ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه


أبو الهيثم محمد درويش



{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} :
في دار الابتلاء و الاختبار آتينا موسى التوارة كما آتيناك القرآن يا محمد فمن الناس من آمن و منهم من كفر وارتاب ,ولولا كلمة سبقت من الله بإمهال الجميع حتى يوم الحساب لقضى بين هؤلاء المختلفين في دار الدنيا وحاسبهم فيها , ولكنه قضى بأن الحساب مؤجل إلى الآخرة ليجزي الصالح بعمله و يبوء المسيء بإساءته و الله لا يظلم عنده أحد , فهو الملك العدل سبحانه.
قال تعالى:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [فصلت 45-46]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى: { {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} } كما آتيناك الكتاب، فصنع به الناس ما صنعوا معك، اختلفوا فيه: فمنهم من آمن به واهتدى وانتفع، ومنهم من كذبه ولم ينتفع به، وإن اللّه تعالى، لولا حلمه وكلمته السابقة، بتأخير العذاب إلى أجل مسمى لا يتقدم عليه ولا يتأخر { { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} } بمجرد ما يتميز المؤمنون من الكافرين، بإهلاك الكافرين في الحال، لأن سبب الهلاك قد وجب وحق. { {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } } أي: قد بلغ بهم إلى الريب الذي يقلقهم، فلذلك كذبوه وجحدوه.
{ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} } وهو العمل الذي أمر اللّه به، ورسوله { {فَلِنَفْسِهِ} } نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة { {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } } ضرره وعقابه، في الدنيا والآخرة، وفي هذا، حثٌّ على فعل الخير، وترك الشر، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. { {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } } فَيُحمِّل أحدًا فوق سيئاتهم.