قصيدة في ذم قسوة #القلب للإمام الحافظ ابن رجب #الحنبلي رحمه الله
فهذه قصيدةٌ بليغةٌ في معانيها ؛ عظيمةٌ في مقاصدها ؛ للحافظِ ابنِ رجبَ الحنبليِّ ـ رحمه الله تعالى ـ في رسالته (ذمّ قسوة القلب)...
يبيّنُ فيها حقيقة الدّنيا و زخرفها ؛ ومآلَ العبدِ فيها...فأبدعَ قائلاً :


1- أفِي دَارِ الخَــــرَابِ تَظلُّ تَبنِي *** وتَعمُرُ؟ مَا لِعُمرَانٍ خُلِقتَا!
2- وَمَا تَركَتْ لَكَ الأَيَّامُ عُـذرًا *** لَقَد وَعَظَتْكَ لَكِنْ مَا اتَّعَظتَا!
3- تُنادي للرَّحِيــلِ بِكُلِّ حِينٍ *** وَتُعلِنُ إنَّمَا المَقصُودُ أنْتَا!
4- وتُسمِعُكَ النِّـــدَاءَ وأنتَ لاَهٍ *** عَـنِ الدَّاعِي كأنَّكَ مَا سَمِعتَا!
5- وتَعلَمُ أنَّهُ سَفَرٌ بَعِيــدٌ *** وعَــــن إِعدَادِ زَادٍ قَد غَفَلتَا!
6- تَنَـامُ وَطالِبُ الأيَّامِ سَاعٍ *** ورَاءكَ لاَ يَنَامُ فَكيـــفَ نِمتَا!
7- مَعائِبُ هَـــذِهِ الدُّنيَا كَثِيرٌ *** وأنتَ عَلَـــــــى محبَّتِهَا طُبِعتَا!
8- يَضِيعُ العُمرُ فِــــي لَعِبٍ وَلهوٍ *** وَ لَــو أُعطِيتَ عَقــْلاً مَا لَعِبتَا!
9- فمَا بَعــدَ الممَاتِ سِوَى جَحِيمٍ *** لِعــَاصٍ أو نَعِيمٍ إِنْ أَطعْتَا!
10- ولستَ بآمِـــــلٍ ردًّا لِدُنيَا *** فَتعْملُ صَالِحًا فِيمَا تَركتَا!
11- وأوَّلُ مَــــن ألُومُ اليَومَ نفسِي *** فَقَــــد فَعَلتْ نَظَائِرَ مَا فَعلتَا!
12- أيَا نفسِي أَخوضًا فِــــي المَعاصِي *** وَبعـــدَ الأربَعِينَ وغِبَّ سِتَّا!
13- وَأرجُــو أَن يَطُولَ العُمــــرُ حَتَّى *** أَرى زَادَ الرَّحِيــلِ وقَد تأتَّى!
14- أيَـــا غُصنَ الشَّبابِ تَمِيـــلُ زَهوًا *** كأنَّكَ قَد مَضَى زَمنٌ وعِشتَا!
15- عَلِمتَ فَدَعْ سَبِيلَ الجَهلِ واحذَرْ *** وَصحِّحْ قَد عَلِمتَ ومَا عَمِلْتَا!
16- وَيَا مَـــــن يَجمعُ الأَموالَ قُلْ لِي *** أَيَمنَعُكَ الـرَّدَى مَا قَد جَمَعتَا؟!
17- وَيَا مَــن يَبتَغِي أَمرًا مُطَاعًا *** يُسمَعُ نَافِذٌ مَـــن قَد أَمَرتَا!
18- أَجَجْتَ إلَــــى الوِلاَيَةِ لاَ تُبَالِي *** أَجِرْتَ عَلَـــى البرِيَّةِ أَم عدَلتَا!
19- ألاَ تَدرِي بأنَّكَ يَـــــومَ صَارَتْ *** إِلَيكَ بِغَيــرِ سِكِّينٍ ذُبِحتَا!
20- ولَيسَ يَقُــــومُ فَرحةُ قَد تَولَّى *** بِتَرحةِ يَــــــومَ تَسمعُ قَد عُزِلتَا!
21- وَلاَ تُهمِــــلْ فَإنَّ الوَقتَ يَسرِي *** فإنْ لَـــم تَغتَنِمهُ فَقَد أَضَعتَا!
22- تَـــــــرَى الأيَّامَ تُبلِي كُلَّ غُصنٍ *** وَتَطوِي مِـــــن سُرُورِكَ مَا نَشَرْتَا!
23- وَتَعلَــمُ إنَّمَا الدُّنيَا مَنامٌ *** فَأحلَى مَا تَكُونُ إذَا انتبَهتَا!
24- فَكَيفَ تصدُّ عَــن تَحصِيلِ بَاقٍ *** وَبِالفَانِــــ ـي وزُخرُفِهِ شُغِلتَا!
25- هِــــيَ الدُّنيَا إذَا سَرَّتكَ يَومًا *** تسُؤْكَ ضِعـْفَ مَا فِيهَا سُرِرتَا!
26- تَغُــرُّكَ كالسَّرابِ فأنتَ تَسرِي *** إليــــهِ ولَيسَ تَشعُرُ إن غُرِرتَا!
27- وَأشهدُ كَــمْ أبادَتْ مِن حَبِيبٍ *** كأنَّكَ آمِـــــنٌ مِمَّنْ شَهِدتَا!
28- وَتدْفِنُهُم وَتــــــرجِعُ ذَا سُرُورٍ *** بِمَا قَد نِلتَ مِن إِرثٍ وَحَرثَا!
29- وتَنسَاهُمْ وأنتَ غَـــــــدًا سَتَفنَى *** كأنَّكَ مَا خُلِـقتَ ولاَ وُجِدتا!
30- تُحدِّثُ عَنهُـــمُ وَتقُولُ كَانُوا *** نَعـمْ كَانُوا كَمَا واللهِ كُنتَا!
31- حَدِيثُكَ هُمُ وأنتَ غدًا حَدِيثٌ *** لِغَيرِهمُ فَأحسِن مَا استطَعتَا!
32- يَعُــودُ المرءُ بَعدَ الموتِ ذِكرًا *** فَكُن حَسَنَ الحَدِيثِ إذَا ذُكِرتَا!
33- سلِ الأيَــــــامَ عَن عَمٍّ وخالٍ *** وَمَالَكَ والسُّؤالُ؟! وقَــــد عَلِمتَا!
34- ألَستَ تَــــرى دِيارَهُمُ خَوَاءٌ *** فَقَــد أنكَرْتَ منهَا مَا عرفتَا!