الفرق بين المقاصد والوسائل عند علماء أصول الفقه
د/ فريدة صادق زوزو



إن التفريق بين المقاصد والوسائل يتيح للناظر بيان ما هو المقصد، وما هي الوسيلة إلى المقصد؛ لأن الشريعة، كما اتفق أغلب العلماء، تنقسم إلى: مقاصد ووسائل مفضية إليها. مقاصد حُددت في آي القرآن الكريم وأحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم- فاستُنبِط منها عن طريق الاستقراء ومسالك أخرى تتبعها العلماء، واستخرجوا بعضا منها، مما يعرف بمسالك الكشف عن المقاصد. ثم وسائل أخذت أحكام المقاصد؛ وجوبا، وندبا، وكراهة، وتحريما، بوصفها الطرق المفضية إليها، والمحققة لها، في ضوء الأوامر والنواهي الربانية. فمن هنا تظهر أهمية الوسائل للوصول إلى تحقيق المقاصد المرعية في الشريعة؛ من جهة تنزيلها في واقع المكلفين1.
وفي هذا المقام يقول العلامة ابن القيم: "التكليف أمر ونهي، والأمر نوعان، أحدهما: مقصود لنفسه. والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان:
أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه.
الثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة"2. ويضيف قائلا: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها"3. وهو بذلك يقسم أوامر المولى تبارك وتعالى إلى قسمين: إلى ما يقع في مرتبة المقاصد التي يبغي الشارع تحقيقها، ومرتبة الوسائل التي تحقق مقاصد الشارع في واقع الناس بالمحافظة عليها.
وإلى نحوه ذهب الإمام القرافي في قوله إن "موارد الأحكام على قسمين: مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها"4.
يلاحظ هنا أن الإمامين قد اتفقا على كون الوسائل مثل المقاصد، فهي في الأصل أوامر ونواهٍ، غير أن وجه الخلاف بينهما: كون المقاصد مقصودة لأنفسها، أما الوسائل فهي تتبع المقاصد باعتبارها طرقا ومسالك وأسبابا مفضية إليها.
المراجع الهوامش:
1- زوزو، فريدة صادق، النسل: دارسة مقاصدية في وسائل حفظه على ضوء تحديات الفقه المعاصر، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية العالمية، 2002م، ص57.
2- ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر: إعلام الموقعين، ترتيب: محمد عبد السلام إبراهيم، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1991م، ج3/ ص126.
3- ابن القيم، إعلام الموقعين، ج3/ ص108، 130.
4- القرافي، شهاب الدين: الفروق، بيروت: عالم الكتب، ج2/ ص33؛ القرافي، شهاب الدين: شرح تنقيح الفصول، ط2، مصر: دار عطوة للطباعة، 1992م، ص439.