إن لم يكن في قلبك سلة مهملات فنصيحتي إليك أن تصنعها اليوم قبل الغد إذا أردت أن تعيش مطمئن البال مرتاح الخاطر! اصنع لك سلة مهملات تحذف فيها كل ما يؤلمك من نكران جميلك وصنائعك من صديقٍ أو قريب أحسنت إليه فقابل إحسانك بجحود وربما بأذية..

احذف كل ذكرى تنغِّص عليك سعادتك وتقلق راحتك وتعكِّر صفو أيامك, تغافل عن زلة صديق أو هفوة قريب فمن ذا الذي يصفو عيشه كله وتذكر قول بشار بن برد:

إذا كنتَ في كل الأمورِ مُعاتباً *** صديقَك لم تلقَ الذي لا تعاتبُهْ
فعِشْ واحداً أوْ صِل أخاكَ فإنه *** مقارفُ ذنبٍ تارةً ومجانِبُهْ
إذا أنتَ لم تشربْ مِراراً على القَذى *** ظَمِئْتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشارِبُهْ


التغافل عن الزلات، والتغاضي عن الهفوات, خلق رفيع، وأدب عظيم، لا يتحلى به إلا أهل المروءات، ولا يتصف به إلا أصحاب المكرمات, هذا الخلق دليلٌ على سمو النفس ورفعتها، وصفائها وعافيتها, وهو مما يرفع المنزلة، ويعلي المكانة, إذا ملكه الإنسان اشترى به راحة قلبه، وصفاء روحه، وهدوء باله، وانشراح صدره.

إن من يفتش عن الزلات صغيرها وكبيرها، ويعاتب على الهفوات جليلها وحقيرها, ويتتبع الأخطاء ولا ينساها, لا يجلب على نفسه إلا الغم والحزن، والنكد والشقاء,
قال علي رضي الله عنه: (من لم يتغافل تنغصت عيشته), وقال معاوية رضي الله عنه: (العقل مكيال، ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل), وقال الشافعي رحمه الله : (الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل).

أي راحةٍ ينشدها من يقف عند كل كلمة يسمعها, ويحاسب على كل خطأ يصدر من صاحبه, ويفتش عن كل مستتر, ويتتبع كل عورة, ويرُدُّ على كل مجادل وسفيه,
قال ابن حبان رحمه الله: (من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء).

إذا شاع التغافل عن الزلات، والتغاضي عن الهفوات في المجتمع قلّت مشكلاته، وارتفعت أحقاده وخصوماته, فكم هي الشرور التي كان فتيلها التقصي والتتبع وعدم التسامح، وقد
قال بعض الحكماء: (وجدت أكثر أمور الدنيا لا تصلح إلا بالتغافل)

فكم نحن بحاجة إلى التغافل وغض الطرف في معاملاتنا في بيوتنا، مع أهلنا وأقاربنا، مع أصدقائنا وزملائنا, ففي ذلك العافية والراحة والطمأنينة.