محظورات: جمع: مَحْظُور؛ وهو الممنوع؛ أي: مَا يحرم على الْمُحرم فعله بِسَبَب الإحرام بالحج أو العمرة.
ومحظورات الإحرام أحد عشر محظورًا:
المحظور الأول: لُبْسُ الْمَخِيط للرجال: وهو كل ما خِيط وصُنع على هيئة بدن الإنسان مِنْ فتحةٍ للرأس وأكمام لليدين وفتحة للرِّجلين؛ كالقميص والسروال والعباءة ونحو ذلك.
فالمخيط عند الفقهاء هو كل ما خيط على قياس عضو، أو على البدن كله، وليس المراد بالمخيط ما فيه خياطة؛ بل إذا كان مما يلبس في الإحرام، فإنه يُلبس ولو كان فيه خياطة([1]).
قال ابن قدامة رحمه الله: «وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فِي شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يُخَاطُ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ؛ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ ؛ وَلَوْ لَبِسَ إزَارًا مُوَصَّلًا، أَوْ اتَّشَحَ بِثَوْبٍ مَخِيطٍ، جَازَ»اهـ([2]).
ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَات ِ، وَلَا الْبَرَانِسَ».
قال ابن حزم رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُحْرِمَ يَجْتَنِبُ لِبَاسَ الْعَمَائِمَ وَالْقَلَانِسَ وَالْجِبَابِ وَالْقُمُصِ وَالْمَخِيطِ وَالسَّرَاوِيلَ إِنْ وَجَدَ إِزَارًا»([3]).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «لَا يَجُوزُ لِبَاسُ شَيْءٍ مِنَ الْمَخِيطِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ»([4]).
وهذا المحظور خاص بالرجال إجماعًا.
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص، والسراويلات، والبرانس يدخل المَخِيط كله بأسره؛ فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم عند جميع أهل العلم، وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء، وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص، والدرع، والسراويل، والخُمُر، والخفاف»اهـ([5]).
* ويُباح للمحرم أنْ يلبس السراويل إذا لم يجد إزارًا، وأنْ يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ»([6]).
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ»([7]).
ولا يلزم قطع الخفين.
وأما حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَات ِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُم َا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ»([8])، فمنسوخ بحديثي ابن عباس، وجابر رضي الله عنهم؛ فهي متأخرة عنه، وهي مطلقة ليس فيها القطع.
قال الإمام الدارقطني رحمه الله: «سمعت أبا بكر النيسابوري, يقول في حديث ابن جريج, وليث بن سعد، وجويرية بن أسماء, عن نافع, عن ابن عمر, قال: نادى رجل رسول الله ﷺ في المسجد: ماذا يترك المحرم من الثياب؟ وهذا يدل على أنه قبل الإحرام بالمدينة, وحديث شعبة, وسعيد بن زيد, عن عمرو بن دينار, عن أبي الشعثاء, عن ابن عباس، أنه سمع النبي ﷺ يخطب بعرفات، هذا بعد حديث ابن عمر»اهـ([9]).
المحظور الثاني: الطِّيبُ: وهو وضع الطيب في البدن أو الثوب بعد نية الإحرام؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا»([10]).
ولحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ...»([11]).
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنَ الطِّيبِ»([12]).
ويستحب الطيب قبل نية الإحرام في الثوب والبدن على الصحيح.
المحظور الثالث: إزالة الشعر: لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196].
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ شَعْرِهِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ([13]).
وقد نُصَّ على حلق الرأس، وقيس عليه سائر شعر البدن؛ لأنه يتنظف ويترفه به، فأشبه حلق الرأس؛ وقص الشعر وقطعه ونتفه كحلقه([14]).
والصحيح - والله أعلم - أنَّ الممنوع حَلْقُهُ هو شعر الرأس فقط؛ لأنه المنصوص عليه، وأما شعر البدن فغير منصوص عليه؛ ولا هو في معنى شعر الرأس؛ لأنَّ حلق شعر الرأس به يتحلل الإنسان مِنْ نسكه دون شعر البدن.
وأما قولهم: بأنه ترفه، والمحرم ممنوع مِنَ الترفه، فهي علة غير صحيحة؛ لأن المحرم غير ممنوع مِنَ الترفه.
وقد رجح هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله([15]).
المحظور الرابع: تقليم الأظفار: قياسًا على الشعر.
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ»([16]).
فإن انكسر منه ظفر فله إزالته.
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ مُنْكَسِرًا مِنْهُ»([17]).
المحظور الخامس: تغطية الرأس للذكر: لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَات ِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُم َا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»([18]).
ولحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ - فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا»([19]).
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْمِيرِ رَأْسِهِ»([20]).
المحظور السادس: قَتْلُ صيد الْبَرِّ: ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: 95].
وقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَة ِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)﴾ [المائدة: 96].
وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)﴾ [المائدة: 1].
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالقَاحَةِ، وَمِنَّا المُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ، فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ أَمَامَنَا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «كُلُوهُ، حَلَالٌ»([21]).
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ»([22]).
ويُشترط في الصيد الممنوع منه المُحْرم ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أنْ يكون مأكولًا؛ كحمام وبط وغزال، وأما غير المأكول فلا فدية فيه.
الشرط الثاني: أنْ يكون بريًّا؛ وأما صيد البحر فحلال.
الشرط الثالث: أنْ يكون وحشيًّا أصلًا؛ أي: أنَّ أصله وحشيًّا وإن استأنس؛ فالأرنب المستأنسة كالأرنب المتوحشة؛ لأن أصلها متوحش فيحرم على المحرم قتلها، والحمامة أصلها وحشي، وعلى هذا فالمعتبر الأصل.
فإن قتل المحرمُ صيدًا فعليه جزاؤه؛ فيُخيَّر بين ذبح مثله والتصدُّق به على المساكين، وبين أن يقوَّم الصيد، ويشتري بقيمته طعامًا لهم، وبين أن يصوم عن إطعام كل مدٍّ يومًا؛ ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)﴾ [المائدة: 95].
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ»اهـ([23]).
وَأما إذا قَتَل المحرم ما لا يشبه شيئًا مِنَ النَّعم، فإنه يُخيَّر بين الإطعام والصيام.
مسألة:
ما يجوز قتله من المؤذيات:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ»([24]).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ: العَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ»([25]).
المحظور السابع: الْخِطبَةُ: فلا يخطب المحرم لنفسه ولا لغيره؛ ودليل ذلك حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ»([26]).
المحظور الثامن: عَقْدُ النكاح: فلا يعقد المحرم نكاحًا له ولا لغيره؛ ودليل ذلك حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ».
المحظور التاسع: الجماع: ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197].
والرفث هو الجماع ومقدماته؛ كما في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187].
قال ابن المنذر رحمه الله: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِلَّا الْجِمَاعَ»([27]).
فإذا جامع الرجل زوجته في الحج قبل التحلل الأول، أو قبل السعي في العمرة، فإنه يبطل حجهما أو عمرتهما، ويمضيان في نسكهما، وعلى كل واحد منهما بدنة في الحج، وشاة في العمرة، ويقضيان فورًا.
ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ﭭ، فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ, قَالَ: اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، وَارْجِعَا إِلَى بَلَدِكُمَا، فَإِذَا كَانَ عَامَ قَابِلٍ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ, فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا هَدْيًا([28]).
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ, فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ, قَالَ شُعَيْبٌ: فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ, فَذَهَبْتُ مَعَهُ, فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ, فَقَالَ: بَطُلَ حَجُّكَ, قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَفَأَقْعُدُ؟ قَالَ: بَلْ تَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ, فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلًا فَحُجَّ وَاهْدِ, فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ, ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ, قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ, فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ, ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَا([29]).
قال ابن قدامة رحمه الله: «وَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ؛ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْأَصْلِيَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِالدُّخُولِ فِيهِ»اهـ([30]).
وقال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ عَامِدًا فِي حَجِّهِ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلُ وَالْهَدْيُ، وَانْفَرَدَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ»اهـ([31]).
وقال النووي رحمه الله: «يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ أَوِ الْعُمْرَةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ مِنْهُمَا يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ»ا هـ([32]).
فإنْ كان الجماع بعد التحلل الأول؛ فلا يبطل حجهما، وعليهما شاة، وقيل بدنة أيضًا.
فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ, فَقَالَ: يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ([33]).
ولم يُعرف لابن عباس مخالف مِنَ الصحابة([34]).
المحظور العاشر: المباشرة فيما دون الفرج: ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197].
المحظور الحادي عشر: النقاب والقفَّازان للمرأة: فتجتنب المرأة في إحرامها تغطية وجهها بالنقاب، أو البرقع، أو غيره، وكذلك تجتنب لبس القفازين؛ لقول النبي ﷺ: «وَلَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ»([35]).
فإذا احتاجت إلى ستر وجهها؛ لمرور الرجال قريبًا منها، فإنها تسدُلُ الثوب من فوق رأسها على وجهها؛ وذلك لِمَا وَرَد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا حَاذَوْنَا، سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ»([36]).
* ومَنِ ارتكب محظورًا مِنْ هذه المحظورات - غير قتل الصيد والجماع - فإنه يُخيَّر بين أنْ يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، أو أنْ يذبح شاة.
ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - تَجِدُ شَاةً؟»، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ»([37]).
فهذا نص في الحلق وقيس عليه بقيةُ المحظورات.
مسألة:
تسقط الفدية بالجهل، والنسيان، والإكراه؛ لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، قَالَ الله: «قَدْ فَعَلْتُ»([38]).
وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5].
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: 95].
فشرط - سبحانه وتعالى - التعَمُّد.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»([39]).
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعِرَّانَ ةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وهو مُتَضَمِّخٌ بِالطِّيبٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ ﷺ: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ»([40]).
فَلَمْ يأمره النبي ﷺ بالفدية مع مسألته عما يصنع، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.



[1])) «الشرح الممتع» (7/ 126).

[2])) «المغني» (3/ 257).

[3])) «مراتب الإجماع» (42).

[4])) «الاستذكار» (4/ 14).

[5])) «التمهيد» (15/ 104).

[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1841)، ومسلم (1178).

[7])) أخرجه مسلم (1179).

[8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177).

[9])) «سنن الدارقطني» (3/ 241).

[10])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1850)، ومسلم (1206).

[11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (134)، ومسلم (1177).

[12])) «الإجماع» (52).

[13])) «الإجماع» (52)، و«المغني» (3/ 296).

[14])) «الكافي» (1/ 487).

[15])) انظر: «الشرح الممتع» (7/ 116).

[16])) «الإجماع» (52).

[17])) «الإجماع» (52).

[18])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177).

[19])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).

[20])) «الإجماع» (53).

[21])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1823)، ومسلم (1196).

[22])) «الإجماع» (52).

[23])) «الإجماع» (53).

[24])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1829)، ومسلم (1198).

[25])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3315)، ومسلم (1199).

[26])) أخرجه مسلم (1409).

[27])) نقله ابن قدامة في «المغني» (3/ 308).

[28])) أخرجه البيهقي في «الكبير» (9782)، بإسناد صحيح.

[29])) أخرجه الدارقطني في «السنن» (3000).

[30])) «المغني» (3/ 333).

[31])) «الإجماع» (ص52).

[32])) «المجموع» (7/ 389).

[33])) أخرجه الدارقطني في «السنن» (2672)، والبيهقي في «الكبير» (9801)، وصححه الألباني في «الإرواء» (1044).

[34])) «المغني» (3/ 425).

[35])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1838)، ومسلم (1177)، واللفظ للبخاري.

[36])) أخرجه أحمد (24021)، وأبو داود (1833)، وصححه الألباني في «المشكاة» (2690).

[37])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

[38])) أخرجه مسلم (126).

[39])) أخرجه ابن ماجه (2045)، وصححه الألباني في «الإرواء» (82).

[40])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4985)، ومسلم (1180).