الإصلاح بمنهجية الاقتصاد في الإسلام

د.حسين شحاته







تعاني معظم النظم الاقتصادية المعاصرة الوضعية من العديد من المشكلات العملية، ولم تفلح في تحقيق الإشباع الروحي والمعنوي وكذلك المادي للشعوب، ولقد انهار النظام الاقتصادي الاشتراكي والشيوعي، كما يعاني النظام الاقتصادي الرأسمالي من سكرات الموت.

ولقد تخبطت الدول العربية الإسلامية في مجال التطبيق بين النظم الاقتصادية الوضعية، وتعاني العديد من المشكلات مثل التخلف والتضخم والغلاء والتبعية والمديونيات والفوائد الربوية، الخلل النقدي والبطالة وكل صور الفساد المالي والاقتصادي وبدأت تسأل عن النظام الاقتصادي المناسب الذي يعالج تلك المشكلات، ومعها النظام الاقتصادي الإسلامي ولكن لا تطبقه إما تجاهلاً وإما جهلاً.

إن تطبيق الحلول المستوردة من الشرق أو الغرب لم يسفر إلا عن مزيد من التخلف لأنها تتعارض مع عقيدة ومثل وأخلاق وسلوكيات المسلمين.

لذلك يجب أن تطبق مفاهيم وأسس ونظام الاقتصاد الإسلامي، ولقد صدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: }فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى* ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها كذلك اليوم تنسى{ [طه 123- 126]، ولقد صدق من قال: "لن ينصلح حال هذه الأمة إلا بما انصلح به أولها.. فشريعة الإسلام هي أساس إصلاح حالنا".

ويعتبر المال هو عصب الحياة علي الأرض وأساس استعمارها وتسخيرها لإعانة الإنسان علي العبادة، ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية القواعد الكلية التي تحكم نظم النشاط الاقتصادي مثل سائر الأنشطة الأخرى، كما دعا إلي الاجتهاد في تطبيق هذه القواعد، مما يتفق مع ظروف الزمان والمكان، وبذلك يجمع الاقتصاد الإسلامي بين ثبات القواعد الكلية ومرونة التطبيق من حيث الإجراءات والأساليب والأدوات.

والنظام الاقتصادي الإسلامي يستهدف إشباع حاجات الإنسان الأصلية وذلك في إطار من القيم والأخلاق الإسلامية، والسلوكيات الحسنة والتي تتفاعل مع بعضها البعض فتولد توازناً دائماً بين الفرد والمجتمع من حيث مصالح كل منهما ونشاطه، والنتيجة هي إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية بأفضل شكل ممكن، وتحقيق رقي الإنسان في كافة ميادين الحياة والمحافظة علي ذاتيته وكرامته.

ويهدف النظام الاقتصادي الإسلامي إلي تنظيم المعاملات بشكل يستطيع معها الوصول إلي مستوي معيشي كريم لأفراد المجتمع يتصف بالنمو المطرد والمستقر وذلك من خلال التوظيف الكامل لموارد البشرية والطبيعية، والعدالة في توزيع الدخل والثروات بما يحقق للفرد الحياة الكريمة الرغدة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة.

ويحكم النظام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من القواعد والأسس المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية ومن أهم المصادر القرآن، وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وإجماع الفقهاء، والتراث الإسلامي.

ويقوم النظام الاقتصادي الإسلامي بطبيعته علي القواعد الكلية التالية:

أولاً: الالتزام بالقيم الإيمانية عند ممارسة النشاط الاقتصادي.. ويعتبر ذلك عبادة إذا ما قصد به وجه الله سبحانه وتعالي. لذلك يجب أن يراعي فيه التقوى والخشية من المحاسبة أمام الله. وهذا يحقق نوعاً من تميز الاقتصاد الإسلامي علي ما عداه من النظم الاقتصادية الأخرى وهي الرقابة الذاتية والإيمان الكامل باليوم الآخر والمحاسبة أمام الله عز وجل عن كسبه وإنفاقه.

ثانياً: الالتزام بالقيم الأخلاقية في المعاملات الاقتصادية ومن أهمها: الأمانة والصدق، والسماحة في المعاملات، والاعتدال، والقناعة في الربح، والتيسير علي المعسر، والتصدق علي المفلس، والتعاون علي البر، والالتزام بروح الأخوة والإيثار.

ثالثاً: الأصل في المعاملات الاقتصادية الحل إلا ما نص الشرع علي تحريمه مثل الربا بكافة صوره والاحتكار والغش والغرر والرشوة، وكل معاملة تؤدي إلي أكل أموال الغير ظلماً وعدواناً واستحلالها بدون وجه حق.

رابعاً: لا يجوز للدولة أن تأخذ من أموال الناس ما يزيد علي الزكاة "أو الجزية" أو غيرها من الرسوم المقررة إلا بقرار سياسي مبني علي مشاورة أهل الحل والعقد من المسلمين وموافقتهم.. وذلك بعد تعويض من يؤخذ منهم المال بالحق وأساس ذلك قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "كل المسلم علي المسلم حرام دمه وعرضه وماله" "رواه مسلم".

خامساً: أساس الكسب المشروع بذل الجهد والتعرض للمخاطر وربط الغنم بالغرم.. فلا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالي: }فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه{ [تبارك: 15].

سادساً: أن الله قد خلق من الأرزاق ما يكفل حياة كريمة للمخلوقات وعلي الإنسان أن يسعي في الحصول علي الرزق الطيب.. ولما كان الإنسان يميل بغريزته إلي الاستكثار من الطيبات فوق الضروريات والحاجيات، لذلك ظهر ما يسمي بالندرة النسبية وعلاجها يكون عن طريق ترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاج، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالي: }ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كبيراً وسعة{ [النساء: 100].

سابعا:ً أن العمل الصالح المتقن وسيلة الكسب المادي وغايته التقوية علي عبادة الله.. فالمادة وسيلة بناء الجسد والعبادة لتغذية الروح. ويلزم علي الفرد أن يوازن بينهما بحيث لا يطغي أحدهما علي الآخر.

ثامناً: إن المعاملات الاقتصادية هي علاقات تعاقدية تخضع لشروط العقد وأحكامه بصفة عامة والبيوع بصفة خاصة.. ومن ثم يجب توثيقها بالكتابة والتسجيل أو غيرهما. ولقد أشار إلي ذلك القرآن الكريم بقوله تعالي: }يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه{ [البقرة: 282].

تاسعاً: حماية الملكية الخاصة المكونة بالحق والمقيدة بعدم الاعتداء علي حقوق الآخرين وأداؤها لحقوق المجتمع.. ويجوز أن يكون بجانبها الملكية العامة والملكية التعاونية ليقوما بدورهما في التنمية الشاملة في المجالات التي يحجم عنها الأفراد.

عاشراً: مجال المعاملات الاقتصادية هو الطيبات طبقاً للأولويات الإسلامية وهي الضروريات فالحاجيات فالتحسينات لتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال.

تمثل القواعد السابقة الكليات المستقرة، وعلي الفقهاء الاجتهاد في مجال الفروع والأساليب وإجراءات التطبيق بما يلائم ظروف كل زمان ومكان، وهذا ما يعطي البرنامج الاقتصادي الإسلامي سمة الثبات والمرونة.

ويتضمن النظام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من الضمانات والحوافز والدوافع والبواعث التي تكفل تطبيقه أهمها: الوازع الإيماني.. المتمثل في الرقابة الذاتية واستشعار المحاسبة أمام الله والوازع الاجتماعي.. المتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووازع السلطان.. المتمثل في الأجهزة الحكومية المنوطة بتطبيق شرع الله.

ويقوم النظام الاقتصادي الإسلامي علي مجموعة من المقومات الأساسية وتتمثل في نظام زكاة المال بمؤسساته المختلفة وذلك إلي جانب النظم المالية الإسلامية مثل: الجزية والخراج والعشور والفيء واللقطة، ويجوز أن يطبق معه نظام الضرائب العادلة إذا لم تكف حصيلة الزكاة.

ونظام ضريبة التكافل الاجتماعي علي غير المسلمين المقيمين بالدول الإسلامية.

ونظام الإرث والوقف والوصايا وما في حكمها مثل الهبات والتبرعات.

والمؤسسات التي تباشر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الوحدات الحكومية التي تقوم بأعمال التوجيه الاقتصادي والرقابة عليه في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

ونظام السوق الطاهرة النظيفة الخالية من الشوائب والتي تعمل في ظل الحرية الفردية المقيدة بضوابط شرعية.

وأي نظم فرعية مكملة يراها أولو أمر المسلمين لازمة ولا تتعارض مع الإسلام لأن الأصل في المعاملات هو الحل، إلا ما اصطدم بنص صريح في القرآن والسُنَّة.. كما تقبل الشريعة الإسلامية أي مقومات أخري معاصرة من وضع البشر متى كانت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، كما يجب أن تسخر الوسائل والأدوات التجريدية المختلفة لتفعيل تطبيق مفاهيم وأسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي.. فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

وتتفاعل هذه المقومات مع بعضها لتسيير النظام الاقتصادي حسب القواعد الكلية للشريعة الإسلامية المشار لها وطبقاً للأساليب والإجراءات التي تتفق مع مقتضيات الزمان والمكان.


الإصلاح بمنهجية الاقتصاد في الإسلام