بيوت محطّمة


العنود الزمام


تعيش الأمّة الإسلاميّة في وقتنا الحاضر مرحلة عصيبة وحرجة من تاريخها المديد؛ حيث تواجه كمّاً كبيراً من المشكلات على المستويين الفرديّ والجماعيّ وتحتاج إلى تضافر جهود أبنائها لتجاوزها وتقدّم الحلول لها من خلال منظور إسلاميّ وتصوّر صحيح للمشكلة...
ومن أهمّ المشكلات التي تواجه المجتمع المسلم المعاصر التفكّك الأسريّ الذي نتج عنه قائمة
طويلة من المشكلات ( والمقصود به ) صفف علاقات أفراد الأسرة فيما بينهم، وحدوث توتّرات بين أفرادها، وغياب جوّ المودّة والرحمة والدفء.
علاقات سيّئة وأولاد منحرفين:
للتفكّك الأسريّ آثار وخيمة ومدمّرة؛ فهي سبب لسوء علاقات الزوجين بالآخرين، وخصوصاً
الأقارب، كما أنّ هذه الأسرة المحطّمة تربة خصبة لانحراف الأبناء؛ لعدم الأمان الاجتماعيّ،
وضعف القدرة على مواجهة المشكلات.
وطبقاً للدراسات فإنّ النسبة الكبيرة من أطفال الشوارع وأطفال دور الأحداث ينحدرون من
أسر مفكّكة.
وأكّدت دراسة مسحيّة بعنوان "ظاهرة تشرّد الأطفال أسبابها وأساليب علاجها والجهات
المسؤولة عن مواجهتها" أنّ التفكّك الأسريّ هو أهمّ سبب في انتشار ظاهرة تشرّد الأطفال،
حيث أنّ نسبة 50% من أفراد العينة التي تمّ إجراء الدراسة عليها ترى أنّ التفكّك الأسريّ هو أهمّ سبب لظاهرة تشرّد الأطفال.
وتشير دراسة للأستاذ فهد الرويس أنّ 70% من المنحرفين في دار رعاية الأحداث بالرياض
يعيشون في جوّ أسريّ يسوده الشجار والصراعات العائليّة.
وتؤكّد "سامية خضر" أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أنّ التفكّك البنائي الناتج عن سفر الأزواج وعن ابتعادهم عن زوجاتهم و أبنائهم يعرّض الأبناء إلى الانحرافات نظراً لعدم
قدرة الأمّ على السيطرة.
عقوق وجفاف في العلاقة:
و يتفشّى لدى الأسر المفكّكة عقوق الوالدين، وانعدام الألفة والحنان بين أفراد الأسرة الواحدة، فكلّ مشغول بهمومه الخاصّة وآلامه عن الإحساس بآلام بقيّة أفراد أسرته.
كما أنّ نسب جرائم العنف الأسريّ تزداد في الأسر المفكّكة، فقد ذكرت إحدى الدراسات التي أجراها المركز القوميّ للبحوث الاجتماعيّة والجنائيّة في مصر: أنّ الأسر المفكّكة ترتفع فيها
نسبة جرائم العنف الأسريّ، وأشارت هذه الدراسة إلى أنّ 87% من مرتكبي هذه الجرائم من
المتزوّجين.
التفكّك الأسريّ وتوتّر العلاقات الدوليّة علاقة طرديّة:
والغريب الذي نجهله أنّ الدراسات أثبتت أنّ ظواهر الإجرام وانحلال الأخلاق وتوتّر العلاقات
بين الدول وظهور القيادات التي كانت سبباً في الحروب المدمّرة وحدوث القلاقل والمجاعات المهلكة مردّها إلى أنّ الروابط النفسيّة ضائعة، وأنّ أجيالا تربّت وترعرعت بعيداً عن مشاعر الحنان والمودّة والرحمة فانتكست فطرتها، وانغمست في بؤر الفساد، واستحوذ عليها حبّ
الانتقام وإراقة الدماء و الاستهانة بكرامة الإنسان.
التفكّك أنواع:
التفكّك نوعان نفسيّ وبنائيّ، فالنفسيّ يكون بوجود الوالدين لكن مع الخلافات بينهما.
أما البنائي فينشأ عن غياب الوالدين أحدهما أو كلاهما، بموت أو طلاق أو هجر أحد الزوجين
للأبناء بانشغاله بالعمل عنهم؛ فلا يشرف على تربية الأولاد وتوجيههم.
الأسرة بلا منهاج ربانيّ قوقعة فارغة:
أسباب التفكّك الأسريّ كثيرة وعميقة ومتداخلة من عدّة اتجاهات، وترجع في الأغلب إلى انفصال الآباء عن بعضهم أو انشغالهم عن الأولاد، فكلاً يفكّر بمنطق مختلف لعدم وجود الموجّه... لكن أهمّ سبب في تحطّم البيوت عدم الالتزام بالأسس الشرعيّة ابتداء بقبول الزوجين وتوافر شروط الصلاح والأيمان بما يدعم استقرار الزواج تحقيق السكن والمودّة،
مروراً بإساءة فهم مفهوم القوّامة من الطرفين، وانتهاءً بالتربية السليمة التي يفشل بعض
الأزواج في تنشئة الأبناء عليها، فتنشأ أسرة واحدة في السكن لكنّها كقوقعة فارغة.
غياب المهارات:
حينما تغيب المهارات الإنسانيّة العلاقات الزوجيّة يكون التصادم هو النتيجة الحتميّة عند أقرب محطّة للخلافات التي قد تكون عاديّة، أضف إلى ذلك ثورة الآمال وتحطّم التوقّعات؛ فلكلّ طرف تطلّعات قبل الزواج، سواء في التعامل... الخ فحينما تنهار هذه التوقّعات تتحوّل إلى ثورة عكسيّة للإحباط.
المناهج المستوردة لغم:
وممّا يؤثّر على تماسك الأسرة المناهج الملغومة بأفكار وتصوّرات وقيم تعمل على استنساخ
النموذج الغربيّ للعلاقة بين الرجل والمرأة لمفهوم الأسرة بخاصّة، كذلك تلعب وسائل الأعلام
المتأثّرة بالغرب دوراً خطيراً.
الاختلاط قنبلة موقوتة:
الاختلاط مدخل من مداخل الشيطان التي تهبّ منها ريح السموم التي من شأنها أن تطيح بكيان الأسرة ولو بعد حين.
ولا ننسى دور الخدم في تفكّك الأسرة خصوصاً حين تقوم الخادمة بدور الأمّ البديلة؛ فتضعف
التنشئة وينقص التوجيه والإرشاد العائلي.
ومن الأسباب ـ أيضاً ـ تأثّر الفرد والأسرة بالقيم الدنيويّة والسعي وراء المادّة.
اعدلوا بين أولادكم:
وثمة أسر تفكّكت وضعفت علاقات أفرادها ببعض، وساد الحقد والحسد بينهم بسبب عدم عدل أحد الوالدين وتفضيل أحد الأولاد على غيره... أو حينما ينبذ أحد أفراد الأسرة لأسباب ماديّة ممّا يضفي عليه إحساساً بالوحشة والانفراد.
الوقاية خير من العلاج:
الحقائق التي لا خلاف فيها بين علماء المجتمع والتربية أنّ الأسرة عماد المجتمع وقاعدة الحياة الإنسانيّة، فإذا ما أسّست على دعائم راسخة من الدين والخلق والترابط الحميم، فإنّها
تكون لبنة قويّة في بنيان الأمّة، فصلاحها صلاح للأمّة.
ومن هنا جاءت أهميّة إنشاء مؤسّسات اجتماعيّة تسهم في توعية الناس بطرق اختيار(الشريك وكيفيّة التعامل معه، واختيار الوقت المناسب لحلّ المشكلات وطرق
التفاوض والحوار وأهميّة الفهم الصحيح للدين وتطبيقه ) للحفاظ على التماسك الأسريّ،
كذلك يتحتّم على وسائل الإعلام والمؤسّسات التربويّة كالمساجد والمدارس...الخ العمل
على التوعية بأهميّة الأسرة في المجتمع ودورها العظيم وتماسكها والحفاظ عليها من التفكّك
والضياع، والتحذير من مخاطر الغزو الثقافيّ والإعلاميّ للحضارة الغربيّة التي تتميّز أسرها بالتفكّك والتشتّت وغياب الروابط الدينيّة والأخلاقيّة والتربويّة فيما بين أفرادها.
ومن سبل الوقاية ضرورة تمسّك الأسر بالقيم والتعاليم الإسلاميّة المستمدّة من الكتاب والسنة، وضرورة قيام الوالدين بواجب تربية الأبناء وتنشئتهم نشأة دينيّة صحيحة، ولا يقلّ عن ذلك أهميّة أن تقوم العلاقة الزوجيّة على التفاهم والحوار والاحترام المتبادل، وأن يتنازل أحد الأطراف للآخر... من أجل بناء أسرة متينة وقوية.
مشروع تنموي أم معاول هدم؟!
ومن الغريب أنّ كثيراً من المشاريع التي تقدّم من طرف بعض الاتجاهات العلمانيّة
تحت شعارات تنمويّة هي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون معاول لهدم الأسرة عن
طريق تجريدها من سرّ قوتها المتمثّل فيما تنتجه من شروط نفسيّة وعاطفيّة وتنظيميّة تمدّ الجهود التنمويّة سندها الفوريّ.
ما سبب التفكّك الأسريّ؟

إهمال الدين في حياة الأسرة
57 %
97
الخلافات الزوجيّة
14 %
24
عدم تأهيل الزوجين
11 %
18
إهمال الزوج
6 %
10
إهمال الزوجة
4 %
6
الانشغال بالحياة
4 %
6
الدخل السلبيّ للأهل
4 %
6
الجيران والاختلاط بالناس
2 %
4
مجموع الأصوات: 171 صوت
مقارنة بين أبناء الأسرة المستقرّة وأبناء الأسرة المفكّكة:
أبناء الأسرة المستقرّة أبناء الأسرة المفكّكة
ـ سعداء يتمتّعون بصحة نفسيّة جيّدة.
ـ متفوّقون في دراستهم.
ـ يشعرون بالأمان.
ـ يتعاملون بشكل إيجابيّ في مجتمعاتهم.
ـ يثقون بأنفسهم وبمن حولهم.
ـ مطمئنّون إلى مستقبلهم.
ـ تعساء أصحاب نفسيّة غير سويّة.
ـ يتّسمون بالعنف والعلاقات السيّئة مع الأصدقاء.
ـ متأخّرون في دراستهم.
ـ يتعاملون بخوف وعدم ثقة مع الآخرين.
ـ لايشعرون بالأمان.
ـ ينظرون بخوف إلى المستقبل.