الاختلاط لغة: الأصل الثلاثي لكلمة "اختلاط" في اللغة هو "خلط"، وتعدَّدَت معاني هذه الكلمة عند أهل اللغة؛ جاء في لسان العرب لابن منظور: "اختلط فلان؛ أي: فسد عقله، ورجل خلط بيِّن الخلاطة: أحمق مخالط العقل؛ عن أبي العميثل الأعرابي، وقد خولط في عقله خلاطًا واختلط،ويُقال: خولط الرجل فهو مخالط، واختلط عقله فهو مختلط إذا تغيَّر عقله، والخلاط: مخالطة الداء الجوف، وفي حديث الوسوسة: ورجع الشيطان يلتمس الخلاط؛ أي: يخالط قلب المصلي بالوسوسة [1].
وفي القاموس المحيط: والخِلاطُ، بالكسر: اختلاط الإبل والناس والمواشي، ومخالطة الفحل الناقة، وأن يخالط الرجل في عقله، وقد خولط [2].
الاختلاط في الاصطلاح: قال ابن حجر: إن كان سوء الحفظ طارئًا على الراوي؛ إما لكبره، أو لذهاب بصره، أو لاحتراق كتبه أو عدمها، بأن كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء، فهذا هو المختلط[3].
والاختلاط يختلف عن التغيُّر، فالتغير هو ما يحصل عند مرض الموت أو المرض الحاد لأكثر الناس، وليس بقادح في الثقة؛ قال الذهبي: كل تغير يوجد في مرض الموت، فليس بقادح في الثقة، فإن غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد نحو ذلك، ويتم لهم وقت السياق وقبله أشد من ذلك؛ وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة، فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده، أو متنه، فيخالف فيه [4].
والاختلاط على أهميته إلا أن أهل العلم لم يعطوه الاهتمام المطلوب، فلا تجد فيه مصنفات كغيره من أنوع الحديث على أهميته؛ يقول ابن الصلاح في المقدمة: هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدًا أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقًا بذلك جدًّا[5].
أسباب الاختلاط[6]:
1- تقدُّم العمر: ولعله أكثرها شيوعًا؛ فالإنسان إذا تقدم به العمر تضعف ذاكرته وتشيخ، وينسى وتختلط كثيرٌ من الأمور في ذهنه، فيحدِّث بخلاف ما حدث في شبابه، إما في المتون أو الأسانيد؛ مثاله: عطاء بن السائب، اختلط في آخر عمره، وساء حفظه، وأخرج له البخاري مقرونًا مع غيره[7].
2. ذَهاب البصر: إذا كان يُحدِّث من كتبه، ولا يحفظها، وحدَّث بعد العمى من حفظه؛ مثاله: عبدالرزاق بن همام، عمي بعد المائتين فكان يُلقن فيتلقن، كما ذكره الإمام أحمد، فمن سمِع منه قبل ذهاب بصره أو من كتبه فصحيحٌ، وقد روى له الجماعة[8].
3. انعدام الكتب: إما بغرق أو حرق أو ضياع، أو غيره من الأسباب، وليس بحافظ، وحدَّث بعد ذلك من غير ضبط، كأن يحدث من كتب تلميذ من تلاميذه ضابط لما كتب عنه، ونحو ذلك؛ مثاله: أبو بكر القطيعي غرقت كتبه، فرُمي بالاختلاط، وقيل: لأنه نسخ من كتاب لم يكن سمعه [9]، وعبدالله بن لهيعة احترقت كتبه، فحدَّث من حفظه فوهم[10].
وقسم بعضهم الرواة المختلطين إلى ثلاثة أقسام[11]:
أحدها: من لم يوجب ذلك له ضعفًا أصلًا، ولم يحط من مرتبته إما لقصر مدة الاختلاط وقلته؛ كسفيان بن عيينة وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم، وإما لأنه لم يروِ شيئًا حال اختلاطه، فسلِم حديثه من الوهم؛ كجرير بن حازم، وعفان بن مسلم ونحوهما.
والثاني: من كان متكلمًا فيه قبل الاختلاط، فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه؛ كابن لهيعة، ومحمد بن جابر السحيمي، ونحوهما.
والثالث: من كان محتجًّا به، ثم اختلط أو عمر في آخر عمره، فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك، فيتوقَّف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك [12].
حكم رواية المختلط:
قال ابن الصلاح: والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يُقبَل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدرِ هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده، ثم قال: فمنهم عطاء بن السائب: اختلط في آخر عمره، فاحتجَّ أهل العلم برواية الأكابر عنه؛ مثل: سفيان الثوري، وشعبة؛ لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمِع منه آخرًا [13] .
قال ابن حجر: والحكم فيه أن ما حدَّث به قبل الاختلاط إذا تميَّز قبل، وإِذا لم يتميز توقَّف فيه، وكذا من اشتبه الأمر فيه؛ وإنما يعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه[14] .
أما روايته بعد الاختلاط فلا تقبل، إلَّا إذا اتفقت الرواية عنه مع روايات الثقات الأثبات، فتكون حالة الاختلاط عنده كخطأ الثقة؛ كسعيد بن أبي عروبة، والجريري، فيحتج بهما ولو بعد الاختلاط؛ لتقدُّم عدالتهما بالشرط السابق[15].
وقال ابن العجمي: ثم الحكم في حديث من اختلط من الثقات التفصيل، فما حدث به قبل الاختلاط فإنه يقبل، وإن حدث به فيه أو أشكل أمره، فلم يدر أأخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده، فإنه لا يقبل [16] .
وقد وصف بعض الأئمة المتقدِّمون بعض الرواة بأنهم مخلطون، فأدرجهم بعض من صنف في هذا الفن في المختلطين، وليس كذلك، فمخلط معناها سيئ الحفظ للأسانيد والمتون، ولا يأتي بها على وجهها، فحديثه مردود؛ لسوء حفظه، ولا ينبغي التفريق بين أول أمره وآخره [17].
من الكتب التي جمعت الرواة المختلطين:
1- كتاب المختلطين؛ للحافظ صلاح الدين العلائي.
2- الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط؛ لبرهان الدين الحلبي.
3- نهاية الاغتباط؛ وهو دراسة لكتاب الاغتباط بمن رمِي بالاختلاط، قام بها علاء الدين علي رضا.
4- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات؛ لمحمد بن أحمد بن محمد الخطيب ابن الكيال.
5- اختلاط الرواة الثقات؛ تأليف الدكتور عبدالجبار سعيد.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
[1] لسان العرب؛ لابن منظور (2 /294-295).
[2] القاموس المحيط (ص665).
[3] نزهة النظر (ص129).
[4] سير أعلام النبلاء (10 /254)، ترجمة عفان بن مسلم.
[5] علوم الحديث؛ لابن الصلاح (ص391).
[6] شبكة السنة النبوية وعلومها: الضعيف بسبب الطعن في الرواة (16) سوء الحفظ (2-3).
[7] صحيح البخاري (2 /205).
[8] تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (18 /56-57).
[9] الكواكب النيرات؛ لابن الكيال: (1 /92-97).
[10] شرح علل الترمذي؛ لابن رجب (1 /584)
[11] شبكة السنة النبوية وعلومها: الضعيف بسبب الطعن في الرواة (16) سوء الحفظ (2-3).
[12] المختلطين؛ للعلائي (ص3).
[13] مقدمة ابن الصلاح (ص392).
[14] نزهة النظر (ص129).
[15] ضوابط الجرح والتعديل (ص153).
[16] الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط (ص34).
[17] معجم المختلطين؛ محمد طلعت (ص5-6).
https://www.alukah.net/sharia/0/129758/