الفتاة ذات الاحتياجات الخاصة.. ومقاييس السعادة


أحمد عباس




الفتاة ذات الاحتياجات الخاصة.. إنها فتاة من طراز خاص فتاة أدركت أن الله تعالى قد ابتلاها لأنها يحبها ويريد أن يخرج منها كنوز قلبها الدفينة، وتحلق في سماء الإيمان والرضا والتضرع وإن كانت مقعدة لا تستطيع أن تسير على قدمين.


الفتاة ذات الاحتياجات الخاصة قد يتصور الكثيرون في المجتمع أنها حبيسة اليأس أسيرة الخوف ومترددة وعاجزة لكن الحقيقة على خلاف ذلك، وقد يظن آخرون أن السعادة الوحيدة بالنسبة لهذه الفتاة تكمن في تحصيل االمال والأمر أيضاً على النقيض من ذلك، وسنحاول إثبات ذلك بأسلوب علمي.

هل المال سر السعادة؟

"هل يستطيع المال أن يجلب السعادة لذوي الاحتياجات الخاصة؟"... ربما لا تعني هذه العبارة شيئًا للناس العاديين، لكن بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة تبدو هذه العبارة منطقية.

أظهرت دراسةٌ أجريت على 478 أمريكيًا على مدى تسع سنوات، قبل وبعد أن يصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، بأن النقود بشكلٍ عام توفر لهم حياة أفضل وأقل حزنًا ووِحدةً لكن هذه الميزة قد قلت بعد مرور بضع سنوات.

وقال الباحث (بتر أوبل)، بروفيسور الطب الباطني وعلم النفس في جامعة متشيجن: ربما لا تعتمد السعادة على الوضع المالي لشخصٍ في كامل صحته، لكن الأمر مختلف عندما يتأثر عامل الصحة.

وقد حُلِّلت البيانات من دراسة أوسع من المعهد الوطني للشيخوخة.

وصُنِّف المشاركون في البحث على أنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة إذا أصبحوا غير قادرين على إتمام مهمات روتينية من دون مساعدة، مثل المشي والنهوض من السرير والأكل وارتداء الملابس.

وأظهر المشاركون ذوو الدخل المادي فوق المتوسط نسبًا أقل في نقص السعادة بعد أن أصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأكد الباحثون أن لهذه النتائج معنى وأهمية بالنسبة لعائلات الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، وكيف ينبغي للمرء أن ينظر للادخار والاقتصاد لمرحلة الشيخوخة بشكل عام.

وقد لاحظ الباحثون أن الأبحاث الأخرى ربطت بين الصحة النفسية واستجابة الشخص للعلاج الطبي وعلاوة على ذلك، فإن نصف السرقات من البنوك مثلًا لها علاقة بالتكاليف الصحية كما أكد فريق أوبيل.

المكانة تفوق المال

أظهر بحثٌ أجري في عام 2003 على 16266 شخصًا في 886 شركة في المملكة المتحدة، أن الرتبة لها تأثير أكبر على السعادة من تأثير مستوى الأجر.

وجدت الأبحاث التي نُشِرت في الخريف الماضي، رغم أن الثروة تضاعفت ثلاث مرات خلال الخمسين سنة الماضية في الولايات المتحدة، إلا أن العافية لم تتأثر.

وقال الباحثان إدي دنر من جامعة إلينوي ومرتن سلجمان من جامعة بنسلفينيا، إن العلماء الآن يستطيعون قياس الرفاهية مباشرةً، وبهذا يمكنهم إنشاء نظام قياس ليطوِّر التدابير الاقتصادية.

النوم والحالة المزاجية

وفي الحقيقة، فقد اُقُتِرح مقياس للسعادة في ديسمبر الماضي من قبل علماء في جامعة برنستون وصُمِّم هذا المقياس ليكون بمثابة مقياس وطني شبيه بالمقاييس الاقتصادية للنجاح وقد اختُبرت فكرة المقياس بتعبئة 909 امرأة لنموذجٍ عن سعادتهم في الأيام السابقة وأظهر ذلك أن الدخل والتعليم كانوا أقل تأثيرًا على السعادة من تأثير النوم والحالة الشعورية.

وقال دنل كهنمان الحاصل على جائزة نوبل عام 2002 في العلوم الاقتصادية: قياس الثروات والصحة لا يكفي لتخمين وضع المجتمع كاملًا. أما بقياس كيفية قضاء الأنواع المختلفة من الناس لأوقاتهم قد يكون مؤشرًا أفضل لعافية المجتمع.

بدوره، قال ريتشرد سوزيمن المدير المساعد للمعهد الوطني للتقدم في السن: القياسات الموجودة حاليًا للعافية والصحة ونوعية الحياة تحتاج للتطوير وأتوقع أن هذا سيصبح جزءًا مهمًا من الدراسات الوطنية التي تهتم بتحديد نوعية الحياة.

امتلكي سعادتك

هذا الاختلاف في نتائج الدراسات حول ما يقربنا من السعادة، والاختلاف في قياساتها، فالوفرة المالية قد تسبب السعادة في بعض الأمور دون بعض، واحترام الناس وتقديرهم قد لا يشبع الشعور بالسعادة إذا لم يكن هناك رضا داخلي، واحترام للذات.

الناس عموما، وذوي الاحتياجات الخاصة على رأسهم، بحاجة إلى إدراك أن السعادة ليست في توفر أشياء خارجية مادام داخل الإنسان مثقلا ومتعبا.

إن التركيز على نقاط الضعف، وأوجه العجز والقصور، والأشياء التي حرمنا منها يبدد فرص السعادة مهما أحاطت بالإنسان، أما التركيز على النعم، والرضا بما قسم الله وقدر، فيفتح الطاقات الإيجابية لكل فرد منا، ويجعل الإنسان سعيدا ويزداد تمكنا يوما بعد يوم، لذا فإننا نرى كل يوم من ذوي الاحتياجات الخاصة من بلغوا شأنا كبيرا، ويعيشون حياة متوازنة وطيبة، بينما يقعد العجز بالكثيرين من الأصحاء، فالإعاقة الحقيقية هي عدم القدرة على إدراك النعم واستغلالها والبقاء في دائرة اليأس.