الجد والأحفاد.. البحث عن الدور المفقود


فاطمة عبد الرءوف


رصيد كبير من الخبرة، كمية أقل من الضغوط، مساحة أكبر من الوقت، عاطفة جياشة وقلب حنون.. هذه هي أهم مؤهلات الأجداد لتربية جيل الأحفاد، أو لنقل على وجه الدقة المساهمة الفعالة في عملية التربية، غير أن هذا الدور يحيطه الكثير من التساؤلات، وربما المشكلات التي يحصد ثمارها الأحفاد.
قديما كانت العائلة الممتدة هي الأصل، وكانت الأجيال الثلاثة يتعايشون بطريقة جميلة، فالجد والجدة موضع الاحترام والتقدير، ولهما كلمة نافذة، والآباء (الزوج والزوجة) هما الجيل الثاني الذي يتولى المهام التنفيذية العملية الفعلية داخل بيت العائلة، والأحفاد يعيشون في هذا الجو، وينهلون من الحب والاهتمام ورعاية الجميع، فليس ثمة تعارض في منهجية التربية.
لكن الوضع تغير كثيرا الآن، فانكمشت العائلة الممتدة إلى حد الاندثار، وأصبحت الأسرة النووية هي الأصل، وأصبح هناك مناهج جديدة ومختلفة في التربية، وأصبح هناك حالة من الصراع تحدث أحيانا على تربية الأبناء، خاصة بين الأم والجدة، فغالبا ما يشكو الآباء من التدليل الزائد والمفرط الذي يحصل عليه الأحفاد من الجد والجدة، بينما يشكو الأجداد من قسوة وعصبية الآباء، وينتهي الحال إما لاعتزال الأجداد وإحالتهم للتقاعد التربوي، وإما لخلافات حادة، فكيف يمكن الاستفادة من خبرات الأجداد دون الوقوع في فخ التدليل؟ وكيف نتجنب الصراع الخفي على قلوب الصغار؟
خلاف على طريقة التربية
كثيرا ما يضع الآباء قواعد معينة لحفظ النظام مثل: موعد النوم، عدم تناول حلوى مصنعة خارج المنزل، عدد ساعات محدد للمذاكرة، ومن الطبيعي أن يحاول الطفل التململ من هذه القواعد، خاصة لو وضعت من غير حوار مقنع أو وجد من يستطيع كسر هذه القواعد كالجد والجدة مثلا، وهنا تحدث المشكلة، تحاول الأم أن تفرض النظام، فيلجأ الطفل للجد، وقد يستنجد به ويستعطفه، فيطلب الجد من الأب أو الأم منح الطفل مزيدا من الحرية، وربما انتقد هذه القواعد بلهجة ساخرة أمام الطفل، هنا قد تحدث مشادة، وقد تستسلم الأم حتى يمر الموقف، ولكن الطفل لن يحترم القواعد بعد ذلك، على الأقل سوف يشعر بالظلم والغبن عندما ينقاد لها.
ويزداد الأمر سوءا إذا ما كانت حالة عدم التوافق هي الأصل، وفي الوقت نفسه هناك قرب مكاني بين الأجداد والآباء، كأن يكونوا قاطني بناية واحدة مثلا.
قد تكون الصراعات الخفية بين الزوجة والحماة لأسباب أخرى لا تتعلق بتربية الأطفال هي السبب وراء هذه التوترات، وقد يكون خلافا حقيقيا في وجهات النظر، وهنا يكمن الحل في الحوار الهاديء في جو من المرح والحميمية، فلقد أثبتت التجارب الكثيرة أن الحوار هو الحل في كثير من هذه الخلافات، وكثيرا ما يستجيب الجد والجدة، ربما لا يستطيعون ممارسة ما اتفق عليه عمليا بالشكل المطلوب، ولكنهم سيقتربون، وعلى الأقل لن يتهكموا على القواعد التربوية، ولن يرفضوها علانية أمام الأطفال.
في الوقت ذاته فإن حالة الحوار هذه قد تكشف للآباء عن بعض الأخطاء في القواعد الموضوعة، كأن يكون بها شيء من القسوة أو المثالية الزائدة، أو لا تمنح الطفل المساحة الكافية من اللعب، وقد تكون مواجهة تكشف لهم أنهم واقعون تحت ضغط نفسي أثر على سلوكهم مع هؤلاء الأبناء.
دور إيجابي
الحقيقة التي لا شك فيها أن الأجداد كنز من الخبرة، التي يمكن أن تثري حياة الأحفاد إذا تم استثمارها بشكل صحيح، وكذلك الجد يمكن أن يجدد حياته بالقرب من أحفاده وهناك مثل شائع يقول: "أعز الولد.. ولد الولد"، فمنذ أكثر من عشرين سنة كان أبا لديه مسئوليات جسام لا يجد الوقت للعب مع الأطفال ولا الطاقة النفسية لذلك، وربما لم يستمتع بمشاعر الأبوة نتيجة هذه الضغوط، وربما كانت الجدة أما عاملة، تجد سعادتها في انتهاء اليوم والخلود للفراش، ولم تشبع كامل مشاعر الأمومة لديها..
الآن قد حانت الفرصة التي تكسر روتين الحياة ووقت الفراغ الطويل، فبإمكانهما اللعب مع نفوس خضراء غضة بريئة، والاستمتاع بحكي القصص القديمة، والاستماع لموضوعات شيقة من صغار يكتشفون الحياة لأول مرة، فيستعيدا مشاعر الدهشة من أشياء تبدو وقد فقدت رونقها وبريقها، ولكن حذار حذار من التماهي مع هذه المشاعر حتى لا يقعا في فخ الأنانية، فلديهم مسئولية عظيمة، وهي دعم عملية التربية للصغار، وبالتالي لابد من التفريق بين الحنان والتدليل، الحرية والفوضى، فهما ليس في حالة منافسة خفية مع الأبناء للاستحواذ على حب الأحفاد، وبالتالي فلا يجوز إبدا انتقاد الآباء أمام الأحفاد.
يستطيعان أن يكونا مستمعين جيدين لتعويض غياب الآباء، ويكملا النقص، ويقدما النصائح بأسلوب هادئ رقيق، ويكونا متعاونين ولا يكونا منافسين، يستمتعا بحب الأبناء والأحفاد.