صرف الزكاة لذوي القربى والأرحام

د. نايف بن جمعان الجريدان

تباينت أرآء الفقهاء في حكم صرف الزكاة لذوي القربى والأرحام، ويمكن إرجاعها إلى قولين اثنين:
القول الأول: ذهب الحنفيّة(1)، والحنابلة(2) إلى تقسيم الأقارب إلى قسمين:
1.ويشمل الأصول، وهم: الأبوين، والأجداد، وإن علو، وكذا الفروع: وهم: الأولاد وأولاد الأولاد، وإن نزلوا؛ فهؤلاء لا تُعطى لهم الزكاة، لوجوب النفقة عليهم.
قال في المبسوط:(ومنها(3) الدّفع إلى الوالدين وإن علوا والمولودين وإن سفلوا؛ لأنّ أحدهما ينتفع بمال).
2.الحواشي: وهم سائر الأقارب، كالإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات، وأولادهم؛ فلا يمتنع إعطاؤهم زكاته، ولو كان بعضهم في عياله، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (الصّدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرّحم اثنتان: صدقة وصلة)(4).
القول الثاني: وذهب المالكيّة(5)، والشّافعيّة (6) إلى أن الأقارب الذين تلزم نفقتهم المزكّي لا يجوز أن يعطيهم من الزّكاة، والّذين تلزم نفقتهم عند المالكيّة الأب والأمّ دون الجدّ والجدّة، والابن والبنت دون أولادهما، اللازم نفقة الابن ما دام في حدّ الصّغر، والبنت إلى أن تتزوّج ويدخل بها زوجها (7).
والّذين تلزم نفقتهم عند الشّافعيّة هم الأصول والفروع فقط دون الحواشي (8).
وقيّد المالكيّة والشّافعيّة وابن تيميّة من الحنابلة الإعطاء الممنوع بسهم الفقراء والمساكين، أمّا لو أعطى والده، أو ولده من سهم العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فلا بأس، وقالوا أيضًا: إن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه.
قال النووي: (قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين، والمكاتبين والغارمين والغزاة إن كانوا بهذه الصفة)(9).
وقال ابن تيمية: (والأظهر جواز دفع الزكاة إلى الوالدين إن كانوا غارمين أو مكاتبين... وكذلك إن كان على الولد دين ولا وفاء له جازله أن يأخذ من زكاة أبيه) (10).
قال في الحاوي الكبير (11): وإن كان بعضهم أقارب لرب المال وبعضهم أجانب منه كان أقاربه أولى بزكاته من الأجانب.
وجاء في المدونة عن الإمام مالك حينما سئل عمن تُعطى له زكاة المال قوله: (لا تعطها أحدًا من أقاربك ممن تلزمك نفقته)، فقال له السائل: فمن لا تلزمني نفقته من ذوي قرابتي وهو محتاج إليها؟ فقال: (ما يعجبني أن يلي ذلك هو بالدفع إليهم، وما يعجبني لأحد أن يلي قسمة صدقته؛ لأن المحمدة تدخل فيه والثناء، وعمل السر أفضل، ولكني أرى أن ينظر رجلاً ممن يثق به فيدفع إليه ذلك يقسمه عليه، فإن رأى ذلك الرجل الذي من قرابته الذي لا يلزمه نفقته أهلا لها أعطاه كما يعطي غيره من غير أن يأمره بشيء من ذلك، ولكن يكون الرجل الذي دفع ذلك إليه ليفرقه هو الناظر في ذلك على وجه الاجتهاد (12).
قال ابن المنذر رحمه الله: (أجمع العلماء على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين والولد في الحالة التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم) (13).
الخلاصة ويظهر الفرق بين القولين: أن أصحاب القول الأول لا يُجيزون إعطاء الزكاة للأصول والفروع حتى وإن كانوا من غير سهم الفقراء أو المساكين.
بينما أصحاب القول الثاني؛ فالمالكية منهم يُجيزون إعطاء الزكاة للأب، والأم، فقط دون غيرهم من الفروع، ويُقيدون إعطاءهم الزكاة للبنت إلى أن تتزوج.
والشافعية كأصحاب القول الأول في ذلك إلا أنهم مع المالكية يجيزون إعطاء الأصول والفروع من غير سهم الفقراء والمساكين.
-----------------------
(1) انظر بدائع الصنائع (2/49)، بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة (1/37).
(2) الشرح الممتع (6/262).
(3) أي من الأصناف التي لا يجوز إعطاؤهم من الزّكاة.
(4) بدائع الصنائع (2/49). والحديث أخرجه الترمذي (658)، والنسائي(2582)، وابن ماجه (1744)، وأحمد (4/18)، رقم (16277)، وابن حبان (3344)، والحاكم في مستدركه (1467).
(5) المدونة (2/297-298).
(6) المجموع (6/219).
(7) المدونة (2/198)
(8) المجموع (6/219).
(9) المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.
(10) مجموع الفتاوى (25/90).
(11) (8/531).
(12) المدونة (2/297-298).
(13) الإجماع لابن المنذر (1/46).