حكم تحدي الخير:
السؤال : نبتت ظاهرة على الفيسبوك وهي "صدقة بعدد الإعجابات". وتقوم فكرة التحدي على التصدق عن كل إعجاب لمنشور التحدي بدرهم، فيعلن المشارك عزمه دخول التحدي وحيث ما توقفت الإعجابات التي حصل عليها يتصدق بمقدارها دراهم على الفقراء. وبعدما ينهي الشخص التحدي الخاص به، يرفع التحدي في وجه عدد من أصدقائه من اختياره للمشاركة بدورهم في هذا التحدي الذي يساهم في تعزيز ثقافة التكافل في المجتمع ومساعدة المحتاجين.
تم النشر بتاريخ: 2017-01-05
الجواب :

الحمد لله لا يظهر لنا مشروعية هذه الطريقة لاشتمالها على جملة من المفاسد منها: 1-التباهي بالعمل والافتخار به، وتحدي الآخرين لأجله. والأصل إخفاء العمل الصالح، والحذر من العُجب. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب صَدَقَةِ السِّرِّ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) وَقَوْلِهِ: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الآية " انتهى.
وفي الحديث: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في صحيح الجامع (1453). 2-الخوف على فاعل ذلك من حبوط عمله إذا داخله الرياء أو السمعة. روى مسلم (2986) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ»
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: معناه من رايا بعمله وسمعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره ، سمّع الله به يوم القيامة الناس وفضحه... وقيل معناه من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك حظه منه" انتهى من شرح مسلم (18/ 116).
وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/ 55 : "الأصل في الأعمال الفرضية : الجهر، والأصل في الأعمال النفلية : السر؛ وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء ، والتظاهر بها في الدنيا، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال، وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة، وقد جعل الباري سبحانه في العبادات ذكرا جهرا ، وذكرا سرا، بحكمة بالغة أنشأها بها ، ورتبها عليها؛ وذلك لما عليه قلوب الخلق من الاختلاف بين الحالين" انتهى من أحكام القرآن (2/ 314).
3-أن هذا الصنيع قد يدعو للتصدق وإخراج المال حياء وحرجا لا عن طيب نفس، فهو وسيلة لإخراج المال من صاحبه بغير حق. وإذا كان الشرع قد نهى عن النذر ، لما أنه يستخرج الطاعة من البخيل بها ، ولولا النذر ما جادت نفسه بها ، فلا شك أن هذا أولى بالنهي ، ففيه هذه المفسدة ، وزيادة . 4-أنه قد يدعو للإعجاب بما لا يستحق، رغبة في التحدي وزيادة ما سيدفعه صاحب المشاركة. ونسوق هنا فتوى للعلامة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تناسب هذا المقام، فقد سئل:
" نحن ستة أصدقاء ، نجتمع كل 15 يوماً في بيت أحدنا على برنامج يتضمن القرآن ، والأربعين النووية ، ومنهاج المسلم ، وموعظة صاحب البيت ، ورجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، والافتتاح بالقرآن ، والختم بالدعاء ، ومن بين برامجنا : ورقة نملؤها كل شهر ، نسميها " جدول التنافس " ، وتتضمن ورداً من القرآن ، والصلوات الخمس في المسجد ، والصيام ، وصلة الرحم ، وعندما نواظب على ملئها تكون النتائج طيبة ، وعند عدم ملئها تكون النتائج سلبية ، من تفريط في تلاوة القرآن ، فما حكم الشرع في هذا الجدول ؟ فأجاب :
" الحمد لله : الذي يظهر لي أن اتخاذ هذا الجدول والتنافس على فقراته : بدعة ؛ لأنه يتضمن التفاخر ، والإعجاب بالعمل ، ويتضمن كذلك إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل ؛ لأن إخفاء العمل من الصدقة ، وتلاوة القرآن ، أو الذكر : أبعد عن الرياء ، قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ) الأعراف/ 55 ، وقال : ( ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياً ) مريم/ 2 ، 3 ، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله : ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ).
فالذي ينبغي : التواصي بالتزود من نوافل الطاعات ، والإكثار من ذلك ، وكلٌّ يعمل ما تيسر له فيما بينه وبين ربه ، وبهذا يحصل التعاون على البر والتقوى ، وتحصل السلامة مما يفسد العمل ، أو ينقص ثوابه ، والله الموفق ، والهادي إلى سبيل الرشاد ، والله أعلم "
.
https://islamqa.info/ar/259581