ومن غرائب ما في هذا الباب نسبة وجود الشرك في آدم – عليه السلام – استدلالاً بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف: 189، 190].
فإنه جاء في تفسير هذه الآيات آثار عن بعض السلف توهم وجود الشرك في زمن آدم عليه السلام، وهي ما يلي:
أولاً: ما روى الإمام أحمد بسنده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما ولدت حواء طاف بها إبليس – وكان لا يعيش لها ولد -، فقال: سميه عبد الحارث؛ فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره)) (11) هذا هو الحديث المرفوع الوحيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن كثير: (وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد به ولم يرفعه، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الإمام أبو محمد ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً، وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عن عمر بن إبراهيم مرفوعاً؛ قلت – القائل هو الحافظ ابن كثير -: وشاذ هو هلال وشاذ لقبه) (12) .
ثانيا: الآثار عن الصحابة:
أ- روي عن ابن عباس روايات بنحو ما ذكر:
1- من طريق محمد بن إسحاق بن يسار عن داود بن الحصين عن عكرمة عنه (13) ، وهذا السند غير مقبول عند المحدثين، فإن كل ما رواه داود بن الحصين عن عكرمة فهو منكر، بل ضعفه بعضهم (14) .
2- من طريق عبد الله بن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عنه، ففي هذا السند خصيف، وهو ضعيف (15) ، وشريك أيضاً مختلط (16) ، فلا اعتبار بهذه الرواية.
3- ما رواه ابن جرير الطبري، قال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس (17) (بنحوه).
فهذه هي السلسلة العوفية المعروفة بالضعف من رواة التفسير عن ابن عباس (18) .
4- ما رواه الطبري من طريق القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جرير قال: قال ابن عباس. وذكر نحوه (19) . فهذا أثر منقطع، وضعيف؛ فإن حجاج بن أرطأة ضعيف، وابن جريج لم يدرك ابن عباس.
ب- وفي الباب رواية عن أبي بن كعب نحوه، وقد رواه ابن عباس عنه (20) .
قال ابن كثير: (وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس من أصحابه؛ كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة. ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي، وغير واحد من السلف، وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة. وكأنه – والله أعلم – أصله مأخوذ من أهل الكتاب؛ فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم) (21) ... وهذه الآثار يظهر عليها – والله أعلم – أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدم تصديق أهل الكتاب وفي عدم تكذيبهم أيضاً، ثم إن أخبارهم على ثلاثة أقسام؛ فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضاً، ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في الحديث (22) .
وهذا الأثر – المروي عن ابن عباس – ننظر إليه بهذه الاعتبارات الثلاثة، فهل يدل عليه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء؟. في الحقيقة: أن هذا فرع عن صحة الحديث الذي رواه سمرة بن جندب – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ضعفه. أعني الحديث: ((لما ولدت حواء طاف بها إبليس...)) (23) إلخ.
فالمحدثون في هذا الحديث فريقان:
فريق: أخذوا الحديث بالتصحيح، ثم بدؤوا يؤولون في معنى الحديث كي لا يؤدي إلى نسبة الشرك إلى آدم.
وفريق آخر يضعفون الحديث، ويفسرون الآية بما يوافق طبيعة اللغة العربية، وبما روي من آثار في ذلك.
فأما الذين قالوا بصحة الحديث أجابوا بأجوبة، منها:
أ- أن النفس الواحدة وزوجها آدم وحواء، والشرك الواقع منهما ليس شركاً في العبادة، وإنما هو شرك في التسمية، حيث سميا ولدهما (عبد الحارث) والحارث هو اسم إبليس، وآدم وحواء لم يعتقدا بتسمية ولدهما عبد الحارث أن الحارث ربهما (24) ، وقد ذكر هذا القول بعض المفسرين، كابن جرير الذين صوبه (25) ، ورجحه على غيره، وروى في تأييده آثاراً عن السلف.
فروى عن ابن عباس أنه قال: (أشركه في طاعته في غير عبادة، ولم يشرك بالله، ولكن أطاعه) (26) .
وعن قتادة قال: (وكان شركاً في طاعته، ولم يكن شركاً في عبادته) (27) .
وعن سعيد بن جبير قال: (قيل له: أشرك آدم؟ قال: أعوذ بالله أن أزعم أن آدم أشرك، ولكن حواء لما أثقلت أتاها إبليس فقال لها: من أين يخرج هذا؟ من أنفك, أو من عينك, أو من فيك؟ فقنطها، ثم قال: أرأيت إن خرج سوياً... أتطيعيني؟ قالت: نعم، قال: فسميه عبد الحارث، ففعلت... فإنما كان شركه في الاسم) (28) .
وعن السدي قال: (... فذلك حين يقول الله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا يعني في التسمية) (29) . وأيضاً يدل عليه قراءة من قرأ: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء بمعنى الشركة يعني بالاسم (30) ، وحتى يتفادى أصحاب هذا القول الاعتراض عليهم بأن قوله تعالى: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يفيد أن الذين أتوا بالشرك جماعة؛ إذ لو كان آدم وحواء لقال: فتعالى الله عما يشركان. فقد ذهبوا إلى أن في الآيتين قصتين: قصة آدم وحواء، والخبر قد انقضى عند قوله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا.
وقصة مشركي العرب، والخبر عنها في قوله: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، والمعنى فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان (31) ، واستأنسوا في ذلك بما روي من آثار، منها: ما روي عن السدي في قوله تعالى: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يقول: هذه فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب (32) .
ويروى عنه أيضاً أنه قال: (هذا من الموصول والمفصول، قوله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا في شأن آدم وحواء، ثم قال الله تبارك وتعالى: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قال: عما يشرك المشركون، ولم يعنهما) (33) . وقد رواه ابن أبي حاتم أيضاً في تفسيره (34) .
وأجابوا عما يقال: إن آدم وحواء إنما سميا ابنهما عبد الحارث والحارث واحد، وقوله شُرَكَاء جماعة، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء، وإنما أشركا واحداً؟ قالوا في الجواب عن هذا السؤال: إن العرب تخرج الخبر الواحد مخرج الخبر عن الجماعة إذا لم تقصد واحداً بعينه ولم تسمه، كقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ [آل عمران:173] وإنما كان القائل واحداً، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة؛ إذ لم يقصد قصده، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها (35) .
وممن استحسن هذا القول ودافع عنه، ورأى صحة الحديث الألوسي الذي قال: (لا يعد هذا شركاً في الحقيقة؛ لأن أسماء الأعلام لا تفيد مفهوماتها اللغوية، لكن أطلق عليها الشرك تغليظاً) (36) .
كما يفهم من سياق كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أنه يرجح هذا التفسير؛ حيث أتى به في تفسير قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، مستدلاً به على منع التعبيد لغير الله (37) .
كما أن الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – يرى رجحان هذا التفسير في تيسير العزيز الحميد؛ حيث قال: (وإذا تأملت سياق الكلام من أوله إلى آخره مع ما فسره به السلف، تبين قطعاً أن ذلك في آدم وحواء عليهما السلام، فإن فيه غير موضع يدل على ذلك، والعجب ممن يكذب بهذه القصة، وقوله تعالى: عَمَّا يُشْرِكُونَ هذا – والله أعلم – عائد إلى المشركين من القدرية، فاستطرد من ذكر الشخص إلى الجنس، وله نظائر في القرآن) (38) . وقال أيضاً: (قوله: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته: أي لكونهما أطاعاه في التسمية بعبد الحارث، لا أنهما عبداه، فهو دليل على الفرق بين شرك الطاعة وبين شرك العبادة) (39) ....
وأما الذين قالوا بتضعيف الحديث فهم كثر – وهو الصحيح إن شاء الله كما سيأتي -، قالوا: إن الحديث ضعيف، فبعض منهم ضعفه رواية، وبعضهم ضعفه دراية.
أما الذين ضعفوه من جهة الرواية فهم الجهابذة من المحدثين، منهم الحافظ ابن عدي؛ حيث إنه أعله بتفرد عمر بن إبراهيم، وقال: (وحديثه عن قتادة مضطرب) (40) .
وأما الحافظ ابن كثير فقال: إن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به، ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً، فالله أعلم.
الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعاً، كما قال ابن جرير...
الثالث: أن الحسن –نفسه- فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه إلى الذي أورده ابن جرير بسنده عن الحسن جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا، قال: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم.
وبسنده عن الحسن قال: عني به ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده.
وبسنده عن الحسن قال: هم اليهود والنصارى؛ رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا.
ثم قال ابن كثير: هذه أسانيد صحيحة عن الحسن –رضي الله عنه- أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث محفوظاً عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولاسيما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب، ووهب بن منبه، وغيرهما (41) .
وزاد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – علة أخرى؛ وهي الآتي ذكرها في الوجه الرابع.
الرابع: أن الحسن في سماعه من سمرة خلاف مشهور، ثم هو مدلس، ولم يصرح بسماعه عن سمرة، وقال الذهبي في ترجمته في الميزان: (كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث: (عن فلان) ضعف احتجاجه) (42) .
ولكن يفهم من صنيع الحافظ العلائي أن رواياته عن سمرة تحمل على السماع، وقد ذكر لذلك شاهداً (43) ، فلم يبق من العلل إلا ما ذكره ابن كثير.
أما من حيث الدراية: فأيضاً لا يصح؛ فإنه لم يثبت لدينا أن إبليس كان اسمه حارث، ثم ليس لدينا ما يدل على أن آدم كان يموت له الأولاد في حياته غير هابيل، ثم إن هذا خلاف مقتضى إرساله إلى الأرض من الله جل وعلا، فإنه أرسل لعمران الأرض، فلو مات له الأولاد لا يحصل هذا المقصود ألبتة، فهذا مما يضعف الحديث دراية، ولهذا قال ابن حزم – رحمه الله-: (وهذا الذي نسبوه إلى آدم – عليه السلام – من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة، من تأليف من لا دين له ولا حياء، لم يصح سندها قط، وإنما نزلت في المشركين على ظاهرها) (44) .
وقال ابن القيم: (فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء، واللذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولد.....) (45) .
من وجوه ضعف هذا القول ما يلي:
1- أن آدم – عليه السلام – كان أعرف بإبليس وعداوته الشديدة له، وأن اسم إبليس هو الحارث – لو صح – فكيف مع هذا يسمي ولده عبد الحارث؟
2- جمع الشركاء في قوله تعالى: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا يدل على أن المتخذ شريكاً لله جماعة، في حين أن المتخذ شريكاً لله على هذا القول واحد وهو إبليس، فالتعبير بالجمع يدل على ضعف هذا القول.
3- أنه لم يجر لإبليس في الآية ذكر، فلو كان هو المتسبب في التسمية – التي أطلق عليها شرك – على حد هذا القول – لجرى له ذكر، فالمقام مقام التحذير من الانخداع بوسوسة إبليس يقتضي ذكر اسم إبليس؛ لئلا ينخدع أحد بعده.
4- أنه تعالى قال بعده: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى، وما جرى لإبليس اللعين في هذه الآية ذكر.
5- لو كان المراد إبليس لقال: (أيشركون من لا يخلق شيئاً)، ولم يقل: مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً؛ لأن العاقل إنما يذكر بصيغة (من) لا بصيغة (ما) (46) .
وأما تفسير الآية على القول بتضعيف هذه الرواية فكما يلي:
1- أن الآيتين في حق آدم وحواء، ويدفع الإشكال في قوله: جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا بأن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: (جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما)، والتثنية على أن ولده قسمان: ذكر وأنثى؛ أي صنفين ونوعين، فزال الإشكال عن (جعلا) و(آتاهما). وفي قوله تعالى: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بلفظ الجمع باعتبار الأولاد (47) .
2- أن الخطاب لجميع الناس، والضمير في (جعلا) و(آتاهما) يعود على النفس وزوجها، لا إلى آدم وحواء (48) ، وعلى هذا: النفس، غير ما ذكروه في تأويله، وهذا أقرب وأبعد من التأويل المتكلف.
3- أن الخطاب في (خلقكم) لقريش، وهم آل قصي، فإنهم خلقوا من نفس قصي، وكان له زوج من جنسه عربية قرشية، وطلبا من الله أن يعطيهما الولد، فأعطاهما أربعة بنين فسماهم بـ عبد مناف، عبد شمس، عبد العزى، عبد الدار (49) .
4- أن المراد بالنفس الواحدة آدم، وزوجها المجعول منها حواء، والذي طلبه آدم وحواء من الله صالحاً هو النسل السوي بصنفيه الذكور والإناث، ولكن أولاده جعلوا لله شركاء من الأصنام والأوثان فيما أتاهم، فتعالى الله عن إشراك المشركين من هذا النسل.
فقوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جنس الولد الصالح في تمام الخلق بدناً وقوة، وعقلاً، فكثروا صفة للولد وهو الجنس، فيشمل الذكر والأنثى والقليل والكثير، فكأنه قيل: (فلما أتاهما أولاداً صالحي الخلقة من الذكور والإناث جعل النوعان (له شركاء) بعضهم أصناماً، وبعضهم ناراً، وبعضهم شمساً، وبعضهم غير ذلك (50).
والمقصود: أنه لم يثبت أن آدم عليه السلام وقع في الشرك، بل الصحيح الثابت ما سبق أن ذكرناه أن أول شرك وقع في بني آدم هو في قوم نوح.
قال شيخ الإسلام: (إن الناس كانوا بعد آدم عليه السلام، وقبل نوح عليه السلام على التوحيد والإخلاص، كما كان عليه أبوهم آدم أبو البشر عليه السلام حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان، بدعة من تلقاء أنفسهم، لم ينزل الله بها كتاباً ولا أرسل بها رسولاً، بشبهات زينها الشيطان من جهة المقاييس الفاسدة, والفلسفة الحائدة؛ قوم منهم زعموا: أن التماثيل طلاسم الكواكب السماوية, والدرجات الفلكية, والأرواح العلوية.
وقوم اتخذوها على صورة من كان فيهم من الأنبياء والصالحين.
وقوم جعلوها لأجل الأرواح السفلية من الجن والشياطين.
وقوم على مذاهب آخر.
وأكثرهم لرؤسائهم مقلدون، وعن سبيل الهدى ناكبون، فابتعث الله نبيه نوحاً عليه السلام، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن عبادة ما سواه، وإن زعموا أنهم يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويتخذوهم شفعاء) (51) . (52)
<span style="font-family:traditional arabic;"><font size="5"><span style="color:#0000ff;"><span id="enc-52" class="rs_skip rs_preserve" title="" data-toggle="tooltip" data-original-title="<strong>http://www.dorar.net/enc/aqadia/1479