الطموح بين الإفراط والتفريط



هدى محمد نبيه





كم من مرَّةٍ أحسستِ فيها بالضجر والملل من حياتكِ أو من وظيفتكِ؟ كم مرة حلمتِ وتمنيتِ وضعاً أفضل من الوضع الذي أنتِ عليه؟

يلعبُ الطموح دوراً هامًّا في حياتنا؛ فهو وقودنا في هذه الحياة، يدفعنا دائماً للسعي وراء النجاح، ولو فقدناه لعجزنا عن الاستمرار في الحياة، فالطموح صفةٌ للأحياء فقط، أما الموتى فلا طموح لهم.

والطموح في حياتنا نوعان:


1- الطموح الدنيوي: وهو الذي يجعلنا في سعي دائمٍ للوصول إلى أعلى الإمكانيات المادية، والتطلُّع الدائم لتغيير الواقع المادي الذي نعيش فيه، فمن لديه منزلٌ صغيرٌ يسعى لامتلاك آخر أكبر، ومن لا يمتلك سيارةً يسعى لامتلاك واحدة، وهذا هو الطموح المادي، أي: هو السعي وراء الترقِّي لما هو أعلى.


2- الطموح الأخروي: وهو على النقيض من الدنيوي تماماً، وفيه يسعى أصحاب هذا الطموح إلى أنْ يكونوا من السابقين، أو أصحاب اليمين الفائزين بالجنة ونعيمها، وليسوا من المتسابقين على مجدِ الدنيا الزائل من أموالٍ ومراكزَ اجتماعيةٍ، فهم يَحيون حياةً بسيطةً مليئةً بالتقشُّف خاليةً من الترف.


عزيزي القارئ! إلى أيٍّ من الفريقين تنتمي؟ هل إلى الطموح الدنيوي بآماله وطموحاته المادية؟ أم إلى الطموح الأخروي بسعيه لرضا الله ودخول الجنة؟

** أصحاب الطموح الدنيوي فقط يكونون دائماً في عجلةٍ؛ لكي يحقِّقوا أحلامهم دون تَرَوٍّ أو تُؤَدَةٍ أو دراسة متأنِّيةٍ، والتؤدة في كل شيء خير، فإنَّ العجلة من الشيطان في تحقيق الطموح الدنيوي؛ لأنَّه قد يدفع المرء إلى قبول سلوكياتٍ معوجةٍ وتبني أخلاقياتٍ رديئةٍ، أو مصادقة الأفَّاقين والمنتفعين، والتعاون مع الفُجَّار، بل ربما يصير المرء واحداً منهم.


** أما أصحاب الطموح الأخروي فقط -وهم اللذين لا يهتمون بالدنيا بما فيها من مُتَعٍ أحلَّها الله- فقد يقومون بالتبرُّع والتصدُّق بأموالهم كلها، وترك أهليهم وورثتهم فقراء يتكفَّفون الناس.


** وهناك من يجمع بين الطموح الدنيوي والأخروي، فلا إفراط ولا تفريط بين كلاً من الطموحين، فالإسلام لا يُحَرِّمُ الطموح, ولكنه يجعله ضمن إطار؛ حتى لا يُصبح أمنية يتمنَّاها المرء، ثمَّ يُصبح حسرة يتحسَّر عليها, فالمسلم الحقيقي أعلى الناس همَّةً وعزيمةً وطموحاً وتفاؤلاً وأملاً بالله عز وجل.


ومن هنا يتبادر إلى ذهننا سؤال.. هل كان أجدادنا المسلمون الأوائل طموحين؟؟

لقد تعلَّم المسلمون الأوائل فنَّ الطموح وأصوله وقواعده وبمن يقتدوا، فقد كان الجيل الأول رائعاً في أمانيِّه.. في طموحه.. في إيمانه.. في صبره.. في فرحه.. في ترحه.. كان يحبُّ أن يأكل مما عملته يداه، ويلبس مما صنعته يداه، ويُعالج على أيدي أطباء مسلمين مهرة، ويُداوى بدواء اكتشفه مسلمون نابغون، فما كان لديهم كان حصاد علمهم ونبوغهم، كان لديهم الفقيه والعالم والكيميائي والأديب وصانع الأسلحة والمجاهد في سبيل الله والمهندس... إلخ.

كان جيل الأوائل يُسمَّى بحقٍّ جيل العمالقة، الذين غيَّروا أنفسهم أولاً؛ فغيَّر الله حالهم ثانياً، من فقر إلى غنى، ومن ضيق إلى سعة، ومن تبعيَّة إلى سيادة ومجدٍ وسؤددٍ، ومِنْ تَخَلُّفٍ وجهلٍ إلى علم وتقدُّم ليس له نظير، أما جيل المسلمين الأواخر فيسمَّى بحقٍّ جيل الأقزام، إلا من رحمه الله وعصمه، فهو جيلٌ حالمٌ يريد البعض منه أنْ يكون عظيماً بلا مشقَّةٍ ولا جهدٍ ولا بذلٍ أو عطاءٍ، جيلٌ عجز عن أنْ يكتشف نفسه، أو يدرك ما حوله، وللأسف الشديد يظنُّ البعض من أبنائنا الشباب ذوي الطموح الدنيوي فقط أنَّ الحضارة هي التحدُّث بلغاتٍ أجنبية، أو سكنى القصور وركوب أحدث السيارات، ولم يفكروا كما فكَّر أجدادهم، ولم يطمحوا طموحهم، ولقد طمحت هند بنت عتبة كما تطمح كل أمٍ عاقلة أن ترى ابنها معاوية ملكاً عظيماً يُشار له بالبنان؛ فَسَلَّحَتْ ابنها بالإرادة، وغَذَّتْهُ بالعزيمة، ونصحته بألا يُخالف قائده، فما كانت النتيجة إلا أنْ أصبح معاوية أميراً على الشام، ثم أميراً للمؤمنين، هذا هو مثالٌ واحدٌ يُبيِّن لنا كيف كان المسلمون الأوائل يحقِّقون طموحهم، فأين نحن من هؤلاء العمالقة؟

لماذا نعلِّق دائماً فشلنا على ضعف الإمكانيات وفساد الحكومات؟ فهل كان لأيٍّ من هؤلاء العلماء الذين نسمع عنهم في التلفاز ونقرأ عن اكتشافاتهم أرصدة في البنوك تعزِّزهم، أو حكومات تقف إلى جوارهم؟ بالطبع لا.. فلقد تحلَّوا بالصبر والمثابرة، تحدَّوا الصعاب لكي يحقِّقوا ما يطمحون إليه، لماذا لا نكون مثلهم؟!!

فلنأخذ الخطوة الأولى ونتوكل على خالقنا، لا أن نتواكل عليه، فتعالوا معي نرى بعض الخطوات التي تضعنا على طريق النجاح.


** خطواتٌ هامةٌ على طريق الطموح.. طريق النجاح:


1- الإيمان بالله والتوكل عليه سبحانه وتعالى، فالإيمان بالله أساس كل نجاح، وهو النور الذي يُضيء لصاحبه.
الطريق -وهو المعيار الحقيقي لاختيار النجاح الحقيقي- الإيمان، يمنحك القوة، وهو البداية ونقطة الانطلاق، والوقود الذي يدفعك نحو النجاح.


2- أن يكون الحافز وراء الطموح الخيِّر لا غيره، فالإنسان يولد على الفطرة، والنفس قد ألهمها الخالق جل وعلا فجورها وتقواها، فالإنسان الذي يروِّض نفسه على التقوى؛ تتوجَّه رسالته نحو الخير، أما من روَّضها على الفجور؛ فرسالته سيوجِّهها نحو الشر، كما أنَّه بإمكانه أنْ يغيِّر رسالته نحو الخير متى أدرك خطأه، مصداقاً لقوله عز وجل: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ((الأنفال: 53))، ومن هذا الباب نستنتج أنَّ الهمة والطموح تكون في الخير فتسمو بصاحبها، وتكون في الشر فينحطُّ صاحبها.


3- 3- حدِّد أهدافك بدقَّة.. خذ ورقةً وقلماً واجلس في مكانٍ هادئٍ، وابدأ في كتابةِ كلِّ أحلامك وطموحاتك، ضعْ كل المعوقات جانباً؛ حتى تستطيع التفكير بحرية، خذ ورقة أخرى واكتب بها نقاطَ قوَّتك وكذلك نقاط ضعفك بكل صراحة، وَصِلْ بينهم وابدأ في تحديد هدفك ما بين نقاط قوتك ونقاط ضعفك، بناءً على الأحلام التي تُريد تحقيقها، حَوِّلِ الهدف الذي توصَّلت إليه إلى أهداف مرحليَّةٍ، وبذلك تكون قد وضعت خطَّةً كاملةً لتحقيق الهدف.


4- 4- يجب أنْ تتوقَّف عن اختلاق المعاذير مهما كانت قوية، فالمعاذير تقتل الطموح، والإنسان ضعيف الطموح.. ضعيف الهمة.. هابط العزيمة.. خائر القوى لا يخوض أيَّ تجربةٍ، ولا ترقى همته إلى الطموح، ولا تتوق نفسه إلى معالي الأمور، وإذا ما اعترض له في حياته تحدٍّ؛ فإنه يرضى ويسلم به، بل ربما يفتخر بذلك، ويلمز أهل الطموح والشموخ بالجنون، فضعيف الطموح ضعيف التحدي يرى في نفسه أنَّه المبتلى، ولا أحد يماثله مما يأتيه من التحدِّيات.

5- 5- عليك أن تتناسى الماضي وما اقترفته من أخطاءٍ فيه.. وتذكَّر فقط الدروس والعبر، وقمْ بتحليل أسبابِ فشلكَ لتتوصَّل لمعرفة الصواب؛ ليكون لكَ أساساً في تخطيطك للمستقبل، ولا تترك محاولةً فاشلةً تُصيبك بالإحباط، بل استغلَّ هذه التجربة لتكون مَعْبَراً لك نحو النجاح، فلم ينجح أحدٌ دون أنْ يتعلَّم، والوحيد الذي لا يفشل هو من لا يعمل، وما الفشل إلا هزيمة مؤقَّتةٌ تخلق لكَ فُرَصَ النجاح.

6- 6- عليك أنْ تستحثَّ الهمة والعزيمة على الفوز والنجاح، وأنْ تُثيرَ في أعماقك الطموح الصادق لذلك، هل سألت نفسك يوماً عن مقدار ما بذلته من وقتك وجهدك ومالك في تسهيل وتذليل الصعوبات لتحقيق طموحك؟ هل تعبت وتعبت لتحقيق حلمك وأملك الذي تسعى إليه؟ الطموح والأمل الجميل الغالي العزيز الرفيع يحتاج إلى تضحياتٍ، وإلى صبرٍ ومثابرةٍ، وإلى صمودٍ أمام التحدي؛ لكي تصل إلى حلمك المنشود.
7- اختيار الأصدقاء الطموحين الذين يعملون على تشجيعك وزيادة طموحك.



إنَّ حياتنا مليئة بالدنايا والكرامات، والإنسان يعيش في هذه تائها بين دهاليزها وخائضاً بُحُوْرِهَا المالحة أحياناً، والعذبةِ أحياناً أخرى.

ونحن في دوَّامة الحياة نرى أناساً يعيشون حياتهم ويسيرون في دروبهم متخبِّطين دون هدفٍ ولا طموحٍ يَصْبُونَ إليه إلا الأهداف الدنيوية: الوظيفة.. المال.. العيش فقط!!
ومن الناس من يعيش حياةً ذات معنى وهدف، مُحَدِّداً طموحاته وأمنياته بكل دقة، راسماً خطةً كاملةَ المعايير.. سليمة الأوصاف.. واضحة المغزى والمعنى.. جلية المراد، ويملأ حياته بأمور دنياه ودينه، بدروب ترسمها آفاقه ويده، فهؤلاء هم نخبة البشر وصفوة الخلائق، وبهم تسير عجلات الحياة بكلِّ سلاسةٍ وبدون ميول، فما رأيك أنْ تبدأ من اليوم بأن تكون واحداً من هؤلاء الصفوة الذين تنهض بهم الأمم؟