تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تجربتي في دراسة الزاد للحجاوي(1) = الشيخ .ا.د. احمد بن مسفر العتيبي

  1. #1

    افتراضي تجربتي في دراسة الزاد للحجاوي(1) = الشيخ .ا.د. احمد بن مسفر العتيبي



    كان كِتابُ الزاد – وما زال – سميري وأنيسي في حِلِّي وتَرحالي ، لسببين : الأول : أنه كتاب مبارك صنَّفه مؤلِّفه الحجَّاوي (ت: 968هـ)رحمه الله تعالى قبل حوالي خمسمئة سنة ، فكم حفظه من طالب ؟وكم شرحه من عالم ؟ وكم أفاد منه من ضليع في الفقه والحديث ؟ وكم ترقَّى في العلم بسببه صغير في نفسه كبيرٌ عند جُلسائه ؟ .

    الثاني : أنه كثير المعاني والمباحث والدلالات ، ففيه مهمات الفقه ، وفيه جميع مسائل أصول الفقه ، فقد جمع مصنِّفه فيه بين الفقه وأُصوله ، لأن مصنَّفه كان مُفتياً وعمدة في معرفة المذهب الحنبلي ، وهذه منقبة لا توجد في كثير من المصنفات المختصرة ، ولهذا أقول : لا يستغني عن الزاد عالمٌ ضليع ولا تلميذٌ رفيع ، ومن جرَّب عرف .

    وأهل الفقه عقولهم بالحديث والآثار غامرة ، وقلوبهم بما فهموه وعملوا به عامرة ، فهم في سَبر العلم آية ولهم في كل كتاب غاية :
    تِلك المكارمُ لا قَعبان من لبنٍ .. شِيبا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا

    وهذه التجربة المتواضعة سياحة علمية ماتعة ليست أربعة أشهر ، بل أربعة الآف يوم ولله الحمد والمنة ، قضيتها في رحاب كتاب الزاد ،وهو كتاب مختصر على قول واحد للحنابلة .
    وتسمية الكتاب بالزاد ليست من تحرير الحجَّاوي رحمه الله تعالى ، فهو لم يُسمِّه ( الزاد ) بل سماَّه المختصر من المقنع ، فتسميته الزاد من الشراح أو النُّساخ .

    والناس اليوم ليسوا بحاجة إلى كثرة الشروح والمؤلَّفات ، فقد كُفوا هذه المؤونة ، إنما هم بحاجة إلى من يُقرِّب لهم العلم ويحبِّبهم في مباحثه ومسائله ، ويهديهم تجاربه وما فيها من دُّربه وممارسة وخبرة لنيل فوائده، وهذا ما أزعم أنني أدركتُه بلطف الله وكرمه ،لا بحولي وقوتي .
    وهذه سلسلة مباركة إن شاء الله تعالى تنتظم في عشرة دروس هذا أولها ، أُقيِّد فيها تجربتي في دراسة كتاب مختصر المقنع ( الزاد ) حتى يستفيد منها من لا يعرف هذا المتن المتين الذي أضحى عُمدة للطالبين ومُنية للراغبين .

    ويجب على الطالب أن يتعلَّم من موسى عليه وعلى نبينا محمد أتم الصلاة السلام : الصبر لنيل المنى كما في قول الله تعالى : ” لا أبرحُ حتى أبلُغَ مجمع البحرين أو أمضيَ حُقبا ” ( الكهف : 60) . فالمطالب العالية لا تُنال إلا بالأثمان الغالية .

    (أ*) لماذا دراسة الزاد ؟
    الزاد مليٌء بالعلم ، ففيه ستة الآف مسألة من المنطوق والمفهوم ، وسوف أُعرِّج على هذه المسألة لاحقاً . وهو مفتاح ضروري لمن رام دراسة الفقه المقارن ، فكتاب الزاد خُلاصة المغني لابن قدامة (ت: 620هـ)رحمه الله تعالى ، لأن المقنع خلاصة المغني ، والزاد خُلاصة المقنع ، فيكون الزاد خُلاصة الخلاصة بهذا الإعتبار .

    ولأن الهِمم قد قَصُرت والأشغال قد كثرت ، فيكون فهم الزاد مطلباً مُلِّحاً اليوم على كل هُمام.
    ومن اللطائف التي استللتُها من الزاد أن الحجاوي ردَّ على أبي حنيفة رحمه الله تعالى تلميحاً في قوله بوجوب الوِتر كما هو مذهب الأحناف ،وقد نقله السرخسي (ت: 490هـ) عن الإمام في كتابه المبسوط. فالجمهور لا يقولون بوجوب الوِتر لكن أبا حنيفة يقول بوجوبه .
    فقد أورد الحجاوي في الزاد بعد مباحث صفة الصلاة وواجباتها وأركانها وسجود السهو ، أورد ما يجبر نقص الصلاة وعدَّد أربع صلوات تطوعية آخرها التراويح والوتر، فدلَّ بالاستصحاب الأصولي على عدم وجوبه لأنه ألحقه بالتراويح ، والتراويح سنة مؤكدة ،لم يُصلِّها رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ثلاث ليال ، والتراويح تُشرع لها الجماعة ، والوتر لا تُشرع له الجماعة ، فدلَّ على عدم وجوبه . ولا يتفطَّن لهذا إلا من شرَّق وغرَّب في مباحث الزاد وقلَّب صفحاته ليله ونهاره .

    وحجة أبي حنيفة رحمه الله تعالى على وجوب الوتر هو الحديث المرفوع : ” إن الله زادكم صلاةً وهي الوتر “أخرجه أحمد بإسناد صحيح . لكنه مُعارض بما في الصحيحين كما في حديث الأعرابي : ” هل عليَّ غيرُها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، إلا أن تطوَّع ” . والمسألة واسعة تُراجع في الكتب المطوَّلة .

    والزاد بشروحه من المصادر السيَّالة التي تسيل بالفقه والحديث واللغة والمعاني ، تجعل الطالب يزيد رسوخاً وقوة في علمه واستدلاله . فكأن الحجاَّوي يقول لا تكتفي بالفقه بل اعتني بكل ما يجمِّل الفقه ويُعينك عليه .

    ففيه دعوة لفهم مراتب الأدلة والإجماع وكيفية التعليل والراجح من المرجوح .
    وهناك فائدة لمن أجد من نبَّه عليها رغم أهميتها وهي : تصوُّر المسائل .
    فالزاد لم يختصره الحجَّاوي للترجيح فقط ، إنما أراد منه أن يكون مفتاحاً لتصور مباحث الفقه بالمنطوق والمفهوم وكيفية تعليل المسائل .

    فمثلاً مسألة شروط صحة الصلاة لم يُوردها الحجَّاوي في الزاد ، إنما أورد شروط الوجوب . وغايته من هذا أن العبادة لا يمكن تصوُّرها من كافر أو مجنون أو غير مكلَّف .
    فمناط الصحة للعبادة على شروط الصحة ، وبهذا ينبِّه على أهمية الحكم الوضعي وهو مبحث مهم في علم أصول الفقه قلَّ من يحسن الإستدلال عليه من المتعلِّمين ، ومنهم من يُخطىء في تطبيقه عند إرادة العمل به .

    ومثال آخر مسألة ستر العورة التي يقول بعض أهل العلم إنها لا تجب في الصلاة ،بل تُستحبُ لأن الدليل لم ينص عليها ،! أو هل هي شرط وجوب أم شرط صحة ؟ .
    قال الحجاوي في الزاد : ” ومنها ستر العورة فيجب .. ” .

    من أين جاء الوجوب ؟! جاء من الإجماع : ولهذا قال عِلِيش الفقيه المالكي رحمه الله تعالى(ت: 1299هـ):
    ” الإجماع حُجة لا بدَّ له من مُستند قد يُعرف وقد لا يعرف ” .

    فانظر إلى قوله : ” قد يُعرف وقد لا يُعرف ” ففيه درس تربوي مفاده أنه يجب التروِّي في الفهم وعدم تخطئة العلماء في استدلالاتهم وتخريجاتهم .

    ولو راجعت كتابي الإجماع لابن المنذر (ت: 318هـ) والإجماع لابن حزم (ت: 456هـ)رحمهما الله تعالى لوجدتَ النص على هذه المسألة في كتابيهما لإلتباسها على من لم يتصور المسائل الخفية .
    وكذلك من الأمثلة على ضرورة تصور المسألة : مسألة الذهب الملبوس هل تجب فيه الزكاة ؟

    هذه المسألة أوردها الحجَّاوي في الزاد قبل حوالي خمسمئة سنة ، لكنه أفاد بأهم منها وهي : مسألة بيع بعض النساء لشي من ذهبها الملبوس لتنفقَ من ثمنه على نفسها فهنا الذهب : فيه زكاة . وكذلك مسألة شراء النِّساء للذهب الذي فيه ذوات أرواح فهذا : فيه زكاة ، وقد أشار إلى هذا بقوله : ” ولا زكاة في حُلِّيهما المعدِّ للاستعمال أو العارية ، وإن أُعد للكِرى أو النفقة أو كان محرَّماً ففيه الزكاة ” .
    وقصد الحجَّاوي هنا هو تنبيههُ على أن ما صار عروض تجارة من الذهب : ففيه زكاة ، وما كان للاستعمال : فلا زكاة فيه تيسيرا ًعلى المكلَّف. والله أعلم .

    (ب): التحضير لدراسة الزاد :
    قبل دراسة الزاد يجب أن تعلم أن مسائل الفقه فيها الراجح والمرجوح . والعمل بالراجح واجبٌ، سواء في الزاد أو في غيره من الكتب التي أقل منه مرتبة . وارتياح النفس لقول عالمٍ لا يكون حجة للانتصار لقول في مسألة من المسائل . فمقالة من قلَّد عالما ًلقي الله سالماً لا تصح مطلقاً، إلا إذا كان الدليل قوياً وعمل به الفقهاء واتفق عليه الجمهور في الجملة .

    والعاميُّ إذا أخذ بالقول المرجوح لقلة علمه فلا إثم عليه لكنه مأمور بالسُّؤال ، حتى يعلم بيقين ويكون على بينِّة من أمره . والترجيح لا يكون واجباً دائماً ، فيمكن تصور المسألة بالجمع بين الأدلة ، فتكون الأقوال كلها صحيحة ويمكن العمل بها دون ردِّها ودون تنازع أو عصبية .
    من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس أن يعتقد صحة مسألة ثم يستدلُّ لها ، والصحيح أن يستدل ثم يعتقد . فلا بد من التجرد للحق والورع عن الفتوى حتى يمكن تصور المسألة بالهيئة الصحيحة الموافقة للشرع .

    بعض الكتب الفقهية تُورد القول المرجوح تمريناً أو مذاكرة وتُحيل على القول الراجح في المطوَّلات أو لا تحيل عليه ، لكن يُعرف من طريقة المصنِّف في كتابه ، فليس كل قول ورد في الكتب أو المتون هو الحق المبين ، ولو كان الأمر كذلك لاستغنى الناسُ عن العلماء وأهل الفتوى ، فافهم هذا فإنه نفيسٌ جداً .

    هناك مسائل فقهية هي محلُّ نظر واجتهاد فتتعدَّد الأقوال والترجيحات فيها لضعف الدليل وامكانية تأويله أو لعدم جريان العمل والفتوى عليه .

    وفي الزاد مسائل من ذلك بلغت ثلاثين مسألة بعد حذف المكرر، فمن استدرك على الزاد أو غلَّطه ، إنما قصده أن الأكمل كذا أو العمل والفتوى ليست على القول الفلاني أو أن العرف لا يوافقه ونحو ذلك ، فتكون اختيارات الزاد صحيحة من وجه ، واختيارات من استدرك عليه صحيحة من وجه آخر ، وهذا لا يعرفه إلا من طالع أصول الفقه وأكثر النظر فيه .

    وحتى يستريح القلبُ فالدليل الصريح المعمول به هو الذي عليه المعوَّل في الترجيح غالباً ، فليس كل دليل صحيح يُعمل به وليس كل دليل يُفتى به . فإن لم يوجد دليل فينظر إلى ما أجمع عليه أهل العلم ، فإن إجماعهم ببينة ٍ.
    وفي ما تقدَّم تمرينٌ لقارىء الزاد أن ما جرى عليه العمل ملحظ مهم في الترجيح سواء تفطَّن إليه أو لم يتفطن إليه .فأبو حنيفة مثلاً كان يقضي بما اشتهر في العراق من القضاء والفتوى ولم يعارضه دليل ، ومثله الشافعي كان يحتج بعمل أهل مكة ، ومالك أيضا كان يحتج بعمل أهل المدينة .

    القول الراجح في الكتب الفقهية يُعدلُ عنه أحيانا مراعاة لمصلحة راجحة أو مراعاة لِعرف البلد أو تحقيقاً لمصلحة شرعية دلَّ عليها دليل آخر ، أو مراعاة للمآل أو مراعاة للإحتياط أو مراعاة لعموم البلوى ، أو لما جرى عليه العمل في زمان ومكان معين ، أو لتحقيق قول الجمهور أو لحكم قضى به قاضي البلد .
    فهذه قاعدة يجب اعمالها في فهم الزاد وغيره من المتون الفقهية وغيرها من كتب أهل العلم

    والعدول عن القول الراجح يجب أن يكون مبنياً على أصل شرعيِّ من دليل أو تعليلٍ أو قول عالم مشهود له برسوخ العلم والتقوى .

    مثال ذلك أن الراجح عند الإمام أحمد (ت: 241هـ )رحمه الله تعالى هو تضعيف إسناد حديث : ” العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكاً أو حجاماً ” لأن في إسناده مقالاً . فلا اعتبار للصناعة الدنيئة في الكفاءة في النكاح ، لكنه عدل عن الراجح في المسألة فأفتى باعتبار ذلك في الكفاءة مراعاة لعرف الناس وعاداتهم .

    ومثال آخر : صلاة الجمعة تجوز قبل الزوال ، لكن ابن قدامة (ت: 620هـ) رحمه الله تعالى وغيره من الحنابلة ، عدلوا عن القول الراجح خروجا ًمن الخلاف ومراعاة لقول الجمهور القائلين إن وقت الجمعة بعد الزوال .

    ومثال آخر : تكبيرات صلاة الجنازة تجوز إلى ست تكبيرات ، لكن ابن قدامة رحمه الله تعالى وغيره من العلماءعدلوا عن هذا القول مراعاة لقول الجمهور وخروجا ًمن الخلاف . فاحفظ هذا الأصل فإنه نفيس جداً .

    وقبل أن أختم الجزء الأول من هذه السلسلة المباركة أودُّ أن أنبِّه إلى أن المباحث الفقهية تحتاج إلى صبر وعزيمة لا تلين ، لأن النصيب والظَّفر مُعلَّق بالصبر ، كما قال ابن مظفر الصِّقلي(ت: 565هـ ) رحمه الله تعالى : ومن قلَّ فيما يتقيه اصطبارهُ ..فقد قلَّ فيما يرتجيه نَصيبهُ .
    كان البخاري (ت: 256هـ )رحمه الله تعالى يُسرجُ في الليلة حوالي عشرين مرة يكتب التعليق أو الفائدة ثم يستلقي ، هكذا حتى يمضي عليه أكثرُ ليلِه .

    ومع دراستنا للزاد سوف نقتدي بالبخاري في منهجه لفهم الدُّروس ، وهو منهج مهجور للأسف لضعف الهِمم .

    فالمطلوب الآن منك أن تقرأ في النُّسخة المحقَّقة من الزاد عشرين ورقة ، واليوم الثاني لا تقرأ فيه شيئاً ، إنما تربط بين المسائل وتُلاحظ الفروق بينها وتتأمل الوجوه وأحكام التكاليف ، وفي اليوم الثالث قرآءة عشرين ورقة جديدة ، ثم اليوم التالي ربطٌ جديد ، وهكذا لمدة شهر كامل ، فتكون قد فرغتَ من جرد الزاد كُّله جرداً مسحياً في خمسة عشر يوما ً ، وتصوَّرته في عقلك في خمسة عشر يوما ً، وتبقى المعاني والمستغلقات مرقومة بقلمك لفهمها في وقت مستقل ، وسيأتي بيان ذلك في درس قادم من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى .

    هذه الطريقة تستفيد منها أمرين : الأول : معرفة مباحث الزاد وحفظ ما يمكن حفظه من المسائل ، والثاني : التدريب على طريقة الحجَّاوي في استخراج الحكم وتقعيده للمسألة واختصاره للأحكام.

    على سبيل المثال قول الحجَّاوي في الزاد : ” ويُسنُّ تعجيل فِطرٍ ” العبارة واضحة لكن المعنى عند التأمل فيه استغلاق ، وجوابه : أنه ليس من السُّنة الفطر بعد الغروب ، بل السُّنة الفِطر عند الغروب وهذا يكون بغلبة الظن ، ولا يؤكِّده إلا أذان المؤذِّنُ إن كان يسمعه ، أو كونه يعرف وقت الأذان إن كان خارج البلد .

    فالمسألة السابقة فيها حكم وضعي وهو السبب : تعلُّق دخول الوقت بالعلامة الكونية أو بالاعلام الشرعي برفع الأذان ، وفيها حكم تكليفي وهو المندوب .
    وخُلاصة الحكم أن تعجيل الفطر بالعلامة الشرعية المعروفة بالسبب بقسميه الكوني والشرعي : سنة وطاعة وقربة يُؤجر عليها المسلم . والله أعلم .

    مثال آخر : من سكن مكة وليس من أهلها من أين يحج ؟الجواب : يحرم من مكة لحديث : ” حتى أهلُ مكة يهُلُّون من مكة ” .متفق عليه .
    فمن سكن مكة ولو من غير أهلها يسمى مكياً ، فيحرم بالحج من مكانه ، أما العمرة فيلزم الخروج إلى أدنى الحِلِّ .

    وقد أشار الحجاوي إلى المسألة في قوله : ” ومن حج من أهل مكة فمنها ، وعُمرتُه من الحِلِّ ” فقوله ” من مكة ” لا يُقصد أن هذا مقيَّد بأهلها الأصلييِّن ، إنما قصده من كان فيها ولو من غير أهلها . فهذا تدريبٌ منه على استخراج الحكم بالرجوع إلى نصِّ الحديث كما تقدَّم .

    والمسألة فيها تدريب على لفظ العموم عند الأصوليين ، ف(من) تفيد العموم كما هو مقرر عند أهل الصنعة ، كقول الله تعالى : ” نحنُ أعلمُ بمَن فيها ” ( العنكبوت : 32) . والله أعلم .

    تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى .
    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات .
    1439/9/23
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2

    افتراضي رد: تجربتي في دِّراسة الزاد للحجاوي(1) = الشيخ .ا.د. احمد بن مسفر العتيبي

    تجربتي في دِّراسة الزاد (2)

    في الدرس الأول تناولتُ أهمَّ المسائِل التي يجبُ أن يلحظها الطالبُ عند دراسة الزاد ، سواء في باب النظر وجَرد المسائل ، أو في باب الترجيح ، أو في باب تقرير الأحكام . وفي هذا الدرس الثاني تكملة لما تقدَّم من مباحث.

    وهنا تنبيه لطيفٌ قبل أن أدلف إلى المبحث التالي وهو : أن بعض الطلبة أو المتفقِّهين يدرس مسألة معينة من الزاد قبل أن يمرَّ على مسائل الزاد من أول الباب.

    وهذا غلط من وجهين .

    الأول : أن مسائل الزاد مترابطة لا يمكن فصل بعضها عن بعض .

    الثاني : أن بعض معاني المسائل المتأخِّرة تأتي في أول الباب أو الفصل ، فيفوتُ فهمها بتفويت المرور عليها من أول محلِّ سردها ، وهذا لأجل اعمال قاعدة : وجود الأعيان قبل وجود الأذهان ، وهي قاعدة صحيحة أشار إليها الغزالي (ت: 505هـ) رحمه الله تعالى في مِعيار العلم ، فلتراجع .

    مثال ذلك ما أورد الحجَّاوي رحمه الله تعالى في كتاب الظِّهار : ” ولا يُجزُىء من البُّرِ أقلُّ من مُدٍّ ولا من غيره أقل من مُدَّين ” .

    هذه المسألة متعلِّقة بالزكاة في مسائل الظِّهار ، فالأكمل دراسة باب الزكاة قبل النظر فيها .
    فلا يستقيم دراسة مسألة حُكم قضاء زكاة الفِطر قبل مسألة كراهة اخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد ، ودراسة مسألة حكم أخذ مال المشرك دون قتل ، قبل مسألة حكم الغنائم ، ودراسة مسألة حكم الاختلاف في ردِّ العارية قبل مسألة ضمان العارية ، وقس على هذا .

    (ج) : منهج تصوُّر المسائل :
    قبل البدء في تصوُّر مسائل الزاد يجب أن يكون الطالب والمتفقِّه على دِّراية بمسائل الفقه ، وأن يكون قد قطع شوطاً لا بأس به في بحث المسائل الفقهية ، إما حفظاً وفهماً أو تأملاً ومطالعةً . هذا قيدٌ ضروريٌّ لا مناص منه .

    بعد جرد مسائل الزاد وتأملها يأتي ما يسمى بتصوُّر مسائل الزاد .

    ويقصد به : تحليل المفردات ومعرفة القيود وربطها بالأحكام التكليفية والوضعية ، وهذا من أهمِّ مراحل الفهم .

    ومقيِّد هذه السُّطور ينصح بكثرة النظر في علم أُصول الفقه ، فإنه العلم الذي يَقضي ولا يُقضى عليه ، ومن لا يُحكمه فلن ينال الفقه ولو عُمِّر مئة سنة .
    والأحكام الوضعية مهمة للغاية عند مطالعة الزاد ، لأنها تختصر نصف مسافة فهم الزاد ، بعكس من لم يُحط بها .

    مثال ذلك قول الحجَّاوي عن وليمة العرس:
    ” تُسنُّ ولو بشاة فأقلَّ ” .

    قوله : تُسنُّ ، فهم أصولي للمسألة ، لأن الأمر في الحديث : ” أولم ولو بشاةٍ ” مصروف عن الوجوب إلى الندب بالقياس، لأنه طعامٌ لسرور حادث ، فأشبه سائر الأطعمة .
    والقرينة عند الأصوليين : قد تكون نصاً أو إجماعاً أو قياساً أو مفهوماً أو مصلحةً أو ضرورة أو سياق كلام .

    وهذا متقرر فلا بد من فهمه واعماله في كل مسائل الفقه ، لاستخراج الحكم الصحيح الذي يوافق الشرع .

    قد تكون في المسألة الفقهية أقوالٌ عديدة أخرى ، لكن هذا هو الأصل الصحيح للبدء بتصور المسائل ومعرفة مناط الحكم المراد.

    ومن باب المذاكرة فقد قال ابن قدامة (ت: 620هـ) رحمه الله تعالى في المغني : ” لا خلاف بين العلماء أن وليمة العرس سنة ” .

    والفهم يبدأ بحفظ المسألة أو تكرارها ثم تأمُّلها وتقليب صورها في الذِّهن ، وإن أمكن الرجوع إلى كتب الأحكام فهو أنفع ، فإن لم يتيسر ذلك فحبذا الرجوع إلى كتب الفتاوى الموثوقة .
    • المسائل في الزاد على ثلاثة أقسام :

    القسم الأول : مسائل واضحة
    القسم الثاني : مسائل خفية
    القسم الثالث : مسائل مركَّبة من القسمين .

    المسائل الواضحة مثل قول الحجَّاوي : ” لا تجب صلاة الجمعة على مسافر ” .
    فهذه يتضح الحكم فيها من خلال المسألة نفسها بلا عُسر .

    والمسائل المبهمة مثل قول الحجاوي : ” ولا يرِثُ النساءُ بالولاء إلا من أعتقن ، أو أعتقه من أعتقن ” .

    ومعناها : ليس للنِّساء إرثٌ بالولاء إلا من باشرن عتقه بأنفسهن ، أو أعتقه من أعتقن . فلو مات معتق له ابنٌ وبنتٌ فالميراث لابنه.
    هذه المسألة الصعبة سأل عنها الإمام مالك (ت: 179هـ) رحمه الله تعالى ، تسعين قاضياً في العراق فأخطأوا فيها .

    وتوضيحها : ذكرٌ وأنثى اشتريا أباهما ثم عُتق عليهما ، ثم ان الأب اشترى عبداً فأعتقه ، فيرثان أباهما ميراث نسب ، لأن النسب مقدَّم .
    فلو كانت البنتٌ بذلت في قيمة والدها عشرين ألفا ً ، والابن بذل عشرة الآف ، فللذَّكر مِثلُ حظ الأُنثيين ، وعتيق الأب إذا مات يرثه الابن .

    هذا اختصار جواب المسألة . والله أعلم .

    أما المسائل المركَّبة من القسمين : فهي ما يكون حُكمها واضحاً من أول وهلة لكن فيه خفاء .
    مثال ذلك قول الحجَّاوي : ” وإن بنى في الأرض أو غرس لزمه القلعُ وأرش نقصها ” .

    ومعناها : لو أن رجلاً غصبَ أرضاً، فبنى أو زرع فيها ، فإنه يلزمه القلع وتسوية الأرض واصلاحها ودفع قيمة النقص الحاصل من العبث فيها ، حسب تقدير أهل الخِبرة . والله أعلم .
    ما أهمية تصوُّر المسائل ؟

    الجواب : الوقوف على مطابقة الحكم لمراد الشارع الحكيم .
    فعلى سبيل المثال : في باب الآنية قال الحجاَّوي : ” تُباح آنية الكفار ..” .

    هذه المسألة فيها ثلاثة مباحث : الإباحة والآنية والكفار .
    فالإباحة حكم تكليفي أصولي يُراد منه أن الفعل والترك سواء .ويسمى حلالاً وجائزا ً. من أين وردت إباحة أواني الكفار ؟

    الجواب : وردت الإباحة من دليلين : دليل الشرع ودليل العقل .
    فدليل الشرع النص الوارد في كتب الصِّحاح ، ودليل الشرع هو البراءة الأصلية أو ما يسمى استصحاب العدم الأصلي ، أي أن الأصلَ في الأشياء الطهارة حتى يتعيَّن ناقل يُغيِّر الحكم العقلي .

    ولهذا تجد في عبارات الفقهاء قول : ” انتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم . وقد كرَّرها ابن تيمية (ت: 728هـ )رحمه الله تعالى في القواعد النُّورانية ، وهو كتاب مهم كُّله نور .
    هنا مسألة مهمة وهي لو أنه لم يرد دليل من الشرع على إباحة أواني الكفار فهل يجوز لنا الاستدلال بالإباحة العقلية ؟

    الجواب : أننا لا نستدل بالبراءة الأصلية حتى نفتش عن دليل من أدلة الشرع بعد الكتاب والسنة والإجماع وقول الصحابي ، فإن لم نجد فتكون البراءة الأصلية هي المعوَّل عليه في الإحتجاج .

    ولهذا تجد من يقول في الكتب أو في القنوات : الأصل في الأشياء الإباحة . لا بد أن يقيد ذلك بعدم وجود دليل ، لأنه لا يتصور أن يباح شي بلا أصل من الشرع لأنه الحاكم لأفعال المكلفين .
    نعود للمسألة : الآنية : المقصود بها ما يوضع فيه الطعام والشراب كالقدر والكأس والطست ونحوها .

    الكفار المقصود بهم : أهل الكتاب ، ويلحق بهم غيرهم ممن ليسوا بأهل كتاب ممن لا تحلُّ ذبائحهم . فيكون حكم المسألة : جواز استعمال آنية الكفار .

    لكن بقي هنا قَيدٌ قد لا يتنبَّه له البعض ، وهو إذا كان في الإناء نجاسة كبقية عَرق خنزير أو دُهن لحمه ، فإن الآنية هنا لا تكون جائزة لوجود ما يُفسد حالها الأصلي الذي خلقه الله عليها وهي الطهارة ، فهنا يجب غَسلها وتطهيرها ليمكن استعمالها .

    من الأمثلة أيضا في الزاد التي من خلالها يمكن تنوير فهم المتأمِّل في تصور المسائل : مسألة لبس الخاتم الفضة للرجل .

    هذه المسألة خاض الناسُ فيها كثيراً بين مانع وقانع .

    فالمانع يقول إنه خاص بالسُّلطان والحاكم وأهل الولاية ممن يحتاجون إلى كتابة الاسم والتوقيع به ، والقانع أي المجيز يقول إنه كان من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا موضع مناقشة القولين .

    لكن الصحيح والراجح : أن خاتم الفضة للرجل مباحٌ وليس بسنة ، فلا يجوز الخلط بين الحكمين التكليفيين .

    فالمباح هو الجائز الذي فِعلهُ وتركه سواء. لكن السنة هي هي المندوب والمستحب .
    ولا يوجد في أحاديث خاتم الفضة قرينة تؤكِّد أنه مسنون .

    ولهذا قال الحجَّاوي رحمه الله تعالى في الزاد : ” ويباح للذَّكر من الفضة الخاتم ” .
    فقوله : ” يباح ” تنبيه على ضرورة تصور الحكم التكليفي ، حتى لا يختلط بغيره من الأحكام التكليفية الأخرى .

    ومن قال باستحبابِ لبسِ خاتمِ الفضةِ يلزمهُ القول بأن لبسَ الرداءِ والإزارِ مستحبٌ ، وهو الأفضلُ لكلِ أحدٍ أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميصِ ، وكذلك لبسُ العمامةِ والنعالِ السبتيةِ .

    فالرسول صلى اللهُ عليه وسلم لم يقصد القربةَ في هذهِ الأفعالِ ، فيحمل لبُسه صلى اللهُ عليه وسلم للخاتمِ على الإباحةِ في حقِّهِ وحقِ أمتهِ.

    وقد أسَّس المرداوي رحمه الله تعالى لهذا الفهم في الإنصاف( 3/142 ) فليراجع لأهمِّيته .

    ومن الأمثلة التي تُقرِّب تصوير المسائل : حكم اطالة المصلي للسُّجود أكثر من الركوع أو أكثر من الرفع من الركوع.

    هذه المسألة الأصل فيها السنة النبوية وليس ما يشتهيه الإمام ، إن كان المصلِّي يُصلِّي خلف إمامه.

    فيجوز للمنفرد أن يُطيل ما يشاء من الأركان والواجبات لاستجلاب الخشوع والتلذذ بالطاعة .
    لكن الأكمل للمنفرد وللإمام الإقتداء ، لقول أنس رض الله عنه : ” ما صليتُ خلف أحدٍ أوجز صلاة ولا أتمَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أخرجه مسلم في صحيحه .

    وعن ابن أبي ليلى، عن البراء، قال: ” كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود، قريباً من السواء ” متفق عليه .

    فهذان النصان يُفيدان أن الصلاة يُسنُّ أن تكون موجزة – ما عدا القيام – ولا يزيد بعضها عن بعض في حال صلاة الإمام بالمأموميين .

    وقد أوردها الحجاوي في الزاد حيث قال : ” ويُسنُّ لإمام التخفيف مع الإتمام ” .

    • وهناك طرق ميسرة تُساعد على تصور المسائل ومنها :

    1- البحث عن تعليل حكم المسألة إما بالسؤال أو بمطالعة كلام العلماء . قال الحجاوي عن زكاة الفطر : ” ولا يمنعها الدَّين إلا بطلبه ”
    تعليل المسألة : أنها ليست متعلقة بالمال بل متعلِّقة بالذِّمة .

    2- النظر في الفروق الشرعية للأسماء ، لأن الاختلاف في الغالب يوجب المغايرة . قال الحجاوي : ” ولا يصح إلا في مسجد ” يعني أن الإعتكاف لا يصح في المصلَّيات لاختلاف مدلولها وماهيتها ، فهي ليست دائمة بل مؤقتة، والعبادة في المكان المؤقت لا يستقيم أثرها في النفس ، في الغالب .

    3- الحكم بالظن الراجح في الأمر الذي لا دليل عليه .
    قال الحجاوي : ” لا حيض قبل تسع سنين ” .فنحنُ نحكم على بنت ثمان سنين بعدم التكليف لظنَّنا أنها لم تبلغ ، فلا تُعاقب على فعل شرعيِّ أوجبه عليها الشارع الحكيم .

    4- لا تصح المفاضلة بين أمرين إلا بدليل : قال الحجَّاوي : ” صلاة الليل أفضل من صلاة النهار ”
    هذا التفضيل أصله الحديث المرفوع :
    ” أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل ” أخرجه مسلم .

    فمن فضَّل صلاة الضُّحى على صلاة الليل فَيُردُّ عليه بهذا الحديث .

    5- براءة الذِّمة ترتفع بالعجز : قال الحجَّاوي : ” الزوج لا يلزمه كفن امرأته ” .
    يعني لو كان مُوسراً فمن مكارم الاخلاق شراء كفنها ، وقد يلزمه وجوباً لأنه محرمها ، وإن كان معسراً فإن الكفن لا يلزمه .

    وقد أخطأ بعضُ الشراح للزاد حين قالوا : لا يجب كفن الزوجة على الزوج لأن الاستمتاع فات محلُّه ! ، وهو تعليل سقيم . فليته يُصحَّح .

    6- إذا استهلَّت المسألة بحكم تكليفي فلا بد أن يكون الحكم قطعياً في الغالب : قال الحجاوي : ” تُكره صلاة العيد في الجامع ” .

    ووجه الكراهة لأن صلاة العيد صلاَّها الرسول صلى الله عليه وسلم في المصلَّى .
    ويستثى من ذلك حالتان: أهل مكة يُصلُّون في الحرم ، ومن أصابه مطر أو ريح ونحوهما .

    7-الرضا لا يكون مُطِّردا دائماً . قال الحجَّاوي : “فإن رضيت المرأة الكبيرة مجبوبا أوعنِّينا لم تُمنع ، بل من مجنون ومجذوم وأبرص ” .
    فرضاها قُبل في الأولى ورُدَّ في الثانية .

    8- الحكم بالظاهر من أدلة الشرع : قال الحجاوي : ” وما وجد مع اللقيط فهو له ” . يعني متاعه وماله ونحو ذلك .

    9- التركيز على النُّعوت والأوصاف في المسائل : قال الحجاوي في الزاد :
    ” وإن خرج أهل الذِّمة منفردين عن المسلمين لا بيوم لم يُمنعوا ” .

    هذه المسألة في حكم خروج أهل الذِّمة لصلاة الاستسقاء ، وقد قيَّد خروجهم بكونهم منفردين في مكان خروجهم لا في يومه ، فلا يختلطوا بالمسلمين .
    والعِلة أنه ربما نزل مَطرٌ في يوم خروج أهل الذِّمة فَيفتتن بهم الناس .

    فالوصف والنعت الوارد في المسألة أفاد التخصيص فأوجب حُكماً مغايراً مما يساعد على فهم المسألة . وقِس على هذا بقية النُّعوت والأوصاف التي تأتي في المسائل .

    10- تتبُّع الجزئيات : قال الحجَّاوي : ” أكثر مدة الحمل أربع سنين ” . هذا عرف بالاستقراء والتتبع . وهو حجة ظنية غالبة ، ومن أهل العلم من يقول بوجوبه . والله أعلم .

    تم الدرس الثاني ، ويليه الدرس الثالث إن شاء الله تعالى .
    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات .
    1439/9/28
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  3. #3

    افتراضي رد: تجربتي في دِّراسة الزاد للحجاوي(1) = الشيخ .ا.د. احمد بن مسفر العتيبي

    تجربتي في دِّراسة الزاد (3)

    في الدرس الثاني تناولتُ بشي ٍمن التفصيل مسألة تصور المسائل في الزاد ، وأشرتُ إلى ضرورة ترتيب المسائل في الذِّهن كما نبَّه عليها الغزالي (ت: 505هـ)رحمه الله تعالى ، وأردفتُ ذلك بطرق تصور المسائل مع التمثيل والمدارسة لكثير من الأحكام الفقهية على حسب ما يقتضيه المقام .

    (د) : تحرير محلِّ النِّزاع :
    بعد تصوُّر جميع المسائل في الزاد ندلف إلى تحرير محل النِّزاع .
    المقصود بتحرير محلِّ النِّزاع : بيان سبب الخِلاف وتعيِّين المتفق عليه والمختلف فيه ، ثم تلخيص الجواب المناسب.
    والغاية من تحرير محل النِّزاع : معرفة مقاصد الحكم والزام الخصم بمناط الصواب في المسألة ، وتجنب الاستطراد فيما لا صِّلة له بأصل البحث.

    وليس المقصود هو غلبة الخصم أو الطرف الآخر ، إنما المقصود تقوية الدُّربة على كيفية المقارنة بين الأدلة ومعرفة مناط الحكم فيها واستخراج الأقوى والأحكم على حسب قواعد الشريعة ، وهذا لا يأتي دفعة واحدة إنما يأتي مع الأيام والليالي .

    طُّرق تحرير محلِّ النِّزاع كثيرة منها : استقراء نوع الخِلاف هل هو لفظي أم معنوي ؟ ، توضيح المصطلحات المختلف فيها ، بيان الدليل ونوعه وقوته وتخريجه . ويمكن مطالعة كتب أصول الفقه للتوسُّع في ذلك .

    وتحرير محل النِّزاع مهم ، لأن به يمكن معرفة الحجج الشرعية ودفع الشُّبه وقوادح الأدلة ومعرفة البراهين .

    فالخلاف عند التأمُّل ضيق يفضي إلى سعة ، وفيه تربية للنفس على بذل الإخلاص والعلم ومعرفة أقدار العلماء ومناقبهم.

    وهنا يجب التوضيح والتنوير أن التحرير معناه زيادة البحث وتقليب الحجة ومراجعة الجواب قبل الحكم ، ومحاولة فهم عبارات العلماء في استنباطاتهم وتخريجاتهم .

    فحروف مثل : لو ، حتى ، إن ، ترد كثيراً في الزاد ، ويُقصد بها أن في المسألة خلاف يجب مراعاته . فلو للخلاف القوي ، وحتى للخلاف المتوسط ، وإن للخلاف الضعيف .
    فمن طالع في الزاد لاحظ هذا كثيراً في مسائله :

    كقول الحجاوي رحمه الله تعالى : ” وتعجيلها أفضل ، ولو صلَّى وحده ” ، ” ويحرم تطوع بغيرها حتى ما له سبب ” ، ” فإن استويا في إذن أو عدمه فالثانية باطلة” ، ” وكذا لو أذن ولو في غير وقته ” ، ” وله السُّؤال عند آية رحمة ولو في فرض” ، ” حتى في نكاح فاسد فيه خلاف” ، ” وانتظار داخل إن لم يشق على مأموم ” .

    وغيرها كثير في مواضع متفرقة في الزاد ، قصد منها الحجاوي تقوية المَلكة عند البحث والمطالعة للمسائل.

    وهنا أقيد الأمثلة من الزاد على كيفية تحرير محلِّ النِّزاع بإيجاز ، لكن يجب التنبيه أن الأمثلة هنا للتقريب ، لأن تحرير النِّزاع يحتاج إلى نفس طويل وصفحات طويلة لكل مثال يُقصد توضيحه ، وليس هذا محلُّه ، ومن أراد التوسع فليراجع الكتب المخصصة لذلك وهي مذكورة في أسفل المقال . والله الموفِّق.

    (1) قال الحجَّاوي رحمه الله تعالى : ” ومن مَسح في سفر ثم أقام ، أو عكس أو شك في ابتدائه : فمَسحُ مقيم ” .

    حُجة الحنابلة في كونه يمسح مسح مقيم في الحالات الثلاث ، هو التغليب لأحد طرفيها وهو الحضر أي الإقامة ، فالسفر طارىٌء ، وكل مسافر سيصل ويقيم ، والأغلب على الناس هو إقامتهم ، وسفرهم ليس بدائم . وبهذا قال الإمام الشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى وكثير من فقهاء الإسلام.

    أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقد خالف في المسألة وقال الصحيح إنه يمسح مسح مسافر للحديث المشهور : ” يمسحُ المسافر ثلاثة أيام بلياليهن ” أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ، ووجه استشهاد أبي حنيفة أن الحكم مُتعلِّق بالوقت فيعتبر فيه آخره.

    وقد قال بهذا الرأي أيضا الإمام أحمد رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين عنه في المسألة .
    أما الجواب عن تعليل الرواية الثانية عند الإمام أحمد : أن السبب الذي يَستبيح به المدة قد وجد ، فيمسح مسح مسافر.

    وقد تحصَّل من هذا أن الخلاف في المسألة يسيرٌ جداً ، ولكل حجته وتعليله كما سبق ، ولا ثمرة لهذا الخلاف ولله الحمد ، فيكون مرفوعاً حُكماً ، لأن العبادة وقعت بمقتضى الدليل لكن اختلف في كيفيتها .

    (2) قال الحجاوي رحمه الله تعالى : ” سجود التلاوة صلاةٌ يسنُّ للقارىء والمستمع دون السامع ” .
    الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال في سجود التلاوة إنه سنة مؤكدة والإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال إنه واجب .

    دليل الإمام أحمد ما في جاء في الصحيحين أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ” قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النَّجم ولم يسجد فيها ” ، فلو كان السجود واجباً لما أقرَّه صلى الله عليه وسلم على فعله ولأمره بالسجود .

    ودليل الإمام أبي حنيفة على وجوب السُّجود هو مطلق الأمر في وجوب السجود لحديث : ” أُمر ابني آدم بالسُّجود فسجد فله الجنة ” أخرجه مسلم ، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على السُّجود ، ولرواية ابن عمر رضي الله عنهما : ” السجدة على من سمعها أو قرأها ” أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا .

    وقد قد تحصَّل من هذا الخلاف أن الإمام أحمد وازن بين الأحاديث فلم يستدل بالأقوى من فعله صلى الله عليه وسلم ، بل أخذ بما اشتهر عنه ، ففهم منه سُنيَّة السجود لا وجوبه .
    بينما الإمامُ أبي حنيفة أعمل قاعدة الإحتياط ، لأن السُّجود جزء من الصلاة أصلاً ، وبسبب تعارض الأحاديث فقد قدَّم الأحوط حماية للركن الثاني من أركان الصلاة ، وتعظيماً لكلام الله تعالى وإجلالاً له .

    (3) قال الحجاوي رحمه الله تعالى : ” ولا يُقطع أحدٌ من الزوجين بسرقته من مال الآخر ” .
    الإمام أحمد قال بعدم قطع أحد الزوجين إذا سَرق أحدهما من الآخر من مال مشترك بينهما .لكن إن كان المال خاصاً بأحدهما وسَرق منه الآخر، فقد قال الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه بعدم القطع ، وقد خالفه في ذلك الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله تعالى .

    دليل الإمام أحمد : أن غلام الحضرمي سرق مرآة زوجته ، فقال عمر رض الله عنه : ” لا قَطع عليه ، خادمكم أخذ متاعكم ” . أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح .

    وحجة بقية الائمة أنه مال محترم وآية السرقة عامة تشمل الزوجين وغير الزوجين ، لأن ذلك حدٌّ من حدود الله يجب تعظيمه وعدم تضييعه .
    ولم يرد عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفريق بين مال الزوجين ومال غيرهما في استيفاء الحدود .

    والصحيح قول الإمام أحمد لأن الحدود تُدرأ بالشبهات ، والقطع من أجل سرقة أحد الزوجين فيه شُّبهة كما لا يخفى .
    فقول الحجاوي : ” لا يقطع ” نفي وجزم للقطع هذه المسألة وهو مأخوذ من الاستقراء لنصوص السنة وتمحيص الأدلة .

    وقول بقية الأئمة بالقطع يبدو أنه للزجر ، لأن القطع بأمر الإمام لا بفتوى القاضي ، ولا يصح مخالفة الدليل رغبةً في موافقة قول المذهب كما هو متقرر في قواعد الفقه .
    وحتى يتمكن دارس الزاد من تحرير النِّزاع في المسائل ، يجب عليه أن يقوِّي مَلكته في مسائل التحرير للأدلة والأحكام مثل :

    حكم التعليل مع القياس ، وحكم العِلة القاصرة والمتعدية ، حكم الترك القادح وغير القادح ، حكم تقديم الإباحة على التحريم ، متى تقدم المفسدة على المصلحة ؟ ، حكم الاستقصاء في اتِّباع السٌّنة ، حكم فعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، حكم فعل السنة التي لم تتبين ، حكم العمل بمشقة زائدة ، كيف نُرجِّح عند تعارض الأدلة ؟ ، حكم تخصيص الإباحة ، حكم التوقف عند الشُّبهة .

    وهناك قواعد تفيد في تحرير محلِّ النِّزاع مثل :
    إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام ، والخروج من الخلاف مستحب ، وما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحرِّي ، ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح ، وإذا اختلف أهل اللغة في مسمَّى ولا مرجِّح تعيَّن الإحتياط ، وباب الحرمة مبني على الاحتياط فيجوز اثباته مع الاحتمال ، والشُّبهة تقوم مقام الحقيقة فيما يُبنى على الاحتياط .

    ومما يفيد في تحرير مسائل النِّزاع : أن قول الصحابي مردودٌ الى السنة ، وشرع من قبلنا مردود الى القرآن إذا قصَّه الله تعالى من غير انكار ولم يرد في الشرع ما يخالفه ، والاستصحاب مرجعه في الغالب الى القرآن وأحياناً الى السُّنة ، وتارة الى القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة والمناسبة العقلية .

    وإذا تكافأت الأدلة أو تقاربت قوتها أو لم تنضبط عِللُها وأسبابها أو دار الفعل بين حكمين من أحكام التكليف ، كالوجوب والندب والتحريم والكراهة ، فحينئذ يجب الاحتياط كقاعدة شرعية يركن إليها أهل العلم لإبراء الذِّمة ، لأنه إذا إذا تعارض مانعٌ ومبيحٌ قُدِّم المانع لأنه أحوط للترجيح كما نص عليه كثير من العلماء .

    وهناك أمرٌ مهم لم أر من نبَّه عليه في مثل هذه المباحث، وهو يعين كثيرا في تحرير محل النِّزاع ، وهو مطالعة أبواب الأحاديث في كتب السٌّنن والصِّحاح ، فهي مفتاح لكثير من المسائل المستغلقة التي قد تخفى على كثيرٍ من الخواص والعوام .

    وقد ذكر لي بعض مشايخي أنه في شعبان سنة 1391هجرية ، حدث لغطٌ وجدل بين بعض العلماء ، حول مسألة توحيد مطالع الأهلة لشهر رمضان ، في جميع البلاد الإسلامية ، فاقترح كثير منهم أن توحَّد المطالع ، حتى يكون صوم الناس جميعاً في كل البلاد الإسلامية وفطرهم جميعا.

    وكان من أبرز من عارض ذلك العلامة عبد الله بن محمد بن حُميد (ت: 1402هـ )رحمه الله تعالى ، فانظر كيف ردَّ على العلماء وكيف وهَّن تلك الفتوى ، حيث استدل بما في صحيح مسلم عن كريب : أنَّ أمُّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمتُ الشام فقضيتُ حاجتها ، واستهل عليَّ رمضانُ وأنا بالشام ، فرأيتُ الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة ، فقال أنتَ رأيته ؟ ، فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نُكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت: أو لا نكتفي برؤية معاوية وصيامه ، فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .أهـ .

    فهذا الأثر فيه فوائد منها : أن لكل بلدٍ رؤيتهم ، وقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول اله صلى الله عليه وسلم ، يدلُّ وجوباً على أن لكل بلد مطلع ، ومنها أن ابن عباس لم يرد خَبر كريب بناء على أنه خبر واحد .

    وقد ترجم مسلم في صحيحه لهذا الأثر بقوله : باب بيان أن لكل بلد ٍرؤيتهم ، ومثله أبو داود في سُّننه ، ومثله الترمذي في جامعه.

    ومن الفوائد أيضاً أن الحكم الوضعي في هذه المسألة معتبر ، لأن الصوم والإفطار متعلِّقان بالسبب الذي هو الرؤية كل بلد بحسبه.
    ولو رجعنا إلى كتاب الزاد للحجاوي لرأينا أنه أورد هذه المسألة عند قوله : ” وإذا رآه أهل بلدٍ لزم الناس كلهم الصوم ” .

    ومعناه : لو رؤي في مكة ، للزم من حولها من المدن الصوم ، كالطائف وجدة وينبع حتى آخر مكان تختلف فيه المطالع .

    والعلامة البهوتي (ت: 1051هـ)رحمه الله تعالى عندما شرح هذا الموضع في الروض قال إنه عامٌّ للأمة كلها ، وهذه زلٌّة منه عفى الله تعالى عنه ، لأن البلدان البعيدة لها مطالع مختلفة بحسب درجة الشمس عندهم ، فكل حركة للشمس لها مطلع في بلد بحسب تقدير الله في الكون ، تارة تكون بطلوع الفجر في بلد وتارة بعكسه حتى يروا الهلال .

    (4): هذا المثال من خارج الزاد ولم يورده الحجاوي في مختصره : هل يصح الحج بمال حرام ؟. عند الحنفية والشافعية ورواية عند المالكية ، أن المال في الحج شرط للوجوب وليس شرطاً للصحة ، فلا تلازم بين أعمال الحج وبين نفقته ، لكنه يأثم على الحج بمال حرام ، ولهذا قال الونشريسي (ت:914هـ) رحمه الله تعالى : ” إذا حجَّ بمال مغصوب ضَمِنه وأجزأه حجُّه ، وهذا قول الجمهور ” ، وقد رجَّح القرافي صحة الحج بمال حرام خلافاً لأحمد .

    أما الحنابلة فقالوا بعدم الإجزاء وعدم برآءة الذِّمة ، لأن النفقة في الحج شرطٌ من شروط صحة الحج ، لا شرطاً من شروط الأداء والوجوب .
    والراجح عند العلماء أن الحج بمالٍ حرام صحيح مع الإثم ،وقد قال المحقِّقون هنا : إن الحج صحيح قياساً على من صام ولم يَسلم لسانُه من الغيبة ، فصيامه صحيح مع الإثم وأجره ناقصٌ.

    وقالوا أيضاً مثل ذلك : إن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحةٌ مع الإثم ، لكن تبرءُ الذِّمة بأداء الفريضة .

    أما دليل : ” وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى ” ( البقرة:197 ) ، فليس نصاً في المسألة لعمومه ولعدم قطعيته في المسألة بعينها كما حرَّره العلماء ، فلا يكفي للاحتجاج به ، وأما الأحاديث فأكثرها ضعيف في هذه المسألة ، والصحيح منها يُحمل على الزجر والوعيد لا لردِّ القبول وعدم الصحة . والله أعلم.

    أما الكتب التي تُساعد على تحرير محلِّ النِّزاع فهي كثيرةٌ جداً ، منها:
    المغني لابن قدامة ، والمجموع للنووي ، والمبسوط للسرخسي والإحكام لابن حزم ، والموافقات للشاطبي ، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام لا بن تيمية ، والاستذكار لابن عبد البر، والتقرير والتحرير لابن أمير الحاج ، وحاشية ابن عابدين ، والمنخول للغزالي ، وحاشية ابن قاسم على الروض ، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للأشقر . ونحوها من الكتب المهمة المحرَّرة المجودة.

    وفي خاتمة هذا الدرس أودُّ أن أنبِّه إلى أن التخطيط الجيد لفهم المسائل، أمرٌ يحتاج إلى دُّربة وعناية لاختصار الوقت والجهد والصحة ، وقد يحتاج أحياناً إلى الحيلة الشرعية التي تأتي بطريق البناء العقلي.

    ومن اللطائف التي تُروى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، أنه احتاج الى الماء في طريق الحج فساوم أعرابياً قِربة ماء فلم يبعه إلا بخمسة دراهم ، فاشتراه بها ثم قال له : كيف أنت بالسويق ؟ ، فقال أريده ، فوضعه بين يديه فأكل ما أراد وعطش فطلب الماء ، فلم يُعطه حتى اشترى منه شَربة بخمسة دراهم .أهـ .

    ظهرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بمبادىء التفكير الإبداعي ، وهي نظريات مستقاة من الغرب تم غربلتها ووضع مسحة إسلامية شرعية لها ، وقد تم الترويج لها بهالة إعلامية مثل : القبعة البيضاء ويقصد بها الموضوعية ، والقبعة الحمراء ويقصد بها العاطفية في البحث ، والقبعة السوداء ويقصد بها السلبية في البحث ، والقبعة الصفراء ويقصد بها التغيير الإيجابي ، والقبعة الخضراء ويقصد بها الإبتكار ، والقبعة الزرقاء ويقصد بها التحكم في التفكير .
    فمثل هذه الطُّرق الإبداعية هي مضيعة للوقت في دراسة الفقه تحديداً ، ولا يمكن أن تخرِّج فقيهاً ولا عالماً ، ولا باحثاً ضليعاً .

    والبديل عنها هو : الإفادة من استراتيجيات التعلُّم التي لا تتعارض مع مبادىء البحث الإسلامي ، كالتفكير بالمقلوب ، والتفكير بالدمج ، والتفكير غير المألوف ، والتفكير خارج الصندوق . وهي مشروحةٌ ومفصَّلة في كتب التفكير الإبداعي .

    ويمكن أن نستعين بالخرائط الذهنية في تحرير محلِّ النِّزاع ، لكن لا بد من جعل الكتب والبحث فيها ومراجعتها أصلاً لا يحيد عنه طالب الفقه الإسلامي قيد أنملة .
    حدثني بعضُ طلبة العلم في المغرب أن مشايخهم يكرِّسون حياتهم في الجمع بين خُلاصة العلم ولبِّه وبين تصوُّر المسائل ورصد الحجج والكليات ، سواء كانت جنساً أو نوعاً أو فصلاً أو خاصةً أو عرضاً ، مع العناية بالحدِّ والرسمِ والمثال ، وهذه الطريقة منطقية ومفيدة في فهم المباحث وتعليل المسائل . والله أعلم .

    انتهى الدرس الثالث ويليه الدرس الرابع إن شاء الله تعالى .

    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
    1439/10/7
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •