قصيدة النثر والايقاع الموسيقي
بقلم د فالح الحجية
الايقاع الموسيقي هو توزيع الصوت ومداه بمقتضى حركات معينة من خلال نغمات صوتية يعمد اليها الشاعر بمقدرته . والموسيقى نوع من انواع الايقاع وقد وجد هذا الايقاع او النغم على الارض بوجود الانسان فهو ملازم لحياته منذ القدم وقد تمثل في قديم الزمن في دندنة الانسان مع نفسه في حالتي فرحه وحزنه حين تغلب عليه عاطفته فيصفق بيديه فرحا او يرفع صوته مغنيا اويبكي نشيجا حزنا فيعبر عما في مكامن النفس الانسانية من عواطف او خوالج نفسية .

وقد مر الايقاع او النغم بمراحل زمنية عريقة على مر الدهور والازمنة وتسمت بمسميات عديدة وهو ما يطلق عليه بالموسيقى وقد تفرعت هذه الى انغام من خلال ايقاعات مختلفة بحيث اصبحت كل منها بمفردها مجالا واسعا وفنا مماثلا للفنون الشعرية لكل الشعوب حتى اصبحت متلازمة لابداع هذا الانسان في اقربه الى نفسه وهو الشعر فاصبح الايقاع الشعر ي والايقاع الموسيقي ينبع من معين واحد هو قلب نسان ونوازعه فيه لكنها تفرعت في مداها الواسع بتنويعها وفقا للحاجة والتطور الزمني بين الشعوب المختلفة وطبيعة تكوينها وثقافتها الماضية والحاضرة والمستقبلية واصبح لكل فن من هذه الفنون من يهتم بها فهو ذو تاثير بكل عرق انساني .

و قصيدة الشعر ايضا اختلفت تنسيقاتها النغمية بمرور الزمن فحكمتها او دخلت عليها سلطة النظام الموسيقي التقليدي للقصيدة العربية ( الوزن والقافية ) فأوجد ت البحور الشعرية بموسيقية البيت الشعري او الشطر الشعري عن شطر البيت الواحد وما لحقها من تطور مستمر حتى وجد ت القصيدة الحديثة ( الشعرالحر ) في بدايا ت القرن العشرين والتي كانت سببا في ايجاد القصيدة المعاصرة ( قصيدة النثر) أو الجملة الشعرية وكلتاهما تعتمد على تقنيات فنية عديدة لنسج منظومة الموسيقى التي تشكل في النهاية نمطا معينا من الموسيقى الشعرية فقصيدة النثر– ايضا ذات نظام موسيقى لكنه فوضوي الايقاع .

لذا ظل في تكوينه ذات خصوصية فهي موسيقى لكنها ليست موسيقى الخضوع للإيقاعات القديمة . بل هي موسيقى الاستجابة لإيقاع معين وهو إيقاع يتجدد كل لحظة ويتسامى طواعية مع نغمية الكلمات المنبعثة من قلب الشاعر ونبضه .وفي قصيدة النثر يحس الشاعر ايقاعا معينا يتلذذه فيصوغ به شعره والمتلقي ربما يعجب به ويتذوقه وتأنس اليه نفسه . وهنل يكون مراد الشاعر وتتبين مقدرته بكسب المتلقين او نفرتهم
ومن خصائص البناء الفني لقصيدة النثر ومميزاتها انها تعتمد على نغمات موسيقية متداخلة غير مترابطة وهي بذلك تحرص على إيجاد تقنيات هذا النوع من الموسيقى عند تشكيل السطر الشعري أو الجملة الشعرية وهذه الموسيقى قد تعتمد في تقنياتها على فنية معينة كأن تكون تكرارا متوازيا وإزاحة ذات دلالية . وخاصة مع حروف المد وبتزاوج الحروف والكلمات . فتتمثل بجرسيتها وعلاقتها النغمية مع الحرف بحيث تنعكس مع خلفية الحالة الانفعالية في نفسية الشاعر والحراك الأدائي والانفتاح الدلالي فتاتي متجانسة نغيمتها .
فهناك ارتباط وثيق بالدلالة المنبعثة أساساً من الصياغة اللغوية التي هي بمثابة سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة و النابعة من الحركات الفكرية وحركة تمكزها الأساسي من خلال الصياغة اللغوية وفاعلها مع النص مكونة علاقة تأثيرية بين الإيقاع والدلالة الشعرية واقصد بها فاعلية النص مع اللغة .

ومن المعلوم ان قصيدة النثر تعتمد على الجملة الشعرية التي يقا بلها السطر الشعري في شعر التفعيلة ( الشعرالحر ) متمثلة بالوحدة في قصيدة النثر ومن هنا وجب التمييز بين الجملة الشعرية في قصيدة النثر والتي تختلف عن السطر الشعري بحسب عدد تفعيلاتها وتكرارها وتشكيلاتها . فنغمية او موسيقى قصيدة الشعرالحر تعتمد نغمية صافية معينة تعتمد على البحر الشعري الذي نظمت فيه وموسيقاها تقل او تكثر اي تستمر وفق السطرالشعري ومافيه من تفعيلات بحيث لاتقل عن الواحدة ولا تتجاوز التاسعة او في الاغلب السابعة . بينما قصيدة النثر تعتمد نغماتها على ايجاد ترابط بين الحرف والاخر وعدد الكلمات المثبتة في السطرالشعري فيها

فالسطرالشعري في الشعرالحر يتكون من اساسية التفاعيل الخليلية الصافية لذا اعتمد شعراؤه مثل بدر شاكر السياب والبياتي ونازك الملائكة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وصلاح عبد الصبور وشاذل طاقة وادونيس وعبد الناصرالعيسوي ومحمود درويش وغيرهم عليها و هذه التفاعيل متناغمة مع عدد مرات تكرارها في السطرالشعري وفي اغلبها من تفعلية واحدة الى خمس تفعيلات وربما تصل الى تسع تفعيلات في حدها الاعلى وتتمثل في البحورالنقية كما تسميها نازك الملائكة وتجزئتها بينما الجملة الشعرية هي نفس واحد ممتد قد تمثل سطر شعري واحدا وربما أكثر لا يخلو من الوقفات إذا استعصى استمرار نفس الجملة الواحدة تبعا لما ينهجه الشاعر وفقا لمرئياته ا و امكانياته الشعرية واللغوية . فقد تكون هذه الوقفات عدة سطور أو في سطر واحد فهي بمثابة أثر تقطيعي متمثلا بما يقصد ه الشاعر وما يرنو اليه في قصيدته كما في قصائد الشعراء : مصطفى القرنة من الاردن و فاطمة الفلاحي من العراق و اسماء القاسمي من الامارات ومريم الترك من لبنان وسوزان سامي جميل من كندا ورشيد زهاينة من الجزائر وفوزية العلوي من تونس وفوزية امين من المغرب وغيرهم كثير .

فاللغة العربية هي مجموعة إيقاعات واحرف نغمية واستطيع ان امثل بحور الخليل الفراهيدي البصري بحديقة خضراء جميلة نمت بها مجموعة محدَّدة وجميلة من الزهور الرائعة و كأني بها وجود من يتعهدها بالرعاية والتعشيب وهم كوكبة كبيرة من شعراء العربية من الشعراء .وما إيقاعات اللغة اي لغة في هذا المجال الا غابةٌ واسعة بكل تنوعِّها وجموحها ونفورها وقسوتها ورقتها وعلى السائر فيها (الشاعر )أن يشقَّ طريقاً بِكراً جديداً. او يسير في دروب الاخرين من قبله فهي تكون مسلوكة .

وربما يرجع بعض شعراء قصيدة النثر النمط الموسيقي للقصيدة النثرية الى ايقاعها الداخلي من خلال خلق نظام موسيقي معين للقصيدة ياتي من خلال تكرار بعض الكلمات ذات النغمة المقبولة او استعادة لازمة معينة في مراحل منتظمة من هيكلية القصيدة .
وهذا لايعني بالضرورة دفقة نغمية ذات طابع موسيقي او دلالة صوتية انما يعني نهاية الدفقة الشعرية على انه هناك من القصائد الشعرية يجتمع فيها السطرالشعري والجملة الشعرية وربما تكون لا ارادية لدى الشاعر وتعتمد على مقدرة الشاعر وامكانيته في اللغة وحرفيتها وتقارب نغمات هذه الاحرف . لاحظ قصيدتي ( قبلة الشوق)
اقول في مطلعها :
افيقي افيقي
ذات المكحل الاخضر
في بلدتي عرس
اوحى به النجم
اهتزت له الدنيا
وليل الحب مسروج
* * *
ويقول الشاعر خالد باطرفي في احدى قصائده :
أنت يا متكأ الجفن الذي امتد سهره ..
وملتقى الدرب الذي تاه دربه ،
وجوى العاشق الذي طال سهره ..
تمتطين النور وتنفثين النار ..
وأنا فيك يا وصالي
لم أعد...
لم أعد .. ..
لم أعد أدري...
* * *
وكذلك سلك شعراء اخرون طرقاً مختلفة لبناء الصورة الشعرية وابتكر بعضهم أساليب عديدة لاستخدام الرمزالشعري ، ونجحوا بذلك في تصوير مشاعرهم المعقدة بعد أن أدركوا أن اللغة العربية بتراكيبها المألوفة خير مثال لهذا العطاء الثر- حيث انها لغة شاعرية بما تحتويه من كلمات اشتقاقية وتعابير بيانية - وتخطوا بالصورة الشعرية لتصبح ذات كيان مستقل عن الواقع المحسوس وبذلك اختلفت الصورة الرمزية عن الصورة المجازية في الشعر - سواء كانت استعارية أو تشبيهية- كما اختلفت عن التعبير بالكناية والتي تعتاد تخوم القصيدة التي تُعد تطويراً لها فالتعبير بالكناية قد يترافق مع الأدب القديم، و ربما سلك الشاعر في شعاب التقليد ومدرسته التي اعتمد ها على العقلية المحضة وعالمها الواقعي المحسوس. وربما أشار إلى أن الكناية تباين في رمزية القصيدة في أنها استفادة من الواقع المعاش فيما يبدع في مَشاهد ه الحسية ، أو يفطن الى مشاهد واقعية إو دلالات غير واقعية وغير مبذولة -وإن كانت صادقة-. لتعبر عما يكمن في قرارة نفسية الشاعر والهامه فياتي بالافضل والاسنى وهذا ما تسمو اليه النفس ..

امير البيان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلــد روز
****************************** *