قصيدة (حُبٌّ لا يَمُوتُ)
ســهمٌ رمى قلبـي فـكيـف أصـابـا ؟
والقلبُ مـن زمـنٍ أحـبَّ فذابــا

لًـم يرمِــه ريــمُ الفـلاةِ بنــظـرة
تَسبي القلـوب وتسـلُـب الألـبـابا

كلا , ولـم تـفْـتـنه لُـبنَى إذ بــدت
كالغصـن ترفُــل جَيـئةً وذهـابـا

لـم أنـدبِ الأطـلالَ أو رسْماً عـفــا
ولعاذلـي مــا قلتُ : كفَّ عِتـابـا
لـم يُبكنـي ركـبٌ يسيــر بـغــادةٍ
فـجـراً ولـم أقـرعْ لـذلك نـابـا
لكنْ ذرفـتُ دمــا دمـوعي إذ مـضـى
ركــبٌ لطيـبةَ كـي يزورَ قـبابـا
بظـلالـها روضٌ لأحـمـدَ شــاقنـي
فبعـثتُ روحـي تلثُـم الأعـتـابـا
وودِدْتُ أنّ القـلبَ صــار ضـريـحَـه
وحُشاشـتـي أمسـت هـناك تُرابـا

قلبـي بـه مـنـذ الصِّـبــا مُتَعَـلِّـقٌ
وسنا الطيوفِ يُعـانـق الأهــدابـا
شتّانَ بين هــوىً يـموتُ بِمـوتِ مـن
أحبـبـتَـه حتـى يصيـرَ سَـرابـا
وهوىً تَجـذّر في الفؤاد مـدى الـمـدى
حتّى وإنْ فـي التُّرب جسمُكَ غـابـا

ما صغـتُ شـعــري أبـحـراً بـمديحه
كــلا ولا حبـراَ بسِـفْـري انـسابا
بل صغتُه حُبـاً وشــجــوَ حـمائــم
تمضي لـروض مـحمـدٍ أســـرابـا
داوودُ هـبْ شـفتَيَّ لحــنـاً سـاحـراً
أشـدو بـه لا النَّـايَ لا زِريــابــا
لأرشَّ بــوحي فـي الـمسامع أحــرفاً
من نرجسٍ تَهـب الـدُّنى أطــيـابـا
*****

كان الوجودُ بـغيـهب مُلـقىً , فكـم
سجــدوا لـعُزّى يبـتغـون ثـوابـا!
صنمٌ يـخـرّ أمـام أصنــام سُـدىً
والظلـمُ يضـرِب حـولـهم أطـنـابـا
ووليدةٌ وُئـدتْ أيـمسكـها عــلى
هُـوْنٍ أبــوها إذ بـــدا مُـرتـابا
أم في التراب يَـدسـهـا يـا ويْحـه !
ماذا جـنتْ كــي تستحــقَّ عقابا ؟
سل داحساً وسل البسوسَ كـم ارتـوت
فيهـا الرمالُ من الـدّمــاء شـــرابا
..ومـضى الزمانُ وجيش أبـرهـة أتـى
بالـفيـل كـي يـذرَ العـتيـقَ خـرابا
وإذا بــه ولّى ومـن رب السـمــا
ء علـيهـمُ السّـجيــلُ نارا صَــابـا
ما السرُّ فـي فيـلٍ فثَـمَّـةَ كـوكـبٌ
مُـتـنـقّـلٌ قـد زيّـنَ الأصــلابــا
وبلـيلة الـميـلاد أشـرقت الـدُّنـى
وبـِهـا رأت أمُّ الـنـبـي عُـجـابــا
نورٌ أضـاء قصـورَ بصرى مــذ بدا
وأزال عـن عيــنِ الْحـياةِ حِـجــابا
إيوانُ كسرى اهـتزّ , غاضت ســاوةٌ
والنـارُ أبصرهـا الـمـجـوس ضَبـابـا
للتـائهيـن أطـلّ شـمسَ هـدايــة
وكـسـا الأبُــوّةَ لليـتـيـم ثِيـابـا
إن جـــادَ فالأبْحــارُ رشحُ يَمينـه
ويفـوقُ أُسْـداً فـي الحـروب غِضـابـا
حركــاتُه وحـيٌ , كـذا سكـنـاتُه
أفكـارُه , والـقـولُ كـان صـوابــا
فتـحَ القــلوبَ بفتـح مكةَ فاهتدتْ
وبعـفوه جـعل الــعــدا أصـحـابـا
*****
كم كنتَ فـي الظلمـاء يا خيـر الورى
تـدعــو ويغــرقُ دمـعُـك المحـرابـا
تبكي فيبتسمُ الـوجـودُ ويـنتـشـي
أثرُ السجــود وتســألُ الــوهّــابـا
فيحفّنا الخـيـرُ الـعميمُ وكـيـفَ لا
وغــدا دعــاؤك يا حبـيب مُجـابــا ؟
وحباك ربكَ معـجـزاتٍ بـدرَهــا
كان القــرآنُ ومـا تلـوتَ كـتــابــا
وكستكَ في الحـر الغـمامـةُ ظـلّـها
ورقيــتَ تـجـتـاز الـطبـاقَ شـهابـا
وبنبع كفـكَ كم سقيتَ , وسـبحـت
شفةُ الحـصى , وبـهـا شفيـتَ مصـابــا
ولَمست ضَـرعــاً دَرَّ بعد جفـافه
ودعـوتَ ضَبّـاً للـهُـدى فــأجــابـا
تَمشي فتخضر الــرمالُ ويـزدهـي
بـكَ كـلُّ درب إنْ وطـئـتَ تُــرابــا

*****
زكاك ربـك في الكتاب فلـن يـفـي
شـعـرٌ بـوصفـكَ ..مَنْ يرومُ سَحَابا ؟
لو ذاقَ من وصـف الغــوانِيَ قطرةً
مـن فيـض حُبـك مــا أحبَّ كَعابا
ولَجـاء يبغـي في مـديحك بُـــردةً
وشـفـاعةً ومـن الأكــفِّ شــرابا
هَـرِمَ الـذي قـد قـيـل في هَرِمٍ وفي
كـلِّ الملــوك وكــلُّ مــدح شابا
وامتد مـدحكَ في الخلـود خَـمـائلا
وزهـا الـقـريضُ نضــارةً وشَبـابا
فاشـفع لـعـبدٍ غـارقٍ بـذنـوبه
يـامـن بِمـدحــك شـاعرٌ ما خابا
وبـغيثـكَ ارتوت النفـوسُ من الْهدى
وبــكَ الْجِــنانُ ستفتـحُ الأبـوابـا
فعلـيـك صلـى الله ما عبَـقَ الشّذا
أو مـؤمـنٌ صلّـى وعـبـدٌ تـابــا

شعر : مصطفى قاسم عباس