كوني الأسمى



عبير النحاس



مما يعرفه الجميع , أن الأم المثالية , هي التي تشرف على رعاية أطفالها بنفسها , فتقوم بتربيتهم التربية الصالحة , و تعوّدهم العادات اللّائقة , و تتابع دروسهم , و تتعرّف على أصدقائهم و عائلاتهم , و تدْعوهم لزيارتها في منزلها , و تتعاون مع إدارات المدارس التي يذهبون إليها , و تجد الوقت الكافي للجلوس معهم و بناء علاقات صداقة متينة تجمعها بهم , وتقوم بإعداد الوجبات المغذية الصحيّة و تقدمها لهم على مفرش جميل , و ربما تزين المائدة ببعض الزهور , أو تختار تلك الأطباق البارعة , لتشيع أجواء حميمة على اللقاءات الأسرية .

بالإضافة إلى حفاظها اليومي على نظافة منزلها , و مطبخها , و العناية بالأركان الداخلية , كالخزائن , و الأدراج , و أماكن التخزين , و تعْهَدها بالتنظيف , و الترتيب الدائمين .

ثم تقوم بغسل الملابس , و تقطيبها , و كيها , و ترتيبها في أماكنها في الوقت المناسب.

و تحافظ أيضا على موارد الأسرة المالية , فتقوم بشراء كميات كبيرة من الأطعمة في مواسمها , حين تكون رخيصة الثمن , و تقوم بإعدادها , و تجفيفها , أو حفظها في الثلاجة , لتستخدمها في أوقات ندرتها , و ارتفاع أثمانها , و شراء الملابس الضرورية في أوقات التخفيضات , و الحصول على أفضل العروض , و توفير مبالغ تدخرها للحالات الطارئة , و أوقات الأزمات .

ومن ثم تعتني بأناقتها , و رشاقتها , و جاذبيتها , لتحافظ على زوجها , و تتحلى بالأخلاق الحميدة , و الصفات الراقية , و تشيع جوا من الهدوء الساحر في منزلها لتكون عونا له على التقدم , و النجاح في عمله .

و تؤدي واجباتها الاجتماعية نحو أهله , و أهلها , و أصدقائهما , و الجيران على أكمل وجه , و تكون مثالية في عملها , و تنمي مهاراتها في استخدام الأجهزة الإلكترونية المتطورة , و تجعل لها علاقة جميلة بشبكة الانترنت , فتزيد من مستوى الثقافة لديها , و تواكب ثورة الاتصالات كي لا تتخلف عن الركب.

هل شعرت بالصداع , بعد قراءتك لهذه الحقيقة التي باتت تصرخ هنا بوضوح ؟

هل أصابك اليأس و الإحباط لأنك لن تستطيعي أن تكوني مثل هذه الأم يوما ؟

هذا ما كان ينتابني أيضا , عندما كنت أفكر في حجم كل تلك الأعمال الملقاة على كاهلي كأنثى, أضيفي إليها ولعي بالقراءة , و كتابة القصص , و المقالات ,و الرسم , و ممارستي الفعلية لهذه الهوايات كمهنة , بجانب مهنتي في تدريس الرسم .

و قد وجدت الحل المناسب منذ مدة , و أرغب حقا في مشاركتك إياه , لأنني أدرك ما معنى أن أكون أنثى , و أماً , و امرأة عاملةً , و فنانةً أيضا .

هي الشفقة إذن ؟

ربما كان هذا ما نستحقه فعلا , لولا قدرتي على مواجهة كل تلك الضغوط , بطريقة تحتوي على مرحلتين :

التخطيط أولا

و التخطيط ثانيا

فقد كنت أحمل دائما قائمتين لا واحدة

الأولى أدون فيها تلك المهام المطلوبة , و موعد إنجازها .

و الثانية ترتيب دقيق لكل ساعة من ساعات النهار , و الليل , ثم أقوم بوضعها في مكان قريب من متناول بصري .

لا تنسي أن أمورا كثيرة ستضطرين للاستغناء عنها عند اختيار الأولويات .

فلن تجدي الوقت الكافي لتناول القهوة الصباحية مع الجيران , و لن تجدي الكثير من الوقت لمتابعة كل تلك البرامج , و المسلسلات , التي تلقين وقتك في صناديقها يوميا , و كذلك ستكونين مضطرة لإلغاء الأحاديث الهاتفية الطويلة , و التي تجلب لك أخبار سكان المدينة جميعا و بعض النكد و النميمة .

ستهملين بعضا من واجباتك أحيانا دون شك لأن هناك ما هو أهم , و لا مشكلة في ذلك طالما أن المهام مكتوبة , و تعرفينها جيدا .

فاختيار الأولويات , و القيام بالمهم من الأعمال , سيرفعك إلى مصاف النجوم في انجازاتك , و لكنه قد يسلبك متعة تضييع الأوقات , و الاجتماع بمن لا فائدة من لقائهم .

و لكنك لن تندمي أبدا , أثق بهذا .


كوني بخير