قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد البزدوي الحنفي رحمه الله (482هـ): «العلم نوعان: علم التوحيد والصفات، وعلم الشرائع والأحكام؛ والأصل في النوع الأول هو التمسك بالكتاب والسُّنَّة، ومجانبة الهوى والبدعة، ولزوم طريق السُّنَّة والجماعة الذي كان عليه الصحابة والتابعون، ومضى عليه الصالحون؛ وهو الذي كان عليه أدركنا مشايخنا، وكان على ذلك سلفنا؛ أعني: أبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمد، وعامة أصحابهم رحمهم الله، وقد صنَّف أبو حنيفة ﭬ في ذلك كتاب «الفقه الأكبر»، وذكر فيه إثبات الصفات، وإثبات تقدير الخير والشر مِن الله، وأن ذلك كله بمشيئته»اهـ([1]).
قال العلامة علاء الدين البخاري الحنفي رحمه الله (730هـ) – شارحًا كلام البزدوي-: «(أدركنا مشايخنا)؛ أي: أستاذينا، و(السلف) جمع سالف؛ مِن سلف يسلف سلفًا؛ إذا مضى، و(عامة أصحابهم)؛ أي: أكثرهم.
وإنما قيَّد به؛ لأن بعضهم كان موسومًا بالبدعة؛ مثل بشر بن غياث المريسي([2])، واعلم أن غرض الشيخ مِن تقرير هذه الكلمات في أول هذا الكتاب إبطالُ دعوى من زعم مِنَ المعتزلة أن أبا حنيفة $ كان على معتقدهم؛ استدلالًا بما نُقِلَ عنه أنه قال: «كل مجتهد مصيب»، وَدَفْعُ طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فيه مِنَ الشافعية وغيرهم مِنْ أصحاب الظواهر، أنه كان مِن أصحاب الرأي، وأنه كان يُقَدِّم الرأي على السُّنَّة؛ فبدأ أولًا بإبطال دعوى المعتزلة، فقال: (وقد صنف أبو حنيفة في ذلك)؛ أي: في علم التوحيد والصفات، كتاب «الفقه الأكبر»؛ سماه أكبر؛ لأن شرف العلم وعظمته بحسب شرف المعلوم، ولا معلوم أكبر مِن ذات الله تعالى وصفاته؛ فلذلك سماه أكبر، وذكر فيه إثبات الصفات، فقال: لم يزل، ولا يزال بصفاته وأسمائه، لَمْ يحدث له صفة، ولا اسم، لَمْ يزل عالمًا بعلمه، والعلم صفته في الأزل...»اهـ([3]).


[1])) «أصول البزدوي» (ص3).

[2])) بشر بن غياث المريسي، كان صغيرًا عندما مات أبو حنيفة، وأخذ العلم عن القاضي أبي يوسف.
قال الذهبي رحمه الله في «السير» (10/ 200): «نظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرَّد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفَّره عِدَّة، ولم يدرك جهم بن صفوان، بل تلقف مقالاته من أتباعه»اهـ.
مات سنة (218هـ)، وقد قارب الثمانين.

[3])) «كشف الأسرار عن أصول البزدوي» (1/ 17)، طـ دار الكتب العلمية - بيروت.