سأل سائل فقال
قرأت أبيات منسوبة لابن عربي النكرة، يقول فيها:
ودعْ مقالة َ قومٍ قالَ عالمهمْ * * * بأنهُ بالإلهِ الواحدِ اتحدا
الإتحادُ مُحال لا يقولُ بهِ * * * إلا جهولٌ بهِ عنْ عقلهِ شردا
فما مدى صحة نسبة الأبيات إليه؟
فكان الجواب باذن الوهاب كالتالي
ابن العربي هذا هو شيخ الملاحدة كما وصفه شيخ الاسلام
وهذا الكلام قد نسبه اليه الشعراني (الصوفي القبوري ) في كتابه (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر)
وحاول فيه ببؤس و يأس تبرئة شيخه وقدوته محيي الدين بن عربي مما اشتهر به وأظهره في كتبه , وفعله هذا كمن حاول أن يثبت أن ابليس لن يدخل النار مع الداخلين
وهاهي بعض النقولات عن بعض الأئمة وما أكثرها لتستبين سبيل المجرمين المضلين
قال الذهبي في العرش
(وفي هذا يقول ابن عربي:
فيعبدني وأعبده ... ويحمدني وأحمده )
ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت.))اه
وقوله الاول موجود في كتابه الذي أفصح به عن الكفر البواح و كشف بجلاء عن حقائق وعقائد الزندقة فصوص الحكم (1/83).
وأيضا من شعره الذي نقله عنه شيخ الاسلام و الذهبي وغيرهم وهو في كتاب الفتوحات
ألا كل قول في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه
يعم به أسماع كل مكون ... فمنه إليه بدؤه وختامه)) الفتوحات المكية (4/141)
وهذا الكتاب الذي يعظمه ويفرح به الصوفية القبورية من أتباع ابن عربي ومريديه , ألفه بزعمه وهو مجاور بالكعبة , فجاءته هاته الفتوحات و هبطت عليه هذه الالهامات , وهي تفسر باطني للقرآن
أظهر فيه ما كان يبطنه من الزندقة والالحاد في آيات الله
ومن طوامهم أن الولي أعظم درجة من النبي
قال الذهبي أيضا (وَإِنَّمَا هَذَا نَظِير قَول ابْن عَرَبِيّ الطَّائِي وَأَمْثَاله إِن الْأَنْبِيَاء كَانُوا يستفيدون الْعلم بِاللَّه من مشكاة خَاتم الْأَوْلِيَاء الَّذِي خلق بعدهمْ بدهور)
و لم يختلف الأئمة العارفون في كفر مثل ابن عربي , لكن قد يخفى أمره ويشتبه على بعض من لم يدقق ولم يسبر خفايا كلامه و أسرار اشاراته
وهم تارة يظهرون خلاف باطنهم اقتداء بأسلافهم وكبرائهم المنافقين الأوائل
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية , بعد نقله لكلام ابن عربي يرفع فيه مرتبة الولي فوق مرتبة النبي
ومعناه قد أخذه من شيخ الاسلام فانه كثير النقل عنه
(فَمَنْ أَكْفَرُ مِمَّنْ ضَرَبَ لِنَفْسِهِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ ذَهَبٍ، وَلِلرُّسُلِ الْمَثَلَ بِلَبِنَةِ فِضَّةٍ،
فَيَجْعَلُ نَفْسَهُ أَعْلَى وَأَفْضَلَ مِنَ الرَّسُولِ؟! تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}. وَكَيْفَ يَخْفَى كُفْرُ مَنْ هَذَا كَلَامُهُ؟
وَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْثَالُ هَذَا، وَفِيهِ مَا يَخْفَى مِنْهُ الْكُفْرُ، وَمِنْهُ مَا يَظْهَرُ، فَلِهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَاقِدٍ جَيِّدٍ، لِيُظْهِرَ زَيْفَهُ، فَإِنَّ مِنَ الزَّغَلِ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ نَاقِدٍ، وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِلنَّاقِدِ الْحَاذِقِ الْبَصِيرِ.
وَكُفْرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ فَوْقَ كُفْرِ الْقَائِلِينَ: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}. وَلَكِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ مُنَافِقُونَ زَنَادِقَةٌ، [اتِّحَادِيَّةٌ] فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ،..))
وقال شيخ الاسلام كذلك
(وَهُمْ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ، وَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ: إِنَّ الْوِلَايَةَ أَعْظَمُ مِنْهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ:
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ
وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي " الْفُصُوصِ " : "
وَلَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إِلَّا لِخَاتَمِ الرُّسُلِ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ ، [حَتَّى إِنَّ الرُّسُلَ إِذَا رَأَوْهُ لَا يَرَوْنَهُ -[إِذَا رَأَوْهُ]- إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ] ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ - أَعْنِي رِسَالَةَ التَّشْرِيعِ وَنُبُوَّتَهُ - تَنْقَطِعَانِ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا..))انتهى
ومقالته أشد من مقالة فرعون
قال شيخ الاسلام ( لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ ، وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفَ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ. وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الِاتِّحَادِيَّ ةِ))
وقد ذكر قديما شيخ الاسلام أن أمره قد اشتبه على العلماء حتى بينه لهم , فمابالك بمن دونهم
قال (وَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الدُّوَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَعَامَّتُهُمْ تَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَابْنُ سَبْعِينَ وَأَمْثَالُهُمَ ا ;
فَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى كَشْفِ حَقَائِقِ هَؤُلَاءِ، وَبَيَانِ أُمُورِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ
; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ إِشَارَاتِهِمْ،
فَلَمَّا يَسَّرَ اللَّهُ أَنِّي بَيَّنْتُ لَهُمْ حَقَائِقَهُمْ، وَكَتَبْتُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ مَا عَلِمُوا بِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ قَوْلِهِمْ،
وَتَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَالْكَشْفِ الْمُطَابِقِ،
رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ مَنْ رَجَعَ،
وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لِلنَّاسِ تَنَاقُضَهُمْ، وَيَرُدُّونَهُم ْ إِلَى الْحَقِّ .... ))