أعذب الشعر أكذبه.. نص (وطني وصباي وأحلامي) وتشويه الانتماء الوطني
(1)
الانتماء الوطني والولاء له قضية مهمة تعد مصدرا من مصادر اشتقاق الأهداف التربوية، وهي إحدى القضايا المتضمنة في المحتوى المقرر في اللغة العربية، لكن التعبير عنها قد يكون صحيحا ينشر الوعي كما ورد في مسرحية "الأسد لا يأكل اللحم" للأستاذ الدكتور محسن خضر بتصرف- التي كانت مقررة قبل 2016م، ثم حذفت بعد ذلك.
ماذا جرى فيها؟
جرى فيها تعريف الوطن تعريفا يؤكد الوعي الصحيح بالإضافة إلى محتوياتها الأخرى وتفصيلاتها المؤكدة معنى الوطنية وما يتعلق به.
كيف ورد؟
ورد في الحوار الآتي الذي يشبه الشعر المنثور أو النثر المشعور- على ألسنة الحيوانات:
[الحصان: الوطن ليس كلمة تقال في المناسبات.
الغزال: الوطن هو الأمن والسكينة .. والحرية في الإقامة والترحال.
الكبش: الوطن هو الطعام والشراب والتجوال.
الثعلب: الوطن هو الانتماء والتضحية والفداء.
حمار مخطط 1: والشعور بالأخوة والتقارب في السراء والضراء.
الحصان: الوطن العدل هو الدواء.
السنجاب: الوطن أن نستشار.
الحصان: وأن نرفض أو نختار.
الطاووس: ولا أعوان يسرقون ويدسون].
وكما يكون التعبير عن هذه القيمة جيدا كما سبق يكون أيضا سيئا سوءا يجعل المنقول إلى ذهن التلميذ تشويهها.
مثل ماذا؟
مثل ما بينته في مقال (مسخ قيمة الولاء الوطني وخيانتها في الفصل الأول من "كفاح شعب مصر" للثاني الإعدادي) المكنوب في 23/9/2015م ، والمنشور في منتديات عديدة. وقد أحسن القائمون على المقرر صنعا عندما حذفوا هذا السوء المشوه قيمة الولاء الوطني كما بينت في مقالي المنشور في 9/9/2017م (الأثر الحادي عشر من آثار مقالاتي في النقد التعليمي حذف الضابط سواتن من الفصل الأول من صة كفاح شعب مصر للصف الثاني الإعدادي) ضمن مقال (من آثار مقالاتي في النقد التعليمي (2)) المجموع.
وفي 20/11/2015م كتبت مقال (تناقضات متفرقة في موضوعات اللغة العربية للسادس الابتدائي في الفصلين الدراسيين) بينت فيه التشويه غير المسوّغ في نص "وطني" للشاعر أحمد مخيمر من دروس الوحدة الثالثة المعنونة بـ"حدث في الغابة" في طبعة ما قبل العام الدراسي 2016/2017م، وقد تغير عنوانها بعدها إلى (آداب وقيم).
وهأنذا أبسط القول فيه من جديد مبينا ما فيها من حدة وتناقض ضد مفهوم الانتماء الوطني تناقضا يُعيد إلى الأذهان قضية (كذب الشعر وعذوبته) ومقولة (أعذب الشعر أكذبه).
لماذا؟
لأنها تعلم التلاميذ الهروب عند الشدة والوجود عند الأمن فقط، أو التضحية والإخلاص عند الكلام والفرار والجبن عند الفعل.
كيف؟
يبدأ الشاعر قصيدته بضمير المتكلم، ويظل على ذلك حتى تأتي الشدة فيتكلم عن تضحيات الآخرين، ثم يبدأ ضمير المتكلم مرة أخرى بعد رجوع الأمن.
يقول الشاعر:
وطني وصباي وأحلامي وطني وهواي وأيامي ورضا أمي وحنان أبي وخطا ولدي عند اللعب يخطو برجاء بسام وطني وصباي وأحلامي وطني وصباي وأحلامي في ظل النخل على الوادي أصغيت لقصة أجدادي لمعانيها هتف الحب ولماضيها خفق القلب وطني وصباي وأحلامي
هكذا يظهر ضمير المتكلم فتستشعر حب الشاعر وطنه، واستعداده للتضحية، لكنه في وقت التضحية يقول:
بدم الأحرار سأرويه .....
هكذا، "بدم الأحرار" وليس "بدمي".
لماذا هذا التغيير؟ ولماذا لم ينص على تضحيته هو؟
قد يقول قائل: إنه من الأحرار؛ لذا فقد جمع الكلمة.
وأقول: ولِمَ لَمْ ينص على الرغم من أنه شاعر ألزم نفسه في دواوين أخرى بلوازم غير لازمة كصنع ديوان كامل من وزن واحد. أفتراه يعجز عن النص شعرا على التضحية مستخدما ضمير المتكلم؟
لا، لا.
وإن قبلنا ذلك وكان هذا متضمنا في الكلمة؛ فلماذا يجعل المتلقي يخمن أنه يعدّ نفسه من الأحرار؟ ولماذا ...؟
أسئلة من دون إجابة تجعلنا نعيد طرح قضية "عذوبة الشعر وكذبه) طرحا قويا، ونسأل: إن كان هذا مقبولا على مستوى الإبداع فهل يقبل على مستوى الشعر الذي يُختار ليكون تعليميا؟
لا.
وعندما تنتهي لحظات الدماء يعود ضمير التكلم مرة أخرى، فيقول:
..... وبماضي العزم سأبنيه وأشيده وطنا نضرا .....
بعد أن ضحى مَنْ ضحى يظهر هو ليبني، بل ويورثه ابنه.
يقول الشاعر:
وأقدمه لابني حرا فيصون حماه ويفديه بعزيمة ليث هجام
والسؤال: كيف سيربي مَنْ يهرب عند الشدة ليثا هجاما؟ أيعقل ذلك؟
لا يعقل، إنما الأمر أمر التناقض الذي يشوه هذه القيمة التي يجب تصحيحها بتعديل (بدم الأحرار...)، أو بحذفه.
ماذا؟
تعديل أو حذف؟ إن هذا تعدٍّ على الحقوق الفكرية للشاعر الذي قال ذلك!
لا، لا. إن أمر هذا التعديل هيّن، وليس فيه تعدٍّ.
كيف؟
إما أن يُنصّ على هذا التشويه في الشرح مع الإبقاء على (بدم الأحرار ...)، وإما أن تُعدّل وتكتب كلمة (بتصرف) توثيقا للتغيير ونصًّا عليه، وإما أن يحدث التعديل من دون الإشارة كما عدّل المؤلفان بزيادة الأشطار الثلاثة (وطني وصباي وأحلامي) بعد البيت الثالث والبيت الخامس والبيت السابع من دون إشارة إلى هذه الزيادة على الرغم من أن الشاعر لم يكتب قصيدته كذلك، بل السبب في ذلك كما أرى هو محاكاة الأغنية التي غنت فيها نجاة الصغيرة والمغني عبد الرءوف إسماعيل هذه القصيدة، وقد زادت الأغنية هذه الأشطر الثلاثة إكمالا للنغم كما أظن.