الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فهذه الحلقة الثانية من دفع تشنيعات حاتم العوني عن الإمام حرب الكرماني رحمه الله تعالى

قال حاتم العوني (د 3:20) : دخل (أي حرب الكرماني) في قضايا مثلا هي من القضايا التي من المفترضالتي يجب أن يكون من يتبع السلف هو من أبعد الناس عنها , مثل قضية مثلا إثبات بعض الصفات التي لم يرد فيها نص في إثباتها لله عز وجل وفيها كلام طويل وفيها ما يشبه التجسيم في بعض الأحيان , أو كان شي هو سبب اتهام لبعض الحنابلة وبعض المحدثين بالتجسيم , يعني مثلا : إثبات الحد , يقول : وله حدٌّ الله أعلم به . يتكلم عن الله عز وجل ..

أقول : إثبات الحد لله هو مثل قول الله فوق سمواته .ونفي الحد عن الله يلزم منه لازما سيئا إما القول بأن الله في كل مكان كما قالت الجهمية الأوائل , وإما القول بقول الأشعرية بأنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا محايث ولا مباين !!

وليس معنى إثبات الحد إثبات صفة جديدة لله ! بل المقصد هو إثبات ذات لله مباينة للمخلوقات كما وردت بذلك النصوص

قال الإمام عثمان بن سعيد رحمه الله : وادعى المعارض أيضا أنه : ليس لله حد , ولا غاية ولا نهاية .
وهذا هو الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته , واشتق منها أغلوطاته , وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق جهما إليها احد من العالمين .
فقال له قائل ممن يحاوره : قد علمت مرادك بها أيها الأعجمي , وتعني : أن الله لا شيء ّ , لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حدّ وغاية ووصف , وأن لا شيء ليس له حدّ ولا غاية ولا وصف .
فالشيء أبدا موصوف لا محالة , لا شيء يوصف بلا حدّ ولا غاية .
وقولك : لا حدّ له , يعني : أنه لا شيء .
والله تعالى له حدّ لا يعلمه أحد غيره , ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحدّه غاية , ولكن نؤمن بالحدّ ونكل علم ذلك إلى الله .اهـ (1)

وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ثم من كان من السلف أخبر بحال الجهمية مثل الذين كانوا يباشرونهم من السلف والأئمة الذين بالعراق وخراسان إذ ذاك فإنهم كانوا أخبر بحقيقة أمرهم لمجاورتهم لهم فإنهم قد يتكلمون بنقيض ما نفوه وقد يتوقف بعضهم عن إطلاق اللفظ مثل لفظ الحد فإن المشاهير بالإمامة في السنة أثبتوه كما ذكره عثمان بن سعيد عنهم وسمى ابن المبارك.
قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة: أنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله قيل له: روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف الله؟ قال: "على العرش بحد" قال: قد بلغني ذلك عنه وأعجبه ثم قال أبو عبد الله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} ثم قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} قال الخلال وأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: "في السماء السابعة على عرشه بحد" فقال أحمد: "هكذا هو عندنا" وقال حدثنا الحسن بن صالح العطار ثنا هارون ابن يعقوب الهاشمي أن يعقوب بن العباس قال كنا عند أبي عبد الله قال: "فسألناه عن قول ابن المبارك على العرش استوى بحد فقلنا له : ما معنى قول ابن المبارك بحد ؟ قال: لا أعرفه , ولكن لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وهو على العرش وعلمه مع كل شيء .
وقولهم : ما معنى قول ابن المبارك , وقوله: "لا أعرفه" قد يكون لا أعرف حقيقة مراده , لكن للمعنى الظاهر من اللفظ شواهد وهو النصوص التي تدل على أن الله تنتهي إليه الأمور وأنه في السماء ونحو ذلك , وقد يكون لا أدري من أين قال ذلك لكن له شواهد .اهـ (2)

فليس هو قول لحرب الكرماني ابتدعه من نفسه ولم يرم الحنابلة بالتجسيم إلا من اجتال التعطيل قلبه عن الصراط المستقيم إذ قولهم هو حقيقة ما وردت به النصوص والآثار

وأما روي عن الإمام أحمد من روايات في نفي الحد إنما تفهم من سياقها فهو أثبته في روايات أسلفت ونفاه في روايات

وإنما كان مقصده في نفي الحد نفي (أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها) . (3)

ثم قال حاتم العوني : أيضا يثبت صفة التحرك , يقول مثلا أن الله عز وجل لا ... يتكلم ويتحرك .
ينصبه على أن من صفات الله عز وجل التحرك ! , هل ورد في الكتاب والسنة لفظ التحرك ؟
الإضافة على ما ورد في الكتاب و السنة وعلى ما ورد في كلام السلف هذا فيه استدراك على الكتاب والسنة وعلى السلف , وفيه مخالفة للسلف عند من يزعم أنه متبع للسلف .اهـ

إثبات الحركة لله تعالى هي من لوازم الصفات التي جاءت بها النصوص الشرعية كالنزول والصعود والمجيء

قال عثمان بن سعيد رحمه الله : أمارة ما بين الحي والميت التحرك , كل حي متحرك لا محالة , وكل ميت غير متحرك لا محالة .اهـ (4)

وحتى لو خطأنا من أطلق هذا اللفظ فلا أحد يقول أن فيه تجسيم أصلا لأن لوازمه حقيقية موجودة (وهي صفات الله كالنزول والصعود والمجيء والضحك والقبض والبسط والطَّي)

قال شيخ الإسلام رحمه الله : وَذَكَرَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي إثْبَاتَ لَفْظِ الْحَرَكَةِ فِي كِتَابٍ نَقَضَهُ عَلَى بِشْرٍ المريسي وَنَصَرَهُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الكرماني: لَمَّا ذَكَرَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ قَاطِبَةً وَذَكَرَ مِمَّنْ لَقِيَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ: أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه؛ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ الحميدي وَسَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ. وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَقُولُ: الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ لِعَدَمِ مَجِيءِ الْأَثَرِ بِهِ .اهـ (5)

والآن قد تبين ولله الحمد غلط حاتم العوني وضعف حجته والباعث له لهذا كله

وأنوه أخيرا أن الإمام حرب الكرماني عالم جليل

قال عنه الذهبي : كان حرب من أوعية العلم، حمل عن أحمد وإسحاق، وكان عالم كرمان في عصره، يذكر مع الأثرم والمروذي، ارتحل إليه الخلال وأكثر عنه. توفي سنة بضع وسبعين ومائتين.اهـ (6)

وعلماء الإسلام الأئمة لا يذكرون إلا بالجميل , وكلام حاتم العوني عنه بهذا الأسلوب الدنيء محاولا تسفيهه والغمط من شأنه لا يدل إلا على رقة الدين مع قلة الحياء

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

(1) نقض الدارمي
(2) بيان تلبيس الجهمية 2/163
(3) بيان تلبيس الجهمية 1/433
(4) نقض الدارمي
(5) مجموع الفتاوى 5/577
(6) مختصر العلو للعلي الغفار


أنهيته ولله الحمد
يوم السبت 4 شعبان 1438هـ
قبل صلاة الفجر