العمل داخل المنزل " تجارة " تجذب المرأة




رانيا حسام


يعد العمل داخل المنزل البديل الناجح والعملي للمرأة المسلمة التي تجد حرجًا في الخروج من المنزل وتتحرج من الاختلاط بالرجال، كما أنه كذلك أيضًا لكل أم ترغب في رعاية أبنائها ولا ترغب بالاعتماد على الخادمة في رعاية أبنائها، فهو يحقق لها زيادة الدخل التي ترغب في تحقيقها، وفي الوقت ذاته يمكنها من القيام بالأدوار المختلفة المناطة بها، هذا إلى جانب مناسبته للعادات والتقاليد التي لا تزال في بعض المناطق ترفض صورة المرأة الموظفة أو العاملة.
وقد فرض العمل داخل المنزل نفسه على سوق العمل خلال السنوات الأخيرة، حيث أثبتت الإحصاءات أخيرًا أنه يمثل 12 بالمائة من سوق العمل في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى الثلثين خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي دفع منظمة العمل الدولية لإصدار اتفاقية تنظيم العمل داخل المنزل، خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وساعد على ذلك انتشار الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، الأمر الذي جعل التواصل وتبادل الأفكار والتسويق للمنتجات أكثر سهولة في السنوات الأخيرة.
الوظائف المنزلية ... البديل الناجح للمرأة التي ترغب في الجمع بين زيادة الدخل والبقاء في المنزل

تجارة منزلية:


وتشكل المرأة النسبة الأكبر في العمالة التي تعمل داخل المنزل، ويؤكد خبراء الاقتصاد أن المرأة العاملة تنفق 40 بالمائة من دخلها على المظهر والمواصلات، في حين توفر المرأة التي تعمل في المنزل 70 بالمائة من دخلها، وقد ساهمت هذه المميزات في انتشار فكرة العمل في المنزل بين النساء الكويتيات، خاصة في مجال التجارة المنزلية، حيث شاع في السنوات الأخيرة إنشاء معارض داخل المنازل، تديرها سيدات في بيوتهن للترويج لبضائع يجلبنها من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة لبيع المنتجات عن طريق التوصيل للمنازل في مختلف أرجاء الكويت، والترويج لتلك المنتجات عن طريق صحف الإعلانات أو عن طريق شبكة الإنترنت، وتشعر المرأة الكويتية بالراحة للتعامل مع هؤلاء التاجرات المنزليات؛ لأنها تحصل على بضائع مميزة غير متوافرة في الأسواق، كما أنها لا تضطر للذهاب للسوق بل هو الذي يأتي إليها، ناهيك عن تعاملها مع سيدة كويتية، فلا تكون مضطرة للتعامل مع عمال كما يحدث في المحلات على حد قول أم بدر.
ولعل انتشار المعارض المؤقتة التي تقام في مختلف أرجاء الكويت أكبر دليل على انتشار العمل المنزلي بين الكويتيات، حيث زاد عدد المشاركات فيها لأكثر من الضعف خلال العامين الأخيرين.
تقول أم نواف صاحبة أحد المشاغل في منطقة الجهراء إنها فكرت في عمل هذا المشغل بعد أن قامت بتصميم بعض ففساتين السهرة لقريباتها ولاقت استحسانًا كبيرًا فبدأت على نطاق ضيق بالتصميم للمقربات منها ثم اتسع الأمر وأصبح لديها عميلاتها من مختلف أرجاء الكويت، وتفكر حاليًا في البدء في تصميم فساتين الزفاف، وتؤكد أنها لن تفكر أبدًا في اقتحام سوق العمل، فهي حريصة على البقاء بجانب أبنائها ورعايتهم بنفسها، لذا فلو فكرت في توسيع مشروعها فسيظل في نفس المكان، أما التواصل مع العملاء فيتم من خلال المعارض المؤقتة التي تشترك فيها.. وهذا نفس ما أكدته أم خالد التي تخصصت في عمل الحلويات في المنزل منذ 3 سنوات، وقد اعتبرت أن عملها في المنزل يشعرها براحة نفسية كبيرة، إلى جانب أنه يمكنها من متابعة أبنائها وعدم تركهم بمفردهم، بالإضافة للمساهمة في زيادة دخل الأسرة، ورغم أنها تفكر في توسيع مجال عملها بإنتاج الفطائر فإنها ستظل حريصة أن يظل داخل المنزل.
واعتبرت أم أنور التي تخصصت في عمل الولائم الكبيرة أن عملها في المنزل قد زاد من اقترابها من أبنائها، حيث تحرص على البقاء في المنزل معظم الوقت لمتابعة تجهيز الطلبات.
بداية صعبة:


وعلى الرغم من تلك المميزات التي يقدمها العمل داخل المنزل بالنسبة للمرأة من حيث عدم تعرضها لضغوط العمل ومواجهة زحمة السير والاختناقات المرورية، والراحة البدنية والنفسية بعيدًا عن ضغوط العمل وأوامر المديرين، فإن التجربة ليست سهلة على الإطلاق بالنسبة لمن اعتادت على الخروج للعمل، حيث يحتاج الأمر منها لفترة من الزمن للتأقلم على الوضع الجديد، خاصة أنها تجد أن ذهنها يتشتت لأتفه الأسباب، مثل رنين الهاتف أو قرع الباب أو صراخ الجيران أو حتى رائحة الطعام في مطابخهم عند الغداء.
تقول إحدى الصحفيات التي بدأت العمل في المنزل: ليس الأمر بالسهولة التي كنت أتخيلها، فقد اكتشفت أن وطأة العمل في المنزل ثقيلة، حيث إن كل الأسباب صالحة لإضاعة الوقت، فإذا دخلت إلى المطبخ لشرب كوب من الماء طال الأمر لتنظيف بعض الصحون، وإذا دارت عيني في الغرفة قد يدفعني الأمر لترتيب محتوياتها، كما أن بقائي بمفردي في المنزل يشعرني بالعزلة، فلا تبادل للأفكار مع الزملاء ولا تفاعل ولا تنسيق لأولوياتك، كما أن المؤسسات والأفراد لا يتقبلون فكرة عمل الصحفي منفردًا بعيدًا عن نطاق مؤسسة ما.
ذات الصعوبة واجهتها ليلى التي تعمل في مجال التصوير وترتيبات الأعراس حيث رأت أن العمل حول منزلها إلى فوضى رغم حرصها على عزل أدوات العمل في غرفة مستقلة، بالإضافة لاستخفاف العملاء بها لكونها غير تابعة لمؤسسة ما فيعمدون لتقليل السعر كثيرًا وتضطر كثيرًا للقبول على أمل أن عملها الجيد قد يروج لها ويكسبها المزيد من العملاء.
تعجيل : العمل المنزلي لدينا وجاهة فلا نزال في موضة خروج المرأة للعمل

وتضع هناء التي تصدت للعمل من المنزل منذ عدة سنوات بعض المعايير الضرورية لنجاح العمل داخل المنزل أهمها تخصيص مكان منعزل ومريح للعمل، وتحديد ساعات محددة له لا ترد خلالها على المكالمات المنزلية العادية، مؤكدة أن أكثر ما يشق على من تعمل داخل المنزل اعتبار أفراد الأسرة أنها متفرغة ولهذا يحق لهم الحضور في أي وقت دون موعد مسبق.
وحول هذه التجربة أكدت الأخصائية الاجتماعية بمركز الاستماع التابع للأمانة العامة للأوقاف هدى العجيل أن هذه التجربة بدأت في الولايات المتحدة الأميركية في ثمانينيات القرن الماضي بين ربات البيوت اللاتي لديهن التزامات عائلية لمساعدتهن على الوفاء بتلك الالتزامات وتوفير دخل للأسرة في الوقت ذاته.
وجاهة لا حاجة


أما في الكويت فتقول العجيل إنه لم يبدأ في الانتشار إلا أخيرًا، وينحصر في مشروعات تقيمها بعض النساء المتقاعدات في منازلهن لتنمية الهواية وشغل وقت الفراغ، مؤكدة أن المجتمع لا يزال يعيش موجة خروج المرأة للعمل ولم يدرك بعد أهمية بقاء المرأة في بيتها، فالفتيات ما إن ينهين دراستهن حتى يتسابقن للخروج للعمل ويتمسكن به حتى لو وصل الأمر فيما بعد للطلاق وهدم الأسرة من أجل التمسك بالعمل، أما العمل في المنزل بين النساء لدينا فيدخل تحت بند الرفاهية والتقليد وليس الحاجة الفعلية.
وأكدت العجيل أن الأمر في شكله الحالي ليس خطأ، خاصة أن المرأة تبحث عما يشغل فراغها في شيء مفيد، ولكن على شرط ألا يشغلها عن بيتها، وزوجها وأن توفر لهذا العمل مكانًا منفصلاً، فلا يتحول بيتها إلى سوق، وأن تسبقه دراسة جيدة، ولا يتم بعشوائية.