القـــــرآن

وفاء الزهراني

الحمدلله الذي جعل جنة الفردوس لعبادة المؤمنين نزلاً، ويسرهم للأعمال الصالحة فلم يتخذوا سواها شغلاً.. سهل لهم طريقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا، وصلى الله وسلم على محمد الذي كمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً.
لما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم؛ فإذا علَم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوباً بالنغص ممزوجاً بالغصص إن أضحك كثيراً أبكى كثيراً وإن سر يوماً أحزن شهوراً.
وإنما يظهر الغبن الفاحش في يوم التغابن يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً ويساق المجرمون إلى جهنم ورداً، يوم ينادي المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد، ولو تخيلت المتخلفة عن أهل الجنة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام لعلمت أي بضاعة أضاعت، وأنها لا خير لها في حياتها فهي معدودة من سقط المتاع وعلمت أن القوم قد توسطوا ملكاً كبيراً لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال، فهم في روضات الجنات يتقلبون وعلى أسوتهم تحت الحجال يجلسون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ* بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ* لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ* وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ* وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ* وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ* جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
نعيم الجنة يفوق الوصف ويقصر دونه الخيال ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا، ومهما ترقى الناس في دنياهم فسيبقى ما يبلغونه أمراً هيناً بالنسبة لنعيم الآخرة، فالجنة هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد, وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة وشرفها بأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.
وأعظم الفوز هو الفوز بدخول الجنة ومن أسباب دخول الجنة قراءة القرآن وحفظه وتدبره والعمل به، فهو كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الجد ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.
هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تفنى عجائبه, لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا {إنا سمعنا قرآناً عجباً} من قال به صدق ومن عمل به أُجر ومن دعى إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
من قرأ حرفاً منه كتبت له عشر حسنات، ويأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، ويقال له يوم القيامة اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته فلمثل هذا فليعمل العاملون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أختي في الله:
لسنا على شيء حتى نقيم القرآن فلهذا نزل {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} وقال: {فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} فإنه ما نزل إلا لنتدبره ونعمل بما فيه.