المقارَنة بين الصحيحين:
- سبب التأليف:
يرجع السبب الرئيسي عند الإمام البخاري في تأليفه لصحيحه أنه كان في مَجلس علم عند شيخه المحدِّث إسحاق بن راهويه، فسمعه يقول فيما معناه: (لو أن أحدكم انبَرى لجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم)، فوقعَت هذه الكلمة في قلب الإمام البخاري، فهمَّ إلى جمع الحديث، وهناك سبب آخر توافَقَ مع هذه القصة، وهو رؤيته في المنام أنه يحمل مروحة ويتبع بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعُبِّرت له هذه الرؤية بأنه يذبُّ الكذب عنه صلى الله عليه وسلم.

وأما السبب الرئيسي عند الإمام مسلم، فهو تلبية للطلب، وإجابة لأسئلة الناس في الحديث؛ لأنه كان إمامًا حافظًا ذا مهابة وغَيرةٍ على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أهلاً لنَيل شرف ذلك.
فقد نص الإمام مسلم في مقدمة الصحيح على أن سبب تأليفه له، فذكر ذلك في خطبة كتابه حيث قال: (فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تعرف جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامه، وما كان منها في الثواب، والعقاب، والترغيب، والترهيب وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم، فأردت -أرشدك الله- أن توقف على جملتها مؤلفة محصاة، وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر، فإن ذلك -زعمت مما يشغلك عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها، وللذي سألت أكرمك الله حين رجعت إلى تدبره وما تؤول به الحال إن شاء الله عاقبة محمودة ومنفعة موجودة، وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه وقضي لي تمامه كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف، إلا أن جملة ذلك أن ضبط القليل من هذا الشان وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يوقفه على التمييز غيره فإذا كان الأمر في هذا كما وصفنا فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم).

-
مدة التأليف:
استغرق الإمام البخاري في تأليفه للصحيح مدة تقدَّر بـ 22 سنة، أما الإمام مسلم فقد ألَّف صحيحه في حوالي 15 سنة.

- التقدُّم في التأليف:
كان التقدم - أي: السَّبق - لصحيح البخاري، وذلك سنة 232هـ، ثم تلاه صحيح مسلم في سنة 250 هـ.

-
مقدمة الصحيحين:
لم يقدَّم صحيح البخاري بمقدمة، أما صحيح مسلم فقد وضَع له مؤلِّفه مقدمة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأحاديث الموجودة في مقدمة مسلم ليسَت على شرطه في الصحَّة؛ أي: لا بد وأن يعزى الحديث إلى المقدمة، فنقول مثلاً: ذكره الإمام مسلم في مقدمته.

-
الكتب في الصحيحين:
يوجد في صحيح البخاري 97 كتابًا، أولها: (كتاب بَدْء الوحي)، وآخرها: (كتاب التوحيد)، وفي صحيح مسلم يوجد 57 كتابًا، أولها: (كتاب الإيمان)، وآخرها: (كتاب التفسير).

-
الأبواب في الصحيحين:
بوَّب الإمام البخاري صحيحه بقرابة 3882 بابًا، أولها: (باب كيف كان بَدْء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول الله - جل ذكره -: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [النساء: 163]، وآخرها: (باب قول الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأنبياء: 47]، وأنَّ أعمال بني آدم وقولهم يوزن.

أما الإمام مسلم فلم يبوِّب لصحيحه، وإنما الذي بوَّب صحيح مسلم هو الشيخ الفقيه المحدث الإمام النووي - رحمه الله - وقد ضمنه 1329 بابًا، أولها: (باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامة الساعة)، وآخرها: (باب في قوله تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾ الحج: 19

-
الأحاديث في الصحيحين:
أ - عدد الأحاديث:
يضم صحيح البخاري 7563 حديثًا، أولها: حديث عمر بن الخطاب: (إنما الأعمال بالنيات)، وآخرها: حديث أبي هريرة: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن). (
[1])
أما صحيح مسلم، فيضم حوالي 4000 حديث، أولها: حديث يحيى بن يعمر، وآخرها: حديث قيس بن عباد. (
[2])

ب- الشرط في الأحاديث المعنعنة:
وهي الأحاديث التي في سندها مثلاً (فلان عن فلان)؛ فالإمام البخاري يشترط في صحتها اللُّقيا، وشرطه هذا أدق من جهة الاتصال، أما الإمام مسلم فيشترط في صحتها المعاصرة مع إمكانية اللُّقيا، وهو شرط مُعتبر عند جماهير المحدِّثين.

ج - شرطهما في الرجال:
يشترط البخاري ومسلم في رُواة صحيحيهما تمام العدالة والضبط، إلا أن البخاري أكثر تشدُّدًا من مسلم في هذا الشرط؛ لذا يقل عدد الرجال الذين انتُقدوا عليه عن صحيح مسلم.

ح - تكرار الأحاديث:
كثيرًا ما تتكرر الأحاديث في صحيح البخاري؛ فمجموع الأحاديث بدون المكرر حوالي 4000 من أصل 7563 حديثًا بالمكرر.
أما صحيح مسلم فتُجمع الأحاديث وتورد ضمن باب واحد، يجمعها بدون أن تتكرر في أبواب أخرى.

خ - تقطيع الأحاديث:
وهو الاقتصار على طرف من الحديث، وهذه سمة بارزة شائعة في صحيح البخاري؛ إذ كثيرًا ما يقطِّع البخاريُّ الحديثَ إلى أطراف بحسب الباب المناسب وطرق الحديث، وهذا المنهج يبين فقه البخاري في صحيحه.

أما في صحيح مسلم فيذكُرُ الحديث كاملاً في مكان واحد، وبكل رواياته التي وصَلَتْ إليه.

د - تعليق الأحاديث:
وهو حذف راوٍ واحد أو أكثر من أول السند، وقد يذكر الحديث بدون سند، وهو كثير في صحيح البخاري؛ حيث نجد فيه حوالي 1341 حديثًا معلقًا، أما في صحيح مسلم فيُوجد فيه حوالي 14 حديثًا معلَّقًا فقط.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا بدَّ مِن تقييد العزو إلى البخاري أو مسلم بالتعليق؛ وذلك بأن نقول مثلاً: ذكره البخاري معلقًا، أو ذكره مسلم معلَّقًا؛ لأن هذه الأحاديث المعلَّقة ليست على شرط الصحيحين، إلا الأحاديث الموصولة في كتب وأبواب أخرى من الصحيحين، أو في المُستخرَجات عليهما؛ كمُستخرَج أبي عوانة، ومستخرج أبي نعيم الأصبهاني، وقد ألَّف الحافظ ابن حجر كتابًا خاصًّا في هذا الموضوع، سماه: (تغليق التعليق)، وصَل فيه أغلب الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري، وبيَّن أن البخاري - رحمه الله - كان يعلِّق الأحاديث للاختصار.

ذ - القصد من الصحيحين:
يجمع صحيح البخاري بين قوة الإسناد والمقصد الفقهي؛ ولذلك بوب صحيحه، وكان يكرِّر الحديث ويقطِّعه، ويعلِّق بحسب فقهه في الباب الذي يضمُّ هذه الأحاديث، فقيل عنه: (فقه البخاري في أبوابه).
أما الإمام مسلم فقد اختصَّ صحيحه بالنظر الثاقب في الإسناد، وإظهار براعته في ترتيب الأحاديث وفهمه العالي، وجمعه للطرق والألفاظ.




([1]) قول ابن الصلاح والنووي أن عدد أحاديثه (7275) حديثًا، وبدون المكرر أربعة آلاف .[فتح المغيث: (صـ 58)، وتيسير المصطلح للطحان: (39)].
قول ابن حجر إنه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات (7397) حديثًا، والخالص من ذلك بلا تكرار (2602) حديثًا، وإذا أضيف إلى ذلك المتون المعلقة المرفوعة وهي (159) حديثا فمجموع ذلك (2761)، وعدد أحاديثه بالمكرر والتعليقات والمتابعات واختلاف الروايات (9082) حديثًا، وهذا غير ما فيه من الموقوف على الصحابة والتابعين.

([2]) اختلف العلماء قديماً وحديثاً في عدد أحاديث صحيح مسلم وذلك لاختلافهم في عدّ الأصول دون المكررات، واختلافهم في عدّ المكررات بالمتابعات والشواهد، قال أبو قريش الحافظ لأبي زرعة الرازي -عن الإمام مسلم-: (هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح). [تاريخ دمشق: (58/ 93)].
وقد أوضح ابن الصلاح مراد أبي قريش فقال: (أراد والله أعلم إن كتابه هذا أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات). [صيانة الإمام مسلم: (1/ 101)].
وقال رفيق الإمام مسلم وتلميذه أحمد بن سلمة: (اثنا عشر ألف حديث). [النكت على ابن الصلاح لابن حجر: (1/ 296)].
قال الذهبي معلّقًا: (يعني بالمكرر، بحيث إنه إذا قال: حدثنا قتيبة، وأخبرنا ابن رمح يعدان حديثين، اتفق لفظهما أو اختلف في كلمة).
وأما من المعاصرين فقد عدّ أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي في النسخة التي اعتنى بها وقال: (بلغت عدة الأحاديث الأصلية في صحيح مسلم 3033 حديثاً. وهذا من دون المكرر).
وقد جمع الشيخ مشهور حسن آل سلمان عدد الأحاديث بالمكرر من خلال عدّ محمد فؤاد عبد الباقي فبلغت 5770 حديثًا، إلا أن الترقيم الذي وضعه محمد فؤاد عبد الباقي هو للأحاديث الأصول في الباب دون المتابعات والشواهد، وفد تتبّع عددها الشيخ مشهور فبلغت 1615 حديثًا عدا ثلاثة أحاديث في المقدمة فيكون عدد أحاديث الكتاب بالمكرر ومع الشواهد والمتابعات 7385 حديثاً بدون أحاديث المقدّمة وعددها 10 أحاديث. [الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح ومحدث الإسلام الكبير - مشهور بن حسن محمود آل سلمان، دار القلم: (صـ 194)].



... منقول بتصرف وزيادات ...