لا خلاف بين الفقهاء في أن الحقوق المتعلقة بالتركة ليست على مرتبة واحدة؛ بل إن بعضها مقدَّم على بعض؛ فيقدَّم من حيث الجملة تجهيز الميت وتكفينه، ثم أداء الدَّين، ثم تنفيذ وصاياه، والباقي للورثة([1]).
أولًا: مؤنة تجهيز الميت: فيتم أولًا تجهيز الميت من ماله الذي تركه؛ مِن تغسيل، وتكفين، ودفن، من غير إسراف؛ لا سيما لو كان على الميت ديون؛ وإنما قُدِّم تجهيز الميت على الدَّيْن وغيره؛ لأنها بمثابة الكسوة الشخصية للحي، فلا تُنْزَع عنه لوفاء الدَّيْن؛ وأما ما أحدثه الناس من بدع؛ كإقامة المآتم، وما تتضمنها من مخالفات وانحرافات شرعية، وما يرافق ذلك من تكاليف مالية، فإنه لا يجوز صرفها من مال التركة؛ لتعلُّق الحقوق بها شرعًا.
ثانيًا: الديون المتعلقة بعين التركة: وهو قضاء الدَّين المتعلق بعين التركة؛ كحق البائع في تسلُّم المَبيع، وحق المرتهن في المرهون.
وجمهور العلماء - عدا الحنابلة - يقدِّمون الديون المتعلقة بعين التركة على تجهيز الميت؛ ولا يعتبرون هذه الديون من التركة أصلًا؛ فلو أنَّ رجلًا اشترى من رجل بضاعة، ثم مات البائع قبل تسليمه بضاعته؛ فهذا المال ليس مال الميت، ولا هو مِن تركته؛ ولذلك تُدفع البضاعة للمشتري قبل تجهيز الميت.
ولو أنَّ رجلًا رهن عند رجل بيتًا - مثلًا - ثم مات المرتهن؛ فهذا المال لا يُعدُّ من مال الميت أصلًا؛ ويقدَّم على تجهيز الميت.
ولو أنَّ رجلًا اشترى بضاعة، ولم يدفع ثمنها، وظلَّت هذه البضاعة باقية عنده بعينها إلى أن مات، فدفع هذه البضاعة لصاحبها مقدَّم على تجهيز الميت.
ثالثًا: الديون المرسلة، أو المطلقة: أي: الحقوق المتعلِّقة بذمَّة المتوفَّى وليس بعين التركة؛ وتنقسم على قسمين:
الأول: دَيْن الله: كأنْ يكون على الميت زكاة لَمْ يُؤَدِّها، أو نذر، أو كفَّارة.
الثاني: دَيْن العباد: وهي الديون التي لزمت الميت حال حياته بالإقرار أو البيِّنة، ولَم يوفِّها؛ كقرض، أو إيجار، أو مهر زوجة، ونحو ذلك.
رابعًا: الوصية: وقد اتفق الفقهاء على أن تنفيذ ما يوصي به الميت يجيء بعد الدَّين وقبل أخذ الورثة أنصباءهم من التركة؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]([2]).
ويشترط ألا تزيد الوصية على الثلث؛ لقول النبي ﷺ في حديث سعد رضي الله عنه: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»؛ فإنْ زادت فلا يُنفَّذ منها إلا بقدر الثلث.
خامسًا: الإرث: فبعد تجهيز الميت، وقضاء الديون، والوصية، يُقسم المال المتبقي على الورثة.

[1])) «الموسوعة الفقهية الكويتية» (11/ 216).

[2])) «الموسوعة الفقهية الكويتية» (11/ 223).