لعناية الشيخ الفاضل / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد

فهذه بعض أهم العبارات الخطيرة التي أوردها المدعو / عبد الغفار الشريف ( الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقا ) في لقاءه التلفزيوني في برنامج " الحياة عبادة " وهي كالتالي:

1- أن الله احتفل بولادة النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين كما في الحديث الصحيح.
2- الاحتفال بالمولد له أصول شرعية كسجود الشكر, وليس هناك نعمة أعظم من نعمة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم.
3- صيام الاثنين احتفال من النبي صلى الله عليه وسلم.
4- مناسبات المولد حفظت على المسلمين دينهم.
5- يجب أن نحيي هذه المناسبات
6- القياس مفتوح
7- ابن تيمية يقول: " من احتفل حباًّ في النبي صلى الله عليه وسلم فهو مأجور ".
8- لاحظ أنَّ مثل هذه الفتاوى لا تخرج إلا من مجتمع منغلق يغلب عليه طابع البداوة, وأن الفتاوى التي فيها أريحية تخرج من مجتمع متحضر حضاري.
9- الصحابة ما كسروا الأصنام مثل أبي الهول في مصر, والنبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على مدائن صالح ولم يكسر أصنامهم.
10- إذا كان الذي يطوف حول القبر يعبد القبر فالذي يطوف حول الكعبة بعبد الكعبة.

ملاحظة: نودُّ من فضيلتكم بيان هذه الأخطاء العقدية والبدعية التي ذكرها المذكور أعلاه لكي تتضح الرؤيا لعوام المسلمين
وجزاكم الله خيرا
محمد الراشد

جواب الشيخ حفظه الله:

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:

1- لم يرد أن الله يخفف العذاب على أبي لهب, وإنما الذي وَرَدَ أنَّه يمص أصبعه ويجد شيئاً من اللذة أو الغذاء في مقابل إرضاع مولاته لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا من باب المكافأة للكافر على إحسانه كما قال تعالى: (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )).
2- سجود الشكر سنة ثبتت بدليل, والاحتفال بالمولد بدعة لا دليل عليها, فهذا قياس مع الفارق.
3- الصيام عبادة وليس احتفالا, والرسول صلى الله عليه وسلم صام الاثنين ولم يحدث فيه احتفالا بالمولد.
4- الذي يحفظ على المسلمين دينهم هو التمسك بالسنة, وأما البدع فإنها تضيع الدين كما في الأثر: " ما أحدث قومٌ بدعة إلا رُفع مثلها من السنة ".
5- بل يحرم أن نحيي المناسبات البدعية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( وإياكم ومحدثات الأمور )).
6- المفتوح هو القياس الصحيح لا القياس الباطل فإنه ممنوع, كقياس إبليس حينما قال: ((قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ )).
7- معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ الإنسان يُؤجر على نيته الصالحة لا على البدعة, فإنه يأثم بفعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )).
8- الفتاوى الصحيحة هي التي تخرج من المجتمع المتمسك بدينه, وأما الفتاوى الباطلة فإنها تخرج من مجتمع همجي منغلق عن الخير وقبول الحق.
9- الصحابة لم يكسروا هذه الأشياء لأنها جبال ومَبانٍ وبيوت للسكنى, ولم تُبنَ للشرك والعبادة.
10- الطواف حول الكعبة عبادة لله أمر الله بها وليست عبادة للبيت, وأما الطواف بالقبر فإن قصدَ به عبادةَ الله فهو بدعة لأن الله لم يأمر به وهو وسيلة من وسائل الشرك, فما ذكره هذا القائل قياس باطل, وإن كان المقصود بالطواف حول القبر التقرب إلى الميت فهو شرك أكبر.

كتبه: صالح بن فوزان الفوزان
---------------------------------------------تعقيب الشيخ- فيصل بن قزار الجاسم:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فقد اطلعت على مقال لفضيلة الدكتور محمد عبدالغفار الشريف (الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف), يعقب فيه على فضيلة الشيخ العلامة بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية) في رده على بعض كلام للدكتور محمد عبدالغفار.

وقد رأيت أن الدكتور هداه الله إلى سبيل الرشاد قد أتى بأمور خالف بها الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، بل خالف إجماع العلماء في مسائل خطيرة.

وكان الأحرى بمثل الدكتور ألا يخوض فيها إلا بالعلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة.

- تعريف العبادة

خطؤه الكبير في تعريف العبادة، والذي تنشأ عنه التسوية بين الطواف على القبور، وبين الطواف على الملعب أو السعي بين النواب لغرض دنيوي والصيام بغرض التخسيس.

ولا ريب أن الفرق بينهما ظاهر إذ الطواف بالقبر يراد به التقرب والتعبد, إذا كان الطواف إلى القبور فيكون شركاً بالله, وأما إلى الله فيكون بدعة وضلالة من حيث هو تعبد الله بما يشرعه، والمسلمون عندما يطوفون بالبيت الحرام إنما يتعبدون الله بذلك حيث أمرهم به، ولا يتقربون بذلك إلى ذات البيت ويعبدونه، ولو قصد أحد ذلك لكفر، ولذلك قال عمر رضي الله عنه عن الحجر الأسود: ( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع, ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ) أي إنما نفعل ذلك طاعة لله لا لذات الحجر.

- الأمانة في النقل

أما ما نقله عن بعض العلماء مؤكداً أن هناك من العلماء من حكم بالكراهة، فخطأ عمن نقل عنهم، كما نقل عن الحجاوي قوله: ( ويكره المبيت عنده - أي القبر - وتجصيصه وتزويقه وتخليقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع إليه ودسها في الأنقاب والاستشفاء بالتربة من الأسقام )، فإن المراد بالكراهة هنا التحريم ولا أظنه يخفى على الدكتور ذلك، وأن الكراهة تطلق على الكراهة التحريمية، ولذلك قال البهوتي في كشاف القناع بعد كلام الحجاوي ( لأن ذلك كله من البدع ) ولا ريب أن البدع محرمة، والحنابلة من أشد الناس في السنة والنهي عن البدعة كما هو معلوم، ويؤكد هذا أن العالم الحنبلي قد يعبر في موضع بلفظ الكراهة وفي موضع آخر بلفظ التحريم، كما فعله الشيخ مرعي الحنبلي حيث عبر في كتاب دليل الطالب كما ذكره الدكتور عنه بلفظ ( ويكره )، بينما قال في غاية المنتهى ( ويحرم إسراجها وكذا الطواف بها )، وقد نقل ابن النجار الحنبلي في المنتهى الاتفاق على ذلك فقال: ( بل يحرم الطواف بغير البيت العتيق اتفاقا ) مما يؤكد أن المراد بالكراهة هنا الكراهة التحريمية, والجواب عمن نقل عنهم كالجواب على ما هنا.

هذا أمر والأمر الثاني هو قوله باختلاف العلماء في الطواف على القبور بين الحرمة والكراهة، غفلة عظيمة، وخطأ جسيم، إذ تحريم الطواف بغير الكعبة عموماً وبالقبور خصوصاً، مع ما يدل على تحريمه في الشرع، أمر متفق عليه بين العلماء بلا خلاف بينهم، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الاتفاق على ذلك، منهم العز بن جماعة في هداية السالك (3/1391) حيث قال: ( لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ولا ببناءٍ غير الكعبة الشريفة بالاتفاق ) وكذا النووي في المجموع (8/257): ( لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم .. إلى قوله: هذا هو الصواب الذي عليه العلماء وأطبقوا عليه، ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم )، فإذا كان هذا الاتفاق في الطواف بقبر نبينا صلى الله عليه وسلم فكيف بقبر من هو دونه! وقال ابن النجار الحنبلي في منتهى الإرادات: ( بل يحرم الطواف بغير البيت العتيق اتفاقاً ) هذا أمر.

والأمر الثالث والأهم أن الحجة في الكتاب والسنة والمرد إليهما عند التنازع لا إلى أقوال العلماء كما قال تعالى: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )), وأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها.

- فتح باب الوثنية

لعل من أخطر أقوال الدكتور - هداه الله - قوله: ( فهل يمتنع أن يخلق الله مثل تلك القدرات للأموات، وهو الذي خلق قدرة النطق والإرادة للجماد كما في حنين الجذع )، وهذا عند التأمل يفتح باب الوثنية على مصراعيه؛ إذ يلزم بناء على كلامه، أن تقبل دعوى من يدعي علم الغيب، وإحياء الموتى، بدعوى أنه لا يمتنع على الله ذلك، وآخر يدعى نفع الشجر والحجر في قضاء حاجات الناس بدعوى أن الله قادر على ذلك حيث أنطق الجماد، وهكذا حتى يكون كل من أراد أن يعبد شيئاً إنساً أو حجراً أو شجراً فله ذلك، بدعوى الدكتور أنه لا يمتنع على الله ذلك وهو القادر على كل شيء فإن قال الدكتور: لا، لا، أبداً لا يجوز طلب الحاجات من الشجر والحجر والجن والملائكة؛ لأن الله نهانا عن ذلك وحكم بكفر من فعله، فنقول كذلك في دعاء الأموات والاستغاثة بهم وسؤالهم الحاجات قد نهانا الله عنه وبين بأنهم لا يسمعون، ولا يجيبون وبأن هذا كفر وشرك قال تعالى: (( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم )) فانظر كيف سمى الله دعاء الأموات شركا، وقال (( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ))، فسمى الله دعاء الأموات عبادة لهم، و "من" كما هو معلوم للعاقل، مما يبين بأن الآية فيمن دعا الأنبياء والأولياء والجن والملائكة.----------------