المعصية والقلب




انتبه المعصية تضعف القلب فالذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ثم ينتهي به إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي –صلى الله عليه وسام- (الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال) وكل اثنين منهما قرينان، فالهم والحزن قرينان:والفرق بينهما أن الهم لما هو متوقع والحزن لما هو آت،والعجز والكسل قرينان:لان تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح أن كن لعدم قدرته فهو عجز،وان كان لعدم إرادته فهو كسل.

والجبن والبخل قرينان: فان عدم نفعه للناس ببدنه فهو الجبن وان كان بماله فهو جبن،وغلبة الدين وقهر الرجال قرينان:فان استعلاء الغير عليه أن كان بحق فهو غلبة الدين وان كان بباطل فهو قهر الرجال، والذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة لزوال النعم ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء نعوذ بالله من كل ذلك،والمعصية تلقي الرعب والتخوف في القلب،فلا ترى العاصي إلا خائفا مرعوبا (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ) فمن خرج عن الطاعة أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت مخاوفه مآمن ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف،يحسب كل صيحة عليه وكل مكره قاصدا إليه،وتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان،وقد اجمع السائرون على أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، وقوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)،ليس قاصرا على نعيم الآخرة فحسب بل يشمل أيضا نعيم الدني،وقائم أيضا في القبر،والمعصية تصغر النفوس وتحقرها كما أن الطاعة تنميها وتكبرها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) والمعاصي تسقط المنزلة والكرامة عند الله وعند الخلق فان أكرم الخلق على الله اتقاهم وأقربهم منه منزلة فان عصاه سقط من عينه وأسقطه من قلوب عباده، ومن أعظم نعم الله على العبد أن يرفع بين العالمين ذكره، ويعلي قدره، ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)،والمعصية تؤثر في العقل فليس هناك من هو اضعف عقلا من رجل يؤثر الفاني على الباقي والمتقطع على الدائم والقليل على الكثير، وما بالك برجل يعصي سيده ويخونه في حرماته وهو يأكل منه ويشرب وفوق ذلك يعيش في بيته وتحت سقفه وهو يعلم انه يرزقه ويهبه، فالعاقل من عمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها، فاربأ بنفسك من أن تستسلم لمعصية وسلم أمرك كله لله،فالمعصية لابد تضرك في دنياك وآخرتك فاحذر منها وان أصاب منك الشيطان يوما فاستغفر وعد إلى ربك تجد منه كل كرم ومحبة.

الجواب الكافي لابن القيم (بتصرف)
محمد العصفوري