عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَة قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ثم أدناك أدناك
الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هو معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم([1])
شرح الحديث
قَالَ اِبْن بَطَّال : مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلْأُمِّ ثَلَاثَة أَمْثَال مَا لِلْأَبِ مِنْ الْبِرّ ، قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع ، فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الْأُمّ وَتَشْقَى بِهَا ، ثُمَّ تُشَارِك الْأَب فِي التَّرْبِيَة ([2])

قال ابن حجر : قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْمُرَاد أَنَّ الْأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ الْأَوْفَر مِنْ الْبِرّ ، وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقّ الْأَب عِنْد الْمُزَاحَمَة . وَقَالَ عِيَاض : وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْأُمّ تَفْضُل فِي الْبِرّ عَلَى الْأَب ، وَقِيلَ يَكُون بِرّهمَا سَوَاء ، وَنَقَلَهُ بَعْضهمْ عَنْ مَالِك وَالصَّوَاب الْأَوَّل . قُلْت- ابن حجر- : إِلَى الثَّانِي ذَهَبَ بَعْض الشَّافِعِيَّة ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَارِث الْمُحَاسِبِيّ الْإِجْمَاع عَلَى تَفْضِيل الْأُمّ فِي الْبِرّ وَفِيهِ نَظَر ، وَالْمَنْقُول عَنْ مَالِك لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهُ اِبْن بَطَّال قَالَ : سُئِلَ مَالِك طَلَبَنِي أَبِي فَمَنَعَتْنِي أُمِّي ، قَالَ : أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمّك قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى بِرّهمَا سَوَاء ، كَذَا قَالَ . وَلَيْسَتْ الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ بِوَاضِحَةٍ ، قَالَ : وَسُئِلَ اللَّيْث يَعْنِي عَنْ الْمَسْأَلَة بِعَيْنِهَا فَقَالَ : أَطِعْ أُمّك فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرّ ([3])

قَالَ الْقَاضِي : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُمّ وَالْأَب آكَد حُرْمَة فِي الْبِرّ مِمَّنْ سِوَاهُمَا . ([4])

ثُمَّ أَدْنَاك أَدْنَاك
قَالَ النووي : قال أَصْحَابنَا : يُسْتَحَبّ أَنْ تُقَدَّم فِي الْبِرّ الْأُمّ ، ثُمَّ الْأَب ، ثُمَّ الْأَوْلَاد ، ثُمَّ الْأَجْدَاد وَالْجَدَّات ، ثُمَّ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات ، ثُمَّ سَائِر الْمَحَارِم مِنْ ذَوِي الْأَرْحَام كَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّات ، وَالْأَخْوَال وَالْخَالَات ، وَيُقَدَّم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ، وَيُقَدَّم مَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِأَحَدِهِمَا ، ثُمَّ بِذِي الرَّحِم غَيْر الْمَحْرَم كَابْنِ الْعَمّ وَبِنْته ، وَأَوْلَاد الْأَخْوَال وَالْخَالَات وَغَيْرهمْ ، ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَة ِ ، ثُمَّ بِالْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَل ، ثُمَّ الْجَار ، وَيُقَدَّم الْقَرِيب الْبَعِيد الدَّار عَلَى الْجَار ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَرِيب فِي بَلَد آخَر قُدِّمَ عَلَى الْجَار الْأَجْنَبِيّ ، وَأَلْحَقُوا الزَّوْج وَالزَّوْجَة بِالْمَحَارِمِ وَاَللَّه أَعْلَم . ([5])


الفوائد
- فِيهِ الْحَثّ عَلَى بِرّ الْأَقَارِب ، وَأَنَّ الْأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ ، ثُمَّ بَعْدهَا الْأَب ، ثُمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب . ([6])
- هذا أمرٌ بينٌ واضح ، ودورٌ فطريٌ خلقيٌ ، أراده الله عز وجل لكمال البشرية ، ولحسن انتظام الحياة في هذه الدنيا .
- الجنة تحت أقدام الأمهات ل حديث معاوية السلمي رضي الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو منطلقٌ - فقلت : يا رسول الله إني أريد المسير معك للجهاد ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أن له أماً تحتاج إليه - ارجع إلى أمك فالزمها ، قال : فجئته من قبل وجهٍ آخر ، فقلت : يا رسول الله إني أريد المسير معك للجهاد ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، فقال : إلزم أمك ، فقلت له ثالثةً ، فقال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة ([7])
- البر بالأم يهدي للجنة حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ، فقال في سياق حديثٍ طويل : ( ودخلت الجنة فسمعت فيها قراءةً ، فقلت : قراءة من هذه ؟ فقيل لي : قراءة الحارث بن النعمان ، فقال : كذلكم البر .. كذلكم البر ، فكان الحارث من أبر الناس بأمه ) ([8])
- بر الوالدين توبة وتكفير للسيئات روى الترمذي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله إني أصبت ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟ فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام : هل لك من أمٍ ؟ قال : لا ! قال : هل لك من خالةٍ ؟! قال : نعم ! قال : فبرها . أي ذاك طريق توبةٍ وتكفير ذنبٍ([9])
- بر الوالدين يعدل حجة وعمرة ما رواه أنسٌ رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله إني لأشتهي الجهاد ولا أقدر عليه - أي ربما كان من أهل الأعذار - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل بقي من والديك أحد ؟ قال : أمي ! قال : ( قابل الله في برها ، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهدٌ ؛ فإن رضيت عنك فاتق الله وبرها ) ([10])
بر الوالدين جهاد في سبيل الله قوله صلى الله عليه وسلم "فيهما فجاهد" ([11])

([1])مقدمة الفتح 1/329

([2])شرح ابن بطال

([3])فتح الباري17/90

([4])شرح النووي على مسلم 8/331

([5])شرح النووي على مسلم 8/331

([6])شرح النووي على مسلم 8/331

([7]).رواه النسائي وابن ماجة في سننهما بسندٍ صحيح وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .

([8])رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 616

([9])رواه الترمذي واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنهما قالا هل لك والدان بالتثنية وقال الحاكم صحيح على شرطهما صحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2 / 331( 2504 )


([10])ذكره الهيثمي في المجمع ، وقال رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ، وقال : إسنادهم جيد . قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 7 /177 :
منكر بهذا السياق والتمام

([11])متفق عليه