آفاق ضيقة ...


منيرة السيف

من حيثُ نعلم أو لا نعلم، نبـحـرُ في آفاقٍ واسعةٍ و فضاءاتٍ لا متناهية، لنــفـتّشَ عن غائب هو بـين أيدينا، نجهلُ كنههُ مع شدّة مساسنا له، لا نــعرفهُ كشخصٍ، غير أنّنا نـدرك أهميّتهُ في حياتنا ... إنّهُ الفكر الذي يشحّ مخــتبئاً عندما تــتكالبُ علينا الأفكار، وتــشتُ بنا دروب الثقافات .
نـفِرّ إلى الأفقِ أحياناً محملقينَ في السماء إلى خطّ لانهائيّ، نحاولُ مدركينَ نهايةً فاشلةً لا تُوصِلنا إلى حدّ الأفق، جاهلينَ أنّ بين أنفسنا آفاقا أرحب - ربّما من السماء- نهجرها باحثين عن آفاقِ غيرنا، وننسى أنّنا نحنُ الذينَ ندركُ ماذا نريدُ بالتحديد!!.قد نفاجأ بالفشل في حياتنا، وقد ننجـح، وما هذا وذاك إلا لسوء التخطيط أو حسنه. هكذا نرتــكب ُالخطأ ونــكلهُ إلى شمّاعة الأخطاء.
الحياةُ الزوجيّة مشروعٌ طويل يــبدأ بفكرةٍ كأيّ مشروع ٍحقير كان أو عظيم، غير أنّ هذا المشروع ممتدّ المدى المتفرّع قد لا يحظى بالاهتمام الذي يحظى بهِ مشروعٌ تــافــهٌ، كالسفر إلى الخارج أو افتتاح دكّان في زاويةٍ صغيرة من الأرض !!. فهذه المشاريع الصغيرة الوقــتيّة تــشملها دراسة دقيقة، وتلاقي جزئــيّاتها المجزّأة إسهاباً في الحديث والمشاورات والتخطيط.. وقد تشملها استفتاءات عريضة، وقد تؤجّل حتّى استنفاذ بنود الدراسة !! وعذر التأجيل هو الرغبة في الـنجاح، هذا على صعيد المشاريع الصغيرة، أمّا على الصعيد الآخر فممّا يبعث العجب الاستعجال في المشاريع الممتدّة، وهشاشة دراستها إذا شملتها دراسة!! وانــعدام الاستفتاء فيها!! والاكتفاء بالـقوالب دون التمحيص.
إنّ إمعان النــظر في مشاريع الزواج يبعثُ الحيرة والضحك، فالشابّ يقتصر في انــتقائهِ على قالب المرأة دون التدقيق فيما ينــطوي عليه ذاك القالب، وكذلك المرأة؛ فبعد أن سألت عدداً لا بأس به عن الصورة التي تضعها لفارس الأحلام، وجدتهنّ يُعدّدن صفاتٍ اجتمعن على محدوديّتها، وكلّها مظاهر هشّة كالشكل والمركز والراتب والبيت، و..و..، دون التطرّق لغير ذلك، أمّا من ناحية الشابّ فنجد أقلّ القليل هم الذين يتطرّقون إلى المضمون، في حين يــقـتصر البقيّة على الطول و اللون والـعائلة فـقط!!!.
ليس بـإمكاننا أن نوكل هذه النظرة المسطّحة إلاّ إلى أثر الإعلام بصورهِ المزيّفة وأضوائهِ اللامعة على هذا الجيل، وأثر طغيان حياة المادّة علينا أيضاً. نعم، من حقّ كلّ طرف أن يقترح ما يريد في شريكهِ، متذرّعاً بحديث الرسول - صلّى الله عليه وسلّم-:" تنكح المرأة لأربع..."( متفق عليه)
متناسين آخره أو غافلين عنه.
نعجبُ من كثرة الطلاقات وارتــفاعها، وتشتّت الأسر ونــزاعها.. وننسى أنّ المشروع في أُساسهِ فاشل، الأساس الغضّ لا يحتمل امتداد الحياة ببنائها الــثـقيل. ثمّ إنّ سوء التصوّر أو قصورهِ في أذهان أبناء الحضارة هادمٌ أيضاً، فكثيرٌ من الشباب يندفع إلى الزواج لينصدم بعد عدّة أشهر بثقل المسؤوليّة التي ما وكّل إليهِ عشرها وهو أعزب، وانقلاب الاسترخاء إلى شدّ وتكليف يجعلهُ ينسحب من البداية، فلا ضرورة لامتداد هذا الثقل أكثر من عدّة أشهر! والحديث شامل للفتاة أيضاً، فكيف لفتاةٍ لم تحمل مسؤوليّة نــفسها أو خزانـتها أن تحمل مسؤوليّة بيتٍ مع صاحبهِ، إنّ هذا أقرب إلى الهراء، وما تسمّيهِ حريّةً أقرب إلى نفسها طبعاً.
أن يكون من جانب الــشابّ أكــثر منه من جانب الفتاة، فأولياءُ الفتاة تبعثهم فطرتهم وولايتهم إلى السؤال والتقصّي عن شريك ابنتهم في حياتها، أمّا الشابّ يكتفي بالنظر إلى قالبها من دون السؤال عن صفاتها وسبر أغوارها، وقد يدفعهُ الاغترار بالمظهر إلى ذلك، والأهل يجعلون رأي ابنهم عينا في الاعتبار، فيبحثون عن الشكل تلبية لمطلب ابنهم بعيدين كل البعد عن المضمون، وهنا يأتي دور من يسيّر المشروع ويجمع بين أطرافه. ما المانع مثلاً أن تمتدّ الخطبة وتتعرّف الأمّ أو الأخت على الفتاة وتقابلها وتعرفها عن قرب، وتخرج وتجلس معها لتنظرها على كلّ الأحوال، فإن تعذّر ذلك فلا مانعَ من الصراحة والصدق وقول ما يتمنى الشاب من صفاتٍ معنويّة في شريكتهِ، وما تتمنّى الشابّةُ كذلك، فإن وجدت في نفسها العجز عن تلبية ما يطمح إليه من معنويات ينتهي المشروع بلا صدام أو إهانة، أو هدم أو ضحايا بريئة، فالتراجع عن بناء البيت أسهل بكثير من هدمهِ بعد ما صار صرحا.
لاشكّ أن مؤشّر الطلاق سيظلّ في ارتفاعٍ ما بقيت آفاقنا ضيّقة عن بحث المشاريع الممتدّة.
لفـــــــتـــــ ة..
ستنامُ نــَفسُكَ إذا جهلتَ أنّها بين جنبيكَ عالمٌ بأسرهِ ... عندها فـقـط ستفقد كل شيء!!.