الاحتماء بالاتكالية


هند الزميع




أحقية الشخص للمكان..
حينما يتنصل المرء من مشاعر الإحساس بالمسؤولية فإنه يدخل في غمرة داء عضال هو الاتكالية بتعدد صورها, قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الاحتماء بالاتكالية لعدة أسباب منها ما يكون شخصي كعدم الثقة بالنفس أو الجمود الفكري الذي لا يمنح صاحبه فرصة التقدم إلى الأمام أو محاولة التغيير, ومنها ما هو بتأثير المجتمع كالنظرة القاصرة لهذا الشخص أو عدم منحه أي دوافع تحسسه بأهليّته لأداء عمل معيّن, أو القيام بدور هذا الشخص ليعيش بلا مسؤولية يصعب على صحوة المجتمع المستقبلية أن تحسسه بمسؤوليته لأنه قد اعتاد أن يقوم غيره بما هو مطلوب منه.
ومن الأسباب أيضا وجود خلل في التنظيمات الإدارية وهذا ما أرى أنه الاتكالية في ظل تعدد القيادات, فقد نجد دائرة أو مؤسسة تتعدد فيها الشخصيات ولكنها تعاني من إنتاجية ضحلة بسبب الاتكالية المقيتة التي صارت في ظلها المسؤوليات ككرة يلقي بها كل مسؤول على الآخر, وفي الغالب هو خطأ في أحقية الشخص للمكان الذي يتصدّره.

تغييب للنفس..
إن داء الاتكالية من أهم مظاهر الفشل في أي مجال سواء الشخصي أو الوظيفي, فهو تغييب للنفس عن ميدان المواجهة, وهو نتيجة طبيعية لعدم تحقيق الكفاءة في أي مجال يخوضه الشخص فمن الطبيعي أن يوجد التردد والخوف من الصدارة وإلقاء المسؤولية على الآخرين, وهو الداء القاتل للمهنية في أي مجال, وعلاجه بأن يُقدم المرء على العمل بروح المتفائل الفعّال لا المتفرّج.
كما أن شريعتنا الإسلامية جاءت لتحارب هذا الداء وتحقق المناعة ضدّه أو تصف طرق الاستشفاء منه, فكل شخص مسؤول ومحاسب ومكلّف بأن يقدّم ما يوصله إلى رضا ربه فثمّ الجنة, ألم يقل الله عزّ وجل: " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون َ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "-{التوبة/105}

دعوة للعمل..
هي دعوة للعمل ونبذ التكاسل,وامتلاك المبادرات الذاتية, كما قال الله تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" -{غافر/60}.
وبهذا يكون العمل والتحرّك إلى الهدف من سمات الشخصية الإسلامية, ومن بواعث القوة في النفس وتحقيق الطمأنينة بأن الشخص يعمل.
لقد أثرت الاتكالية على المجتمعات فقد وجدت شريحة كبيرة في بعض المجتمعات تسربلت بالاتكالية حتى صارت صفة بارزة لذلك المجتمع بحيث اعتمدوا على الآخرين حتى في أرزاقهم, وللأسف فقد قابلت الكثير منهم يخنقون عقولا مضيئة في زنزانة التكاسل والاعتماد على الغير.

أبشع المشاهد..
وفي جانب آخر فإنني أرى أن بعض الشركيات والمعتقدات العقدية الازدواجية هي من أبشع مشاهد الاتكالية, فهناك من يتخذ الوسائط بينه وبين ربه حتى يحمل الوسيط عنه تبعة التكليف والسؤال, حتى أنها زادت سذاجة في البعض إلى تكليف الآخرين بأداء العبادات مقابل المال, وهذا العمل مردود على صاحبه فكل شخص مكلف بذاته, ولا مجال للكسالى الذين يظنونه تعبدا.

حرب من المثبطات..
وإنها لتزداد مظاهر الاتكالية نتيجة الخوف من الإخفاق أو العجز عن المواجهة في أطر حرب من المثبطات النفسية الداخلية أو الخارجية, كما أن للتربية أثر سلبي على الشخصيات وقتل تفاعلها وإدراجها في أسوار الاتكالية, فتعويد الأطفال على القيام بكل حوائجهم ابتداءً وحتى استباق الإجابة عنهم عند سؤالهم كل هذا من الأساليب التربوية الخاطئة التي تنمي الاتكالية فيهم والاعتماد على الغير, ويظلون دائما بانتظار من يؤدي أدوارهم عنهم.
ولعل هذا الداء هو من أفتك العلل التي أصابت الإدارات وبتنا نعاني مما يعرف بالفشل الإداري, لأن هناك أشخاص صاروا يتوارون خلف جدران الكسل.