بسم الله الرحمن الرحيم ،
هذا المبحث أصل لما سيأتي بعده إن شاء الله ، وكل سابق أصل لما بعده .
حقيقة الحكم إنما هي للكتاب وليس للقاضي ، وإنما جُعل القاضي مستنبطاً ومستخلصاً لحكم الكتاب .. والدليل على ذلك ما يلي ..
قال الله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة : 213]
قال الطبري في تفسيره :
وكذلك الأمر في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ } [آل عمران : 23]{ وأنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بـالـحَقّ لِـيَحْكُمَ بَـيْنَ النّاسِ فِـيـما اخْتَلَفُوا فِـيهِ } يعنـي بذلك : لـيحكم الكتاب - وهو التوراة - بـين الناس فـيـما اختلف الـمختلفون ، فـيه فأضاف جل ثناؤه الـحكم إلـى الكتاب ، وأنه الذي يحكم بـين الناس دون النبـيـين والـمرسلـين ، إذ كان من حكم من النبـيـين والـمرسلـين بحكم ، إنـما يحكم بـما دلهم علـيه الكتاب الذي أنزل الله - عزّ وجل - ، فكان الكتاب بدلالته علـى ما دل وصفه علـى صحته من الـحكم حاكماً بـين الناس ، وإن كان الذي يفصل القضاء بـينهم غيره
إذا تبين هذا ، علمنا أنه في مسألة تكفير المتحاكم إلى الطاغوت لا ينظر إلى من سيقضي بين المتخاصمين ، ولكن بأي شيء سيقضي هذا القاضي .
فمن ذهب إلى طاغوت (كأحد رؤوس الصوفية المشركين) يحكم بالقرآن والسنة في كثير من أمور القضاء ، كالنكاح مثلاً ، وتحاكم إليه رجل في إحدى هذه الأمور ، طالباً حكم القرآن والسنة ، فهذا لا يكفر ونيّته اتباع حكم الله تعالى .. لكنه قد يأثم لاتخاذ هذا الكافر قاضياً .
والله أعلم ..
وفي ما يلي من مباحث ستتوضح القضية أكثر إن شاء الله تعالى .