الأشعرية لم تظهر إلا بعد موت الأشعري سنة ٣٢٤ للهجرة؛ أي في القرن الرابع، ولم تلق قبولا من العامة والخاصة، بل نبذا وذما ولعنا على المنابر في أول دولة السلاجقة ومحمود سبكتكين ٤٢١، حتى نهاية الخامس، حين تبناها ألب أرسلان توفي ٤٦٥ ووزيره نظام الملك قتل في ٤٦٥ بيد الحشاشين، فكانت الخاصة حاضنة للأشعرية، والعامة لا تزال تنبذها، يدل على ذلك قول ابن عساكر في تبيين كذب المفتري:
"فإن قيل : إن الجم الغفير في سائر الأزمان ، وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري ، ولا يقلدونه ، ولا يرون مذهبه ، ولا يعتقدونه ، وهم السواد الأعظم ، وسبيلهم السبيل الأقوم"
جوابه:" لا عبرة بكثرة العوام ، ولا التفات إلى الجهال الأغتام ، وإنما الاعتبار بأرباب العلم ، والاقتداء بأصحاب البصيرة والفهم ، وأولئك في أصحابه أكثر ممن سواهم ، ولهم الفضل والتقدم على من عداهم ، على أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ)".
فقد أقر أن سواد المسلمين نابذين للأشعرية، حتى نهاية القرن السادس؛ فإنه توفي سنة٥٧١.
ثم تنبى المذهب صلاح الدين وألزم العامة به، ومثله ابن تومرت، وهكذا انتشرت الأشعرية بقوة الدولة منذ القرن السابع، فعمرها إذن على أكثر تقدير سبعمائة سنة، ولم يكن بالحجة والبرهان، بل بالإرهاب والتنكيل، ولا يزال هذا دأبه، وسترى ذلك لو مكنوا من الحكم، أو اتصلوا بالحاكم. كما فعل أسلافهم المعتزلة بالإمام أحمد لما اتصلوا بالمأمون، فهم بعضهم من بعض؛ يدعون العقل، ثم لايجدون وسيلة إلا القمع.

أ.د. لطف الله خوجة