خطبة الوداع .. ضرورة عصرية


عثمان حسين


عندما أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يؤدي شعائر الحج (حجة الوداع) استشعر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أن المسلمين في أمس الحاجة إلى من يوقظهم من غفلتهم ويجدد لهم إيمائهم ومبادئ حياتهم حتى يواجهوا أنفسهم أولا وأعداءهم ثانيا، فكانت خطبة الوداع التي وضع بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أروع المواثيق وأقوى الوصايا البشرية لبناء الإنسان المسلم وبقاء تلك الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، تلك الخطبة التي أيقن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه لو تمسكت بها أمته لكان لها حياة العزة والشموخ بقوة دينها وعقيدتها وسيادتها على الأمم الأخرى تميزا وتفوقا.
لقد وضع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في خطبته التاريخية- بما أوتي من جوامع الكلم- المفاهيم الصحيحة والمبادئ الحقة السليمة دستورا ومنهجا وطريقا يسلكه كل من أحب الله وسار على هدي رسوله الكريم، فكانت تلك المفاهيم واضحة جلية تنير طريق من يتمسك بها قولا وعملا.
وبالقراءة المتأنية لعناصر تلك الخطبة نجد أنها توحي بالدلالة الواضحة أن صاحبها قد فرغ من الدنيا وأنه يتهيأ للحياة الجديدة في الدار الآخرة رغبة وانتظارا لما وعده سبحانه وتعالى حيث يقول ﴿ ولَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى. ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ (الضحى: 4-5) فنجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قد شرح ما يريد وما يتمناه من خير وفلاح وصلاح لأمة الإسلام والمسلمين حيث بين لهم مناسكهم وأعملكم بأحكام دينهم وكيفية ممارستها في حياتهم قولا وعملا بناء على ما تركه لهم من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما كان من السماء إلا أن تشاركه وجدانه وتنزل عليه بقرآن الخالق عز وجل ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ﴾ (المائدة: 3).
والمتأمل.. قراءة وفهما وتدبرا- لتلك الخطبة يجد أنه أمام محاور فكرية متباينة مستنيرة ترسي دعائم قيام المجتمع الإنساني كما يريد خالق البشر، ومن هنا تظل خطبة الوداع بمفاهيمها ومبادئها وثيقة أبدية لحقوق الإنسان قبل أن تعرف المجتمعات المتحضرة وثائق الحقوق والواجبات، وذكرت المسلمين بما بين دفتي كتاب الله عز وجل من مبادئ إنسانية سامية لم يشهد التاريخ حتى اليوم لا أسمى ولا أنفع منها للإنسانية، فهي بقدر ما كانت خطبة في شكلها وهيئتها بقدر ما كانت وصية رائعة تشير كل فقرة منها إلى ما كان يحس ويشعر به الرسول الكريم من قرب الأجل ونهاية العمر فهو يبرئ ذمته حتى لا تعظم مسؤوليته أمام رب الناس وهو يشهد الناس في كل فقرة أنه قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة.
لقد باتت خطبة الوداع وما تحويه من تلك القوانين والمبادئ الإنسانية ضرورة في بناء المجتمعات سياسيا واجتماعيا ودينيا وثقافيا وأخلاقيا، وعلى المجتمعات أن تضع تلم الوثيقة أمامها كطريق للتقدم والرقي وبناء الإنسان المسلم بناء عقليا وفكريا ونفسيا يضمن له حياة كريمة حرة عزيزة، يشعر الإنسان من خلالها أنه خليفة الله في الأرض بما ناله من تكريم إلهي يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.