تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 51

الموضوع: اللؤلؤ النفيس في ذكر الأحكام الفقهية من صحيح الأحاديث

  1. #1

    افتراضي اللؤلؤ النفيس في ذكر الأحكام الفقهية من صحيح الأحاديث

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    الحَمْدُ لِلَّهِ الأَوَّلُ الآخِرُ، الظَّاهِرُ البَاطِنُ، القَادِرُ القَاهِرُ، شُكْرًا عَلَى تَفَضُّلِهِ وهِدَايَتِهِ، وفَزَعًا إِلَى تَوْفِيقِهِ وكِفَايَتِهِ، ووَسِيلَةً إِلَى حِفْظِهِ ورِعَايَتِهِ، ورَغْبَةً فِي المَزِيدِ مِنْ كَرِيمِ آلَائِهِ وجَمِيلِ بَلَائِهِ، وحَمْدًا عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي عَظُمَ خَطَرُهَا عَنِ الجَزَاءِ وجَلَّ عَدَدُهَا عَنِ الإِحْصَاءِ، وصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ والمُرسَلِينَ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين ،،،
    وبَـــعْــــــدُ

    فَإِنَّ عِلْمَ الحَدِيثِ مِن أَهَمِّ العُلُومِ الإِسْلاَمِيَّة ِ بَعدَ القُرآنِ الكَرِيمِ، فَهُوَ المَصْدَرُ الثَانِيُّ مِن مَصَادِرِ التَّشْرِيعِ الَّتِي تَلْزَمُ الإِنْسَانُ فِي هِذِهِ الحَيَاةِ، حَتَّى يَسِيرَ عَلَى هَدْيهَا ويَنعَمَ بِنَعِيمِهَا يَومَ القِيَامَةِ، وسَعَادَتِهَا عِنْدَ لِقَاءِ الحَقِّ جَلَّ وعَلاَ، ومِنْ هُنَا كَانَ لاَ بُدَّ لِلإِنْسَانِ العَاقِلِ أَنْ يَبحَثَ عَنْ ذَاكَ الهَديَ ويَتَمَسَّك بِهِ أَشَدّ التَّمَسُّك
    .

    ومِنْ ثَمَّ
    رَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَراً مِنَ الأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مَعَ شَرحِهَا بِإِيجَازٍ مِنْ أَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا السَّابِقِينَ بِأَلخَصِ عِبَارَةٍ، مُسْتَخْلِصًا مِنْهَا الأَحكَامَ الفِقْهِيَّةِ، مشْتَمِلاً عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقاً لِصَاحِبِهِ إِلَى الآخِرَةِ، ومُحَصِّلاً لِآدَابِهِ الظَاهِرَةِ والبَاطِنَةِ ... وسَمَّــيْــتُـ ـــهُ: ((
    اللُّؤْلُؤ النَّفِيس فِي ذِكْرِ الأَحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ مِنْ صَحِيْحِ الأَحَادِيْث)).

    واللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَجعَلَ هَذَا العَمَلَ خَالِصاً لِوَجهِهِ الكَرِيمِ وأَنْ يَتَقبَّلَهُ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ، وأَنْ يَنفَعَنا بِهِ وإِيَّاكُم وسَائِر المُسْلِمِين، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمِّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أَجمَعِينَ، وآخِرُ دَعوَانَا أَن الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.



    حَاتِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشّحرِيُّ



  2. #2

    افتراضي


    (
    1) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 1) واللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (3/ 1907)، وأَبُو دَاوُدَ (2/ 2201)، والتِّرمِذِيُّ (4/ 1647)، والنَّسَائِيُّ (1/ 75)، وابْنُ مَاجَةَ (2/ 4227)؛ وأَحمَدُ فِي "المُسْنَد" (1/ 168)، والطَّيَالِسِيّ ُ فِي "المُسْنَد" (1/ 37)، والحُمَيْدِيُّ فِي "المُسْنَد" (1/ 28)، وابْنُ الجَارُوْدِ فِي "المُنْتَقَى" (1/ 64)، وابْنُ خُزَيمَةَ (1/ 142)، وابْنُ حِبَّانَ (2/ 389)، والقُضَاعِيُّ فِي "مُسْنَد الشِّهَاب" (1/ 2)، والبَيْهَقيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (4/ 7370).

    ثانيـاً
    : رَاوِي الحَدِيثِ: هُـــــوَ: أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ رِيَاحٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحٍ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ المَكِّيُّ ثُمَّ المَدَنِيُّ، أَمِيرُ المُؤْمِنِيْنَ؛ يَجْتَمِعُ نَسَبُهُ مَعَ نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. أَسْلَمَ بِمَكَّةَ قَدِيمًا، وشَهِدَ بَدراً والمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَلِيَ الخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِيْنَ مِنْ جمادى الآخرة سَنَةَ ثَلاَثِ عَشرة، فَكَانَ مُدَّتُهَا عَشْرُ سِنِيْنَ وخَمْسَةُ أَشْهُرٍ وبِضْعَةُ أَيَّامٍ، سَارَ فِيْهَا أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وفَتَحَ اللهُ لَهُ الفُتُوحَ بِالشَّامِ والعِراقِ ومِصْرَ، ودَوَّنَ الدَّوَاوِيْنَ، وأَرَّخَ التَّارِيْخَ، وهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وأَوَّلُ مَنْ جَمَعَ القُرآنَ الكَرِيم فِي الصُّحُفِ، وأَوَّلُ مَنْ سَنَّ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ وجَمَعَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وكَتَبَ بِهِ إِلَى البُلْدَانِ. واسْتُشْهِدَ فِي يَوْمِ الأَربِعَاءِ لِأَربَعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ مِنْ الهِجْرَةِ (26/ ذو الحجة/ 23 ه)، وَلَهُ ثَلاَثٌ وسِتِّينَ سَنَةً (63)، فِي سِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وسِنِّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

    ثالثـاً
    : شَرْحُ الحَدِيْثِ:

    -
    (إِنَّمَا): كَلِمَةٌ يُرَادُ بِهَا الحَصْر، تُثبِتُ المُشَارَ إِلَيْهِ وتَنْفِي مَا عَدَاهُ.
    - (الأَعْمَالُ): تَتَنَاوَلُ جَمِيْعَ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ.
    - (بِالنِّيَّاتِ): (البَاءُ): لِلمُصَاحَبَةِ، أَيْ: الأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِمُصَاحَبَةِ النِّيَّاتِ.
    - و (النِّيَّاتِ): جَمْعُ نِيَّةٍ، وهِيَ: القَصْدُ وعَزْمُ القَلْبِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، ومَحَلُّهَا القَلْبُ، ولاَ تَعَلُّقٌ لَهَا بِالِّلسَانِ أَصْلاً، ولِذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، التَّلَفُّظُ بِهَا فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالٍ.
    -(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ): أَيْ صِحَّةُ مَا يَقَعُ مِنَ المُكَلَّفِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ كَمَالِهِ وتَرتِيْبُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ حَسَب مَا يَنْوِيه.
    -(وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى): أَيْ مَا قَصَدَهُ مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ والإَخْلاَصِ والرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ ونَحْوِهَا مِنْ مَقَاصِدِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
    -(هِجْرَتُهُ): الهِجْرَةُ فِي اللُّغَةِ: الخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ ومُفَارَقَةُ الوَطَنِ والأَهْلِ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الهَجَرِ وهُوَ ضِدُّ الوَصْلِ ... والهِجْرَةُ شَرَعـاً: مُفَارَقَةُ دَارِ الكُفْرِ إِلَى دَارِ الإِسْلاَمِ خَوْفَ الفِتْنَةِ وقَصْدًا لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الدِّيْنِ ... والمُرَادُ بِهَا هُنَا: الخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ وغَيْرِهَا إِلَى مَدِيْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
    -(يُصِيبُهَا): يُحَصِّلُهَا.
    -(يَنْكِحُهَا): يَتَزَوَّجُهَا.
    -(فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ): يُرِيْدُ أَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ هِجْرَتِهِ مَا قَصَدَهُ مِنْ دُنْيَاهُ دُوْنَ مَا لَمْ يَقْصِدهُ مِن آخِرَتِهِ.

    فَـائِــدَةٌ
    : سَبَبُ وُرُودِ هَذَا الحَدِيْث: أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ المُعَظَّمَةَ إِلَى المَدِيْنَةِ المُنَوَّرَةِ لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ، لاَ يُرِيْدُ بِذَلِكَ فَضِيْلَةَ الهِجْرَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ؛ واللهُ أَعْلَمُ.

    أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ عَنْ مَكَانَةِ هَذَا الحَدِيْثِ
    :

    -
    قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: "يَدْخُل هَذَا الحَدِيثُ فِي سَبعِينَ بَاباً مِن الفِقْهِ".
    - وقَالَ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: "يَنْبَغِي لِمَنْ صَنَّفَ كِتًاباً أَنْ يَبْتَدِئ بِهَذَا الحَدِيثِ".
    - وقَالَ الإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ بْنُ سَلاَّمٍ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ أَمْرِ الآخِرَةِ فِي كَلِمَةٍ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وَجَمَعَ أَمْرَ الدُّنْيَا كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، يَدْخُلَانِ فِي كُلِّ بَابٍ.
    -وقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: "أُصُولُ الإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثٍ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ"، و "الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحرَامُ بَيِّنٌ"، و "مَنْ أَحَدَثَ فِي أَمِرنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ".
    - وقَالَ الإِمَامُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه: أَرْبَعَةُ أَحَادِيثٍ هِي مِن أُصُولِ الدِّينِ: حَدِيثُ عُمَرَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وحَدِيثُ: «الحَلَالُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ»، وحَدِيْثُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ»، وحَدِيْثُ: «مَنْ صَنَعَ فِي أَمْرِنَا شَيْئًا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
    - وقَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاودَ السِّجِستَانِيّ ُ: "كَتَبْتُ المُسْنَدَ، فَكَتَبْتُ أَربَعَةَ آلاَف حَدِيثٍ، ثُمَّ نَظَرتُ فَإِذَا مَدَارُ الأَرْبَعَةِ آلاَفٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثٍ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى، فَأَوَّلُهَا: حَدِيْثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ "الحَلاَلُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ"، وثَانِيهَا: حَدِيْثُ عُمَرَ "الأَعْمَالُ بِالنِّيِّاتِ"، وثَالِثُهَا: حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ "إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ الطَّيِّبَ"، ورَابِعُهَا: حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ".
    - وقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَـاءِ: "هَذَا الحَدِيثُ ثُلُثُ الإِسْلاَمِ".

    -
    - والغَرْضُ مِنْ اِبْتَدِائِي بِهَذَا الحَدِيْثِ العَظِيمِ هِيَ، كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الإِخْلَاصِ وتَصْحِيْحِ النِّيَّةِ مِنْ كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ ومُعَلِّمٍ أَوْ مُتَعَلَّمٍ، وأَنَّ طَالِبَ العِلْمِ عَامَّةً والحَدِيْثِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ المُهَاجِرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ورَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.

  3. #3

    افتراضي

    (2) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا». ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (7/ 5967)، ومُسْلِمٌ (1/ 30)، والتِّرْمِذِيُّ (5/ 2643)، وابْنُ مَاجَةَ (2/ 4296)، والنَّسَائِيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (9/ 9943)، وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (12/ 13742)، وأَبُو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ فِي "المُسْنَد" (1/ 566)، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ فِي "المُسْنَد" (7/ 4239)، والبَزَّارُ فِي "المُسْنَد" (7/ 2627)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الكَبِير" (20/ 81) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (8/ 8165)؛ وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيْح" (2/ 362)، وأَبُو سَعِيْدٍ الشَّاشِيُّ فِي "المُسْنَد" (3/ 1328).

    ثانياً
    : التَّعرِيفُ بِرَاوِي الحَدِيثِ: هُـــــوَ: مُعَاذُ بنُ جَبَلِ بنِ عَمْرِو بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيُّ بْنِ عَائِذِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ عَمْرِو بنِ أُدَيِّ بنِ سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَسَدِ بنِ سَارِدَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ؛ السَّيِّدُ الإِمَامُ، المُقَدَّمُ فِي عِلْمِ الحَلاَلِ والحَرَامِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ ... أَسْلَمَ وهُوَ ابْنُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وآخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيْنَهُ وبَيْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وشَهِدَ مُعَاذٌ بَدرًا والعَقَبَةَ شَابًّا، وشَهِدَ المَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأَمَّرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اليَمَنِ، وكَانَ إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي العِلْمِ بِالأَحْكَامِ والقُرآنِ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةً ثَمَانِ عَشْرَةَ (18 هـ)، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثـاً
    : شَرْحُ الحَدِيْثِ:

    -
    (بَيْنَا): أَصْلُهُ بَيْنَ، فَزِيْدَت فِيهِ الألِفُ، وَرُبَّمَا تُزَادُ المِيْم أَيْضًا، وهُوَ مُضَاف إِلَى جُملَة وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب.
    - (رَدِيفُ): الرَّدِيْفُ هُوَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ (الَّذِي يَقُودُ الدَّابَّة)، والمُرَادُ بِهِ: المُبَالَغَةُ فِي شِدَّةِ قُرْبِ مُعَاذٍ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لِيَكُونُ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، فَيَضْبِطُ.
    - (أَخِرَةُ): هِيَ العُودَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الرَّاكِبُ مِنْ خَلْفِهِ.
    - (الرَّحْل) لِلبَعِيرِ: كَالسَّرْجِ لِلفَرَسِ.
    - (لَبَّيْكَ): الأَظْهَرُ أَنَّ مَعنَى "لَبَّيْكَ"، إِجَابَةً لَكَ بَعْدَ إِجَابَةٍ، لِلتَّأْكِيْدِ، وقِيْلَ: مَعْنَاهُ قُرْباً مِنْكَ وطَاعَةً لَكَ.
    - (وَسَعْدَيْكَ): سَاعَدتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ.
    - (يَا مُعَاذُ): كَرَّرَ النِّدَاءَ لِتَأكِيْدِ الاِهْتِمَامِ بِمَا يُخْبِر بِهِ.
    - (هَلْ تَدْرِي): الدِّرَايَةُ هِيَ المَعْرِفَةُ، وأَخْرَجَ السُّؤَالَ بِصِيغَةِ الاِسْتِفْهَامِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ وأَبْلَغَ فِي فَهْمِ المُتَعَلِّمِ.
    - (حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا): الحَقُّ هُوَ الشَّيْءُ الثَّابِتُ الَّذِي لاَ يُشَكُّ فِي وُجُودِهِ، ويَأْتِي بِمَعْنَى: خِلاَفُ البَاطِلِ ... والمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَا يَسْتَحِقَّهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِمَّا جَعَلَهُ مُحَتَّمًا عَلَيْهِم.
    - والمُرَادُ بِالعِبَادَةِ: عَمَلُ الطَّاعَةِ واجْتِنَابُ المَعَاصِيّ، وعَطَفَ عَلَيْهَا عَدَمَ الشِّركِ لِأَنَّهُ تَمَامُ التَّوْحِيْدِ، والحِكْمَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَى العِبَادَةِ أَنَّ بَعْضَ الكَفَرَةْ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُم يَعْبُدُونَ اللهَ ولَكِنَّهُم كَانُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى، فَاشْتَرَطَ نَفْي ذَلِكَ ... والجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، والتَّقْدِيْرُ: يَعْبُدُونَهُ فِي حَالِ عَدَمِ الإِشْرَاكِ بِهِ.
    -- فَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ رَسُولِنَا العَظِيْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لَمْ تَتْرُك مِن الدِّيْنِ صَغِيرَةً ولاَ كَبِيرَةً؛ فَعِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ الخُضُوعُ لَهُ والتَّذَلُّلُ، وذَلِكَ بِطَاعَتِهِ فِيْمَا أَمَرَ ونَهَى، فَنُؤْمِنُ بِرَسُولِهِ ونُصَدِّقُ بِكِتَابِهِ، ونُقِيْمُ الصَّلاَةَ ونُؤْتِي الزَّكَاةَ، ونُهَذِّبُ نُفُوسَنَا ونُصِحُّ أجَسْامِنَا بِالصِّيَامِ، ونَحُجُ البَيْتَ الحَرَامَ مَا اسْتَطَعْنَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، ونُحِسْنُ عِشْرَةَ النَّاسِ، ونَصْدُقُ فِي مُعَامَلَتِهِم، ونُخَالِقُهُم بِخُلُقٍ حَسَنٍ، ونَقِفُ عِنْدَ مَا شَرَّع اللهُ سُبْحَانَهُ، لاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ، ونُجَانِبُ كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الخَبَائِثِ مِمَّا هُوَ اِعْتِدَاءٌ عَلَى النَّفْسِ أَوْ المَالِ أَوْ العِرْضِ أَوْ إِضْرَارٍ بِالخَلْقِ؛ وأَسَاسُ ذَلِكَ عِلْمٌ بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وعَلاَ، وبِمَا احْتَوَاهُ، وهَذَا بِتِلاَوَتِهِ وتَدَبُّرِهِ ودِرِاسَتِهِ وتَفَهُّمِهِ ... وأَمَّا تَوْحِيدُهُ وعَدَمُ الإِشْرَاكِ بِهِ: فَأَنْ نَعتَقِد أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى وَحْدَهُ صَاحِبَ الخَلْقِ والأَمْرِ، وأَنَّ مَنْ دُونَهُ لاَ يَمْلِكُ ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ، سَوَاء أَكَانَ مَلَكاً مُقَرَّباً؛ أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلاً، أَوْ وَلِيًّا عَابِدًا؛ ومِنْ تَوْحِيدِهِ أَنْ تَكُونُ الأَعْمَالُ خَالِصَةً لِوَجِهِهِ الكَرِيمِ؛ لاَ يَشُوبُهَا خِدَاعٌ ولاَ رِيَاءٌ ولاَ تَدْلِيْسٌ ونِفَاقٌ، وأَلاَّ نَدعُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، أَوْ نُقَدِّمُ إِلَيْهِ القَرَابِينَ أَوْ نَسُوقُ النُّذُورَ، أَوْ نَتَّخِذَهُ وَسِيْلَةً إِلَيْهِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ شِرْكٌ يُنَافِي مَقَامَ التَّوْحِيدِ.
    - (حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ): لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللهِ حَقٌّ، لَكِنْ مَا وَعَدَهُم بِهِ، وكَتَبَهُ لَهُم عَلَى نَفْسِهِ بِفَضْلِهِ ومَنِّهِ وجُودِهِ وكَرَمِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى؛ إِذَا هُم عَبَدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وأَخْلَصُوا لَهُ الدِّينَ، وأَسْلَمُوا الوُجُوهَ، وعَمَّرُوا القُلُوبَ بِتَوْحِيْدِهِ، وطَهَّرُوهَا مِنْ دَنَسِ الإِشْرَاكِ.
    - (أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ): وكَيْفَ يُعَذِّبُ مَنْ عَكَفَ عَلى طَاعَتِهِ، وكَاَن عَبْدَهُ السَّمِيْعَ، تَقْرَعُ أُذُنُهُ آي الوَحْي فَإِذَا بِهِ قَدْ مَثَّلَهَا فِي عَمَلِهِ، وأَظْهَرَهَا فِي خَلْقِهِ، ويَسْمَعُ هَدْيَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَإِذَا بِهِ قَدْ اِتَّخَذَهُ إِمَاماً وقُدْوَةً وهَادِياً وأُسْوَةً؛ كَيْفَ يُعَذِّبُ ذَا النَّفْسِ العَالِيَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ، الَّتِي لاَ يُرَى فِيْهَا إِلاَّ بَيَاضَ التَّوْحِيدِ ونُورِهِ، لَيْسَ بِهَا نُكْتَةٌ مِنْ دَنَسٍ أَوْ شِرْكٍ، بَلْ كَيْفَ لاَ يُسْبِغُ نِعْمَتَهُ، ويُدْخِلُ جَنَّتَهُ عِبَادَهُ المُقَرَّبِينَ، وجُنْدَهُ المُخْلَصْينَ، وهُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ؛ وأَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}. (سورة النازعات – الآيتان: 40، 41)


  4. #4

    افتراضي

    (3) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4/ 3435)، ومُسْلِمٌ (1/ 28)، والنَّسَائِيُّ فِي "الكُبْرَى" (9/ 10903)، وأَحْمَدُ (37/ 22675)، وابْنُ حِبَّانَ (1/ 207)، والبَزَّارُ فِي "المُسْنَد" (7/ 2682)، وأَبُو سَعِيْدٍ الشَّاشِيُّ فِي "المُسْنَد" (3/ 1218)، والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "مُسْنَد الشَّامِيين" (1/ 555).

    ثانياً
    : رَاوِي الحَدِيثِ، هُـــوَ: عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ بنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ ابْنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ بنِ فِهْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ غَنْمِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ الخَزْرَجِ. الإِمَامُ القُدْوَةُ، أَبُو الوَلِيْدِ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الأُولَى والثَّانِيَة، وَمِنْ أَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ ، شَهِدَ المَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسَوَلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وشَهِدَ فَتْح مِصر، وهُو أَوَّل مَنْ وَلِيَ القَضَاء بِفَلَسْطِينَ، بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ القُرْآنَ والأَحكَامَ، فَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ تُوفِيَّ بِبَيْتِ المَقْدِسِ بِفَلَسْطِينَ سَنَةَ خَمْسٍ وأَرْبَعِينَ (45 هـ)، ولَهُ اِثْنَتَانِ وسَبْعُونَ سَنَةً؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً
    : شَرْحُ الحَدِيْثِ:

    - (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ): حَـالٌ، أَيْ يَنْفَرِدُ مُنْفَرِدًا.
    - (لَا شَرِيكَ لَهُ): تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ.
    - (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ): الأَجَـلُّ.
    - (وَرَسُولُهُ): الأَكْمَـلُ.
    - (وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ): لَمْ يُضْمِرْ، لِيَكُونَ أَصْرَحَ فِي المَقْصُودِ، وهُوَ تَعْرِيضٌ بِالنَّصَارَى وتَقْرِيرٌ لِعَبْدِيَّتِهِ وإِشْعَارٌ إِلَى إِبْطَالِ مَا يَقُولُونَ بِهِ مِنِ اتِّخَاذِهِ وَلَداً ومِن اتِّخَاذِ أُمِّهِ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) صَاحِبَةً.
    - (وَرَسُولُهُ): تَعْرِيضٌ بِاليَهُودِ.
    - (وَابْنُ أَمَتِهِ): الإِضَافَةُ فِي أَمَتِهِ لِلتَّشْرِيفِ، رَدًّا عَلَى اليَهُودِ فِي القَذْفِ.
    - (وَكَلِمَتُهُ): سُمِّيَ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم، بِالكَلِمَةِ لِأَنَّهُ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، أَبْدَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍّ، وأَنْطَقَهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، فَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيف.
    - (أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ): اِسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، أَيْ أَوْصَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا، وحَصَّلَهَا فِيهَا.
    - (وَرُوحٌ مِنْهُ): مُبْتَدَأٌ مِنْ مَحْضِ إِرَادَتِهِ.
    - وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْهُ): إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مُقَرَّبُهُ وحَبِيبُهُ، تَعْرِيضًا بِاليَهُودِ.
    - (وَالْجَنَّة وَالنَّار حَقٌّ): وَشَهِدَ أَنَّهُمَا (حَق) أَيْ ثَابِتَان مَوْجُودَان، وأَفَرَدَ الخَبَرَ مَعَ تَثْنِيَةِ المُخْبَرِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ.
    - (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ): ابْتِدَاءً وانْتِهَاءً، والجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ أَوْ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
    - (عَلَى مَا كَانَ): حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ المَفْعُولِ مِنْ قَوْلِهِ: أَدْخَلَهُ اللَّهُ، أَيْ كَائِنًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَوْصُوفًا بِهِ، أَيْ يَكُون دُخُوله الجَنَّة عَلَى حَسَب مَا قَدَّم مِن أَعمَال فِي الدُّنيا، فَإِنْ لَم تَكن لَهُ ذُنُوبٌ يُعَاقَب عَلَيها بِالنَّار، كَانَ مِن السَّابِقين، وإِنْ كَانَت لَهُ ذُنُوبٌ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْه وإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، ثُمَّ كَانَت نِهَايْتُهُ إَلَى الجَنَّةِ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
    - (مِنَ العَمَلِ): حَسَنًا أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.

    -- فَــائِــــدَةٌ: سِرُّ الجَمْعِ بَيْنَ (مُحَمَّدٍ وعِيْسَى) عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ووَصْفِهِمَا بِكَوْنِهِمَا عَبْدَيْ اللهِ ورَسُولَيْهِ بَيَانٌ أَنَّ عَقِيْدَةَ الإِسْلاَمِ فِي حَقِّ عِيْسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّه (عَبْد اللهِ ورَسُولِه) فَلاَ يُغْلَى فِيْهِ مِن جَانِبٍ، ولاَ يُقَصَّرُ فِي حَقِّهِ مِن جَانِبٍ آخَرَ، وبَيَانٌ أَنَّ الوَاجِبَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ (عَبْدُ اللهِ) عَدَمُ الإِفرَاطِ والتَّفْرِيْطِ، وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ (رَسُولُ اللهِ) يَقْتَضِي تَصْدِيقهُ فِي جَمِيعِ مَا يُخْبَرُ بِهِ مِنْ أَخْبَارٍ فِي المَاضِي وفِي المُسْتَقْبَلِ وفِي مَا هُو مَوْجُودٌ غَيْرُ مُشَاهَدٍ لَنَا، ويَقْتَضِي طَاعَتَهُ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ واِجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وتَقْدِيمُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى النَّفْسِ والوَالِدِ والوَلَدِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ، وأَنْ لاَ يُعبَدُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلاَّ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ عَنْهُ صَلَواتُ اللهِ وسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، هَذِهِ هِي عَقِيْدَةُ المُسْلِمِينَ فِي (مُحَمَّدٍ وعِيْسَى) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وسَلَّمَ، وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفِي الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ.


  5. #5

    افتراضي


    (
    4) وعَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ».

    أولاً: تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (7/ 5401) واللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (1/ 33)، والنَّسَائِيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (10/ 11430)، وأَحْمَدُ (27/ 16481)، وابْنُ المُبَارَكِ فِي "المُسْنَد" (1/ 43)، وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (1/ 1929)، وأَبُو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ فِي "المُسْنَد" (2/ 1337)، وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُسْنَد" (2/ 567)، وأَبُو يَعلَى فِي "المُسْنَد" (3/ 1505)، وابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "الصَّحِيح" (3/ 1653)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (1/ 223)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الكَبِير" (18/ 43) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (2/ 1495)؛ والرُّوْيَانِيّ ُ فِي "المُسْنَد" (2/ 1375).

    ثانياً
    : رَاوِي الحَدِيثِ: هُـــوَ: عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ بْن الخزرج الأَنْصَارِيّ السَّالِمِيّ الخَزْرَجِيّ. شَهِدَ بَدْرًا، وكَانَ ضَعِيفَ البَصَر ثُمَّ عُمِيَ بَعدُ، وكَانَ إِمَامَ قَوْمِهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَاتَ بِالمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

    ثالثاً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:

    -
    (إِنَّ): حَرفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ.
    - (لَا): حَرفُ نَفْيٍّ.
    -(إِلَّا): حَرفُ اِسْتِثْنَاءٍ.
    -(لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ): لاَ مَعبُود حَقّ إِلاَّ الله تَعَالَى ... واعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الكَلِمَةُ العَظِيمَةُ هِيَ الفَارِقَةُ بَيْنَ الكُفْرِ والإِسْلاَمِ، وهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى، وهِيَ العُروَةُ الوُثْقَى، ولَهَـا رُكْـنَــــان:
    فالرُّكْن الأول: النَّفْي، يَعنِي: نَفْيُ الإِلَهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللهِ تَعَالَى مِنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ.
    والرُّكْن الثَّانِي: الإِثْبَاتُ، والمُرَادُ بِـهِ: إِثْبَاتُ الإِلَهِيَّةِ للهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ الإِلَهُ الحَقُّ، ومَا سِوَاهُ مِنَ الآلهَةِ الَّتِي اِتَّخَذَهَا المُشْركُونَ فَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ.

    -
    (يَبْتَغِي): يُرِيدُ، مُخْلِصاً بِهَا قَلْبُهُ ... فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ هَذَا طَالِباً وَجْهَ اللهِ، فَسَيَفْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ، مِن فُرُوضٍ ونَوَافِلٍ، فَلاَ يَكُونُ فِي هَذَا دَلِيْلٌ لِلكَسَالَى والمُهْمِلِينَ؛ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ... نَقُولُ لَهُم: لَوْ كُنْتُم صَادِقِينَ مَا أَهْمَلْتُم العِبَادَاتَ الوَاجِبَةَ عَلَيْكُم، لِأَنَّ العَبْدَ إِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ، فَإِنَّهُ سَيَقُومُ بِمُقْتَضَاهَا، ويَعْمَلُ بِمَا تَقْتَضِيْهِ هَذَهِ الكَلِمَةُ العَظِيْمَةُ، مِنْ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وتَرْكِ المُحَرَّمِ.
    فَالإِنْسَانُ إِذَا أَدَّى الوَاجِبَ وتَرَكَ المُحَرَّمَ؛ أَحَلَّ الحَلاَلَ، وحَرَّمَ الحَرَامَ، وقَامَ بِالفَرَائِضِ، واجْتَنَبَ النَّوَاهِي، فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ الجَنَّةَ، ويُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ.

    واعْلَمْ
    أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ ومَا عَلَيْهِ أَهْلُ الحَقِّ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنَ المَعَاصِي كَالصَّغِير والمَجْنُونِ والَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالبُلُوغِ والتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنَ الشِّرْكِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ والمُوَفَّقُ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَى بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَذَا الصِّنْف يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولَا يَدْخُلُون النَّارَ أَصْلًا.

    وَأَمَّا
    مَنْ كَانَت لَهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ ومَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ، وإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ القَدْرَ الَّذِي يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ثُمَّ يُدْخِلُهُ الجَنَّةَ، فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ ولَوْ عَمِلَ مِنَ المَعَاصِي مَا عَمِلَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الكُفْرِ ولَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ مَا عَمِل، هَذَا مُخْتَصَرٌ جَامِعٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الحَقِّ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ وإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الأُمَّةِ عَلَى هَذِهِ القَاعِدَةِ.

    -- فَفِي الحَدِيثُ الشَّرِيفُ
    ... بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ ومَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ لَهُم، فَللهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ عَلَى مَا تَفَضَّل بِهِ عَلَيْنَا، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي هَدَى اللهُ عَلَى يَدَيْهِ العِبَادَ، وجَعَلَ لَنَا سُبْحَانَهُ هَذِهِ النِّعمَةَ السَّرّاءَ كُرمَى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، حَيثُ قَالَ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. (سورة الضُّحَى، الآية رقم: 5)، فَصِرنَا بِهَا مِن أَفْضَلِ الأُمَمِ عَلَى الإِطلاَقِ حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. (آل عِمران: 110)، فَللَّهِ الحَمْدُ أَوَّلاً وآخِراً.


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    229

    افتراضي

    فَـائِــدَةٌ: سَبَبُ وُرُودِ هَذَا الحَدِيْث: أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ المُعَظَّمَةَ إِلَى المَدِيْنَةِ المُنَوَّرَةِ لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ، لاَ يُرِيْدُ بِذَلِكَ فَضِيْلَةَ الهِجْرَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ؛ واللهُ أَعْلَمُ.
    من تمام الفائدة أن تبين لنا هل هذا السبب ثابت أم لا؟ وكلام الحفاظ معروف في ذلك، ولعل الأفضل أن تستخرجه بنفسك، حتى تكتمل لك الفائدة. والله الموفق.

  7. #7

    افتراضي


    (
    5) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

    أَولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 8)، ومُسْلِمٌ (1/ 16)، والتِّرْمِذِيُّ (5/ 2609)، والنَّسَائِيُّ (8/ 5001)، وأَحْمَدُ (8/ 4798)، وعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "المُصَنَّف" (3/ 5012)، وابْنُ أَبِي شَيْبَة فِي "المُصَنَّف" (4/ 19563)، والحُمَيْدِيُّ فِي "المُسْنَد" (1/ 720)، وابْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 823)، وأَبُو يَعْلَى فِي "المُسْنَد" (10/ 5788)، وابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "الصَّحِيْح" (1/ 309)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيْح" (1/ 158)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الكَبِير" (12/ 13203) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (6/ 6264)، والبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (1/ 1675).

    ثَانياً
    : رَاوِي الحَدِيْثِ: هُـــــوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلٍ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ قُرْطِ بنِ رَزَاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، المَكِّيُّ، ثُمَّ المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ فِي العِلْمِ والعَمَلِ ... أَسْلَمَ ابنُ عُمَرَ وهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ وأُمِّهِ، واسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَق، وشَهِدَ المَشَاهِدَ بَعدَهَا، وهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وشَهِدَ اليَرْمُوكَ والقَادِسِيَّةَ وجَلُولاَءَ ومَا بَيْنَهُمَا مِنْ وَقَائِع الفُرْسِ، وشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وقَدِمَ العِرَاقَ والشَّامَ؛ أَثْنَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم ووَصَفَهُ بِالصَّلاَحِ إِذْ قَالَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ». مَاتَ ابْنُ عُمَرَ سَنَةَ أَربَعٍ وسَبْعِيْنَ (74 هــ) بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةَ.

    ثَالِثاً
    : شَرحُ الحَدِيْثِ:
    - (عَلَى خَمْسٍ): أَيْ خَمْسِ دَعَائِمَ، أَوْ أَرْكَان، أَوْ أُصُول.
    - (شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ): بِالجَرِّ عَلَى البَدَلِ مِنْ خَمْسٍ؛ ويَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الخَبَرِ والتَّقْدِيرُ: مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ أَوْ عَلَى حَذْفِ المُبْتَدَأِ والتَّقْدِيرُ: أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ ويَجُوزُ النَّصْبُ بِتَقْدِيرِ: أَعْنِي.
    - وَ (إِقَامِ الصَّلَاةِ): أَيْ المُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا والإِتْيَان بِهَا بِشُرُوطِهَا وأَرْكَانِهَا.
    - وَ (إِيتَاءِ الزَّكَاةِ): أَيْ إِعْطَائِهَا مُسْتَحَقِّيهَا ، بِإِخْرَاجِ جُزْءٍ مِنَ المَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوص.
    - وَ (الحَجِّ): قَصْدُ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ بِمَكَّةَ لِلعِبَادَةِ.
    - وَ (صَوْمِ رَمَضَانَ): أَيْ صَوْم شَهْر رَمَضَان.

    -
    - اِعلَم أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَعْرِفَةِ الدِّينِ، وعَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ، وقَد جَمَعَ أَرْكَانَهُ، وذَلِكَ لِأَنَّ كَمَالَ الإِسْلَامِ وتَمَامَهُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِهَذِهِ الخَمْس.

  8. #8

    افتراضي


    (
    6) وعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 25)، ومُسْلِمٌ (1/ 22)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (1/ 175)، والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (8/ 8510)، والبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (3/ 5141).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    -(أُمِرْتُ): أَيْ أَمَرَنِي اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، ولَمْ يَذْكُرهُ لِلْعِلمِ بِهِ.
    -(أُقَاتِلَ النَّاسَ): بِأَنْ أُجَاهِدَهُم وأُحَارِبَهُم، وذَلِك بَعدَ عَرضِ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِم.
    -(يَشْهَدُوا): يَعْتَرِفُوا بِكَلِمَة التَّوْحِيد، ويَخْضَعُوا لِحُكْمِ الإِسْلاَمِ سَوَاء كَانُوا مُشْرِكِين أَو أَهْلَ كِتَابٍ.
    -وَ (يُقِيمُوا الصَّلَاةَ): المَفْرُوضَةَ، بِأَنْ يَأْتُوا بِشَرَائِطِهَا وأَركَانِهَا المُجْمَعِ عَلَيْهَا.
    -وَ (يُؤْتُوا الزَّكَاةَ): المَفْرُوضَةَ؛ فِيهِ دَلِيلٌ لِقِتَالِ مَانِعِيهَا، ولَا نِزَاعَ فِيهِ، ومِنْ ثَمَّ قَاتَلَهُمُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
    -وإِنَّمَا خُصَّتَا (الصَّلَاة والزَّكَاة) بِالذِّكْرِ: لِأَنَّهُمَا أُمُّ العِبَادَاتِ البَدَنِيَّةِ والمَالِيَّةِ وأَسَاسُهُمَا، ولِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِمَادَ الدِّينِ، والزَّكَاةُ قَنْطَرَةُ الإِسْلَامِ، وقُرِنَ بَيْنَهُمَا فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ كَثِيرًا.
    -(عَصَمُوا): حَفَظُوا ومَنَعُوا.
    -(إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَم): إِلاَّ إِذَا فَعَلُوا مَا يَسْتَوْجِبُ عُقُوبَةً مَالِيَّةٍ أَو بَدَنِيّةٍ فِي الإِسْلاَمِ، فِإِنَّهُم يُؤَاخَذُونَ بِذَلِك قِصَاصاً.
    -(وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ): أَيْ فِيمَا يَسْتُرُونَ مِنَ الكُفْرِ والمَعَاصِي بَعْدَ ذَلِكَ.

    --
    والمَعْنَى
    : أَنَّا نَحْكُمُ بِظَاهِرِ الحَالِ والإِيمَانِ القَوْلِي، ونَرْفَعُ عَنْهُمْ مَا عَلَى الكُفَّارِ، ونُؤَاخِذُهُمْ بِحُقُوقِ الإِسْلَامِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ حَالِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ، واللَّهُ يَتَوَلَّى حِسَابَهُمْ، فَيُثِيبُ المُخْلِصَ، ويُعَاقِبُ المُنَافِقَ، ويُجَازِي المُصِرَّ بِفِسْقِهِ، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ.

  9. #9

    افتراضي

    ( 7 ) عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ القِصَاصُ: الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 41)، والنَّسَائِيُّ (8/ 4998).

    ثانياً
    : رَاوِي الحَدِيْثِ: هُـــــوَ : سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المَدَنِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولِأَبِيِهِ صُحْبَةٌ أَيْضاً ... وُلِدَ أَبُو سَعِيدٍ قَبْل الهِجرَة بِعَشْر سِنِين، وغَزَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم اثْنَتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَة، وتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ أَربَعٍ وسَبْعِينَ (74 ه)، ودُفِنَ بِالبَقِيعِ، وهُوَ ابْنُ أَربَعٍ وتِسْعِينَ سَنَةً (94)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (إِذَا أَسْلَمَ العَبْد): هَذَا الحُكْمُ يَشْتَرِكُ فِيْهِ الرِّجَالُ والنِّسَاءُ، وذَكَرَهُ بِلَفْظِ الذُّكُورِ تَغْلِيبًا.
    - (فَحَسُنَ إِسْلاَمُه): دَخَلَ فِيِه ظَاهِراً وبَاطِناً، فَاعتَقَدَ اِعتِقَاداً خَالِصاً وعَمَلَ عَمَلاً صَالِحاً.
    - (زَلَفَهَا): أَسْلَفَهَا وقَدَّمَهَا.
    - (القِصَاص): المُحَاسَبَةُ والمُجَازَاةُ بِالمِثْلِ.
    - (يَتَجَاوَز): يَعفُو.

    --
    فَالحَدِيْثُ الشَّرِيْفُ دَلِيلٌ عَلَى الخَوَارِجِ وغَيْرِهِمْ مِنَ المُكَفِّرِينَ بِالذُّنُوبِ والمُوجِبِينَ لِخُلُودِ المُذْنِبِينَ فِي النَّارِ، فَأَوَّلُ الحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ والنَّقْصَ فِي الإِيمَانِ لِأَنَّ الحُسْنَ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ، وآخِرُهُ يَرُدُّ عَلَى الخَوَارِجِ والمُعْتَزِلَةِ .


  10. #10

    افتراضي

    (8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ».

    أولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 50)، ومُسْلِمٌ (1/ 10)، والنَّسَائِيُّ (8/ 4991)، وابْنُ مَاجَةَ (1/ 64)، وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (15/ 9128)، وابْنُ رَاهويه فِي "المُسْنَد" (1/ 166)، وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (6/ 30309)، وابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "الصَّحِيح" (4/ 2244)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (1/ 159).

    ثانياً
    : رَاوِي الحَدِيث: هُـــــوَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الدَّوْسِيُّ اليَمَانِيُّ؛ كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الصَّحَابَةِ المُوَاظِبِينَ عَلَى صُحبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الهِجرَةِ، وتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وخَمْسِينَ (58 هـ)، وهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وسَبْعِينَ سَنَة (78)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (بَارِزًا): ظَاهِراً لَهُم وجَالِساً مَعَهُم.
    - (فَأَتَاهُ رَجُلٌ): هُوَ جِبرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
    - (مَا الإِيْمَان): مَا حَقِيقَةُ الإِيْمَانِ.
    - (أَنْ تُؤْمِنَ): تُصَدِّق.
    - (بِاللهِ): بِوَحْدَانِيَّت ِهِ تَعَالَى.
    - (وَمَلَائِكَتِهِ): وبُوجُودِ عِبَادٌ لَهُ مُكرمين لاَ يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
    - (وَكِتَابِهِ): الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى بَعْضِ رُسُلِهِ، والمُرَادُ بِكِتَابِهِ الجِنْسُ الصَّادِقُ بِجَمِيْعِ كُتُبِهِ المُنَزَّلَة عَلَى رُسُلِهِ.
    - (وَلِقَائِهِ): سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِالمَوْتِ.
    - (وَرُسُلِهِ): الَّذِينَ أَرْسَلَهُم اللهُ بِشَرِيعَتِهِ إِلَى جَمِيْعِ المُكَلِّفِينَ لِيَأْمُرُوهُم بِهَا.
    - (وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ): القِيَامُ لِلْحِسَابِ، وقَد وُصِفَ البَعْثُ بِالآخِرِ تَأْكِيدًا أَوْ لِأَنَّ الخُرُوجَ مِنَ الأَرْحَامِ بَعْثٌ أَوَّلٌ.

    --
    وقَد اخْتُلِفَ فِي المُرَادِ بِالجَمْعِ بَيْنَ الإِيْمَانِ بِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى والإِيْمَانِ بِالبَعْثِ، فَقِيْلَ: اللِّقَاءُ يَحْصُلُ بِالاِنْتِقَالِ إِلَى دَارِ الجَزَاءِ والبَعْثِ بَعْدَهُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ؛ وقِيْلَ: اللِّقَاءُ مَا يَكُونُ بَعْدَ البَعْثِ عِنْدَ الحِسَابِ، ثُمَّ لَيْسَ المُرَادُ بِاللِّقَاءِ رُؤْيَةُ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَحَدًا لاَ يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالمُؤْمِنِيْن َ ولاَ يَدرِي الإِنْسَانُ بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُ.

  11. #11

    افتراضي

    ( 9 ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».

    أَولاً: تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 16)، ومُسْلِمٌ (1/ 43)، والتِّرْمِذِيُّ (5/ 2624)، والنَّسَائِيُّ (8/ 4988)، وابْنُ مَاجَةَ (2/ 4033)، وأَحْمَدُ (21/ 13592)، وابْنُ أَبِي شَيْبَة فِي "المُصَنَّف" (6/ 30360)، وأَبُو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ فِي "المُسْنَد" (3/ 2071)، وابْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (2/ 1326)، وأَبُو يَعْلَى فِي "المُسْنَد" (5/ 3142)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيْح" (1/ 238)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الكَبِير" (1/ 724) وفِي "المُعجَم الأَوْسَط" (2/ 1149) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (2/ 728) وفِي "مُسْنَد الشَّاميين" (3/ 2349).

    ثَانياً: رَاوِي الحَدِيْثِ: هُـــــوَ : أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ بْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتِلْمِيذُهُ، وآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً بِالبَصرَة ... وُلِدَ أَنَسٌ قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِعَشْرِ سِنِين، وخَدَمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، ودَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ المَالِ والوَلَدِ إِذْ قَال: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ)، وتُوفِّيَّ بِالبَصرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وتِسْعِيْنَ (93 هـ)، وكَانَ عُمُرُهُ مِائَةً وثَلاَث سِنِيْنَ (103)؛ رَضيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (ثَلَاثٌ): مُبْتَدَأ، والتَّقْدِيرُ: خِصَالٌ ثَلَاثٌ.
    - (مَنْ كُنَّ فِيهِ): خَبَرٌ.
    - (حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ): لَذَّتَهُ ورَغْبَتَهُ. وَأُوثِرَت الحَلَاوَةُ: لِأَنَّهَا أَظْهَرُ اللَّذَّاتِ الحِسِّيَّةِ. والمَعْنَى: اسْتِلْذَاذُ الطَّاعَاتِ وإِيثَارِهَا عَلَى جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ والمُسْتَلَذَّا تِ، وتَحَمُّلُ المَشَاقِّ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ، والرِّضَا بِالقَضَاءِ فِي جَمِيعِ الحَالَات.
    - (مِمَّا سِوَاهُمَا): يَعُمُّ ذَوِي العُقُولِ وغَيْرِهِمْ مِنَ المَالِ، والجَاهِ، وسَائِرِ الشَّهَوَاتِ والمُرَادَاتِ.
    - (لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ): لاَ يَقْصِدُ مِنْ حُبِّهِ غَرَضًا دُنْيَوِياً.
    - (يُقْذَفَ): يُرْمَى.

    -- فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ مَحَبَّةً صَادِقَةً مِنْ قَلْبِهِ، أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يُحِبَّ بِقَلْبِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، ويَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، ويَرْضَى مَا يَرْضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ، ويَسْخَطُ مَا يَسْخَطُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، وأَنْ يَعْمَلَ بِجَوَارِحِهِ بِمُقْتَضَى هَذَا الحُبِّ والبُغْضِ، فَإِنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، أَوْ تَرَكَ بَعْضَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، مَعَ وُجُوبِهِ والقُدْرَةِ عَلَيْهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَقْصِ مَحَبَّتِهِ الوَاجِبَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَرْجِعَ إِلَى تَكْمِيلِ المَحَبَّةِ الوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ولَمْ يُوَافِقِ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، فَدَعَوَاهُ بَاطِلَةٌ، وكُلُّ مُحِبٍّ لَيْسَ يَخَافُ اللَّهَ، فَهُوَ مَغْرُورٌ ... فَجَمِيعُ المَعَاصِي إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وهِيَ تَقَعُ مِنْ تَقْدِيمِ الْهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ. وكَذَلِكَ البِدَعُ، إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ الهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، ولِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ؛ وكَذَلِكَ حُبُّ الأَشْخَاصِ، الوَاجِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَيَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ مَحَبَّةُ اللَّهِ ومَحَبَّةُ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَ المَلَائِكَةِ والرُّسُلِ والأَنْبِيَاءِ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ عُمُومًا، ولِهَذَا كَانَ مِنْ عَلَامَاتِ وُجُودِ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ.


  12. #12

    افتراضي


    (
    10 ) وعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

    أَولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 15)، ومُسْلِمٌ (1/ 44)، والنَّسَائِيُّ (8/ 5013)، وابْنُ مَاجَةَ (1/ 67)، وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (20/ 12814)، والدَّارِميُّ فِي "السُّنَن" (3/ 2783)، وأَبُو يَعْلَى فِي "المُسْنَد" (5/ 3049)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيْح" (1/ 179)، وابْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 1175)، والرُّويَانِيُّ فِي "المُسْنَد" (2/ 1348).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (أَحَبَّ إِلَيْه): مُقَدَّماً لَدَيْهِ، وعُنْوَانُ ذَلِك الطَّاعَةُ والاِقْتِدَاءُ وتَركُ المُخَالَفَةَ ... وَمِنْ مَحَبَّتِهِ نَصْرُ سُنَّتِهِ، والذَّبُّ عَنْ شَرِيعَتِهِ، وتَمَنِّي إِدْرَاكِهِ فِي حَيَّاتِهِ لِيَبْذُلَ نَفْسَهُ ومَالَهُ دُونَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).


  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    الجزائر المحروسة
    المشاركات
    1,455

    افتراضي

    بارك الله فيك واصل بالتوفيق

  14. #14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عبد الاله المسعودي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك واصل بالتوفيق

    جزاك الله خيرًا وبارك فيك وأحسن إليك


  15. #15

    افتراضي

    ( 11 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».

    أَولاً
    : تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 9) واللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (1/ 35)، وأَبُو دَاودَ (4/ 4676)، والنَّسَائِيُّ (8/ 5004)، وابْنُ مَاجَةَ (1/ 57)، وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (15/ 9361)، وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (5/ 25339)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيْح" (1/ 167).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (بِضْع): البِضْعُ مْنَ الشَّيْء: القِطعَةُ مِنْهُ، وفِي العَدَدِ: هُوَ مِنَ الوَاحِدِ إِلَى العَشَرَةِ؛ وقِيْلَ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ.
    - (شُعْبَة): قِطْعَة مِنَ الشَّيْء، والمُرَادُ بِهَذِهِ الخِصَال أُصُولُ الخَيْرِ مِنْ الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ؛ فَالإِيمَانُ إِنَّمَا هُوَ تَصْدِيقُ القَلْبِ، وهَذِهِ الخِصَالُ تَنْبَعِثُ عَنْهُ، فَسُمِّيَت إِيمَانًا.
    - (الحَيَاء): صِفَةٌ فِي النَّفْسِ وهِيَ: تَغَيُّرٌ وانْكِسَارٌ يَعْتَرِيَ الإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ ويُذَمُّ.

    --
    والمَعنَى: أَنَّ الحَيَاءَ يَقْطَعُ صَاحِبَهُ عَنِ المَعَاصِي ويَحْجِزُهُ عَنْهَا، فَصَارَ بِذَلِكَ مِنَ الإِيْمَانِ، إِذِ الإِيْمَانُ بِمَجْمُوعِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى اِئْتِمَارِ لِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ واِنْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ.


  16. #16

    افتراضي

    (12) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْـهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ».

    أولاً: تَخْرِيجُ الحَدِيثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 24) ولَهُ اللَّفْظُ؛ ومُسْلِمٌ (1/ 36)، وأَبُو دَاوُدَ (4/ 4795)، والتِّرمِذِيُّ (5/ 2615)، والنَّسَائِيُّ (8/ 5033)، وابْنُ مَاجَةَ (1/ 58)؛ وأَحمَدُ فِي "المُسْنَد" (10/ 6341)، وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (5/ 25340)، وابْنُ الجَعْدِ فِي "المُسْنَد" (1/ 2872)، والحُمَيْدِيُّ فِي "المُسْنَد" (1/ 638)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 725)، وأَبُو يَعلَى فِي "المُسْنَد" (9/ 5424)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (2/ 610)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (5/ 4932) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (2/ 744).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (يَعِظُ أَخَاه فِي الْحَيَاء): يَنْصَحُهُ ويَنْهَاهُ عَنْهُ ويُقَبِّحُ لَهُ فِعْلَهُ ويَزْجُرُهُ عَنْ كَثْرَتِهِ.
    - (دَعْه): اتْرُكْهُ عَلَى حَالِهِ مِنْ كَثْرَةِ الحَيَاءِ.
    - (فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَان): أَيْ مِنْ شُعَبِهِ.


  17. #17

    افتراضي

    (13) وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

    أولاً
    : تَخْرِيجُ الحَدِيثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 13)، ومُسْلِمٌ (1/ 45)، والتِّرمِذِيُّ (4/ 2515)، والنَّسَائِيُّ (8/ 5016)، وابْنُ مَاجَةَ (1/ 66)؛ وأَحمَدُ فِي "المُسْنَد" (20/ 12801)، والدَّارِمِيُّ فِي "السُّنَن" (3/ 2782)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 1174)، وأَبُو يَعلَى فِي "المُسْنَد" (5/ 2950)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (1/ 234)، والروياني في "المُسند" (2/ 1348).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيثِ:
    - (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُم): الإِيْمَان الكَامِل.
    - (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ): مِن فِعَال الخَيْرِ.

    -- والمَقْصُودُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِ الإِيمَانِ الوَاجِبَةِ أَنْ يُحِبَّ المَرْءُ لِأَخِيهِ المُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، ويَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَقَدْ نَقَصَ إِيمَانُهُ بِذَلِكَ ... فَإِنْ قِيْلَ: كَيْفَ يَتَصَوَّرُ هَذَا وكُلُّ أَحَدٍ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِيمَا يَخْتَارهُ لَهَا، ويُحِبُّ أَنْ يَسْبِقَ غَيْرَهُ فِي الفَضَائِلِ، وقَد سَابَقَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ؟! فَالجَوَابُ: أَنَّ المُرَادَ حُصُولُ الخَيْرِ فِي الجُمْلَةِ، واِنْدِفَاعُ الشَّرِّ فِي الجُمْلَةِ؛ فَيَنْبَغِي لِلْإنْسَانِ أَنْ يُحِبَّ ذَلِكَ لِأَخِيْهِ كَمَا يُحِبّهُ لِنَفْسِهِ، فَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الفَضَائِلِ وعُلُوِ المَنَاقِبِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْثِر سَبْقَ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِك.

  18. #18

    افتراضي


    (
    14) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ».

    أولاً: تَخْرِيجُ الحَدِيثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1/ 10)، ومُسْلِمٌ (1/ 41)، وأَبُو دَاودَ (3/ 2481)، والنَّسَائِيُّ (3/ 2481)، وأَحمَدُ فِي "المُسْنَد" (11/ 6515)، والدَّارِمِيُّ فِي "السُّنَن" (3/ 2758)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 336)، والحُمَيْدِيُّ فِي "المُسْنَد" (5/ 606)، وابْنُ حِبَّانَ فِي "الصَّحِيح" (1/ 230)، والبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَن الكَبْرَى" (10/ 20755).

    ثانياً: رَاوِي الحَدِيْثِ: هُـــــوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ بنِ وَائِلٍ بْنِ هَاشِمِ بنِ سُعَيْدِ بنِ سَعْدِ بنِ سَهْمِ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّهْمِيُّ القُرَشِيُّ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابْنُ صَاحِبِهِ .... وُلِدَ عَبْدُ اللهِ قَبْل الهِجْرَةِ بِتِسْعِ سَنَوَاتٍ، ولَيْسَ أَبُوْهُ أَكْبَرَ مِنْهُ إِلاَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً! وقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيْهِ، وتُوفِّيَّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وسِتِّيْنَ (63 هــ)؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً: شَرحُ الحَدِيثِ:
    -(المُسْلِم): المُسْلِمُ الحَقِيقِيُّ.
    -(مِنْ لِسَانِهِ): بِالشَّتْمِ، واللَّعْنِ، والغِيبَةِ، والبُهْتَانِ، والنَّمِيمَةِ، والسَّعْيِ إِلَى السُّلْطَانِ، وغَيْرِ ذَلِكَ ... وقَدَّمَ اللِّسَانَ: لِأَنَّ الإِيذَاءَ بِهِ أَكْثَرُ وأَسْهَلُ، ولِأَنَّهُ يَعُمُّ الأَحْيَاءَ والأَمْوَاتَ، وابْتُلِيَ بِهِ الأَكْثَرون خُصُوصًا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.
    -(وَيَدِهِ): بِالضَّرْبِ، والقَتْلِ، والهَدْمِ، والدَّفْعِ، والكِتَابَةِ بِالْبَاطِلِ، ونَحْوِهَا.
    -(المُهَاجِر): الحَقِيقِيُّ. والهِجْرَةُ هِيَ: مُفَارَقَةُ الأَهْلِ والوَطَنِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى؛ والمُرَادُ بِهَا هُنَا: تَركُ المَعَاصِي.
    -(هَجَرَ): تَرَكَ.
    -(مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ): أَي: مَا حَرَّمَ اللَّهُ ورَسُوُلهُ عَلَيْهِ فِي الكِتَابِ والسُّنَّة.

    -- ويُسْتَنْبَطُ مِنَ الحَدِيْثِ الشَّرِيْفِ فَوَائِد، مِنْهَا: الأُوْلَى: الحَثُّ عَلَى تَرْكِ أَذَى المُسْلِمِيْنَ بِكُلِّ مَا يُؤْذِي ... والثَّانِيَةُ: فِيْهِ الرَّدُّ عَلَى المُرْجِئَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُم إِسْلَامٌ نَاقِصٌ ... والثَّالِثَةُ: فِيْهِ الحَثُّ عَلَى تَرْكِ المَعَاصِي واجْتِنَابِ المَنَاهِي.

  19. #19

    افتراضي


    (
    15) عَن الأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ المُزنِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ».

    أولاً
    : تَخْرِيجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4/ 2702)، والبُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ المُفْرَد" (1/ 621)، والنَّسَائِيُّ فِي "السُّنَن الكُبْرَى" (9/ 10206) وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (29/ 17850) وأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (6/ 29444)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "المُسْنَد" (1/ 363)، والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الكَبْيِر" (1/ 883)، والرُّويَانِيُّ فِي "المُسْنَد" (2/ 1489).

    ثانياً
    : رَاوِي الحَدِيْثِ: هُـــوَ : الأغرّ بن يسار المزني، صَحَابِيٌّ؛ مِن المُهَاجِرِينَ، لَهُ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثٍ، ولاَ يُعْرَفُ لَهُ تَارِيخُ مَوْلِدٍ ولاَ وَفَاةٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً
    : شَرحُ الحَدِيْثِ:
    - (يَا أَيُّهَا النَّاس): المُرَادَ هُمُ المُؤْمِنُونَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (سورة النُّور، الآية رقم: 31)
    - (فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْه): أَرْجِعُ رُجُوعًا يَلِيقُ بِهِ، وإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ (سُبْحَانَهُ وتَعَالَى).
    - (فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّة): يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ مِنَ الاِسْتِغفَارِ ... فَإِذَا كَانَ نَبِيُّنَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وهُوَ المَعصُومُ!! فَنَحنُ أَوْلَى بِأَنْ نَسْتَغْفِر اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ونَتُوبُ إِلَيْهِ فِي السَاعَةِ أَلفَ مَرَّةٍ.

    واعلَم أَنَّ لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: ( 1 ) أَنْ يُقْلِعَ عَنِ المَعْصِيَةِ. ( 2 ) وأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا. (3) وأَنْ يَعزِم عَزْماً جَازِماً عَلَى أَنْ لاَ يَعوُد إِلَى مِثْلِهَا أَبَدًا. فَإِنْ كَانَتِ المَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِآدَمِيٍّ فَلَهَا شَرْطٌ رَابِعٌ وهُوَ: ( 4 ) رَدُّ الظُّلَامَةِ إِلَى صَاحِبِهَا أَوْ تَحْصِيلُ البَرَاءَةِ مِنْهُ ... فَإِذَا تَابَ الإِنْسَانُ إِلَى رَبِّه سَبْحَانَه وتَعَالَى، حَصَلَ بِذَلِك فَائِدَتَيْن: فَالأُولَى : اِمْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ ورَسُولِه؛ وفِي اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ ورَسُولِهِ كُلُّ الخَيْرِ، فَعَلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ ورَسُولِهِ تَدُورُ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ ... والثَّانِيَة : الاِقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.

    --
    فَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: وُجُوبُ التَّوْبَةِ والاِسْتِغْفَار ِ، واسْتِمْرَارِ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وعَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأنَّ التَّوْبَةَ أَهَمُّ قَوَاعِدِ الإِسْلَامِ وهِيَ أَوَّلُ مَقَامَاتِ سَالِكِي طَرِيقِ الآخِرَةِ.


  20. #20

    افتراضي


    (
    16) عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «واللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِليْهِ في اليَوْمِ أَكثْرَ مِنْ سَبْعِينَ مرَّةً».

    أولاً
    : تَخْرِيجُ الحَدِيْثِ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ (8/ 6307) واللَّفْظُ لَهُ، والتِّرْمِذِيُّ (5/ 3259)، وابْنُ مَاجَةَ (2/ 3815)، والنَّسَائِيُّ فِي "الكُبْرَى" (9/ 10196)، وأَحْمَدُ فِي "المُسْنَد" (13/ 7793)، وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "المُصَنَّف" (6/ 29442)، والحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "المُسْنَد" (2/ 1079)، وابْنُ حِبَّانَ (3/ 925)؛ والطَّبَرَانِيّ ُ فِي "المُعجَم الأَوْسَط" (3/ 2954) وفِي "المُعجَم الصَّغِير" (1/ 232).

    ثانياً
    : شَرحُ الحَدِيْثِ:
    - (وَاللَّهِ): قَسَمٌ لِتَأْكِيدِ الخَبَر.
    - (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ): أَيْ: مِنْ تَقْصِيرِي فِي الطَّاعَةِ، أَوْ مِنْ رُؤْيَةِ نَفْسِي فِي العِبَادَةِ، ولِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَقِّبُ صَلَاتَهُ بِالِاسْتِغْفَا رِ عَلَى طَرِيقِ التَّرْجِيعِ والتَّكْرَارِ.
    - (فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً): يُرَادَ بِهَا التَّكْثِيرُ مِنَ الاِسْتِغفَارِ.

    --
    واعلَم أَنَّ تَوْبَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتِغْفَارَهُ كُلَّ يَوْمٍ، لَيْسَ لِذَنْبٍ، لِأَنَّهُ مَعصُومٌ، بَلْ لِاعْتِقَادِ قُصُورِهِ فِي العُبُودِيَّةِ عَمَّا يَلِيقُ بِحَضْرَةِ ذِي الجَلَالِ والإِكْرَامِ، وحَثٌّ لِلأُمَّةِ عَلَى التَّوْبَةِ والِاسْتِغْفَار ِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصُومًا، وكَوْنِهِ خَيْرَ المَخْلُوقَاتِ إِذَا اسْتَغْفَرَ وتَابَ إِلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَكَيْفَ بِالمُذْنِبِين.. .؟!


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •