أمن يحمل المشرط.. يحمل الدعوة؟

إعداد: سلام نجم الدين الشرابي


يظن البعض أن الدعوة إلى الله تنحصر في مكان وزمن معينين وتقتصر على مختصين لكن الحقيقة غير ذلك.. فالدعوة في كل مكان وزمان ومعنيٌ بها كل منا، وقد تخلو بعض الأماكن من إمكانية دخول الداعي أو الداعية المختصة إليها، مما يحتم ضرورة أن يحمل هم الدعوة فيها أناس منها يتحدثون من خلال خصوصيتها وخصوصية الظروف المحيطة بها..
ينطبق ذلك على المستشفيات التي تحوي أجناساً وأدياناً مختلفة وينتشر فيها الاختلاط مما يتطلب أهمية وجود من يحمل هم الدعوة فيها.. في مثل هذه الحالات يناط بالطبيب مسؤولية الدعوة إلى الله.. حيث يمكن أن يؤثر بمن حوله أكثر مما نتوقع.. ولا ننسى الطبيبة، الممرضة، بل وحتى الزائرين والزائرات..
حول ذلك أقامت إدارة التوعية الدينية للشئون الصحية بمنطقة الرياض في مؤسسة "الإعمار الخيرية" ندوة بعنوان: "كيفية الدعوة النسائية إلى الله في المستشفيات" وشاركت فيها كل من الأستاذة الداعية: "أسماء الرويشد" مديرة الفرع النسائي بمؤسسة الإعمار الخيرية، والدكتورة "وفاء الشويقر" رئيسة قسم التشريح التشنجي بالمختبر المركزي وبنك الدم بالرياض، والداعية "نادية الكليبي"، وترأست الندوة شريفة العمر "مديرة المدرسة الابتدائية الرابعة بالإحساء".
بدأت الندوة الأستاذة أسماء الرويشد بطرح سؤال عن قضية العمل الوظيفي وأسبابه "لماذا نعمل"؟
وأجابت عنه أن دوافع الناس تختلف من شخص لآخر، فمنهم من يعمل ليكفي نفسه ومنهم يعمل بدافع الرفاهية والطمع في مزيد من المال ومنهم من يعمل لإبراز نفسه وتميزه بما اختص في علم وقدرات ومنهم من يبحث عن خلْق جو اجتماعي ويسعى إلى إثبات وجوده.. ولا مانع من ذلك كله إن لم يتجاوز حدود إسلامنا، وديننا وعقيدتنا.. حيث جاءتنا الشريعة بضرورة حفظ الضروريات الخمس: الدين، العقل، العرض، المال، الدم والنفس.
ودعت "الرويشد" المرأة العاملة ألا تفوتها النية الصالحة بهذا المقام ليستحيل دخولها وخروجها وممارستها للعمل كلها إلى عبادة بحيث تنفذ هذه النية في جميع وقت العمل ويحصل ذلك بتوجه القلب واليقظة والاحتساب وكفاية النفس.
وحثت "الرويشد" الطبيبة على الاحتساب خاصة أنها تعمل في مجال من مجالات الخير ـ التخفيف من معاناة المرضى ـ وتسد حاجة من حاجات المجتمع التي تلح على وجود العنصر النسائي (كمجالات الطب) بحيث تؤتمن الطبيبة على ديننا وعوراتنا وتسد بعملها ثغرة الاضطرار للذهاب إلى الطبيب.. وبالتالي ستجد لها ميداناً خصباً من ميادين الدعوة إلى الله.
وتوقفت الرويشد عند كلمة الدعوة وما تعنيه.. فتقول:
الدعوة يراد بها إيصال التعاون على إشاعة وبث هذا الدين على وجهه الصحيح الذي أمر الله به وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعوة الناس إلى تصحيح العقيدة والتحرر من الشرك والبدع، وفعل الطاعات واجتناب المعاصي، ويراد بها ربط القلوب بالله جل وعلا محبة ورجاء ومخافة..
وتشمل الدعوة إلى الله كليات الدين، تفصيلاته، بواطنه وظواهره.. وهي تبليغ الدين {أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
وأشارت "الرويشد" إلى أن خطاب الدعوة عمَّ الجنسين الذكور والنساء، والأمر بالدعوة إلى الله عام على كل مسلم، وللدعوة مجالات وميادين مختلفة منها ما يكون مناسباً للجنسين وأحياناً لواحد دون الآخر، حيث تنجح المرأة في الأوساط النسائية أكثر من الرجل؛ لأن المرأة أقدر على تفهم حياة المرأة وخصائصها، فهي تفهم إحساسها و تلامس حاجاتها.. وتستطيع اختيار الأسلوب المناسب للوصول لها.
كما بينت الرويشد أهمية "زكاة العلم" وأنَّ ما ننقله من معلومات للآخرين يترسخ في أذهاننا بركة من الله، وأن نقل العلم مسئولية كل فرد كلٌ حسب علمه وقدراته التي تأتي مع التدريب، فبعض النساء تدعو إلى الله في الدروس والمحاضرات ومنهن من خلال تربية أبنائها في بيتها وأخرى بالتناصح بين الزميلات والصديقات.
ونوهت الرويشد إلى أن مما له أثر في تقوية الدوافع في الخوض في مجالات الدعوة ذِكر المنزلة الرفيعة والفضل العظيم الذي ينتظر كل من دعا إلى الله ولو بآية كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية"، وأجر الدعاة ومكانتهم الكبيرة؛ فمن دعا إلى الله هو خير الناس، والدعاة هم المفلحون في الدنيا والآخرة، والدعاة أحسن الناس حديثاً، وأهل السماء (الملائكة) في طبقات السماء يستغفرون لمن دعا إلى الله و لا تنقطع أجور الدعاة وإن ماتوا. "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من أتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" وهي أسهل طريقة لنحصل بها على الحسنات وهي أن تأتيك الحسنة من فعل غيرك نتيجة نصيحة منك..
وتساءلت "الرويشد" عن كيفية الانطلاق في هذا الميدان الخصب المغري؟
فتجيب: لابد أن نترجم كلامنا إلى واقع إذا حملنا هم الإسلام.. وألا يكون همنا أن نعيش لأنفسنا فحسب.
وأشارت "الرويشد" إلى العوائق التي قد تحول دون أن تقوم المرأة بدورها كداعية.. ومنها الماديات، المناصب، الخوف من أن تفقد وظيفتها.
وذكرت "الرويشد" أن من أهم سمات الداعية القدوة: حسن الخُلق المتمثل بالأفعال قبل الأقوال، والصبر والحلم، ولا ننسى أن بوابة انتشار دين الإسلام قديماً وحديثاً عن طريق محاسن الأخلاق.
تحكي ممرضة بريطانية قصة إسلامها: أسلمت وأنا صغيرة السن جراء تعاملي مع زملائي وزميلاتي المسلمين ولاحظت أنهم إن فعلوا شيئاً جيداً وسألناهم عنه لا يربطونه بشخصيتهم ـ كأنا كريمة مثلاً ـ إنما يقولون هذا ديني.
كذلك الأمانة من سمات الداعية خاصة في المجال الطبي (الطبيبات والممرضات) والحفاظ على السرية وحفظ الأمانات و العورات والأعراض ولعل القصص التي تسمع عن المستشفيات والتي ضاعت فيها الأمانة مما يشيب لها الولدان.
المريض.. فرصة سانحة
وحول إمكانية أن تكون المرأة العاملة في المجال الطبي داعية إلى الله والوسائل التي يمكن أن تستخدمها الطبيبة لتدعو إلى الله في المستشفيات، تحدثت الدكتورة وفاء الشقوير رئيسة قسم التشريح التشنجي بالمختبر المركزي وبنك الدم بالرياض عن أهمية الدعوة في المستشفيات لما تعج به من عشرات الألوف ما بين زملاء (أطباء وطبيبات أو ممرضات) ومرضى.
وأشارت إلى أن الدعوة إلى الله تبدأ بالابتسامة "تبسمك في وجه أخيك صدقة" والسلام الذي غدا إلأكثرية يكتفون بقول السلام عليكم دون أن يكملوا ورحمة الله وبركاته، ولو علم أحدنا أن السلام عليكم ينال قائلها عشر درجات وأن من أتمها ورحمة الله وبركاته حصل على ثلاثين درجة (حسنة) وذلك في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما توانى عن هذه الفعل اليسير.
وترى "الشقوير" أن من وسائل الدعوة إلى الله في المستشفيات كتابة آية وتعليقها على الحائط كما يمكن ترجمتها حسب لغة من نرغب بدعوتهم.
وأشارت الدكتورة إلى أهمية النية الخالصة لله، والحرص على تبليغ العلم الذي رزقنا به وقالت: إن الله أعطانا نحن الطبيبات نعمة كبيرة بأن يكون بين أيدينا مريض هو بأشد الحاجة إلينا مما يجعله يتقبل كل ما نقول له، فليس هناك أفضل من هذه الفرصة السانحة لندعوه أو ندعوها إلى الله.. وقد صادفتني الكثير من هذه الحالات التي حاولت اقتناص الفرصة فيها لأدعو إلى الله فكنت أقول للمريضة المسلمة أهنئك بأن ربنا ابتلاك محبة بك "إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه" وقد رأيت الفرحة في عيون من أخبرتهن بذلك ـ فرحن بمرضهن ـ وإن كانت غير مسلمة فأقول لها "والله لو كنت مؤمنةً لهنيت فيما مرضت فيه" فالمرض نؤجر عليه.
أما إن رأيت منها معصية كالنمص مثلاً فأقول لها: ما نزل بلاء إلا بذنب وما دفع إلا بتوبة.
وقد ينقلب الأمر فينصح المريض طبيبه كما حصل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كان ينزف وجاءه الطبيب فقال له عمر: ارفع يا أخي ثوبك فإنه أتقى لقلبك وأنقى لثوبك.
ونصحت "الشقوير" الداخلات في المجال الطبي أن تضاعف من جرعات الإيمان درءاً من الفتن المنتشرة في هذا المجال.
لماذا أدعوا
وتحدثت الأستاذة نادية الكليبي عن أهمية التدرج بالدعوة إلى الله والتنوع في الطرق والأساليب، وأشارت إلى أهمية تصنيف المدعوين إلى مسلمين وغير مسلمين لمعرفة حاجتهم وكيفية التعامل معهم.
ونوهت "الكليبي" إلى نقطة هامة في بداية حديثها وهي الوقوف عند الهدف من الدعوة "لماذا أدعو" ورأت أن فشل بعض دعواتنا سببها عدم تحديد الهدف والأولويات، فلو حددتُ ـ مثلاً ـ أن هدفي من الدعوة إيجاد طالبات علم لشحنت جهدي كله في سبيل تحقيق هذا الهدف، ولا بد من وجود أسس نبني عليها التدرج في إيصال دعوتنا، وأهمها الوسطية في معالجتنا للأخطاء والبعد عن الفردية والديمومة وهدم التصورات الخاطئة وبناء المفاهيم الصحيحة مكانها.
وأشارت " الكليبي" إلى الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به المرافقات أو الزائرات اللواتي يترددن على المستشفيات في الدعوة إلى الله من خلال التناصح و توزيع المطويات للمسلمات وللجاليات المسلمات وغير المسلمات.