بسم الله الرحمن الرحيم
استمعت إلى درسين اثنين في باب القدر للشيخ د. سلطان العميري (حفظه الله) ، الدرس 32 - والدرس33 من شرحه على العقيدة الواسطية، وعندي إشكال أريد من الأحباب الكرام الإجابة عنه، ولكن قبل ذلك أريد أن ألخص ما أريد السؤال عنه، فأقول:
ذكر الشيخ أن هناك أصلين ضروريين يقينيين لا بد من الأخذ بهما معًا، فالقول الذي يجمع بينهما هو القول الحق والصواب، والذي يُهمل أحدهما فهو خطأ، والأصلان هما:
- الأصل الأول: خلْق الله (سبحانه وتعالى) لكل شيء، ومشيئته الشاملة المستوعبة لكل الموجودات، وهذا الأصل ضروري يقيني، دلت عليه الضرورة العقلية والنقلية،
أمّا الضرورة العقلية: فهي الأدلة التي دلت على أن كل موجود في هذا الكون مفتقر إلى خالق، وأفعال العباد جزء من هذا الكون، إذن فهي فهي مفتقرة إلى الخالق (سبحانه وتعالى) ، فلا يمكن أن تخرج عن قدرته ومشيئته وإرادته.
وأما الضرورة الشرعية: فهي النصوص الشرعية الكثيرة التي دلت أن الله على كل شيء قدير.
- الأصل الثاني: أن الإنسان مختار في أفعاله وأن له قدرة وإرادة يُقرر بها ما يفعل وما لا يفعل، وهو أصل ضروري يقيني، دلّ عليه دليلان: فطري وشرعي،
أما الفطري: فهو أن كل إنسان يُفرق بين الأفعال التي يفعلها باختياره وبين الأفعال التي يفعلها بغير اختياره.
وأما الشرعي: فهي النصوص الشرعية الكثيرة التي تنسب أفعال العباد إليهم.
فأهل السنة والجماعة جمعوا بين هذين الأصلين وأخذوا بهما معًا عبر ثلاثة أصول وجودية، والمرد بالأصول الوجودية: هي الأصول والمعاني التي تتعلق بطبيعة الوجود.
1- استحالة حدوث مقدور من قادرين من جهة واحدة، ومعنى هذا الأصل: أن التأثير في الحوادث الموجودة يجب أن تتحد جهته، فلا يصح عقلا ووجودا أن يؤثر في الحوادث مؤثرين من جهة واحدة.
2 - أن حدوث المقدور معنى متعدد الجهات، ومعنى هذا الأصل: أن الحدوث الذي هو الانتقال من العدم إلى الوجود ليس جهة واحدة، وإنما هو حقيقة مركبة من عدد من الجهات، وبناء عليه يُمكن أن يُنظر إليه من عدد من الجهات، ويمكن أن يؤصل لهذا الأصل الوجودي بأن يُقال: إن الوجود من حيث وجود يتعذر فيه التوحد في الصفات، ومعنى هذا الكلام أنه يستحيل أن يوجد موجود له صفة واحدة، ما من موجود إلا وله صفتين وأكثر، ومعنى ذلك: أي أنه ما من موجود إلا وله جهتين فأكثر، بناء على تعدد الصفات، لماذا ما من موجود إلا له صفتين فأكثر؟، هذا قائم على معنى آخر وهو أنه ما من موجود إلا وهو يشترك مع غيره في شيء، وينفرد عنه بشيء، إذ لو لم ينفصل عنها بشيء لما كان غيرها، فتحقق الغيرية يستلزم بالضرورة وجود وصف خاص، وبناء عليه ما من موجود إلا وله جهتين فأكثر، وهذا الكلام مبني على أصل وجودي آخر وهو استحالة وجود الكليات في الخارج، الكليات مثلًا: الوجود من حيث هو وجود، أو الإنسانية من حيث هي إنسانية، أو الكرم من هو كرم، لا توجد في الخارج كلية، وإنما توجد في الخارج جزئية، ومعنى هذا الكلام أنه لا يوجد في الخارج شيء يسمى كرم أو إنسانية هكذا، وإنما هي تتمثل في الجزئيات، وتمثلها في الجزئيات يكون باعتبار كل جزء وما يناسبه، فوجود الكليات في الخارج أمر مستحيل، ولا يوجد في الخارج إلا الجزئيات، وبناء على هذا الأصل فلا يوجد في الخارج وجود من حيث هو وجود تشترك فيه كل الأشياء الموجودة، وإنما الأمر المتحقق في الخارج وجود خاص، فالوجود الذي تحقق لي غير الذي تحقق لغيري، فلكلٍّ وجوده الذي يخصه، فلا تشترك في شيء موجود ، وإنما تشترك في معنى كلي موجود في الذهن لا في الخارج، وبناء عليه فلا يوجد شيء يسمى وجودا هكذا بإطلاق في الخارج، بناء على هذا الأصل ما من موجود إلا وتتعدد جهاته، ولا يوجد شيء محقق في الخارج مشترك بين كل الموجودات، وبناء على هذا الأصل ننتهي إلى النتيجة إلى أنه ما من موجود إلا وله جهات متعددة، جهات يشترك بها مع غيره، وجهات ينفصل بها عن غيره، وهذا الأصل هو الأصل الذي انفصل أهل السنة والجماعة عن غيرهم في باب أفعال العباد.
3 - أن فعل العبد يمكن أن يقع بقدرتين؛ لأن فعل العبد فرد من أفراد الموجودات، وتقرر معنا أن أفراد الموجودات متعددة الجهات، إذن فعل العبد متعدد الجهات، إذن يمكن أن تؤثر فيه قدرتين، فجنس تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد ليس من جنس تأثير قدرة العبد في فعله، فتأثير قدرة الله في فعل العبد داخل في معنى الخلق والإيجاد من العدم، وتأثير قدرة العبد في فعله داخل في معنى تأثير وعلاقة السبب بمسببه.
ثم ذكر الشيخ في آخر الدرس بعد أن بيّن مذاهب المخالفين في أفعال العباد، وأنهم فارقوا أهل السنة أهل السنة والجماعة في الأصل الوجود الثاني، علل ذلك بأن الأصل الذي بنى عليه المخالفون هو قولهم بوجود الكليات في الخارج، فقال: أنهم يقولون أن هناك معنى واحد تشترك فيه كل الموجودات لا تفاضل فيه ولا نقص ولا زيادة ، وبناء عليه القدرة على موجود لابد أن يكون من جهة واحدة؛ لأنه معنى واحد، وأيضا القدرة على أي موجود معناه القدرة على أي موجود آخر.
الإشكال عندي: عدم فهم ما يتعلق الأصل الوجودي الثاني، ومسألة وجود الكليات في الخارج، فلو يتكرم الإخوة بالتوضيح،
وجزاكم الله خيرًا