الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

وبعد: في الحقيقة هذا الحديث له وقعٌ كبيرٌ على قلبي ويؤثر جداً في نفسي, وكلما قرأته حرَّكَ في شوقاً وحنيناً إلى الحبيب المصطفى, وذلك الجيل المجتبى _ جيل الصحابة_, جيلٌ قُرآنيٌّ فريد_, كما قيل عنه.

قال الترمذي في الشمائل (242) , باب ( ما جاء في صفة مُزاح النبي_ صلى الله عليه وسلم_).

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا وَكَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ هَدِيَّةً مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ. فَقَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ».
وَكَانَ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُحِبُّهُ, وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا.
فَأَتَاهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ أَرْسِلْنِي.
فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حِينَ عَرَفَهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» أَوْ قَالَ: «أَنتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ».
___
يألو: أي لا يقصر.
فكأنه لما علم أن الذي احتضنه هو النبي _صلى الله عليه وسلم_ أراد أن لا يفارق جسده جسد النبي_ صلى الله عليه وسلم_ رجاء بركته ولشدة محبته.
فما تلك المحبة التي كانت تسودُ ذاك الجيل, وما ذلك التواضع والبساطة وحسن التعامل مع الرعية التي كانت متمثلة بنبينا _ صلى الله عليه وسلم_.
فكم أحسُدُ زاهراً_رضي الله عنه_ أنِ احتضنهُ النبيُ ويمازحهُ ويخبرهُ بحب الله لهُ, وأنه عند الله غالٍ ! سبحان الله مجتمع مثالي, لا يُقيِّمُ الإنسان من خلال شكله, أو ماله أو مركزه الاجتماعي, بل المقياس هو الإيمان, ومحبة الملك الديان, ومتابعة المصطفى العدنان.

كم هو مريح للنفس والضمير أن تعيش في مثل هذا المجتمع الخالي, من كل المظاهر الجوفاء, المثالية بغير مثالية!.

فهنيئاً لهم حاكماً ومحكوم.