أحكام_الخطبة

قال عليه الصلاة والسلام: "إذا خطب أحدكم امرأة؛ فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل"، رواه أحمد وأبو داود، وفي حديث آخر: "انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".

فدل ذلك على الإذن في النظر إلى ما يظهر من المخطوبة غالبا، وأن يكون ذلك من غير علمها، ومن غير خلوة بها.
قال الفقهاء: "ويباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته: نظر ما يظهر غالبا، بلا خلوة، إن أمن من الفتنة" انتهى.
وفي حديث جابر: "فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها".
فدل ذلك على أنه لا يخلو بها، ولا تكون هي عالمة بذلك، وأنه لا ينظر منها إلا ما جرت العادة بظهوره من جسمها، وأن هذه الرخصة تختص بمن غلب على ظنه إجابته إلى تزوجها، فإن لم يتيسر النظر إليها؛ بعث إليها امرأة ثقة تتأملها ثم تصفها له؛ لما روى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم تنظر امرأة"، رواه أحمد.

ومن استشير في خاطب أو مخطوبة؛ وجب عليه أن يذكر ما فيه من مساوي وغيرها، ولا يكون ذلك من الغيبة.

ويحرم التصريح بخطبة المعتدّة؛ كقوله: أريد أن أتزوجك؛ لقوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} ؛ فأباح التعريض في خطبة المعتدة، وهو أن يقول مثلاً: إني في مثلك لراغب، أو: لا تفوتيني بنفسك؛ فدل ذلك على تحريم التصريح؛ كقوله: أريد أن أتزوجك؛ لأن التصريح لا يحتمل غير النكاح؛ فلا يؤمن أن يحملها الحرص على أن تخير بانقضاء عدتها قبل انقضائها.
قال الإمام ابن القيم: "حرم خطبة المعتدة صريحا، حتى حرم ذلك في عدة الوفاة، وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة؛ فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة، والكذب في انقضاء عدتها، وتباح خطبة المعتدة تصريحا وتعريضا لمطلقها طلاقا بائنا دون
الثلاث؛ لأنه يباح له نكاحها في عدتها".
قال الشيخ تقي الدين: "يباح التصريح والتعريض من صاحب العدة فيها إن كان ممن يحل له التزوج بها في العدة".

وتحرم خطبته على خطبة أخيه المسلم؛ فمن خطب امرأة، وأجيب إلى ذلك؛ حرم على غيره خطبتها، حتى يأذن بذلك أو يرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك"، رواه البخاري والنسائي، وروى مسلم: "لا يحل للمؤمن أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر"، وفي حديث ابن عمر: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه"، متفق عليه، وللبخاري: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له".
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على تحريم خطبة المسلم على خطبة أخيه، والتعدي على حقوقهم، فإن رد الخاطب الأول، أو أذن للخاطب الثاني، أو ترك تلك المرأة؛ جاز للثاني أن يخطب تلك المرأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يأذن أو يترك"، وهذا من حرمة المسلم، وتحريم التعدي عليه.
وبعض الناس لا يبالي، فيقدم على خطبة المرأة، وهو يعلم أنه مسبوق إلى خطبتها، وأنها قد حصلت الإجابة، فيعتدي على حق أخيه، ويفسد ما تم من خطبته، وهذا محرم شديد التحريم، وحري بمن أقدم على خطبة امرأة هو مسبوق إليها مع إثمه الشديد أن لا يوفق وأن يعاقب.
فعلى المسلم أن يتنبه لذلك، وأن يحترم حقوق إخوانه المسلمين؛ فإن حق المسلم على أخيه المسلم عظيم، لا يخطب على خطبته، ولا يبيع على بيعه، ولا يؤذيه بأي نوع من الأذى.
_______________
الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان
منقول