الزوج وسن الأربعين



نورة القحطاني



يتوقف الإنسان بعد كثير من الركض في مضمار الحياة ليجد نفسه على أعتاب الأربعين، هذه السن تشكل هاجسا عند كثير من الزوجات والأزواج، حيث تحس الزوجة أن هذه المرحلة تمثل منعطفا خطيرا في حياة زوجها، ويرى الكثير من الرجال أن الأربعين بداية سعادته، بينما يرى البعض الآخر أن هذه السن بداية تعاسته.


فماذا تقول الزوجات عن هذه المحطة العمرية؟ وما الذي يحدث للرجل في هذه المرحلة؟ وماذا ورد في القران الكريم بخصوص هذه السن تحديدا؟


هذه مجموعة من أقوال الزوجات عن الأزواج في سن الأربعين:


تقول أم سعيد: حينما وصل زوجي إلى سن الأربعين أصبح يكثر من الإهانات والتجريح، ويجري خلف الشباب الذي انقضى، ويتأثر بالأصدقاء بشكل كبير، أحس أن زوجي في عمى تام.


وتقول أم صالح: أصبح زوجي طفولي جداً، يريد أن يتدلل، عنده حساسية زائدة تجاه الأمور، يكثر من التفكير والجلوس منفردا، ويعتقد أنه مازال في مقتبل العمر، ويريد الاهتمام به كعريس وليس كأب.


وتقول الأخت لمياء: أصبح زوجي يحب السفر منفردا، ويكتم بعض الأسرار، منصرفا عن زوجته وأولاده.


كما تقول أم عامر: أصبحنا لا نرى زوجي إلا نادرا، حيث صار منهكا في العمل بطريقة جنونية لا يكاد ينام إلا القليل من الساعات، وقل أكله بدرجة كبيرة، إنني أخشى على صحته.


كانت هذه الأقوال لبعض الزوجات، والتي توضح شعورهن المأساوي تجاه هذه السن وعدم معرفتهن بالخصائص النفسية للرجل في هذه المرحلة.


ما الذي يحدث للزوج في هذه السن؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه المرحلة الهامة.


مثلما يتغير الإنسان جسديا فإنه يتغير على مستوى الفكر تغيرا بطيئا في مجملة، حيث يتبدل تفكيره وسلوكه بشكل تدرجي كل 10سنوات تقريبا.


وعند سن الأربعين غالبا ما يكون التغير واضحا، بل قد يشكل انقلابا هائلا، وهذا ما يجعل لسن الأربعين علامة مميزة، ومن أهم خصائص الرجل النفسية في هذا العمر هو شعوره بالقوة ومحبة التغيير والتجديد ومراجعته لنفسه بشكل دقيق، حيث ينظر للماضي والحاضر والمستقبل، يراجع انجازاته وعلاقته ووقته وصحته وكل خطوط حياته تقريبا، ومن أجل نظرة أعمق لهذه المرحلة لنتدبر معا قول الله تعالى ‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين‏}[1] *


بدأت هذه الآية بالتوصية بالوالدين، حيث نرى أثر التربية الصالحة ودورها في الإعداد لمرحلة الأشد التي هي مرحلة النضج واكتمال القدرات والخبرات، مرحلة العطاء والإنجاز والقوة.


وهذه الآية تعالج كثيرا من الأزمات التي يقع فيها الرجال في هذه المرحلة المهمة من أعمارهم.


فالبعض يعتقد أن عمر الأربعين هو بداية الضعف والخور، وبداية النهاية، فيعيش شعورا نفسيا مريرا، وقد يسبب له هذا الشعور كثيرا من المشكلات الصحية والنفسية، وهذه الآية تبين للناس أن هذه المرحلة هي مرحلة الأشد للإنسان، وهو بلوغ نهاية قوته وشبابه وكمال عقله كما ورد في تفسير هذه الآية في كتاب تيسير الكريم المنان للشيخ السعدي -رحمه الله-.


وأغلب الرجال حينما يصل إلى هذه المرحلة فإنه يجري مراجعة شاملة لحياته السابقة، وهذا أمر طبيعي ومفيد، إلا إذا تحول الإنسان إلى أسير للماضي -وهذا ما يحدث لبعض من الناس- حيث يدخل في دوامة من الانطواء أو الاكتئاب لأنه وصل إلى هذه السن وهو لا يملك شيئا، أو ربما أن أصحابة أصبحوا من أهل المكانة مع أنه أفضل منهم ورغم ذلك هو لم ينجز شيئا يذكر، وأن شبابه ضاع -كما يعتقد- بدون فائدة.


وإذا تأمل العبد في قولة تعالى {قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي}


فإن النظر إلى الماضي سيكون نظرا إيجابيا، حيث يتذكر نعم الله عليه وعلى والديه فلا يقع أسيرا للسلبيات، فمهما كان ماضيه قاتما فإن فيه بالتأكيد الكثير من الجوانب المشرقة..


عند التعامل مع الماضي على طريقة شكر النعمة -وهي الإيجابيات التي في حياة الإنسان مع الاستغفار عن الأخطاء الماضية- سيكون الإنسان -بحول الله و قوته- أكثر تفاؤلا، وبالتالي أكثر صحة نفسية، وأكثر بعدا عن أمراض العصر من قلق واكتئاب، فلن يستفيد الإنسان شيئا إذا ظل يغرق في الماضي سوى أن يفقد صحته وأن يعيقه ذلك الماضي عن التعامل مع الحاضر والمستقبل.


ومن المشكلات التي قد يتعرض لها الرجل في سن الأربعين أن يكون أسيرا للحاضر، حيث تصيب هذه الحالة الكثير من الرجال، فبعد أن يتأمل في ماضيه فإنه ربما يجد نفسه قد أنفق الكثير من وقته وجهده وصحته في سبيل أسرته، ويجد أنه قد أصبح لديه الكثير من المال والإنجازات، ويجد لديه كثيرا من القوة والقدرة فيقول لنفسه: ينبغي أن أغتنم ما بقي من شبابي، فيركز على ذاته ويدور حولها فينغمس في الملذات، وقد يهمل زوجته وأسرته، وقد ينغمس -والعياذ بالله- في المحرمات إذا كان ضعيف الإيمان، أو قد يبدأ بتكوين أسرة جديدة إذا كان يخاف الله، وغالبا ما تكون الأسرة الثانية على حساب الأسرة الأولى.


مع أن كثيرا من الأزواج يستطيع أن يستثمر ذلك العمر العظيم (سن الأربعين) استثمارا ايجابيا ليعود عليه وعلى أسرته وأمته بالنفع والفائدة،


حيث وجه القرآن الكريم الإنسان في هذا العمر إلى التعامل الأمثل مع الحاضر، حيث قال تعالى: {وأن أعمل صالحا ترضاه} فيهتم بعمل الصالحات والزيادة في الطاعات.


وقد يستطيع بقليل من الحكمة والرفق والتعقل والحب أن يجدد حياته الأسرية مع زوجته، حيث ينقل لها بأسلوب جميل أهم احتياجاته النفسية والجسدية في هذه السن، فيسعد نفسه وأسرته.


ويستطيع الرجل في هذه العمر أن يغتنم الوقت بالعطاء الثقافي والإيماني والدعوي؛ لأنه وصل إلى مرحلة اكتمال الخبرات، فيجعل اغتنام الحاضر هو السعي نحو البناء الحقيقي، بناء الآخرة من خلال عمارة الدنيا، فيشعر بسعادة غامرة لأنه أفاد بخبرته الآخرين، وزاد إيمانه من خلال الأعمال الصالحة، ومن حفظ القران الكريم أو بعضا منه، أو قيام الليل أو الصيام لبعض أيام الشهر، وزيادة سعادته الأسرية من خلال إقباله على زوجته واهتمامه بها مما ينعكس إيجابا على نفسيتها ويجعلها تتفانى في إسعاده، فيتحقق حبه للتجديد والتغيير بأسلوب عملي بناء.


ومما يشكل هاجساً لبعض من وصل إلى الأربعين التفكير في أبنائهم، وبالذات إذا كانوا لم يؤمنوا مستقبلهم، فإذا وصل الرجل إلى سن الأربعين وهو بهذه الحالة فهو في أحد أمرين –غالبا-: إما أن ينطوي على نفسه لشعوره المرير بالعجز مع شعوره بتقدم عمره حيث يصاب بالاكتئاب، أو يؤدي به هذا الشعور إلى الانهماك الشديد في العمل الذي قد يصل للإنهاك لاستدراك ما بقي من العمر، وهذا الأمر قد يشكل خطرا على صحته دون أن ينتبه.


وفي القرآن الكريم نجد أن الدعاء بصلاح الذرية هو خير ما يحفظ به الله مستقبل الأبناء، ويدعو الآباء إلى الطمأنينة، لأن المستقبل بيد الله عز وجل وهو الرزاق ذو القوة المتين، والإسلام يحث على التفكير في مستقبل الأبناء المالي والتخطيط له ولكن المنهي عنه أن يصبح هذا التفكير سببا في كثير من الأمراض النفسية أو الجسدية مما يجعل صاحبة أسيرا للمستقبل.


وهكذا نجد أن هذه الآية ‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }*

قد رتبت حياة الإنسان في هذه المرحلة العمرية الهامة من حياته، وبذلك يحيى في سعادة وهناء مهما كانت أوضاعه الماضية أو الحاضرة، وسيكون غير قلق على المستقبل وهذا كمال السعادة الذي تتطلع إليه البشرية.


وهذه بعض الهمسات للزوجة لتتعامل مع متغيرات سن الأربعين عند زوجها:


1- احترام الزوج وتقديره ركيزة أساسية لعلاقة متينة.

2- من المهم أن تستوعب الزوجة التغير الذي يمر به الزوج وتتقبله.

3- إن امتداح الزوج والثناء على اهتمامه بنفسه من العوامل المهمة لكسب الزوج وإشباع احتياجاته النفسية.

4- معاملة الزوج كعريس يجعل البيت هو سكن الزوج ومصدر استقراره.

5- استثمار رغبة الزوج في هذه المرحلة في التغيير والتجديد في إضافة لمسات جمالية على المنزل وخصوصا غرفة النوم.

6- تعميق العلاقة بين الزوج والأبناء من خلال الرجوع الدائم للأب وتكوين تقدير خاص له عند أبنائه يساعد على حسن اهتمامه بالأسرة عند سن الأربعين.


7- كثير من الأزواج يصبح زوجا مثاليا إذا استطاعت الزوجة تفهمه بشكل صحيح

في هذه المرحلة العمرية.
وأخيرا، ليكن من دعائنا دائما: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين".