التصرف على الرعية منوط بالمصلحة
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيـار
الاستخلاف في الصلاة
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل لعباده الكتب وأرسل إليهم الرسل وشرع لهم الشرائع رحمة بهم وتفضلا عليهم وصدق ربنا جل وعلا} : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون {[1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله على حين فترة من الرسل صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً، وبعد:
فإن من القواعد العامة التي قررتها شريعتنا الإسلامية "أن التصرف على الرعية منوط بالمصلحة" بمعنى أن الإمام وكل من ولي أمرا من أمور المسلمين يجب أن يكون مبنيا ومقصودا به المصلحة العامة و إلا فليس بنافذ ولا صحيح شرعا.
فهذه فائدة عظيمة تضبط تصرفات كل من ولي شيئا من أمور عامة من إمام وأمير وقاض وموظف ومدرس وغيرهم ممن كلف بعمل من الأعمال فيها مصلحة عامة للمسلمين، وتفيد أيضا أن أعمال هؤلاء وأمثالهم لكي تكون ملزمة يجب أن تكون مبنية على مصلحة الجماعة وأن الولاة وعموم الموظفين ممن ذكرناهم آنفاًًًًًًًً وغيرهم ليسوا عمالا لأنفسهم إنما وكلاء على الأمة في القيام بشؤونها فعليهم أن يراعوا خير التدابير لصلاح الرعية.
ولما كانت الإمامة في الصلاة جزءا يندرج تحت هذه الفائدة العظيمة كان ولا بد على كل إمام أن يراعي ما فيه مصلحة المأمومين مراعاة لحق الصلاة وحق من قام بها من أفرادها.
وإن مما لا شك فيه أنه قد يحصل لإمام من الأئمة في الصلاة أمور خارجية ليست بمحض اختياره وإرادته كأن يتذكر أنه على غير وضوء أو أن يحدث في أثنائها مما يوجب عليه الانصراف منها للوضوء، أو يصاب برعاف في صلاته أو مرض في أثنائها وغيرها من الأعذار التي تطرأ على الإمام ولذا شرع للإمام عند حصول ذلك أن يستخلف من يكمل بالمأمومين صلاتهم.
ولما كان الاستخلاف في الصلاة منزلته عظيمة جعلت هذه الرسالة لبيان هذا الحكم وقد وضعتها على ثلاثة مباحث:
· المبحث الأول: في تعريف الاستخلاف وحكمه وكيفيته
الاستخلاف في الأذان والإقامة – الاستخلاف في صلاة الجماعة – الاستخلاف في خطبة الجمعة وصلاتها – الاستخلاف في صلاة الخسوف والعيدين والاستسقاء وغيرها مما تشرع له الجماعة.
· المبحث الثاني: فيمن تصح إمامته
وتناولت فيه إمامة الفاسق – استخلاف اللقيط – استخلاف العاجز والأمي والأعمى ومن يجنُّ أحياناً ومن به سلس بول والمسبل والمرأة والأخرس والأصم والمتهم وهناك آخرون ممن تعرضنا لصحة استخلافهم في الصلاة.
· المبحث الثالث: في مسائل هامة في موضوع الاستخلاف
ومن أبرز هذه المسائل:مسألة إذا خرج الإمام ولم يستخلف أحداً – مسألة من الأحق بالاستخلاف هل هو الإمام أم المأموم – مسألة استخلاف من يترك بعض السنن – مسألة فيما إذا ذكر الإمام أنه على غير وضوء – مسألة إذا أحدث الإمام ثم قدم مسبوقا.
وهناك مسائل عديدة أخرى مفيدة في هذه الرسالة، أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يجعل أعمالنا حجة لنا لا علينا إنه سميع قريب.
كتبه
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الزلفي
ص.ب. 188 11932
· المبحث الأول: في تعريف الاستخلاف وحكمه وكيفيته
أولا: تعريف الاستخلاف:
في اللغة :
مصدر استخلف فلان فلاناً إذا جعله خليفة. ويقال : خلّف فلان فلاناً على أهله وماله صار خليفة وخَلفتُه أي جئت بعده.. فخليفة بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول[2]
في الاصطلاح:
لا يخرج معنى الاستخلاف في اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللغوي ولذا قالوا في تعريفه اصطلاحاً: الاستخلاف: جعل الشخص غيره مكانه في عمل يجوز فيه.
وبتعريف أوضح : هو استنابة الإنسان غيره لإتمام عمله، ومنه استخلاف الإمام غيره من المأمومين لتكميل الصلاة بهم لعذر قام به[3].
ثانياً: حكم الاستخلاف في الصلاة:
... اختلف الفقهاء في حكم الاستخلاف في الصلاة فمنهم المجيز له ومنهم المانع، والصحيح عندي قول جمهور أهل العلم بجواز الاستخلاف، قال ابن قدامة رحمه الله:
... فصل: -وإذا سبق لإمام حدث فله أن يستخلف من يتم به الصلاة روي ذلك عن عمر وعلي وعلقمة والعطاء والحسن والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وحُكي عن أحمد رواية أخرى أن صلاة المأمومين تبطل لأن أحمد قال: "كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف وجبنت عنه"، وقال أبو بكر: "تبطل صلاتهم رواية واحدة لأنه فقد شروط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث"، قال ابن قدامة: "ولنا أن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقدمه فأم بهم الصلاة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكر منكر فكان إجماعاً وقد احتج أحمد بقول عمر وعلي وقولهما عنده حجة فلا معدل عنه".
... وقول أحمد جبنت عنه إنما يدل على التوقف وتوقفه مرة لا يبطل ما انعقد الإجماع عليه.
... وإذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة كما فعل عمر رضي الله عنه[4].
ثالثا: شروط الاستخلاف
... اشترط الفقهاء شروطا في حق الإمام وحق المستخلَف وحق المأمومين لكي يكون الاستخلاف معتبرا، فإن فقد شرط من هذه الشروط فلا يصح الاستخلاف.
أولا: الشروط المعتبرة في الاستخلاف في حق الإمام:
§ كون الإمام قد دخل الصلاة أي ابتدأها صحيحا، فإن كان قد ابتدأها فاسدة يعنى تذكر أنه محدث في أثناء الصلاة فلا يصح الاستخلاف لأن صلاته لم تنعقد وبه قال الحنابلة.
قلت والصحيح انعقادها وجواز الاستخلاف في هذه الحالة وذلك لأن الإمام لو أنه صلى بنجاسة أو بحدث ثم فرغ منها فإن صلاة المأموم صحيحة فكذلك لو أمضى بعضها فصلاة المأموم لم تبطل فيجوز له الاستخلاف في هذه الحالة.
§ كون حدث الإمام سماويا يعنى ليس له فيه اختيار فلو أحدث عمداً لا يجوز له الاستخلاف، ولذا قالوا إن سبقه الحدث أي ليس بمحض اختياره وكذا لو أصيب بفعل غيره كأن يصاب بحجر في رأسه فيشج فهذا ليس بسماوي فلا يصح في هذا استخلاف[5].
قلت والصحيح عدم جواز الاستخلاف إذا أحدث عمدا لاشتراط كونه سبقه الحدث أما كونه يصاب بفعل غيره فهنا يجوز له الاستخلاف لفعل عمر رضي الله عنه.
§ كون سبب الاستخلاف حدثا فإن كان من أجل النجاسة لم يجز الاستخلاف حتى لو كانت النجاسة في بدنه[6].
قلت الصحيح جوازها ولا عبرة بما قاله الأحناف في هذا الشرط فيجوز للإمام إذا رأى في بدنه أو ثوبه نجاسة أن يستخلف.
§ كون الحدث غير موجب للغسل فلو أنزل بتفكر ونحوه فلا يصح الاستخلاف[7].
قلت الصحيح جواز الاستخلاف بحدث أكبر أو أصغر.
§ ألا يكون الحدث نادر الوجود فإن كان بإغماء أو قهقهة فلا يجوز[8].
قلت الصحيح جوازه في الإغماء لأن هذا عذر فيجوز للمأمومين أن يستخلفوا، أما القهقهة فلا يصح فيها استخلاف.
§ أن يستخلف الإمام قبل خروجه من المسجد فلو خرج قبل أن يقدم أحداً أو يقدم المأمومون أحداً أو أن يتقدم أحد بنفسه فصلاة القوم فاسدة.
والصحيح في هذا الشرط أنه إذا طال الفصل ولم يكن هناك استخلاف فمن صلى منفرداً ونوى الانفصال صحت صلاته ومن لم ينو الانفصال وبقي مدة طويلة ولم يتم فيها الصلاة بطلت صلاته.
ثانياً: الشروط المعتبرة في حق المستخلَف:
يشترط أهل العلم فيمن يستخلفه الإمام بعض الشروط وهي:
§ كونه صالحا للإمامة فلوا استخلف صبيا أو امرأة فلا تصح الإمامة ولا يصح الاستخلاف بل تبطل صلاة المأمومين.
قلت: أما الصبي المميز فتجوز إمامته وإذا كانت تجوز إمامته صح استخلافه فإن حصل منه ما يبطل الصلاة بطلت، أما المرأة والمجنون فلا تصح إمامتهم، فإن استخلفهم الإمام هل تبطل صلاتهم؟ قولان: لأهل العلم أصحهما أنها لا تصح.
§ أن يكون المستخلف مقتديا بالإمام حتى وإن كان ممن يتنفل وراءه.
قلت والصحيح جوازه فيجوز للإمام أن يستخلف غير المأموم وذلك لفعل أبي بكر رضي الله عنه.
ثالثاً: الشروط المعتبرة في حق المأمومين:
§ ألا يأتي المأموم بركن من أركان الصلاة قبل أن يستخلف الإمام فإن أتى بعضهم بركن من سجود أو ركوع ونحوه لا يجوز له متابعة من استخلفه الإمام لتحول نيته من مأموم إلى انفراد.
§ أن لا تطول مدة الاستخلاف وتقدير هذه المدة بمضي زمن يمكن وقوع ركن من أركان الصلاة فيه فإن طالت أتموها فرادى.
كيفية الاستخلاف:
... لم تأت في نصوص السنة كيفية الاستخلاف غير أنه جاء عن الأحناف والمالكية شيء من ذلك فمما قاله الأحناف في كيفية الاستخلاف:
... قال صاحب البحر الرائق: "... السنة للإمام الذي سبقه الحدث وأراد الاستخلاف أن يفعله محدودب الظهر واضعا يده على أنفه يوهم أنه قد رعف لينقطع عنه كلام الناس، ولو كان الإمام قد ترك ركوعا فإنه يشير بوضع يده على ركبتيه، ولو ترك سجودا يشير بوضع يده على فمه، وإن كان قد بقي عليه ركعة واحدة أشار بأصبع واحد ، وإن كان اثنتين فيشر بأصبعين وهذا إذا لم يعلم الخليفة ذلك. أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك ويشير لسجدة التلاوة بوضع أصبعه على الجبهة واللسان ويشير للسهو بوضع يده على صدره وقيل يحول رأسه يمينا وشمالا كذا في الظهرية"[9]
... قلت والصحيح أنه كل ما يحصل به الاستخلاف يجوز للإمام فعله سواء كان بكلام أو بإشارة ونحوه لأنه من مصلحة الصلاة فيقول تقدم يا فلان فإني قد رعفت مثلا أو حصل لي كذا أو لا يذكر شيئا من ذلك ويقول تقدم يا فلان وإن اكتفى بالإشارة فهذا أحسن، أما قول من يقول بأنه إذا تكلم بطلت صلاتهم فهذا غير صحيح ألا ترى أنه إذا أم مسافر مقيمين فقصر صلاته قال لهم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر أو فإنا على سفر ولم تبطل صلاتهم بذلك.
... فالحاصل أن الأمر متروك للحاجة وما فيه مصلحة الصلاة والله أعلم.
الاستخلاف في الصلاة
1- الاستخلاف في الأذان:
... إذا أصاب المؤذن شيء حال أذانه أو حال إقامته كأن يصاب برعاف مثلا فله أن يتم أذانه إن استطاع ولا حرج عليه في نزول الدم حال رعافه لأنه لا يشترط للأذان الطهارة بخلاف الصلاة وكذا الإقامة لكن لو ذهب فغسل الدم ثم رجع هل يبنى على ما مضى من أذانه أم يستأنف الأذان؟
نقول من شرط الأذان كونه متوالياً أي لا يكون هناك فرق بين جمله فإن حصل للإمام ذلك فهنا لا يبني على ما مضى وإنما يستأنفه أي يأتي به من جديد لكي يحصل شرط التوالي له. فإن استخلف المؤذن أحداً فهنا لا يبنى المستخلف على أذان المؤذن بل عليه أن يستأنف من الأول ولا يبنى على أذان الراعف.
2- في الإقامة:
... فمتى رعف المؤذن فيها فإن الأولى في حقه أن يقطعها بخلاف ما ذكرناه في الأذان من أنه يشرع له إتمامه حال رعافه وذلك لأن الإقامة متصلة بالصلاة فلو تمادى في إقامته لترك الصلاة لغسل الدم فكان تركه للإقامة أولى من تركه للصلاة بخلاف الأذان فإن هناك متسعا بين الأذان والإقامة يمكنه فيه غسل الدم الذي أصابه.
... فإن استخلف حال إقامته هل يبنى على إقامة المؤذن؟ الصحيح أنه لا يبنى عليها لأن الإقامة أذان كما جاءت بذلك السنة فهما في الحكم سواء وعليه أي المستخلف أن يستأنف الإقامة ولا يبنى على إقامة المؤذن.
3- الاستخلاف في صلاة الجماعة:
ذكرنا فيما سبق حكم الاستخلاف في الصلاة والمعنى بها كل صلاة يشرع فيه الاجتماع ومن هنا كان ولا بد من بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالاستخلاف في صلاة الجماعة للصلوات المفروضة على وجه الخصوص وما تشرع له الجماعة كصلاة الجمعة والعيدين والكسوف والجنازة وغيرها من الصلوات الأخرى.
ولما كانت هناك مسائل مشتركة بين الصلوات المفروضة وغيرها من الصلوات الأخرى أحببنا أن نتكلم عنها أولا.
§ المسألة الأولى: استخلاف من سبق ببعض الصلاة:
هذه المسألة اتفق الأئمة الأربعة على جوازها يعني يجوز للمسبوق أي من فاتته ركعات مع الإمام أن يستخلفه غير أنهم اختلفوا في كيفية انتهائه للسلام من الصلاة.
فقال الأحناف أنه لو تقدم المستخلَف فإنه يبتدئ من حيث انتهى عليه الإمام لقيامه مقامه فإذا انتهى إلى السلام يُقدِّم مدركا يسلم بهم.
وقال بعضهم إذا أتم الخليفة صلاة المأمومين ثم أراد أن يكمل صلاته أشار إليهم بيده أن يجلسوا ثم يقوم لقضاء ما عليه. والمأمومون بالخيار إن شاءوا فارقوا وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه، وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم غير أن الأفضل في حق المأموم أن ينتظر إمامه جالساً ثم يسلم بتسليمه للحصول على تمام الموافقة وهذا هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.
§ المسألة الثانية: في استخلاف غير المأموم:
قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نريد أن ننبه على أمر هام غفل عنه الكثير من الأئمة وهو تحري كون أهل العلم والفضل والتقوى والورع خلفه، وكذلك أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى"[10] فلو عمل الأئمة بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما احتاج الإمام إلى هاتين المسألتين فإنه بحصولها يحدث نوع من البلبلة عند المأمومين ولذا أنصح إخواني أن يتحروا في كون من يكون خلفهم ممن تصح إمامتهم على الوجه المطلوب شرعا فإذا حصل لهم عذر قام بتقديمه لإكمال ما تبقى من صلاتهم.
أما الكلام عن المسألة وحكمها فنقول:هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فمنهم من أجازها ومنهم من لم يجزها مطلقا.
والصحيح عندي جوازها لما جاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم قال: فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلف حتى وقف في الصف فصف الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال: يا أبا بكر ما يمنعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.[11]
هذا الحديث يدل على جواز استخلاف غير المأموم غير أن الأفضل في حق الإمام أن ينظر خلفه من المأمومين فإن وجد من يصلح للاستخلاف قدمه وإن لم يجد جاز له استخلاف غير المأمومين والله الموفق.
§ المسألة الثالثة: في رجوع الإمام الراتب بعد إحرام نائبه:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة أيضا فمنهم من قال بجوازها وهو ما ذهب إليه الحنابلة ومنهم من لم يجزها وهذا هو مقتضى مذهب الأحناف والمالكية وذلك لأنهم لا يرون استخلاف الأجنبي وهذا في حكمه.
والصحيح جواز ذلك لحديث سهل بن سعد الساعدي السابق فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام فلما جاء تأخر أبو بكر فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرم بهم وبنى على صلاة أبي بكر رضي الله عنه.
4- الاستخلاف في خطبة وصلاة الجمعة.
أولاً: الاستخلاف في خطبة الجمعة:
... إذا حدث للخطيب عذر يبيح له ترك خطبة الجمعة جاز له الاستخلاف وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم بخلاف من يرى أنه لابد من إذن الإمام أو نائبه عند استخلافه. لكن هل الأفضل له أن يستخلف إذا كان سبب الاستخلاف سبقه الحدث وهو يخطب أم أنه يستمر إلى نهاية الخطبة ثم يتوضأ للصلاة.
... نقول الصحيح من أقوال أهل العلم أن الطهارة ليست شرطا للخطبة وإنما هي شرط للصلاة سنة للخطبة فلو أن الخطيب سبقه الحدث في أثناء خطبته فيجوز له أمران:
§ الأول: وهو الأفضل أن يستخلف مكانه أحدا لإتمام خطبته والمستخلف مخير بين إكمال ما وقف عليه الخطيب أو يبتدؤها من جديد.
§ الثاني: أن يتمها (أي الخطبة) محدثا وهذا جائز بالاتفاق عند الأئمة.
ثانياً: الاستخلاف في صلاة الجمعة:
... أما الكلام على الاستخلاف في صلاة الجمعة فلا يخرج عما ذكرناه في الاستخلاف في صلاة الجماعة غير أنني أنبه على ما ذكره بعض الفقهاء في هذا الحكم.
§ أولاً: اشتراط بعض الفقهاء العدد لصلاة الجمعة وكونه أربعين مثلا والصحيح أنه لا يشترط العدد لإقامة الجمعة.
§ ثانياً: الأفضل بل السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة، لأن هذا هو فعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفاؤه من بعده لكن إن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز وإن لم يوجد عذر فقال أحمد لا يعجبني من غير عذر فيحتمل عنده المنع ويحتمل عنده الكراهة لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة.
يتبع