لا يعني أنها لا تمتلك الخبرة والحكمة والحنان والمشاعر، دعوها تحكي تجاربها، وتسرد قصصها، بدلا من إثقالها بالشكوى، وإغراقها في المشكلات والهموم، فقد تحملتها كثيرا في صغركم.

لا تخشوا من الأجداد فإنهم لا يريدون اقتحام حياتكم، أو التدخل في تربيتكم لأطفالكم، إنهم فقط يريدون أن يسعدوا بهم، وأن يسدوا أي نقص من جانبكم، وهذا ليس حكما عليكم، أو نقدا لطريقتكم، فهمهم الأكبر هو نجاحكم، وسلامة بيوتكم.

أيها الأجداد!


لا تخشوا الاقتراب فتنأوا عن الأبناء، وتفضلوا العزلة الدائمة، فلا أحد ينكر حقكم في التفرغ لأنفسكم، والاستعداد لآخرتكم، فاستحضروا نية صالحة في كلمة باقية في عقبكم وفلذات أكبادكم، ولتر