قطيشات:التفكير دليلنا العملي لحياة أفضل(1-2)


خلود إسماعيل معطي


كثيراً ما نردد عبارات يومية مثل:"دعني أفكر في الأمر، الأمر لا يحتاج تفكيراً، أفكاري كثيرة ولا أعلم ماذا أفعل..."
كم من المرات استوقفتنا تلك العبارات لنفكر في ماهية التفكير وما الذي يدفع بحياتنا لتقوم في مجملها على سلسلة من العمليات التفكيرية المعقدة فنحن نفكر حين نأكل وعندما نخرج في نزهة وحتى عندما نغط في نوم عميق يبقى عقلنا يربط أفكاره ويحللها ويطوف بنا في عالم بعيد..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الآلية الفعالة والسليمة للتفكير؟ وكيف يمكننا الحصول على تفكير سليم يمكننا من تجاوز التحديات وصنع القرارات السليمة لتحقيق النجاح في حياتنا بإذن الله، وما أبرز نقاط القصور والضعف في آليات التفكير السائدة، وهل التفكير مهارة يمكن تعلمها؟ أم أنه هبة فطرية وآلية تتم بشكل تلقائي عند الحاجة..
يقول الدكتور إدوارد ديبونو:" يمكننا تعلم مهارات التفكير وطرائقه مهما كان مستوى ذكائنا، لأن الذكاء قدرة كامنة تحتاج إلى مهارات التفكير للاستفادة منها، فالأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عال من الذكاء يمكن أن ينخفض مستوى ذكاؤهم إذا لم يتعلموا هذه المهارات، وبالمقابل تعلم الأشخاص منخفضي الذكاء لهذه المهارات يساعدهم على استغلال الذكاء المتاح أفضل استغلال"
وتنبثق أهمية تعلم مهارات التفكير من أنها تعلم طرائق التفكير الأفضل، فممارسة التفكير طويلاً بدون تعلم هذه الطرائق لا يؤدي إلى تحسين التفكير، كما أن مهارات التفكير تعلم الإدراك وليس المنطق، وأهم عوامل التفكير، لأن الإدراك يشكل الطريقة التي نرى بها الأشياء بغض النظر عن مدى جودة حكمنا المنطقي عليها، فليس المهم فقط أن نحكم على موقف ما بأنه صائب أو لا، وإنما لا بد من إدراك شامل للجوانب المتعلقة بهذا الموقف أو القضية المطروحة.
وحتى نحصل على المزيد من المعلومات عن مهارة التفكير، التقينا الأستاذ محمد قطيشات المدرب المعتمد من مركز إدوارد ديبونو في مهارات التفكير وقبعات التفكير الست، وطرحنا عليه الأسئلة الآتية:

ماذا يعني التفكير؟
عملية التفكير عند الإنسان من المواضيع التي شغلت اهتمام الناس كثيراً منذ زمن بعيد، ولا تزال تشغل العلماء في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية (الذكاء الاصطناعي) والإنسان الآلي الذي يتلقى أوامر البرمجة فقط ولا يستطيع التفكير مطلقاً، وقد اختلف فهم الناس للتفكير وفقاً للتطور الحاصل في كل فترة زمنية، إلا أن هناك معنى عام له، بأنه عملية ذهنية يمارسها الإنسان لتوظيف القدرات العقلية والطاقات والذكاءات المتعددة الموجودة لديه والتعامل معها باستخدام مهارات التفكير التي تساعد الإنسان على التفكير بطريقة أفضل من أجل تحقيق غرض ما.

كيف اُكتشف أن التفكير مهارة يمكن تعلمها وتطويرها؟
هذا الاكتشاف ليس حديثاً، فقد كان له بذور في الزمن القديم، منذ عهد أرسطو وأفلاطون، حيث كان أرسطو يطور مهارة التفكير عند تلاميذهِ باستخدام أسلوب توليد الأفكار من خلال الإجابة عن السؤال بسؤال آخر، وفي تراثنا أيضاً نجد أن علماء أصول الفِقه وضعوا مناهج لتطوير مهارات التفكير، كالاستدلال والاستنباط وغيرها، وفي القرن العشرين، طرأ تطور كبير في هذا المجال، فعالم النفس "سكنر" صاحب الاتجاه السلوكي في علم النفس تحدث عن مهارات التفكير، وتحدث "بلوم"أحد علماء النفس عن مهارات التفكير العليا وصنفها،كمهارات التركيب والتحليل والتقويم.
والجديد ما قدمَهُ أحد أهم رواد تعليم مهارات التفكير في العصر الحديث وهو الدكتور إدوارد ديبونو الحاصل على الدكتوراة في علم النفس وجراحة الدماغ من جامعة كامبريدج التي أسس فيها مركزاً لتعليم التفكير سماه مؤسسة البحث المعرفي، ومن هذا المركز أطلق برنامج ((الكورت))"Cort"لتعل يم التفكير الذي يعدّ الأهم من نوعه في العالم والأكثر انتشارا، ويتكون من ستة أجزاء، وفي كل جزء يتم تعليم عشر مهارات (أدوات ودروس)، وكل جزء يحمل اسماً وهدفاً يجب تحقيقه خلال الدروس، ويتناول مُعظم أنواع التفكير.
وفيما بعد أطلق الدكتور ديبونو عدة برامج مُطورة عن الكورت منها، قبعات التفكير الست في القيادة، والأحذية الست في مجال الأعمال، وتحدث كذلك عن تأثير طريقة التفكير بشكل مباشر على الصراعات بين الأمم والشعوب، وهذا يعني أن أعمال الدكتور ديبونو وبرامجه تستخدم في كل مجالات الحياة سواء في التعليم أو الأسرة أو الأعمال.

لماذا برامج "ديبونو" هي الأكثر شيوعاً واستخداماً مقارنة ببرامج التفكير الأخرى والتي قدمها غيره من العلماء؟
لاقت برامجه الانتشار الواسع لأنها تمتاز بأنها شاملة وبسيطة وسهلة الاستخدام من قبل كل الفئات العُمرية والشرائح الخبيرة وغير الخبيرة بهذا المجال، حيث طُبقت في أكثر من ثلاثين دولة على مستوى العالم، وكانت البداية في أمريكا، وبريطانيا، وفنزويلا، وأوروبا عموماً، وماليزيا، وأستراليا، وقد استفاد من برنامجه لتعليم التفكير أكثر من عشرة ملايين طالب، أما في مجال الأعمال فكثير من الشركات العالمية الكبرى، كشركة مايكروسوفت-IBM-، وجنرال موتورز وغيرها استفادت من أعماله وبرامجه، حيث استُدعيَ مستشاراً لتدريب الإدارات العليا في هذه الشركات على التفكير الإبداعي، وبالإضافة إلى ذلك، تبنت دول كثيرة برامج ديبونو، وكان آخرها الصين، التي أقامت معه مشروع المليون مدرسة، بهدف تطبيق برنامج الكورت على هذه المدارس. ولهذا انتشرت هذه البرامج عالمياً....

ماذا عن تطبيق هذه البرامج في الدول العربية؟
الإمارات العربية هي أول دولة أخذت اعتمادا من الدكتور ديبونو لتعليم التفكير وفق برنامج الكورت، وأنشيء مركز إدراك لتعليم التفكير وتطوير المواهب في أبو ظبي، وأيضاً من الدول العربية التي دُربت فيها هذه البرامج: الأردن ومصر والسعودية وسورية ولبنان....

من الذي يتبنى تطبيق هذه البرامج عادةً في الدول العربية الحكومة أم المؤسسات التعليمية الخاصة؟
في دولة الإمارات العربية، تطبق برنامج تعليم التفكير لديبونو في المدارس الحكومية النموذجية، وبعض المدارس الخاصة ، حيث يأخذ الطالب حِصة دراسية في الأسبوع اسمها مادة(الكورت) وهي مادة مُستقلة، وقد طبق هذا البرنامج في السعودية وعلى نطاق واسع، في بعض المدارس الحكومية التي تضم الموهوبين، وأما في الدول الأخرى، فما زالت التجربة بسيطة ومحدودة جداً في بعض مراكز التعليم الخاصة، مع العلم أن برنامج (الكورت) يُمكن تطبيقه على كل الفئات، وحتى الطلاب ضِعاف التحصيل، فهو يناسب جميع الأعمار والمستويات الفكرية والعلمية، ويمكن لأي مدرسة أو معلِّم تطبيق هذا البرنامج لأنه منهاج جاهز وسهل الاستخدام ولا يحتاج إلا إلى التدرّب على طريقة تطبيقه.
ونحن نأمل ونتمنى أن تتبنى الحكومات في كل الدول العربية تعليم مهارات التفكير وتطبيقها في المدارس الحكومية كلها، لأن ذلك سيطور عقل المُتعلم والمُعلم ويقود إلى تطور مجتمعي هام.
إن هذا البرنامج يساعد على الخروج من الإطار التقليدي للتعليم السائد، القائم على الحفظ والتلقين، ويجعل الطالب قادراً على توظيف المعلومة التي يتلقاها بشكل عملي في المستقبل....
ولمعرفة المزيد عن برامج مهارات التفكير وماذا تتضمن نتابع حوارنا مع الأستاذ محمد قطيشات المتخصص في تدريب مهارات التفكير...