10 سهام مجربة في اصطياد القلوب



هدى محمد نبيه





بينما كنت أمر بجوار مبنى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، تذكرت أجمل أيام حياتي وأكثرها ثراء بالعديد من الخبرات، مر بذهني شريط من الذكريات يمتلئ بالعديد من الإخفاقات والنجاحات، وتبادر إلى ذهني واقعة سقطت منى في بئر النسيان، لكنها عادت اليوم بقوة لتذكرني بما قد فات، وما تعلمته نتيجة تلك الواقعة وفادني عبر السنوات الماضية، ففي الوقت الذي التحقت فيه بالجامعة لم تكن لي العديد من الصداقات، فلقد كان لدى ثلاثة من الصديقات المقربات ولم أكن أسعى إلى معرفة المزيد، ولو حتى لمجرد المعرفة وليس الصداقة.

وفى يوم من الأيام وأثناء إحدى المحاضرات فاتنى كتابة معلومة هامة، وفى ذلك اليوم لم تحضر أي من زميلاتي الثلاثة لتلك المحاضرة، فما كان منى إلا أن توجهت بالسؤال إلى إحدى الطالبات التي كانت تجلس بجواري فما كان منها إلا أن نظرت إلى بتعجب واستنكار وكأنني اقترفت جرما عظيما، ولم ترد على سؤالي الخاص بالدرس وكأنني لم أوجه إليها أى سؤال، صدمت كثيرا لما حدث وانتابني إحراج شديد وخرجت مسرعة بعد انتهاء المحاضرة، وعندما ذهبت إلى المنزل أخذت أتسائل بيني وبين نفسي لما تعاملت معي تلك الزميلة بهذه الطريقة الجافة، فهل أخطأت في حقها دون أن أدرى ؟!

أخذت قرار بيني وبين نفسي بأنه يتحتم على معرفه السبب وراء تلك المعاملة التي قوبلت بها من قبل زميلتي في الكلية، وفى اليوم التالي بحثت عنها وتوجهت إليها وسألتها: لماذا تعاملتى معي بتلك القسوة يوم أمس؟

الزميلة: لأنك لا تتعاملين معنا على الإطلاق فأنتي تتجاهلين وجودنا من الأساس، ولعل التجاهل أصعب وأقسى على الإنسان من الإساءة المباشرة.

في ذلك اليوم شعرت بأنني خسرت الكثير والكثير من الزميلات والصديقات اللاتي كان يمكن أن أفوز بصداقتهن لو كان تعاملي أكثر بساطة وتلقائية، تعلمت من تلك الواقعة أنني يجب أن أتعامل مع كل من حولي ولا أقتصر في تعاملاتي على أفراد بعينهم، وتعلمت أيضا كيف يمكنني اصطياد القلوب، وحملت في جعبتي العيد من السهام التي تمكنني من إصابة أقصى القلوب وأكثرها صلابة، ولعلك تتسائل عن طبيعة تلك السهام الفتاكة نافذة المفعول:

السهم الأول: الابتسامة،؛ فالابتسامة الصادقة لاتفتح فقط الأبواب المغلقة‏,‏ لكنها تفتح أيضا القلوب الموصدة لتترك انطباعا جيدا قد يدوم طويلا، وهي كالملح في الطعام، وهى أسرع سهم تملك به القلوب، وهى عبادة وصدقة تمنحنا أيضًا ثوابًا يضاف إلى ميزان حسناتنا كما أخبرنا بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "تَبَسُّمكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدقة" رواه الترمذي بسند حسن.

السهم الثاني: السلام؛ فإلقاء السلام من الوسائل التي تقرّب النفوس، وتزيد الألفة، وتشيع الحب والمودَّة كما علَّمنا ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "أولا أدلكمعلى شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم" رواه مسلم.

السهم الثالث: إسعاد الآخرين، فعليك أن تعلم أن جميع الناس ممن حولك يحتاجون إليك، لكن يختلف ذلك من شخص إلى آخر، فقد يحتاج أحد الأشخاص إلى التشجيع وبتشجيعك له تكون قد أسعدته، والفقير الذي يحقد عليك لأنك غنى، يمكن أن يصير صديقا لك وأن تصير قريبا من قلبه، فقط أغدق عليه من مالك فتقهر كراهيته لك، وتحل محلها حبا لك.

ومن الطبيعي أنك إذا نشرت السعادة على من حولك فانك بذلك تطفئ نار الكراهية في قلوب أعدائك، فمفتاح قلب عدوك موجود في يدك، وهذا المفتاح هو العمل على إسعاده.

السهم الرابع: الإنصات للآخرين، فقدكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هوالذي قطعه، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة، ولاتتحدَّثعننفسكبلدَعالغَيريتحدَّثونعنشخصك، فالناسلايهمُّهم إن كنتَ تنحدر من سلالة الملوك أم من سلالة الصعاليك ما دمتَ محترماً اجتماعيا.

السهم الخامس: المعاملة المناسبة، فعلى الشخص أن يأخذ في اعتباره مع من يتعامل، فلكل شخص صفات خاصة واتجاهات تختلف عن صفات واتجاهات غيره، ومن ثم فان الواجب علينا أن نقدم المعاملة المناسبة لكل إنسان نتصل به.

السهم السادس: المحبة في الله، أعلن المحبة والمودة للآخرين،
فإذاأحببت أحدا أو كانت له منزلة خاصة عندك فأخبره بذلك، فإنه سهم يصيب القلبويأسر النفسوأبقى في الألفة وأثبت في المودة، لكن بشرط أن تكون المحبة لله ليس لغرض مادي أو منصب أو شهرة أو وسامة أو جمال.


السهم السابع: تهادوا تحابوا؛ فللهدية تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب وهى أمر محمود على ألا يكلف نفسه إلا وسعها، ولهذا يوصينا النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يهادي بعضُنا بعضًا فقال: "تهادوا تحابوا".

السهم الثامن: عدم المغالاة في المدح أو الهجاء، فلا تغال في المديح أوفي الهِجاء، فقد تضطر إلى معاداة من تمتدح أو مصالحة من تهجو،ولاتذكر الغير بالسوء، لئلا يتهمك السامع باغتيابه في المستقبل، ولا تمدح شخصا بما ليس فيه لأنك بذلك تضعه في مأزق هو بغنى عنه.

السهم التاسع: عدم ارتداء ثياب الوعاظ، فتلقى نصائحك على الناس جزافا، وإن سألك أحد نصيحة فأعطه رأيك وقل له: هذا هو رأيي وقد أكون على خطأ وقد أكون على صواب.

السهم العاشر: حُسن الهندام؛ فجمال الهيئة وحسن الهندام وطيب الرائحة من الأمور التي تساعد علىكسب قلوب الآخرين؛ لأنَّ النفس بطبيعتها تميل وتنجذب إلى كلِّ جميل، وفيهذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله تعالى جميلٌ يحب الجمالويحب أن يرى أثر نعمته على عبده…" رواه ابن حبان بسند صحيح. وقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنَّه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح".