أحكام الشركة وكيفية فسخها
د. مصطفى البروجردي


أ_ تعريف الشركة:
هناك العديد من التعاريف التي عرَّف بها الفقهاء الشركة، أهمها:
الشركة عبارة عن اجتماع حقوق أكثر من مالك على بضاعة بصورة مشاعة.
الشركة عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ملكاً أو حقاً.
الشركة هي بمعناها اللغوي في مقابل الاختصاص.
ب_ أقسام الشركة:
شركة حقيقية قهرية، كالمال أو الحق المورث عن الميت.
شركة حقيقية اختيارية من دون الاستناد إلى عقد. كما لو أحيا اثنان أرضاً مواتاً أو حفرا بئراً أو قلعا شجرة معاً.
الشركة الحقيقية المستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما لو تملك اثنان أو أكثر مالاً عن طريق عقد الهبة أو الصلح أو غيرهما.
الشركة الحقيقية المعروفة بالتشريك، أي أن يشرك أحدهم غيره في ماله.
الشركة الحقيقية المعروفة بالشركة العقدية، وهي التي يُشرك فيها كل واحد من الشركاء شركاءه الآخرين في ماله.
وهناك من الفقهاء مَن أضاف نوعين آخرين من الشركة، الأمر الذي أثار انتقاد الآخرين، وهما:
الشركة الظاهرية القهرية، وهي الشركة التي تمتزج فيها مادتان لشخصين رغماً عنهما دون أن يستطيعا فصل إحداهما عن الأخرى كامتزاج الخل بالسكر.
الشركة الظاهرية الاختيارية، وهي أن يمزج شخصان أو أكثر بضاعتيهما عن اختيار ودون قصد الشركة، بحيث يصبح من المتعذر التمييز بينهما.
وقيل في نقد النوعين الأخيرين من الشركة أن الشركة الظاهرية ـ قهرية كانت أو اختيارية ـ لا معنى لها، لأننا نعلم أنها ليست شركة حقيقية. أما إذا كانت هذه البضاعة الجديدة هي بالشكل الذي يراها العرف مختلفة عن البضاعتين قبل امتزاجهما، فهي شركة حقيقية.
هناك تقسيم آخر للشركة: شركة في العين، وشركة في المنفعة، وشركة في الحق.
وتقسم الشركة من حيث النوعية إلى: الشركة بنحو الإشاعة، والشركة بنحو الكلي في المعين. ورغم توجيه انتقاد للنوع الثاني واعتباره موضوعاً خارجاً عن إطار الشركة. ولكن أُجيب على هذا الانتقاد بالقول بأن ما هو معتبر في مضمار الشركة هو أن يضاف المال الواحد إلى أكثر من شخص، وإن اختلفت طريقة الإضافة بين شخص وآخر.
وهناك تقسيم آخر للشركة يكون لدى الشريكين فيه استقلال في التصرف كشركة الفقراء في الزكاة، والسادات في الخمس، والموقوف عليهم في الأوقاف العامة. وقيل إن هذا التقسيم يقوم على المسامحة لأن المقصود ليس شركة الأفراد وإنما الشركة الكلية والجهة العامة.
ج_ أقسام الشركة العقدية:
تصح الشركة العقدية في أعيان الأموال وليس في المنافع ولا في الديون. وتسمى هذه الشركة بشركة العنان. أما شركة الأعمال والتي تسمى بشركة الأبدان، وكذلك شركة الوجوه وشركة المفاوضة فباطلة. والمراد بشركة الأعمال أو الأبدان هي أن يعقد شخصان عقداً يتفقان فيه على اشتراك كل منهما في أجرة عمل الآخر. والمراد بشركة الوجوه أن يعقد شخصان لا مال لهما عقداً يشتري كل منهما بموجبه بضاعة بثمن مؤجل ثم يتقاسمان الربح بعد البيع وتسديد الثمن. وشركة المفاوضة هي أن يعقد شخصان أو أكثر عقداً يتعاهدون بموجبه على تقاسم كل نفع يصل إلى أي منهم سواء كان عن طريق التجارة أو الزراعة أو عن طريق الإرث والوصية وغيرها، وكذلك تقاسم كل ضرر يلحق بأي منهم.
د_ شروط المتعاقدين:
الشريك في عقد الشركة ومثل سائر العقود يجب أن يكون بالغاً وعاقلاً ومختاراً، وأن لا يكون محجوراً بسبب السفاهة أو الإفلاس.
هـ_ شروط مال الشركة:
قال بعض الفقهاء إن مال الشركة يجب أن يكون ممزوجاً ـ قبل الشركة أو بعدها ـ بالشكل الذي لا يمكن تمييز بعضه عن البعض الآخر، سواء كان نقوداً أو بضاعة أخرى. وقال البعض الآخر يجب أن يكون ذلك المال متحداً في الجنس والوصف.
ولكن يبدو أن قبول هذا الشرط غير ممكن الثبوت، كما لا يوجد دليل يدل عليه. فإذا كان الامتزاج قبل العقد، فإنه سيؤدي إلى الشركة القهرية، وإذا كان بعد العقد، فيجب أن يلغى العقد لأن الشركة في هذه الحالة تتحقق بالامتزاج.
وأما على صعيد الإثبات فلا يوجد دليل يدل عليه سوى ادعاء الإجماع الذي قال به العلامة الحلي، غير أنه إجماع غير صحيح، لأن الكثير من القدماء لم يتعرض لهذه المسألة قط، كما أن البعض الذي تعرض كانت كلماته بالشكل الذي لا يدل على الإجماع على اشتراط الامتزاج. ولذلك لا يمكن القول بوجود إجماع تعبدي في هذه المسألة.
و_ شروط عقد الشركة:
هذا العقد ومثل سائر العقود بحاجة إلى الإيجاب والقبول. فهذا الإيجاب بإمكانه أن يُبرز من قبل أي من الشركاء وبإمكان الطرف الآخر أن يعلن القبول. والإيجاب والقبول ليس من الضرورة أن يتما من خلال اللفظ، بل يتحققان حتى من خلال العمل الدال عليهما.
ويشترك الشركاء بالربح والخسارة في عقد الشركة. ويتحدد سهم الربح والخسارة لكل منهم على أساس رأسماله. ولو اشتُرط في عقد الشركة أن يكون لأحد الشركاء سهم أكبر من غيره، ففي هذه الحالة يرى جميع الفقهاء أن هذا الشرط صحيح إذا كان ذلك الشريك إما عاملاً أو يقوم بعمل أكبر. وفي غير هذه الحالة فهناك ثلاثة آراء وهي إما صحة الشرط والعقد، أو بطلان العقد والشرط، أو صحة العقد وبطلان الشرط. ويأخذ المحقق اليزدي بالرأي الأول فيرى صحة الشرط والعقد ودليله في ذلك الرواية القائلة: "المؤمنون عند شروطهم"، ويرى أن مثل هذا الشرط لا يخالف مقتضى العقد وإنما يخالف إطلاقه.
ويأخذ المحقق الخوئي بالرأي الثالث فيرى بطلان الشرط ويقول إن هذا الشرط مخالف لمقتضى السنة، لأن مقتضى السنة يتمثل في تبعية ربح المال للملك والربح مرتبط بصاحبه. لذلك يعد اشتراط بعض هذا الربح أو كلّه للآخر أمراً مخالفاً للسنة. هذا أولاً، وثانياً نظراً لعدم وجود الربح يعد اشتراطه للآخر من باب تمليك المعدوم، ومن البديهي أن تمليك المعدوم مخالف للسنة.
ويقول المحقق اليزدي لو اشترط تعلق الربح بأحد الشركاء، أدى هذا الشرط إلى بطلان العقد إذ يُعد خلافاً لمقتضى العقد، ولكن لو اشترط لحوق الخسارة كلها بأحد الشركاء كان الشرط صحيحاً لأنه غير منف لمقتضى العقد.
وتعرض هذان الحكمان للانتقاد، لأن حكمه الأول يتعارض مع حكمه السابق حول اشتراط زيادة الربح. فعقد الشركة لا علاقة له بالربح والخسارة. وأثره الوحيد هو أنه يبدل الاختصاص إلى الاشتراط، ثم كيف لا يتنافى اشتراط بعض الربح مع العقد بينما يتنافى معه اشتراط كله؟!
وأما الحكم الثاني وهو اعتقاده بصحة اشتراط كل الخسارة لأحد الشركاء في العقد، فهو أمر نادر أيضاً، لأن قبول خسارة مال الآخر دون موجبات الضمان بحاجة إلى دليل، وهو غير موجود.
بإمكان الشريكين أن يشترطا في عقد الشركة أن يتصرف كل منهما لوحده أو مع الآخر بالمال، ولابد في هذه الحالة من العمل طبقاً لهذا الشرط. أما إذا لم يوجد هذا الشرط فلا يحق لأي منهما التصرف بمفرده في المال إلا إذا أجازه الآخر.
لو ذكر الشريكان في العقد نوعاً خاصاً من التصرف في رأس المال، فلابد من العمل بموجب ذلك. أما إذا لم يُشر بشيء إلى ذلك فيجب العمل بالأسلوب المتعارف. وفي غير هذه الصورة يكون العامل ضامناً للتلف والخسارة.
ويُعد العامل بشكل عام أميناً في عقد الشركة، ولا يعد ضامناً إلا في حالة التعدي أو التفريط.
ويعد عقد الشركة من العقود الجائزة، ولذلك بإمكان كل شريك أن يفسخه في أي زمان يريد، ما لم يكن قد اشتُرط عدم الفسخ ضمن عقد لازم. وفسخ عقد الشركة لا يعني أنه يوجب انفساخ العقد منذ ابتدائه أو منذ زمان الفسخ، بل يبقى العقد على قوته إلى أن يحين زمان القسمة. ومعنى فسخ الشركة رجوع كل من الشريكين عن الإذن في التصرف أو المطالبة بالقسمة.
والبنوك ومن أجل الحيلولة دون تساهل الشريك، بإمكانها أن تشترط على الشريك التعويض عن رأس المال حين تلفه من سائر أمواله الأخرى، ولابد أن يكون هذا الشرط ضمن عقد لازم كي يكون الوفاء به ملزماً.
وبإمكان البنوك أيضاً ومن أجل الاطمئنان على وفاء الشريك بالتزاماته، أن تطالبه بوثيقة، وهو عمل لا يتعارض مع الشركة.
ز_ حل الشركة وتقسيم الأموال:
بما أن الشركة عقد جائز، فبإمكان الشركاء حلها في أي وقت يشاءون ما لم تكن هناك مدة محددة واردة ضمن عقد لازم، وحينذاك لا يجوز حلها ما لم تنقض تلك المدة، أو أن الشركاء ملزمون ضمن عقد لازم بتقسيم أموال الشركة أو حلّها.
وفي غير الموردين أعلاه، فبالإمكان حل الشركة عند طلب أحد الشركاء، وفي هذه الحالة لابد من تقسيم أموال الشركة. ويأخذ التقسيم ثلاث صور هي:
التقسيم بالإفراز: وهو التقسيم الذي يتم بموجبه تعيين سهم كل من الشركاء بطريقة، بحيث يكون ذا قيمة مالية وقابلاً للاستفادة. وهذا لا يتحقق إلا إذا كان المال المشترك ذا أجزاء متساوية، كما لو اشترك ثلاثة أشخاص في 600 كغم من الرز، فحينذاك يكون نصيب كل منهم 200 كغم.
التقسيم بالتعديل: ويتحقق هذا التقسيم حينما تكون أموال الشركة من أنواع مختلفة وليس بالإمكان إعطاء الشركاء من جميع هذه الأموال. ولذلك لابد من تحديد قيمة أموال الشركة ومن ثم تقسيم المبلغ النهائي على أساس سهم كل شريك، بحيث يدخل في ذلك السهم كل نوع من تلك الأموال بالشكل الذي لا يتعلق مال إضافي ببعض الشركاء من خارج أموال الشركة.
التقسيم بالرد: حينما يصبح من غير الممكن التقسيم بالإفراز أو التعديل، يُلجأ إلى التقسيم بالرد. ويتحقق حينما لا نستطيع تقسيم مال الشركة إلى حصص محددة طبقاً للأسهم، وحينما تكون قيمة حصة بعض الشركاء أكثر من سهمه، وفي هذه الحال لابد للشريك المذكور من إعطاء مال سائر الشركاء كي يتاح التقسيم.
ح- عدم جواز التقسيم:
هناك حالتان لا يمكن فيهما تقسيم مال الشركة:
1- حينما يؤدي التقسيم إلى إلحاق ضرر فاحش ببعض الشركاء. ولكن لو طلب الشريك المتعرض لمثل ذلك الضرر التقسيم، فلا مانع.
2- حينما يؤدي التقسيم إلى زوال مالية مال واحد أو أكثر من الشركاء.
الجدير بالذكر: بما أن عقد الشركة عقد جائز، فإن موت أو جنون أو سفه أحد الطرفين يؤدي إلى انفساخ العقد تلقائياً.