تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: معنى الشهادة وأركانها وشروطها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي معنى الشهادة وأركانها وشروطها

    أولًا: معنى أشهد أنْ لا إله إلا الله:
    الإيمان بالقلب والإقرار باللسان أنه لا معبود بحق إلا الله تعالى؛ فلا يستحق العبادة أحدٌ غير الله تعالى؛ فإنه وإن كانت هناك معبودات تعبد من دون الله تعالى إلا أنها معبودات باطلة؛ وأما المعبود بحق فهو الله تعالى وحده؛ كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].
    ثانيًا: أركان لا إله إلا الله: لها ركنان:
    الركن الأول: النفي: أي: نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى؛ بقولك: (لا إله).
    الركن الثاني: الإثبات: أي: إثبات الإلهية لله وحده؛ بقولك: (إلا الله).
    ثالثًا: شروط لا إله إلا الله سبعة:
    الشرط الأول: (العلم): فلا بد أن يكون الإنسان عالمًا بمعنى (لا إله إلا الله).
    كما قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19].
    وقال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ﴾؛ أي: بـ (لا إله إلا الله)، ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]؛ أي: يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم.
    وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"[1].
    الشرط الثاني: (اليقين): فلا بد أن يكون قائلها مستيقناً بها غير شاك فيها.
    كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾ [الحجرات: 15]؛ أي: لم يَشُكُّوا.
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"[2].
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ نَعْلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: "اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"[3].
    الشرط الثالث: (القبول): بمعنى أن يكون قائلها قابلًا لها بقلبه ولسانه؛ فلا يَرُدُّ شيئًا مما جاء عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا بقلبه ولا بلسانه.
    كما قال تعالى عن المؤمنين: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
    الشرط الرابع: (الانقياد): أي: الاستسلام؛ فلا بد أن يكون قائلها مستسلمًا بأفعاله الظاهرة لله ولرسوله.
    كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]؛ أي: من يستسلم لله تعالى فهو المستمسك بالعروة الوثقى؛ وهي (لا إله إلا الله).
    والفرق بين الانقياد والقبول: أن القبول يكون بالقلب واللسان، والانقياد يكون بالأفعال الظاهرة.
    الشرط الخامس: (الصدق): أي: يكون قائلها مُصَدِّقًا بها بقلبه غير مُكَذِّبٍ لها.
    كما قال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].
    وقال تعالى في شان المنافقين الذين قالوها كذباً: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 10].
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ"، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلاَثًا، قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"[4].
    الشرط السادس: (الإخلاص): وهو تصفية العمل عن جميع شوائب الشرك.
    قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 14].
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ"[5].
    الشرط السابع: (المحبة): أي: تقديم محبة هذه الكلمة على محبة كل ما سواها.
    كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
    وقد جمع العلامة حافظ حكمي معناها وشروطها في هذه الأبيات فقال:
    فَإِن مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ *** دَلتْ يَقِينا وَهَدَتْ إِلَيْهِ
    أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلهٌ يُعْبَدُ *** إلَّا الإلهُ الوَاحِدُ المُنْفَرِدُ
    بِالْخَلقِ وَالرَّزْقِ وَبالتَّدْبِيرِ *** جَلَّ عَنِ الشَّريِكِ وَالنَّظِيرِ
    وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ *** وَفي نُصُوصِ الوَحْيِ حَقاً وَرَدَتْ
    فَإنَّهُ لَمْ يَنتَفِعْ قَائِلُهَا *** بِالنُّطْقِ إلاَّ حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا
    الْعِلمُ وَالْيَقِينُ وَالقَبُولُ *** وَالانْقِيَادُ فَادْرِ مَا أقُولُ
    وَالصِّدْقُ وَالإِخْلاَص وَالْمَحَبَّه *** وَفَّقَكَ الله لِمَا أحَبَّه
    وصلِّ اللهم على محمد وآله وصحبه وسلِّم
    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/108543/#ixzz4Q3D2MN77
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2

    افتراضي

    شرط العلم المنافي للجهل هل هو شرط صحة وناقض من نواقض الإسلام بحيث يكون جاهل التوحيد من أهل هذه الكلمة ـ أهل الإسلام ـ من غير الإتيان بناقض من النواقض المعلومة, كافرا ؟!!!

    أفيدونا في بحث هذه الجزئية وتجليتها رحمكم الله إن رغبتم في التباحث طبعا واتسعت صدوركم له

  3. #3

    افتراضي

    بعض الشروط المذكورة في الموضوع شرط للإسلام الحقيقي أو لما عند الله سبحانه.
    وبالنسبة لجاهل التوحيد: إن كان المراد من ينطق بالشهادتين ولا يعرف معناهما، ولا يدري ما معنى الإله ولا معنى الرّسول ولا ما تضمنته الكلمة من إثبات ونفي للتوحيد والإشراك وإنما كلامه لقلقة في لسانه لا تدل على شيء فهو الذي تكلّم عنه النجديون في رسائلهم، ولم أر أحداً قال بعدم اشتراط العلم لمعنى الشهادتين؛لأن الإجماع منعقد على اشتراط المعرفة وكفر من لم يعرف معنى الشهادتين!


    وكيف يحكم له بالإسلام حقيقة وهو لم يأت بشيء؟ وكيف يؤمن ولم يعرف بما يؤمن به؟ وكيف يوحِّد ولمّا يعلم؟

    وقد نقل الإجماع على اشتراط المعرفة لمعنى الشهادتين جماعة من العلماء كابن جرير الطبري، وابن حزم، واللامشي، وابن قدامة، وابن السبكي، والنجديين، والمعلمي اليمني.

    والظاهر في هذا أنه كافر أصليّ لا مرتد كما قاله بعض العلماء.

  4. #4

    افتراضي

    أشكرك أخي الفاضل المأربي ويسرني مباحثتك التي يكثر فيها الفوائد والنقول والطرائق العلمية الحسنة واللغة الراقية فجزاك الله خيرا
    كما لا أفوت ـ ومع اختلافي معك في ما تراه هنا أو هناك ـ أن أعتذر لك على فجاجتي معك في بحثنا حول شيخ الإسلام رحمه الله في موضوع التكفير..والعذر من شيم الكرام.

    أما ما يخص قضيتنا هنا فقبل تحقيق مناط التكفير ودليله وصحة الإجماع المدعى ومبنى المسألة عند المكفر لجاهل التوحيد ومناحي الاستدلال هل هي عقلية أم شرعية وقيمتها بحيث هل تنهض دليلا في التكفير هنا أم لا ... نتطرق لصورة المسألة ونحاول الاتفاق عليها ابتداء

    فعلى ما أعتقد أن لها صورة أساسية وصورة فرعية الأساسية كالتالي:

    رجل في الجاهلية لم يشرك بالله شيئا وبقي على فطرته من التوحيد والإيمان بالله حتى مات إما لإدراك عقلي أو سبب غريزي نفسي أو غير ذلك من الأسباب المهم لم يعبد مع الله إلها آخر وإن فعل كل الذنوب في الجاهلية، فهل هو من أهل الفترة المشركين يبتلى معهم أم هو ناج من أهل التوحيد.. ؟!

    فهذه هي صورة المسألة هنا كما أعتقدها وهو من جهل التوحيد من جهة الغفلة التي تزيلها الرسل بالتذكير .. فهو لم يأته نذير ولم يشرك بالله كقومه المشركين!

    ويمكن ان يدور محور البحث حول نقطتين:

    النقطة الأولى:
    هل للصورة مثال أم أنها ضرب من الخيال ولا تدخل في الإمكان ؟
    ويمكن أن يكون خير مثالها الذي يبحث مسألة يثيرها شيخ الإسلام رضي الله عنه على الشيعة حول فضائل علي رضي الله عنه وهي:
    هل يعتبر إسلام علي رضي الله عنه صبيا إسلاما صحيحا ؟

    وهم بالمقابل كجواب على شيخ الإسلام رحمه الله يتساءلون:
    كيف تحكمون على النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي فبنص القراءن ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان وكان على الفطرة ولم يشرك بالله شيئا في الجاهلية قبل الإسلام.. فهل يحكم بكفر أهل الفطرة ممن لم يشرك ويكون حكما عاما حتى مع الانبياء قبل الوحي ؟! أم يخصص الأنبياء عليهم السلام دون غيرهم من غير موجب سوى موجب الأدب ؟!! أم بموجب فما هو
    ؟!!

    وأظن بهذا أصبح للصورة المبحوثة في عارض الجهل مبحثان :
    ـ مبحث من وقع في ناقض الشرك جهلا وهي المشهورة بمسألة العذر بالجهل
    ـ مبحث من لم يقع في ناقض مع جهله بكلمة التوحيد (إما لم ينطق بها أصلا وهي الصورة الأساسية أو نطق بها طالبا للإسلام متعبدا لله بها ككثير من المسلمين لكن لا يحقق مدلولها الذي يجعله من أهل العلم بالتوحيد وما يضاده من الشرك بل هو يؤمن إيمانا بوحدانية جملية ولا يدري الشرك ولا ما ينقضها ولم يفكر فيه ولم يقع له ..ويمكن أن يدخل فيهم أيضا صنف آخر فسرت لهم الكلمة تفسيرا بالربوبية كأتباع المتكلمين من المتعقلة والمتعبدة فعوام هؤلاء وأتباعهم عندهم كلمة لا إله إلا الله معناها لا رب إلا الله والمتصوفة عندهم معناها لا موجود إلا الله..)


    النقطة الثانية:
    حول معنى الجهل المعتبر هنا وما يخرج منه وهل هناك فرق بين عدم العلم بالكلية = الجهل وبين من أدرك بعقله أو فطرته فساد الشرك وصحة التوحيد ؟! وهل يعتبر الأخير منهما عالما بالتوحيد عند أهل السنة قبل ورود الشرع؟!


    والنقطتان يمتان بصلة لأصل التحسين والتقبيح العقلي وشكرالمنعم عقلا.. وأظنهما يجمعان أكثر ما ينبغي ان يبحث في المقدمة الأولى =صورة المسألة لجاهل التوحيد, فما رأيك أخي الفاضل المأربي؟

  5. #5

    افتراضي

    شكرالك أخي العزيز على الإفادة وعلى الثناء الجميل العطر!
    فبالله لا تقطع ظهر أخيك المسكين.
    هذا،وأسارع فأقول: أعظم ما شدّني إلى الكتابة في هذه المرّة هو أنا أشكرك على هذا الخلق الكريم في الاعتذار عمّا أشرتَ إليه، فو الله لقد وقعت هذه المخالقة السامية مني موقعا ولامست شغف قلبي، وإن أوحشتني تلك الخشونة في يومها وحالت دون المراسلة فلقد أرداني هذا الخلق منك قتيلا.
    فأنا مدين لك بهذا. فامش على بركة الله فإن أخاك المأربي لا يكنّ لك بعد هذا إلا التقدير والاحترام الشرعي.
    أما المسائل التي طُرِحت في المشاركة فهي كالتالي:

    1-من وحّد الله ولم يشرك في الجاهلية ولم ينتسب لدين نبيّ فقد بحث العلماء وتكلّموا عنه في مبحث أهل الفترة، وأقرب ما يحضرني كلامه في ذلك العلامة أبو طالب عقيل بن عطية الطرشوشي (608هــ) في كتابه" تحرير المقال فيموازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (1/ 426).
    قال في أصناف أهل الفترة:
    "إنهم ينقسمون إلى أربعة أقسام: القسم الأول: قوم أدركوا الحق ببصيرتهم ووحّدوا الله تعالى في جاهليتهم، وأقرّوا بالبعث من غير أن يكونوا متبعين لشريعة من تقدمهم كقس بن ساعدة ..."
    وحكم أبو طالب بنجاة هذا الصنف من أهل الفترة.
    وهو ظاهر - إن وجد هذا الصنف على التحقيق - لانتفاء مناط التعذيب وشرطه.
    أما انتفاء المناط فلانتفاء الإشراك.
    أما الشرط فلعدم التمكن من بلوغ الرسالة. وربك أعلم.

    أماكون من أدرك بفطرته وعقله فساد الشرك وصحة التوحيد عالما بالتوحيد على أصول أهل السنة قبل ورود الشرع فلا يتبيّن لي كما ينبغي لأمرين:
    الأول:
    قد قرّر بعض العلماء كابن تيمية وابن القيم وغيرهما أن قبح الشرك وحسن التوحيد يدرك بالعقل كما يدرك حسن التوحيد بالعقل.
    الثاني:

    هل وجوب معرفة الله وتوحيده يعلم بالسمع أو بالعقل؟
    نسب أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 386) إلى أهل السنة والجماعة أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل، وترجم لذلك، ثم قال بعد سرد بعض أدلة الكتاب:"
    فدلّ على أن معرفة الله، والرسل، بالسمع، كما أخبر الله عزو وجل.وهذا مذهب أهل السنة والجماعة"
    فإذا لم تجب معرفة الله بالعقل عند أهل السنة، فمن باب أولى وجوب معرفة توحيد الله ونفي الإشراك في الألوهية!!

    2-صحة إسلام الصبي المميّز وردّته هو قول جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/ 365) وابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/1044).
    وظاهر الكتاب والسنة والقياس: أن الصبي العاقل يعتبر ويؤاخذ بإسلامه وكفره.
    أما ظاهر الكتاب فهو قوله تعالى في آية الهجرة: ﴿إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم﴾
    ظاهر الآية: أن الولدان داخلون في الوعيد دخول الرجال والنساء لو استطاعوا الحيلة والاهتداء.
    وأدنى ما في الآية: وجوب الهجرة على الولدان فإذا وجبت الهجرة التي تجب وجوب الوسائل وجب عليهم الإيمان وحرم الإشراك الذي يجب وجوب المقاصد من باب أولى.
    وإذا خرج غير المميّز من الولدان عن حكم الآية بالإجماع بقي الصبي العاقل غير البالغ.

    وأما السنة فمنها:
    حديث أنس رضي الله عنه: «كان غلام يهودي يخدم النبي ﷺ فمرض فأتاه النبي ﷺ يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار» أخرجه البخاري وغيره.
    قال الحافظ ابن حجر (852هـ) في الفتح:« وفي الحديث جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد، وفيه استخدام الصغير، وعرض الإسلام على الصبي، ولولا صحته منه ما عرضه عليه.
    وفي قوله: أنقذه بي من النار. دلالة على أنه صحّ إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذّب».

    وحديث الحسن البصري عن جاير بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعا: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يُعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه، إما شاكرا وإما كفورا». أخرجه الإمام أحمد وغيره.
    قال أبو بكر الجصاص (370هـ)رحمه الله في شرح مختصر الطحاوي: «فعلّق حكم الكفر والإيمان بإعراب اللسان، فتضمّن هذا الخبر الحكم بإسلامه وكفره جميعا عند ظهور ذلك منه».
    أما حديث عليّ رضي الله عنه مرفوعا: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل».
    فتوجيهه من وجهين:
    الأول:
    يحتمل أن يقال: دلالة الاقتران في الجمل وإن كانت ضعيفة إلا أن السياق يدل أن علة رفع المؤاخذة عن الثلاثة(النائم والصبي والمجنون) واحدة وهي عدم العقل، فإذا وجد العقل عادت المؤاخذة؛ لأنه عند الاستيقاظ يعود الحسّ والعقل، وكذلك عند البرء من الجنون، والطفل يولد عديم العقل فينمو إدراكه مع نموّ معارفه وبدنه، فإذا عقل وظهر ذلك من تصرفاته فهو مؤاخذ به كغيره وإن لم يحتلم.

    ويؤيد هذا الاحتمال رواية من حديث عائشة رضي الله عنها: «و عن الصبي حتى يعقل».
    ويشهد له حديث ابن عباس رضي الله عنه: «أن عمر رضي الله عنه أتى بمجنونة قد زنت، وهي حبلى، فأراد رجمها؛ فقال له علي: أما بلغك أنّ القلم قد وضع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ».
    وهو في حكم المرفوع كما قال الحافظ ابن حجر. وقد صرّح به في بعض الروايات.
    وفي أخبار أصبهان (1894) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل».
    الوجه الثاني:
    نجمع بين الأخبار كما قال أبو بكر الرازي (370هـ) رحمه الله: «نستعمل الخبرين جميعا، فنقول ذلك في سائر الحقوق سوى الدِّين، فأما حكم الدين فمعتبر بصحة إعرابه عن نفسه بالخبر الذي رويناه، ولو حملناه على ما قلتَ، سقطت فائدة خبرنا رأسا، فيصير وجوده وعدمه سواء، وليس يجوز لنا أن نفعل ذلك في أخبار النبي ﷺ».

    وأما القياس فلأنّ حكم الإيمان والكفر مخالف لسائر الأحكام، ألا ترى الطفل يحكم بحكم أبويه في الإسلام والكفر، فيكون مسلما بإسلام أبويه، وكافرا أو مرتدا بردّتهما وكفرهما، فإذا كان الأمر كذلك فلأنّ يكون مسلماً بإسلامه وكافرا بكفره أولى من ذلك مع أنه لا يتبع أبو يه في أكثر الأحكام.
    وهذا كلّه ليس ترجيحا لرأي على آخر، إنما هو ذكر بعض مستندات الجمهور حتى لا يظنّ أنهم قالوا بهذا بغير مستند ظاهر.

    3-عصمة الأنبياء قبل النبوة مسألة اختلاف بين الناس فمن قائل بعصمتهم من الكفر ومن قائل بعدمها، وظاهر الكتاب على انتفاء العصمة قبل النبوة كما في قوله تعالى:﴿ووجدك ضالا فهدى﴾﴿ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾، وقد قال السدي وغيره: "كان صلى الله عليه وسلم على دين قومه أربعين سنة" وقال الإمام أحمد في هذا القول:" قول سوء"
    فالمسألة خلافية بين أهل الحديث فضلا عن غيرهم.
    وبحث شيخ الإسلام في" تفسير آيات أشكلت (1/ 178-) يميل إلى رأي السدي وغيره.

    4-المقصود بجاهل التوحيد هنا قد بيّنه علماء أهل بلدك أخي الكريم أبا محمد.
    قال العلامة أبو عبد الله العربي الفاسي:"
    أماهل يشترط في قبولها معرفة معناها؟ فإن كان المراد معرفة معناها الذي هو لازم لكل مسلم وهو إثبات الوحدانية بالألوهية لله تعالى ونفيها عن غيره فهذا لا يكون الإنسان مسلما إلا مع معرفته، ولا يقبل ذكر ولا غيره إلا من مسلم.
    وإن كان المراد ما زاد على ذلك مما ذكره العلماء واستنبطوه من النكت والفوائد فهذا ليس بشرط في ذلك".
    النوازل الكبرىللوزاني (2/10).
    وقال الإمام العلامة أحمد بن عيسى البجائي(760هـ) رحمه الله:"من نشأ بين أظهر المسلمين وهو ينطق بكلمة التوحيد مع شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلي ويصوم إلا أنه لا يعرف المعنى الذي انطوت عليه الكلمة.. لا يضرب له في التوحيد بسهم، ولا يفوز منه بنصيب، ولا ينسب إلى إيمان ولا إسلام، بل هو من جملة الهالكين، وزمرة الكافرين وحكمه حكم المجوسي في جميع أحكامه، إلا في القتل فإنه لا يقتل إلا إذا امتنع من التعليم" مقنع المحتاج في آداب الأزواج(1/214)لابن عرضون.


  6. #6

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد ريان الجزائري مشاهدة المشاركة
    والنقطتان يمتان بصلة لأصل التحسين والتقبيح العقلي وشكرالمنعم عقلا.. وأظنهما يجمعان أكثر ما ينبغي ان يبحث في المقدمة الأولى =صورة المسألة لجاهل التوحيد, فما رأيك أخي الفاضل المأربي؟
    عذرا أخي الفاضل!
    نسيت التعليق على هذه النقطة.
    شكر المنعم عقلا فرع التحسين والتقبيح على رأي الجمهور، أوهي عين التحسين والتقبيح العقلي عند الأقلين.
    وحكم من لم تبلغه الدعوة الذي لم يعبد غير الله، أو أشرك به، يمكن أن ينزّل على أصل كلّ طائفة في التحسين، والتقبيح العقليين.
    1-
    حكمه عند نفاة التحسين والتقبيح: أنه مؤمن ناج من أهل الجنة إن عبد الله وآمن به، ومعذور إن عبد غير الله، معفو عن كفره وشركه غير معذب أصلا؛ لأنه لا يحرم عليه كفر ولا شرك قبل الرسالة، ولا يجب عليه إيمان ولا عبادة.
    2-
    حكمه عند القائلين بالتحسين والتقبيح مع الوجوب العقلي: أنه يجب عليه الإيمان ويحرم الكفر، فإن لم يؤمن فهو كافر، وإن آمن فهو ناج من أهل الوعد في الآخرة.
    3- حكمه عند القائلين بالتحسين والتقبيح مع عدم الوجوب العقلي: أنه إن أشرك ولم يؤمن بالله فهو مستحق للذم والعقاب لقيام الوصف به، لكن لا يعاقب لانتفاء الشرط.
    والمسألة عندي تقديرية بهذه الصورة (قبل الرسالة) وإن فرضناه بعد الرسالة مع عدم التمكن من الوصول إليها فهذا أقرب من الأخرى.

  7. #7

    افتراضي

    شكر الله لك أنت أيضا أخي العزيز طيبتك وحسن عفوك وزادك الله من فضله وبره وإحسانه

    بعد طرحك الجميل ونظمك المسائل على مقتضى ما هو مشهور وما نتفق عليه في الجملة بقي عندنا الآن ما استشكلناه أولا

    كيف يكون ناجيا كما استظهرتَه وهو غير عالم بالتوحيد؟

    وبمعنى آخر :

    كيف كان ناجيا وهو جاهل بالتوحيد ؟؟

    فإن كان مرد الحكم الأخروي متعلق بحصول المطلوب وهو العلة = الإيمان بالله وترك عبادة غير الله


    فاشتراط العلم بالتوحيد = اشتراط عادي لا وضعي

    فيصبح مكلفا بالعلم من باب الوجوب لا الإيجاب على من يفرق بينهما اصطلاحا

    فهو واجب عليه العلم فإن لم يحصله وأتى بالأثر المطلوب قد يأثم للتقصير لكن ليس إثما كاملا ينتفي معه الإسلام

    ويكون حكمه أنه شرط كمال واجب على هذا لا شرط صحة وإلا فمن يشترطه شرط صحة لا يمكنه ان يعلق الثواب والعقاب بغير الوجوب =الحكم الشرعي

    وهو هنا وجوب تعلم التوحيد

    فقوله تعالى :

    "فاعلم أنه لا إله إلا الله" الآية

    لا يفهم منه الشرطية! بل هو جملة مثبتة لا مفهوم لها.

    والشرطية تحتاج لدليل زائد على مجرد الإيجاب

    وظاهر الكتاب لم يعلق الذم والمدح والجزاء والعقاب بسوى الإيمان وترك الشرك ولم يشترط له وسيلة العلم والمعارف بل اعتبر

    الفطرة وألحق الابناء بأديان الوالدين إلحاقا فطريا وهو كالنص في محل النزاع وقد أشرتَ إليه

    وسواء اعتبرنا الفطرة معارف أم اعتبرناها مجرد نقاء وهو الصحيح كما نبه له شيخ الإسلام رحمه الله

    فالجنة لا يدخلها إلا نفس طيبة أي نقية لم تدنس بدنس الشرك والمعاصي ولو بالتوبة

    فالبحث على ما أعترض وما أستشكل إنما هو في نوع وجوب العلم بالتوحيد

    فمن اعتبره شرط صحة فأين دليله الشرعي من الكتاب والسنة أولا بناء على أصله أن الحاكم هو الله؟

    أما الإجماع المشار إليه فندعي أنه إجماع على الوجوب لا على الشرطية وإلا فهو أشبه بدعاوى أهل الكلام وعلى مقتضى أصولهم وسأذكر ما يؤيد قولي بحول الله بعد معرفة جوابك حول ما قدمت هنا

    أما بخصوص النظرة الجملية للمسألة والمتعلقة بالتحسين والتقبيح فاختصارا يقال:

    كل من منع تعليق أحكام المدح والذم من كفر وإيمان وأحكام الجزاء من جنان ونيران بغير الخطاب الشرعي ثم يرى اشتراط العلم بالتوحيد في الحكم بالإسلام فإنه يلزمه :

    أن يكفر الموحد الجاهل بالتوحيد من أهل الفترة أو يقف على أقل الأحوال !

    ومثله أن يحكم بكفر كل جاهل بالتوحيد من المسلمين ممن مضى الإشارة إليهم أو يقف على أقل الأحوال !

    وإلا فهو متناقض في مآخذ الاستدلال

    كما يلزمه عدم التفريق بين الاسم ومقتضاه من الثواب والعقاب فلا يقرر الاسم الممدوح بالشرع كالمؤمن أو المذموم بالشرع كالكافر دون أن يحل دمه وماله وعرضه بل يرى عصمته في ذلك ويستدل بتفريق شيخ الإسلام رحمه الله بين ما حقه عدم التفريق بل فيما يجري مجرى واحدا وهذا على أساس أن الكتاب سمى كفار قريش مشركين.. وهو استدلال في غير محله كما لعله نناقشه في خضم البحث

    والله أعلم
    -----------------
    تنبيه لأخي العزيز :

    قد أتأخر في الجواب لمحل اشتغالي بمصالحي فلست متفرغا إلا قليلا فلا تنزعج إن تأخرت عن جوابك بارك الله فيك وحياك الله.

  8. #8

    افتراضي

    أخي الفاضل دعنا نقتصر الكلام في أطراف ثلاثة:
    - الطرف الأوّل:
    تقديري فيما قبل الرسالة، والأقسام المحتملة ثلاثة وهي:
    1- من آمن بالله ولم يشرك بفضل من الله سواء استدلّ أو لم يستدلّ.
    2- من عبد غير الله وأشرك به.
    3- من خلا عن الشرك والتوحيد معا.
    وكل طائفة ترجع إلى أصلها في التحسين والتقبيح، سواء ناقض التفريع التأصيل، أو طابقه!

    الطرف الثاني:

    حكم الناس بعد الرسالة، وقبل بلوغ الدعوة إليهم، وقد تأتي فيه الأقسام الثلاثة، مؤمن موحّد، ومشرك عابد غير الله، وثالث خال عن التوحيد والإشراك.
    فالموحّد منهم ناج، والمشرك هالك، والخالي من التوحيد والشرك يجرى مجرى الأطفال والمجانين على رأي، أو يمتحن كبعض أهل الفترة على رأي.
    ذلك؛ أن المشرك العابد غيرَ الله سبحانه محجوج بدعوة الرسل إلى عبادة الله وحده ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوتوإن من أمة إلا خلا فيها نذيرإنما أنت منذر ولكلّ قوم هادٍولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرينإنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار
    فهذا مشرك كافر من أهل الوعيد والخلود في أي زمن كان.
    وتفريق شيخ الإسلام بين ثبوت اسم المشرك قبل الرسالة، وبين حكم المشرك وعذابه لا أراه صوابا لما يأتي في المشاركات اللاحقة إن شاء الله.
    وهذا الإمام أبوعبد الله الشافعي رحمه الله يطلق في مقدّمة كتاب الرسالة على أهل الشرك من العرب والعجم قبل الرسالة: الاسم والحكم العقابي معا.
    ومما قال رحمه الله:"وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه، والناس صنفان:
    أحدهما: أهل كتاب بدّلوا من أحكامه، وكفروا بالله؛ فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم...
    وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به الله ونصبوا بأيدهم حجارة وخشبا وصورا استحسنوها ونبزوا أسماءً افتعلوها ودعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه، فأولئك العرب.
    وسلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونجم وغيره... وقال في جماعتهم يذكّرهم من نعمه ويخبرهم ضلالتهم عامة، ومنّه على من آمن منهم ﴿واذكروا نعمه الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حرفة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾.
    فكانوا قبل إنقاذه إيّاهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم أهلَ كفرٍ في تفرّقهم واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور: الكفر بالله، وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا لا إله غيره وسبحانه وبحمده، رب كل شيء وخالقه.
    من حيّ منهم فكما وصف حاله حيّا: عاملا قائلا بسخط ربه مزداداً من معصيته.
    ومن مات فكما وصف قوله وعمله: صار إلى عذابه".
    وقد انتشر كتاب الرسالة بين علماء الأمة فلم نعلم من أنكر عليه ذلك من أهل السنة أو من أهل البدع قبل انتشار بدعة الأشاعرة.
    وهذا العلامة ابن القيم رحمه الله يقول في الاسم والحكم الرسالة شرح حديث:"
    فيه دليل على أن من مات مشركا فهو في النار، وإن مات قبل البعثة؛ لأنّ المشركين كانوا قد غيّروا الحنيفية دينَ إبراهيم، واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم، من أولهم إلى آخرهم؛ فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها؛ فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل"
    وقد نقل جماعة من العلماء على هذا الإجماع.

  9. #9

    افتراضي

    الطرف الثالث:
    بعد الرسالة وبلوغ الدعوة إليهم، فمن عبد غير الله وأشرك فأمره واضح.
    ومن آمن بالله ورسوله بالشروط السابقة عند صاحب الموضوع فأمره واضح أيضا.
    ومن نطق بالشهادتين مع عدم العلم بمعناها فهو جاهل التوحيد عند الإطلاق فيما أعلم، وهذا ليس بمسلم.
    ودليل اشتراط العلم والمعرفة: النص والإجماع.
    أما النص؛ فلقوله عليه السلام:"

    من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة"
    وأما الإجماع فقد نقله جماعة من أهل السنة كالإمام أبي محمد ابن قدامة رحمه الله قال في شرح كلام الخرقي في إسلام الصبي العاقل:"اشترط لصحة إسلامه شرطين:
    أحدهما: أن يكون له عشر سنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضربه على الصلاة لعشر.
    والثاني: أن يعقل الإسلام. ومعناه: أن يعلم أن الله تعالى ربُه، لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
    وهذا لا خلاف في اشتراطه؛ فإن الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الاسلام، وانما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شيء".
    ومنهم الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله قال:"وقد دلّ الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على أنه لا يكفي النطق بها بدون معرفة معناها. و إيضاح ذلك أن الاعتداد بالنطق بها له شروط.
    منها: أن يكون على سبيل الاعتراف للقطع بأن المشرك إذا نطق بها حكاية عن غيره لا يعتدّ بذلك...
    وهذا مما لا خلاف فيه أصلا.
    ومنها: العلم بمضمونها...
    واعلم أن هذا الشرط مجمع عليه أيضا...
    إذا تقرر ما ذُكر؛ فلا ريب أن الجاهل بمعنى «لا إله إلا الله» لا عِلْم له بمضمونها ولا يصح أن يقال: شهد بها «وهو يعلم» «مؤمنا به قلبه» «غير شاك» «مستيقنا بها قلبه» «خالصا من قلبه أو نفسه» «صدقا من قلبه» فتدبر...
    ومنها التسليم ويعبر عنه بالرضا.. ومنها أن يكون النطق بها على وجه الالتزام أعني التزام أن يعمل طول عمره بمقتضاها وألّا يخالفه وأدلته أكثر من أن تحصى »
    وقال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله:"
    إنه لا خلاف بين الجميع أنّه لو أقرّ، وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه، أنه لا يستحق اسم مؤمن، وأنه لو عرف وعلم وجحد بلسانه، وكذّب وأنكر ما عرف من توحيد ربه، أنه غير مستحق اسم مؤمن..."
    وقال ابن حزم رحمه الله في الرّد على الأشعرية في اشتراط الاستدلال:"
    وقال سائر أهل الإسلام كل من اعتقد بقلبه اعتقادا لا يشكّ فيه وقال بلسانه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن كل ما جاء به حق وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مؤمن مسلم ليس عليه غير ذلك".
    ونقل هذا الإجماع غير هؤلاء.


  10. #10

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    الطرف الثالث:
    بعد الرسالة وبلوغ الدعوة إليهم، ...
    ومن نطق بالشهادتين مع عدم العلم بمعناها فهو جاهل التوحيد عند الإطلاق فيما أعلم، وهذا ليس بمسلم
    .

    طيب أخي الفاضل

    سنقتصر من المسألة على ما تحته أثر فعلي كما يقال ولا مشاحة الآن وإن كانت قائمة حول ما قررت من تفريق بين الجاهلية والإسلام ما يوهم عدم التلازم والترابط في البناء الأصولي للمسألة وسيأتي التنبيه عليها في النقل عن شيخ الإسلام رحمه الله وغيره كما هناك مشاحة في مسائل فرعية أخرى

    فيهمنا ما في الاقتباس من إطلاق القول بعدم إسلام جاهل التوحيد بعد بلوغ الرسالة والنطق بالكلمة

    وقد تبين لي من خلال ما نقلته من حكاية الإجماع وصورته أننا قد نتفق حول قدر معين من العلم هو دلالة الكلمة المنطوقة بحيث نخرج المقلقل بها من العجم أو المردد لها منهم ترديدا لنشيد إسلامي مثلا

    وفهمت أنك لم تنتبه إلى احترازي منه بقولي " طالبا للإسلام"

    فقضية قصد القول دون قصدالإسلام مطلقا قد أخرجته بقيد طلب الإسلام وقصده

    فإنه إن لم يشترط في الكفر قصده فالإسلام يشترط قصده

    وقصد الإسلام معناها قول كلمة التوحيد مع إدراك معناها الجملي من إثبات التفرد للرب في الألوهية والعظمة ونفي ألوهية ما سوى الله من معبودات جملة

    ومن ذلك ما ذكره صاحب الموضوع من معنى الشهادة مثلا فإنه كاف لتحقيق الشرطية

    وهو شرط من شروط الآلة في التكليف

    فمن لا يفهم الخطاب فحكمه حكم المجنون لا تقوم عليه الحجة بغير لسانه أو ترجمة إلى لسانه

    قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} [إبراهيم: 4]

    فالتكليف متعلق بالإمكان ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها

    وأما من لم يقصد ما تدعو له الكلمة لكن قصد في الظاهر الإسلام العلني فهو مسلم في الظاهر تجري عليه أحكام أهل الإسلام منافق في الباطن والعياذ بالله وإن قالها تعوذا مثلا كما حصل مع أسامة رضي الله عنه

    والإسلام يتشوف لإدخال الناس في حياضه لذلك اعتبر الكلمة أول واجب وسميت المسألة بها ولم يعتبر اي شيء آخر لا النظر ولا الاستدلال بل متى حصل قصد الإسلام بالنطق بالكلمة عصم الناس ..

    ولهذا الأصل العظيم عند أهل السنة وقع الإجماع على صحة إيمان العامي المقلد في الأصول = الجاهل, وعد المخالف فيه من أهل البدع

    ودارت عندهم على أسساسين :

    1ـ وجوب القول المجرد طلبا للإسلام وليس قلقلة كما احترز من حكيت إجماعهم من قبل

    2 ـ عدم اشتراط الدليل والنظر طرقا لا تقوم المعرفة والعلم إلا من جهتهما لا من جهة ضرورة ولا تقليد ولا غيرهم

    وإليك بعض النقول التي لا يجهلها مثلك أخي الفاضل

    قال شيخ الإسلام رحمه الله:

    "والمقصود هنا أن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ
    والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى وبرسوله لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمنا بل ولا يصير مؤمنا بأن يعلم أنه رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله ولا يصير مؤمنا بذلك حتى يشهد أن محمدا رسول الله ثم كون ما يجب من المعرفة لا يحصل إلا بالنظر أو يمكن حصوله بدونه ؟ وهل أصل المعرفة فطرية ضرورية أو نظرية ؟ أو يحصل بهذا تارة ولهذا تارة ؟ والنظر المحصل لها : هل يتعين في طريق معين أو لا يتعين ؟ هذه مسائل أخر ".درء تعارض العقل والنقل (4/ 107)
    قلت:
    فما يعصم من الكفر هو النطق بالشهادتين لا المعرفة بهما وتحقيق معناهما كما ابتدعه المتكلمون من المعتزلة ومن تابعهم

    وقال رحمه الله:

    "والنبي صلى الله عليه و سلم لم يدع أحدا من الخلق إلى النظر ابتداء ولا إلى مجرد إثبات الصانع بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان وبذلك أمر أصحابه كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : [ إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فإعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] ""درء تعارض العقل والنقل (4/ 107)

    قلت:
    فمدلول الكلمة اللغوي وما يتضمنه من معرفة وتوحيد إن حصله الناطق بالكلمة تحصيلا فطريا كان عند اهل السنة والأئمة الفقهاء صحيحا لطالما وإنما اخترع إيجاب النظر في الدليل المعتزلة وتبعهم بعض الأشعرية

    قال الحافظ في الفتح (13/ 349) تحت حديث بعث معاذ إلى اليمن"فليكن أول ما تدعوهم شهاة أن لا إله إلا الله ..فإن هم عرفوا الله"قال :

    "وقد تمسك به من قال أول واجب المعرفة كامام الحرمين واستدل بأنه لا يتأتي الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الانزجار الا بعد معرفة الآمر والناهي واعترض عليه بان المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك ...وقد ذكرت في كتاب الإيمان من اعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة فأن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة و السلام فأبواه يهودانه وينصرانه وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرة على هذا وقال ان هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك انتهى".

    وقال الشوكاني رحمه الله في إرشاده (2/ 241):

    "المسألة الثانية: حكم التقليد في أصول الدين
    اختلفوا في المسائل العقلية، وهي المتعلقة بوجود الباري وصفاته، هل يجوز التقليد فيها أم لا؟
    فحكى الرازي في "المحصول" عن كثير من الفقهاء أنه يجوز، ولم يحكه ابن الحاجب في "المختصر" إلا عن العنبري.
    وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز.
    وحكاه الأستاذ أبو إسحاق في "شرح الترتيب"1 عن إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف.
    قال أبو الحسين بن القطان: لا نعلم خلافا في امتناع التقليد في التوحيد.
    وحكاه ابن السمعاني عن جميع المتكلمين، وطائفة من الفقهاء.
    وقال إمام الحرمين في "الشامل"2: لم يقل بالتقليد في الأصول إلا الحنابلة.
    وقال الإسفراييني: لا يخالف فيه إلا أهل الظاهر.
    واستدل الجمهور بأن الأمة أجمعت على وجوب معرفة الله عز وجل، وأنها لا تحصل بالتقليد؛ لأن المقلد ليس معه إلا الأخذ بقول من يقلده، ولا يدري أهو صواب أم خطأ.
    قال الأستاذ أبو منصور: فلو اعتقد من غير معرفة بالدليل، فاختلفوا فيه: فقال أكثر الأئمة: إنه مؤمن من أهل الشفاعة، وإن فسق بترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث.
    وقال الأشعري، وجمهور المعتزلة: لا يكون مؤمنا حتى يخرج فيها عن جملة المقلدين. انتهى.
    فيا لله العجب من هذه المقالة التي تقشعر لها الجلود، وترجف عند سماعها الأفئدة، فإنها جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وسعهم ولا يطيقونه، وقد كفى الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد، ولا قاربوها الإيمان الجملي، ولم يكلفهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو بين أظهرهم بمعرفة ذلك، ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك أدلته."اهـ النقل برمته


    فالمعتزلة إنما بنت تكفير المقلد بناء على جهله ومن أصولهم المشهورة عنهم تكفير جاهل الصفة فكيف بجاهل التوحيد

    قال شيخ الإسلام رحمه الله :
    "أما من قال بالوجوب العقلي كما هو قول المعتزلة والكرامية ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد وغيرهم فهؤلاء هم الذين قالوا ابتداء : أول ما يجب المعرفة أو النظر المؤدي إليها لكن من أخد كلامهم أراد أن يبنيه على أصوله من الأشعرية ونحوهم فتناقض كلامه "درء تعارض العقل والنقل (4/ 107)

    قلت : ولينتبه إلى أنه رحمه الله لم يفرق بين ما قبل الإسلام وما بعده في المفهوم الأساسي للمسألة أعني قضية التحسين

    ثم إنه لارتباط مسألة أول واجب بالفطرة أو النظر والاستدلال ـ كما ارتبطت بالوجوب العقلي فيه ولزوم التناقض على من لم يقل به في فروعه مع أصوله ـ كان أكبر استدلالات أهل السنة صحة إسلام الصبي عند الأئمة وعدم طلب تجديد الإسلام عند البلوغ

    قال شيخ الإسلام رحمه الله :

    "ثم القول بأن أول الواجبات هو المعرفة أو النظر لا يمشي على قول من يقول : لا واجب إلا بالشرع كما هو قول الأشعرية وكثير من أصحاب مالك و الشافعي و أحمد وغيرهم فإنه على هذا التقدير لا وجوب إلا بعد البلوغ على المشهور وعلى قول من يوجب الصلاة على ابن عشر سنين أوسبع لا وجوب على من لم يبلغ ذلك وإذا بلغ هذا السن فإنما يخاطبه الشرع بالشهادتين وإن كان لم يتكلم بهما وإن كان تكلم بهما خاطبه بالصلاة
    وهذا هو المعنى الذي قصده من قال : أول الواجبات الطهارة والصلاة فإن هذا أول ما يؤمر به المسلمون إذا بلغوا أو إذا ميزوا كما [ قال صلى الله عليه و سلم : مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ]
    ولهذا قال الأئمة كالشافعي و أحمد وغيرهما : يجب على كافل الصبي أن يأمره بالطهارة والصلاة لسبع ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد شهادتين ولا نظر ولا استدلال ونحو ذلك ولا يؤمر بذلك بعد البلوغ وإن كان الإقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين ووجوب ذلك يسبق وجوب الصلاة لكن هو قد أدى هذا الواجب قبل ذلك : إما بلفظه وإما بمعناه فإن نفس الإسلام والدخول فيه إلتزام لذلك
    وهنا مسائل تكلم الفقهاء فيها فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما ؟ والصحيح أنه يصير مسلما بكل ما هو من خصائص الإسلام "درء تعارض العقل والنقل (4/ 107)

    فنبه رحمه الله إلى ارتباط مسألة أول واجب بالتحسين والتقبيح الاعتزالي وكيف تناقض الأشعرية بقولهم بوجوب المعرفة ثم نبه إلى قضية الفطرة وصحة إسلام الصبيان ومثلها صحة الإسلام بإظهار أحد خصائصه

    وخلاصة ما تقدم من توضيح وتفريق أن من اطلق القول بكفر جاهل التوحيد فقد أخطأ ومن اطلق القول بعدم كفره فقد أخطأ
    وإنما يحتاج كل استدلال إلى تقييد خاصة عند البث في مظان المسألة وبحثها
    وتكون الإجماعات المحكية لا تتعارض فيما بينها بل لكل مورده

    كما ان النصوص ينبغي أن لا تحمل على العلم الحاصل من مجرد النطق لأن الجميع يشترك فيه بل من مات

    وهو يعلم أنه لا إله إلا الله معناها العلم اليقيني الموجب للإخلاص والصدق وبهذا تتفق الروايات

    بين من قال لإله إلا الله خالصا من نفسه وبين من قالها عالما بها

    وعلى هذا المعنى لا يكون لها مفهوم فمن حقق الإخلاص والعلم فقد نجى تماما ومن لم يحقق ذلك فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له

    فكما هناك أصل وفرع في العمل والإخلاص يتفاوت فهناك أصل وفرع في العلم والمعرفة والمعارف تتفاوت كما حققه شيخ الإسلام رحمه الله خلافا للمرجئة

    وأما من يشح في إدخال مسألة التقليد في العقيدة تحت قضية جاهل التوحيد

    فيقال له كل من أطلق القول باشتراط العلم بالتوحيد لطالب الإسلام أو المطلوب منه الإسلام

    هل هذا العلم وهذه المعرفة يشترط فيها دليل ونظر أم لا يشترط ؟

    فإن كان يشترط الدليل ولا يسمى العلم علما إلا إن قام بدليله وإلا فالمقلد ليس عالما بالإجماع

    فالمقلد على مشترط العلم داخل في حكمه بالكفر ويلزمه الاحتراز منه والتفصيل في العلم المطلوب وصورته

    وإن لم يشترط الدليل فالعلم بالكلمة لا يشترط إذن في الإسلام وإنما مجرد القول مع الرغبة ليعصم دمه وماله وعرضه

    والله أعلم وصل اللهم وسلم على نبيك الحبيب محمد

    وفي انتظار رأيك أخي الفاضل

    ولا أنسى أن أنبه إلى أني صححت ما وقع لي من وهم وقلب بين الوجوب والإيجاب في الجواب الفائت فلينتبه حتى لا يأخذها أح ما معكوسة على غير وجهها الصحيح.

  11. #11

    افتراضي

    وهذا كلام لابن حزم رحمه الله أضيفه لما فيه من فائدة حول كيفية تقرير المعتزلة وجمهور الأشعرية لمذهب كفر المقلد ومنهم ابن جرير الطبري رحمه الله
    قال في الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 28):
    هل يكون مؤمنا من إعتقد الإسلام دون إستدلال
    أم لا يكون مؤمنا مسلما الإمن إستدل
    قال أبو محمد:
    ذهب محمد بن جرير الطبري
    والأشعرية كلها حاشا السمنانى إلى أنه لا يكون مسلما الإ من إستدل والإ فليس مسلما وقال الطبرى من بلغ الإحتلام أو الإشعار من الرجال والنساء أو بلغ المحيض من النساء ولم يعرف الله عز و جل بجميع أسمائه وصفاته من الطريق الإستدلال فهو كافر حلال الدم والمال وقال أنه بلغ الغلام أو الجارية سبع سنين وجب تعليمها وتدريبهما على الإستدلال على ذلك وقالت الأشعرية لا يلزمها الأستدلال على ذلك إلا بعد البلوغ.
    قال أبو محمد:
    وقال سائر أهل الإسلام كل من اعتقد بقلبه اعتقادا لا يشك فيه وقال بلسانه لا إله الإ الله وأن محمد رسول الله وإن كل ما جاء به حق وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه و سلم فإنه مسلم مؤمن ليس عليه غير ذلك
    قال أبو محمد:
    فاحتجت الطائفة الأولى بأن قالت:
    قد إتفق الجميع على أن التقليد مذموم وما لم يكن يعرف باستدلال فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما
    وذكروا قول الله عز و جل: (إ نا وجدنا آبائنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون) وقال تعالى: (قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم) وقال تعالى: (أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) وقال تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
    فذم الله تعالى أتباع الآباء والرؤساء وبيقين ندرى أنه لا يعلم أحد أى الأمرين أهدى ولا هل يعلم الاباء شيا أو لايعلمون الإ بالدليل
    وقالوا: كل ما لم يكن يصح بدليل فهو دعوى ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما لكن بالدليل قال الله عز و جل: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
    قالوا:فمن لا برهان له فليس صادقا في قوله
    وقالوا: ما لم يكن علما فهو شك وظن!! والعلم هو اعتقاد الشئ على ما هو به عن ضرورة أو إستدلال
    قالوا: والديانات لا يعرف صحة الصحيح منها من بطلان الباطل منها بالحواس أصلا فصح أنه لا يعلم ذلك الإ من طريق الإستدلال !
    فإذا لم يكن الإستدلال فليس المرء عالما بما لم يستدل عليه وإذا لم يكن عالما فهو شاك ضال
    وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسألة الملك في القبر ما تقول في ها الرجل فأما المؤمن أو الموقن فإنه يقول هو محمد رسول الله قال وأما المنافق أو المرتاب فإنه يقول لا أدرى سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
    قالوا: وقد ذكر الله عز و جل الاستدلال على الربوبية والنبوة في غير موضع من كتابه وأمر به وأوجب العلم به والعلم لا يكون الإ عن دليل كما قلنا
    قال أبو محمد:
    هذا كلما موهوا به قد تقصيناه لهم غاية التقصي وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى لا إله الإ هو بعد أن نقول قولا تصححه المشاهدة:
    أن جمهور هذه الفرقة أبعد من كل من ينتمي إلى البحث والإستدلال عن المعرفة بصحة الدلائل فاعجبوا لهذا وشهدوا على أنفسهم إنهم كانوا كافرين"اهـ
    ثم شرع رحمه الله في نقض شبهتهم في طريق تحصيل العلم والظن فليراجع.

  12. #12

    افتراضي

    وليقارن اشتراط المعرفة والاستدلال عند المعتزلة بما قرره الشيخ صالح سلمه الله في شرحه على الطحاوية وكيف فرق بتفريق غير مؤثر لأنه يلزمه ما لزم الأشاعرة تماما
    من أن أول واجب المعرفة والنظر
    أن البالغ من المسلمين يؤمر بتجديد الإسلام وهو خلاف الإجماع كما مضى حكايته عن شيخ الإسلام
    وغيرها من مسائل معدودة قبل ورود الشرع وبعده على أصل التحسين والتقبيح والإيجاب بالعقلو عدم اعتبار الفطرة
    قال حفظه الله وسلمه(ص: 488):
    [المسألة الأولى]:
    في قوله (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ) الاتباع هو أن تَقْفُوَ أثر الشيء، تَبَعَهُ أي قَفَا أثره، اتِّبَاع الحق أن تَقْفُوَ الأثر.
    والأَثَرُ سواءٌ أَكَانَ أثر دليل أو كان أثر مسير -يعني أثر قول أو أثر مسير- كلٌ منهما دليل.
    ولهذا صار الاتِّبَاعُ موسوماً عند أهل العلم بأنه أخذ القول بدليله.
    ويقابل هذا التقليد، يقابل الاتباع التقليد.
    والتقليد قَبُولْ القول والتِزَامُهُ دون حجةٍ واضحة.
    لأنه إن كان عنده حجة فهو مُتَّبِع ولو كان مُتأولاً أو مُخْطِئاً، وإذا كان ليست عنده حجة وإنما يتعصب أو يقبل قول الغير هكذا لأنه قاله فقط مع ظهور الحُجَّةْ في خلافه، فهذا يُسمى مُقَلداً لأنه جعل القول قِلادةً له دون بيانه.
    والتقليد في الاعتقاد فيه تفصيل:
    - فما كان مما يُشْتَرَطُ لصحة الإسلام والإيمان فلا ينفع فيه التقليد؛ بل لابُدَّ فيه من أخذ القول بدليله وجوباً؛ لأنَّ هذا هو العلم الذي أمر الله - عز وجل - به في قوله {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:19].
    - أَمَّا التقليد في الاستدلال فلا بأس به؛ يعني أن يَعْلَمَ وجه الدليل من الحُجَّةْ ويُقَلِّدُ العالم في الاقتناع بهذا الدليل يعني بوجه الاستدلال، فهذا لا بأس به لأنَّ المجتهد في فهم الدليل هذا قليل في الأمة.
    فإذاً الواجب في الاتباع وما يَحْرُمُ من التقليد في العقيدة هو ما كان من أصول الإسلام؛ يعني ما لا يصح الإسلام إلا به، مثل العلم بالشهادتين، وأركان الإيمان الستة، وفرض أركان الإسلام الخمسة.
    إذا كان التقليد كذلك فهل يُشْتَرَطُ استدامة العلم واستصحاب العلم والاتِّبَاع أم لا يُشْتَرَطْ؟
    الذي عليه العلماء المحققون وقرَّرُوهُ أنَّ الاستدامة ليست شرطاً، وإنما يكفي أن يَعْلَمَ الحق في هذه المسائل في عمره مرةً بدليله، ويأخذ ذلك ويقتنع به، يأخذ ذلك عن دليل وبيِّنَة، ثم يعمل بما دلَّ عليه.
    فمن تَعَلَّمَ مسألةً، مثلاً تَعَلَّمَ معنى الشهادتين في عمره، ثم بعد ذلك نسي المعنى، أو تَعَلَّمَ أدلة أركان الإيمان ثم نسي، أو تَعَلَّمَ فرضية الأركان الخمسة، أركان الإسلام أو الأربع العملية ثم جاءه فترة ونسي، فإنَّ هذا لا يؤثر ولا يأثم بذلك، المهم أن يكون أصل استسلامه عن دليلٍ فيما لا يصح الإيمان والإسلام إلا به.
    * وهذا هو حكم التقليد عند أهل السنة والجماعة ووجوب الاتباع.
    وأما المخالفون من أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة وجماعات فإنَّهُمْ جعلوا العلم الواجب هو النَّظَرْ أو القصد إلى النظر أو إلى آخره من أقوالهم، ويعنون بذلك النظر في الكونيات.
    وأهل السنة يقولون: الاتِّبَاع النظر في الأدلة الشرعية، يعني النَّظَرْ في الشرعيات.
    وأولئك عندهم النظر في الكونيات؛ لأنهم جعلوا أنَّ أصل الإسلام والإيمان إنما يصح إذا نظر في برهان وجود الله - جل جلاله -.
    وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: وجود الله - عز وجل - مركوزٌ في الفِطَرْ، وإنما يتعلم ما يجب عليه أن يعتقده وما يجب عليه أن يعلمه مما أمر الله - عز وجل - به، وجعله فارقاً بين المؤمن والكافر.
    وبالمقابل التقليد عندهم في الكونيات، وعندنا التقليد في الأقوال والشَّرعيات.
    وثَمَّ تفاصيل لمسألة الإتِّبَاعْ والتقليد في مناهج التلقي ما بين أهل السنة والمخالفين."اهـ
    قلت:
    التفريق غير مؤثر لوجوه
    واعتبار الفطرة في قوله كلا اعتبارها لطالما جعل الاستدلال والمعرفة هي أول واجب لا النطق بالشهادة بالتوحيد وأفسد إيمان المقلد خلافا للإجماع المحكي عن غير واحد فليتأمل هذا الموضع جيدا.

  13. #13

    افتراضي

    كلام جميل وتحرير لطيف جزاك الله خيراً.
    وههنا مسائل حتى لا يتسع الكلام فتضيع الفائدة من القارئ:
    المسألة الأولى
    كلامك في الوجوب والإيجاب وإن كان موهما غير المراد لكن المراد يفهم من السياق، وقد أحسنت في الاستدراك والتنبيه، وقد تنبهت أيضا لاحترازك "طلبا للإسلام". وطلب الإسلام وإرادته مجردا ليس بإسلام، والنطق بالشهادتين شرط صحة عند القدرة عليه باتفاق المسلمين.
    المسألة الثانية
    اتضح مفهوم جاهل التوحيد وأنه الناطق بالشهادتين مع الجهالة بالمضمون من نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها لله وحده والجهل بمعنى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأننا لا نطلب منه: معرفة الإعراب النحوي ولا التدقيق في الاشتقاق التصريفي، ولا الخوض في النكات والفوائد التي يطيل العلماء الكلام فيها، بل العلم والاستيقان والصدق والإخلاص فيما قال وشهد به مع التخلي كل دين يخالف دين الإسلام كما قال عليه السلام:
    (من مات وهو يعلم أنه لا إلا الله دخل الجنة)
    (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غيرَ شاك فيهما إلا دخل الجنة)
    (من لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبُه بشّره بالجنة)
    (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرّمه الله على النار).
    (من وحّد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله وحسابه على الله) وفي رواية (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله...) (من أقرّ بتوحيد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)
    (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا)
    وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه: «إني أسألك بوجه الله عز و جل بما بعثك ربك إلينا؟ قال عليه السلام: بالإسلام. قال: قلت: وما آية الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله عز و جل، وتخلّيت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز و جل من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين»
    وكلها أحاديث في الصحيح إلا الأخير منها.
    قال أبو جعفر الطحاوي (321هـ) رحمه الله:
    «وكان التخلِّي هو ترك كل الأديان إلى الله عز وجل، ثبت بذلك أنّ كل من لم يتخلّ مما سوى الإسلام، لم يعلم بذلك دخوله في الإسلام. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين».
    وقال العلامة بدر الدين العيني (855هـ) رحمه الله: «وفيه دلالة صريحة على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه، ولا يصح إسلامه حتى يكفر ما يعبد من دون الله، وهذا هو المراد من التبريء عن سائر الأديان سوى دين الإسلام..
    قوله: وتخلّيت من التخلي وهو التفرغ من الخلوّ والمراد التبرّؤ من الشرك وترك كل الأديان سوى دين الإسلام وعقد القلب على الإيمان»([1]).
    وبعد الاتفاق على اشتراط العلم الجملي والخلوّ عمّا يناقض التوحيد والتبري عن سائر الملل..
    كان الواجب علي أن استريح وأريحك من التعليق على كلمي بارك الله فيك.
    لكن بدأت الكلام في المقلد في الإيمان بما يوهم الخلط بجاهل التوحيد، وأن الثاني فرع الأوّل، وعلى هذا يصير الفرع مجمعا عليه مع الاختلاف في الأصل، وقد منعوه في الأصول.
    المسألة الثالثة
    المعلوم في الأصول: أن ناقل الإجماع إذا كان ثقة عارفا مطلعا موافقا في الطريق التي يُعرف بها ثبوت الإجماع، وجب قبول قوله كما يجب قبول راوي الحديث، ولم يعارض إلا بنقل الخلاف بطريقة صحيحة.
    والإجماع الذي ذكر الأئمة ابن جرير الطبري وابن حزم وابن قدامة، والشيخ سليمان بن عبد الله والشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وغيرهم صريح في أن من لا يعلم معنى لا إله الله محمد رسول الله أعني: إفراد الله بالألوهية والرسالة والاتباع بمحمّد عليه السلام فليس بمسلم.
    فهل من معارض لهذا الإجماع الصحيح في جاهل التوحيد ولا أقول:المقلد في الإيمان؟

    المسألة الرابعة
    أظنّ أني أوضحت المقصود من جاهل التوحيد حتى لا يلتبس بالمقلد في الإيمان فنقلت عن العلامة أبي عبد الله العربي الفاسي قوله:«وأما هل يشترط في قبولها معرفة معناها؟ فإن كان المراد معرفة معناها الذي هو لازم لكل مسلم وهو إثبات الوحدانية بالألوهية لله تعالى ونفيها عن غيره فهذا لا يكون الإنسان مسلما إلا مع معرفته، ولا يقبل ذكر ولا غيره إلا من مسلم، وإن كان المراد ما زاد على ذلك مما ذكره العلماء واستنبطوه من النكت والفوائد فهذا ليس بشرط في ذلك»([2]).
    وقال الشيخان سليمان بن عبد الله (1232هـ) والشيخ عبد الرحمن بن حسن (1285هـ)رحمهما الله:«...أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها فإن ذلك غير نافع بالإجماع.وفي الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: «من شهد» إذ كيف يشهد وهو لا يعلم؟ ومجرد النطق بشيء لا يسمى شهادة به...»([3]).
    فإذا تقرر أن العلم بمعنى الشهادتين شرط لصحة الإيمان فلا ريب أنّه إذا انتفى الشرط انتفى المشروط ضرورة وهو ما أفاض العلماء في بيانه.

    المسألة الخامسة

    اللازم التفريق بين جاهل التوحيد وبين المقلّد في الإيمان لتفريق العلماء؛ إذ مسألة التقليد كلامية خلافية عند المتأخرين ومن شايعهم، ومسألة جاهل معنى الشهادتين نصيّة إجماعية.
    وإليك بيان التفريق بين المسألتين.
    (1) المقلد في الإيمان نوعان:
    الأوّل: مجمع على كفره.
    قال أبو الثناء محمود بن زيد اللامشي (من علماء القرن السادس): «المقلِّد من جعل الدِّين الذي دعي إليه قلادةً في عنق الداعي له إليه.وصورته: هو أنّ النبي ﷺ دعا كافراً في زمنه إلى دين الإسلام، وبيّن له ما يجب عليه اعتقاده، فقبل ذلك منه، لكن لم يعتقده على الثبات، أو مسلم دعا كافرا في زماننا إلى دين الإسلام وبيّن له جميع ما يجب عليه اعتقاده من وحدانية الله تعالى وحدث العالم وقدم الصانع والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى وأخبره أن رسولنا عليه السلام بلّغ إلينا هذا الدين عن الله تعالى وهو صادق في دعوى الرسالة لأنه ظهرت على يده المعجزات الناقضات للعادات. فقبل هذا الرجل ذلك منه لكن لم يعتقده وجعل ذلك قلادة في عنق هذا الداعي إليه على معنى أنه إن كان حقا فحق على الثبات وإن كان باطلا فوباله عليه.
    فهذا المقلد ليس بمؤمن بلا خلاف؛ لأنه لم يعتقد ما يجب عليه اعتقاده، ولم يصدّق في ما جاء به من عند الله تعالى، بل هو شاكٌّ في ذلك، والإيمان مع الشك لا يصحّ»([4]).
    والثاني: مجمع على إسلامه عند السلف، مختلف عند أهل الكلام فيه وهو الذي اعتقد أركان الإسلام عن معرفة واعتقاد لكن لا عند دليل عقلي، وهو مؤمن عند أهل السنة والجماعة مختلف فيه بين أهل الكلام من الأشعرية والمعتزلة.
    قال الإمام أبو الفتح ابن برهان رحمه الله في المقلد في الإيمان:«فأما قواعد العقائد فلا يجب عليهم معرفة الأدلة فيها، بل إذا أتوا بالاعتقاد الصحيح كفى ذلك وعليه جماعة السلف، وأهل السنة من الخلف»([5]).
    وقال الإمام أبو اليسر محمد البزدوي رحمه الله:
    «قال عامة أهل السنة والجماعة: إن المقلد مؤمن حقيقة، وهو الذي اعتقد جميع أركان الإسلام، وأقرّ بها من غير دليل.
    وقالت المعتزلة: إنه ليس بمؤمن.
    واختلفت الروايات عن الأشعري، والصحيح من الروايات: أنه مؤمن.
    والدليل على صحة ما ذهب إليه عامة أهل السنة والجماعة:
    أن الأمة بأجمعهم قضوا بإيمان العامة صحيحا، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، فمن قال خلاف هذا، فقد خالف جميع الأمة، وخلاف إجماع الأمة ضلال وبدعة ([6])؛ ولأنّ السالك في طريقة الهدى عن تقلّد سالك فيها كالسالك عن دليل، وواصل إلى المقصود كالسالك عن دليل.وهذا كمن سلك طريق مكة عن تقليد يصل إلى مكة كمن سلك عن دليل» ([7]).
    وقال أبو البركات النسفي رحمه الله:«إذا ثبت أنّ الإيمان هو التصديق كان إيمان المقلد صحيحا؛ لو جود التصديق منه حقيقة، وإن كان عاصيا بترك الاستدلال خلافا للمعتزلة.
    اعلم أن المقلد الذي لا دليل معه مؤمن، وحكم الإسلام له لازم، وهو مطيع لله تعالى باعتقاده وسائر طاعاته. وإن كان عاصيا بترك النظر والاستدلال، وهو كفسّاق أهل الملة في جواز مغفرته أو تعذيبه بقدر ذنبه، وعاقبة أمره الجنة لا محالة.
    وهو مذهب أبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر وعبد الله بن سعيد القطان والحارث بن أسد وعبد العزيز بن يحيى المكي رحمهم الله.

    وقالت المعتزلة: إنه ليس بمؤمن ولا كافر.
    وقال أبو هاشم: إنه كافر، فعندهم أنه يحكم بإيمانه، إذا عرف ما تحت اعتقاده بالدليل العقلي، على وجه يمكنه مجادلة الخصوم، وحلّ جميع ما يورد عليه من الشبه، حتى إذا عجز عن بعض من ذلك لم يحكم بإسلامه.
    وقال الأشعري: شرط صحة الإيمان أن يعرف كل مسألة من مسائل الأصول بدليل عقلي غير أنّ الشرط أن يعرف ذلك بقلبه، ولا يشترط أن يعبر عن ذلك بلسانه، وهذا وإن لم يكن مؤمنا عنده على الإطلاق، لكنه ليس بكافر لوجود ما يضاد الكفر وهو التصديق وهو عاص بترك النظر والاستدلال وهو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بقدر ذنبه وصار عاقبة أمره الجنة كسائر العصاة»([8]).

    زيادة بيان في المقلّد الذي اختلفوا فيه
    قال أبو الثناء محمود بن زيد اللامشي (من علماء القرن السادس):«وإنما الخلاف في مقلِّد صدّق الداعي في جميع ذلك واعتقد جميعَ ما دعاه إليه من غير شك وارتياب لكن بلا دليل...
    ثم لا خلاف بيننا وبين الخصوم في عوام أهل زماننا لأن كلّ واحد منهم لا يخلو عن ضرب استدلال؛ ولهذا يشتغلون بالتسبيح والتهليل عند ظهور شيء من الأفزاع والأهوال ويصفون الله تعالى في تلك الحال بكمال القدرة ونفاذ المشيئة.

    وإنما الخلاف بيننا وبينه في من بلغ على شاهق جبل من الجبال أو نشأ في قطر من الأقطار فرآه مسلم ودعاه إلى هذا الدين وبيّن له جميع ما يفرض عليه اعتقاده وأخبره أن رسولنا بلّغ إلينا هذا الدين فصدّقه المدعوّ في ذلك واعتقد جميع ذلك من غير سابقة تفكّر واستدلال، فهذا موضع الخلاف. كذا ذكره الشيخ أبو المعين النسفي رحمه الله»([9]).
    وقال نور الدين الصابوني (580هـ) الحنفي رحمه الله: «وهذا الخلاف فيمن نشأ على شاهق جبل، ولم يتفكّر في العالم، ولا في الصانع أصلا؛ فأخبر ذلك وصدّقه.
    فأما من نشأ في بلاد المسلمين وسبّح الله تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حدّ التقليد»([10]).
    وقال العلامة مسعود بن عمر التفتازاني (793هـ)رحمه الله:«ليس الخلاف في هؤلاء الذين نشأوا في ديار الإسلام من الأمصار والقرى والصحارى، وتواتر عندهم حال النبي عليه السلام وما أوتي به من المعجزات.
    ولا في الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار؛ فإنهم كلهم من أهل النظر والاستدلال.
    بل في من نشأ على شاهق جبل مثلا، ولم يتفكّر في ملكوت السماوات والأرض، فأخبره إنسان بما يفترض عليه اعتقاده فصدّقه فيما أخبره بمجرد إخباره من غير تفكّر وتدبّر.
    وأما ما يحكى عن المعتزلة من لا بد في صحة الإسلام من النظر والاستدلال والاقتدار على تقرير الحجج ودفع الشبهة، فبطلانه يكاد يلحق بالضروريات من دين الإسلام» ([11]).
    وقال أبو البركات النسفي رحمه الله:
    «...ثم هذه المسألة في حق من نشأ في قطر من الأقطار أو شاهق جبل من الجبال لم تبلغه الدعوة فرآه مسلم ودعاه إلى الدين، وبيّن له ما يفترض اعتقاده، وأخبره أن رسولا لنا بلّغ هذا الدين عن الله تعالى، ودعانا إليه وقد ظهرت على يده المعجزات، فصدّقه هذا الإنسان في جميع ذلك، واعتقد الدين من غير تأمّلٍ وتفكّرٍ.
    فأما من نشأ فيما بين المسلمين من أهل القرى والأمصار من ذوي النهى والأبصار فلا يخلو عن ضرب استدلالٍ، وإن كان لا يهتدي إلى العبارة عن دليله، ولا يقدر عن دفع الشبهة المعترضة عليه؛ ولهذا لو عاين رعدا هائلا، أو هبوب ريح عاصفة، أو ظلمة شديدة يسبّح الله تعالى، ويصفه بكمال القدرة ونفاذ المشيئة، وبأنه هو الذي خلق السموات بغير عمد ممدودة، وأطناب مشدودة، وجعل فيها الأفلاك الدائرة، والنجوم السائرة، وخلق الأرض، وجعل فيها الجبال الراسية، وشقّ فيها الأنهار الجارية.
    وعلى هذا جميعُ أهل الأسواق، والقرى والرجال والنساء، والعقلاء من الصبيان.
    فلم يكن فيهم خلاف بيننا وبين الأشعري، وإنما الخلاف فيهم بيننا وبين المعتزلة»([12]).
    وقال الشيخ محمد شقرون الوهراني (929هـ) رحمه الله:
    «ولقائل أن يقول: إن هذا الخلاف كله إنما هو في المقلد وعوام المسلمين قديما وحديثا ليسوا بمقلدين إذ حقيقة التقليد على ما قاله غير واحد كابن عرفة في شامله واللفظ له: اعتقاد جازم تابع لقول غير معصوم وهذا الحد لا يصدق عليهم إذ هم غير مقلدين لأحد ولا تابعين له في تصميمهم على جميع ما ذكرنا وإنما ذلك منهم بتوفيق من الله وتسديد إذ جبل فطرتهم على ما أمكنهم في التوحيد ثم وفّق من شاء منهم أن تعلم أو نظر إلى المزيد»([13]).
    تنبيه:
    المقلّد في الإيمان قد يكون جاهلا لكلمة التوحيد فيكون من جهلة التوحيد ويخرج عن محلّ النزاع.
    نقل ابن عرضون عن الإمام عبد الواحد بن أحمد الونشريسي قاضي فاس ومفتيها (955 هـ) رحمه الله قال:
    «وأما من كان من المقلّدين لا يعلم معنى كلمتي التوحيد، ولا ما انطوت عليه، ولا يميز بين الرسول والمرسل، فهذا لاحظ له في الإسلام حسبما صرح به العلماء الأعلام»([14]).

    (2) جاهل التوحيد عند العلماء
    وإذا تمهّد مفهوم المقلد في الإيمان عند أهل الكلام ينبغي بيان المقصود بجاهل التوحيد عند العلماء.
    ويجدر أن أترك العلماء يضعوا الحروف على النقاط كما يقال، أو الهناء على مواضع النقب، لأن تقريركم بارك الله فيكم قد يوهم بعض الناس: أن الجاهل فرع المقلد في الإيمان والفرع مجمع عليه مع الاختلاف في الأصل.
    وعلى أي حالٍ فالمراد بجاهل التوحيد فهو من ينطق بالشهادتين ولا يعرف معناهما لا يدري ما معنى الإله ولا معنى الرّسول ولا ما تضمنته الكلمة من إثبات التوحيد ونفي الإشراك وهو الذي تكلّم عنه النجديون في رسائلهم
    يقول الإمام أبو عبد الله السنوسي الأشعري (895هـ):
    «إن كلمة التوحيد تتضمن على اختصار جميع عقائد على التمام، وبهذا جعلت في ظاهر الحكم الشرعي علما على الإيمان.
    ومن هنا تعرف أن مجرد النطق بهذه الكلمة من غير تحقق لمعناها ولا معرفة في القلب لمدلولها لا يكفي في حصول حقيقة الإيمان.
    وقد سئل فقهاء بجاية وغيرهم من الأئمة في أوائل هذا القرن أو قبله بيسير عن رجل ينطق بكلمتي الشهادة ويصلي ويصوم ويحج ويفعل كذا وكذا.
    ولكن إنما يأتي بمجرد صور الأقوال والأعمال فقط على حسب ما يرى الناس يقولون ويعملون حتى إنه لينطق بكلمتي الشهادة ولا يفهم لها معنى ولا يدرك معنى الإله ولا معنى الرسول.
    وبالجملة فلا يدري من كلمتي الشهادة لا ما أثبت منها، ولا ما نفي، وربما توهم أن الرسول نظير الإله، لما رآه لازم الذكر معه في كلمتي الشهادة، وفي كثير من المواضع، فهل ينتفع هذا الشخص بما صدر عنه من صورة القول والفعل ويصدق عليه حقيقة الإيمان فيما بينه وبين ربه أم لا؟
    فأجابوا كلهم: بأن مثل هذا لا يضرب له في الإسلام بنصيب وإن صدر منه من صور أقوال الإيمان وأفعاله ما وقع.
    قلت: وهذا الذي أفتوا به في حق هذا الشخص، ومن كان على حالته جلي في غاية الجلاء لا يمكن أن يختلف فيه اثنان.وإنما نزاع العلماء واختلافهم فيمن عرف مدلول الشهادتين وجزم بما تضمنته من عقائد التوحيد من غير تردد، إلا أن موجب جزمه بذلك التقليد ومجرد النشأة بين قوم مؤمنين من غير أن يعرف برهانا على ذلك أصلا.
    والخلاف في صحة إيمان هذا هو الخلاف المعروف في صحة التقليد في العقائد»
    وقال أيضا: «وبعض المقلدين ينطق بكلمتي الشهادة من غير أن يعرف معناهما، ولا أن يميز بين الرسول من المرسل، وفي مثله وقعت أجوبة علماء بجاية وغيرهم من المحققين أن مثل هذا لا يضرب له في الإسلام نصيب»([15]).
    تأمّل التمييز بين المقلِّد في الإيمان الذي انحرف فيه حثالة من المتكلمين، وبين جاهل معنى الشهادتين الذي أجمع عليه العلماء بأنه ليس في الإسلام نصيب.
    ويقول العلامة أحمد بن عرضون المالكي (992هـ) فيمن لا يجوز نكاحهن من النساء: «ويدخل في ذلك من نشأت بين أظهر المسلمين وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصلي وتصوم وتفعل جملة من شعائر الدين غير أنها لا تعرف ما انطوت عليه كلمتا الشهادة، ولا تدري ما الله؟ ولا رسوله؟ وربما تتوهم أن الرسول نظير الإله، وتقول: سمعت الناس يقولون هذه الكلمة فقلتها ولا أدري معناها بوجه ولا بحال.
    إذ لا خلاف أن هذه من جملة الكفرة اللئام».
    وقال رحمه الله: «وسئل الفقيه الصالح المفتي سيدي أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي (786 هـ) عن رجل من طلبة العلم تزوج امرأة واستخبرها بعد بنائه بها فوجدها جاهلة بوحدانية الله تعالى، أو تشكّ هل له والد؟ أو أن الرسول بشر؟ هل يفرق بينه وبينها أم لا؟
    فأجاب إذا كانت على ما ذكر من الاعتقاد الفاسد فهي كافرة، فإن تحقق الزوج ذلك منها، أو صدقها وجب فسخ نكاحها، ولا يحلّ له المقام على ذلك والله أعلم»
    ([16]).
    ونقل نحوه الإمام الونشريسي عن الإمام أبي محمد بن عبد الله العبدوسي الفاسي (849 هـ)([17]).
    وقال الإمام العلامة أحمد بن عيسى البجائي (760هـ) رحمه الله:«من نشأ بين أظهر المسلمين وهو ينطق بكلمة التوحيد مع شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلي ويصوم إلا أنه لا يعرف المعنى الذي انطوت عليه الكلمة.. لا يضرب له في التوحيد بسهم، ولا يفوز منه بنصيب، ولا ينسب إلى إيمان ولا إسلام، بل هو من جملة الهالكين، وزمرة الكافرين وحكمه حكم المجوسي في جميع أحكامه، إلا في القتل فإنه لا يقتل إلا إذا امتنع من التعليم»([18]).
    ونقل ابن عرضون أيضا عن الإمام عبد الواحد بن أحمد الونشريسي قاضي فاس ومفتيها (955 هـ) رحمه الله أنه قال: «وأما من كان من المقلّدين لا يعلم معنى كلمتي التوحيد ولا ما انطوت عليه ولا يميز بين الرسول والمرسل، فهذا لاحظ له في الإسلام حسبما صرح به العلماء الأعلام»([19]).
    وأطال ابن عرضون رحمه الله النقل عن المالكية ثم قال:
    «فهذه جملة من الأجوبة في هذه المسألة، وإنما أتينا بها هنا لأن كثيراً من الناس يتوهّمون أنّ من ينطق بكلمتي الشهادتين فهو محكوم له بالإيمان... والحاصل من كلام هؤلاء الأئمة الذين أحلناك على كلامهم:
    أنهم:
    1- أجمعوا على كفر من لا يميّز بين الله ورسوله، ولم يعرف الله ولا رسوله.
    2- وأجمعوا على فساد نكاحه.
    3- وأجمعوا على عدم أكل ذبيحته.
    4-وأجمعوا على عدم إراثة ماله.
    5- وصرّحوا كلهم بأن حكمه حكم المجوسي في جميع الأحكام إلا في القتل فإنه لا يقتل إلا إذا امتنع عن التعليم.
    وجلّ الناس اليوم هم ممن لا يفرق بين الله ورسوله، ولكن إن كذّبت فاسألهم تجد من ذلك ما لا يعدّ»([20])

    أقول: أجمع أهل العلم على أن جاهل معنى لا إله إلا الله كافر إلا أن بعضهم قال:لا يقتل إلا بعد التعليم والإرشاد فوزّعوا أحكام التكفير وهو جار على قاعدة تبعيض الأحكام، والحكم بين حكمين.
    تنبيه: مفهوم التقليد له عدة إطلاقات وتعاريف في الأصول، وكذلك المقلِّد تبعا للأصل فيلتبس مفهوم التقليد وفرعه في كثير من الأحيان، ولهذا اخترت التعبير بجاهل التوحيد كما فعل العلماء حذار الالتباس.

    يتبع إن شاء الله

    ([1]) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (17/144-145).

    ([2]) النوازل الكبرى للوزاني (2/10).

    ([3]) تيسر العزيز الحميد (1/83) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (1/36)

    ([4]) كتاب التمهيد لقواعد التوحيد (ص135-143).

    ([5]) الوصول إلى الأصول (2/360-361).

    ([6]) بل هو كفر وزندقة عند جمهور العلماء إذا خالفه بعد العلم به.

    ([7]) أصول الدين للبزدوي (ص155).

    ([8]) الاعتماد في الاعتقاد (ص385-392).

    ([9]) كتاب التمهيد لقواعد التوحيد (ص135-143) وتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي (1/154-177).

    ([10]) البداية من الكفاية في الهداية (ص154-155).

    ([11]) شرح المقاصد في علم الكلام (5/223-224).

    ([12]) الاعتماد في الاعتقاد (ص385-392).

    ([13]) الجيش والكمين لقتال من كفّر عامة المسلمين (ص41).

    ([14]) نوازل العلمي (3/212 – 213) مقنع المحتاج في آداب الأزواج (1/219).

    ([15]) شرح العقيدة الوسطى (ص208- 209) وشرح العقيدة الكبرى (ص37-38).

    ([16]) انظر لترجمة الوغليسي: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية (ص237) ونيل الابتهاج بتطريز الديباج (248) قالوا فيه: «الفقيه الأصولي المحدث المفسر عمدة أهل زمانه وفريد عصره وأوانه شيخ الجماعة ببجاية».

    ([17]) المعيار المعرب(3/88).

    ([18]) مقنع المحتاج في آداب الأزواج(1/214).

    ([19]) نوازل العلمي (3/212 – 213) مقنع المحتاج في آداب الأزواج (1/219).

    ([20]) مقنع المحتاج في آداب الأزواج (1/221 – 223).

  14. #14

    افتراضي


    المسألة السادسة
    الجهل المتعلّق بـأصل الدين (الشهادتان) غير الجهل لبعض الأصول فضلا عن الفروع.
    ولهذا عدّ أصحاب الحديث من شنع المرجئة ومقابحهم: إثبات الإيمان لمن قال:
    أعلم أن الكعبة حق وأنها بيت الله عز وجل، ولكن لا أدري أهي التي بمكة أو التي بخراسان.
    وكذلك إثباتهم الإيمان لرجل قال: أعلم أن محمدا حق وأنه رسول الله ولكن لا أدري: أهو الذي كان بالمدينة أم محمد آخر؟
    قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: أنا أشهد أنه عند الله من الكافرين حتى يستبين أنها الكعبة المنصوبة في الحرم.
    وقال الإمامان الحميدي وأحمد بن حنبل رحمهما الله: من قال هذا فقد كفر([1]).
    فالمسألة أثرية سلفية وليست من تشقيقات المتكلمين وتخليطات المبتدعة كما في المقلد في الإيمان في صورته الخلافية عندهم.
    وقد يوجد في أهل الكلام من يشنع ويحمل على المتكلمين في مسألة التقليد ويحكم بالكفر ووجوب القتل على جاهل معنى الشهادتين كأبي حامد الغزالي رحمه الله للفرق الواضح بين القضيّتين.
    ومما قال في الحمل على أهل الكلام في التقليد في الإيمان: «من أشد الناس غلوا وإِسرافا طائفة من المتكلمين؛ كفّروا عوام المسلمين وزعموا أن من لا يعرف الكلام بمعرفتهم ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتهم التي حرّروها فهو كافر!
    فهؤلاء ضيّقوا رحمة الله تعالى الواسعة على عباده أولاً، وجعلوا الجنة وقفا على شرذمة يسيرة من المتكلمين.
    ثم جهلوا ما تواتر من السنة ثانيا.....» إلى آخر كلامه في الرد على هذه الطائفة([2]).
    وإذا جاء إلى جاهل التوحيد فها هو يقول: في الجاهل لمعنى الشهادتين، وفيمن أتى بما ينافي الإيمان مع النطق بالشهادتين كاعتقاد ألوهية غير الله، ومن نطق بالشهادتين وأضمر التكذيب:
    «وحكم الصنف الأول، والثاني، والثالث أجمعين أن لا يجب له حرمة، ولا يكون لهم عصمة، ولا ينسبون إلى إيمان ولا إسلام، بل هم أجمعون من زمرة الكافرين وجملة الهالكين، فإن عثروا عليهم في الدنيا قتلوا فيها بسيوف الموحدين، وإن لم يعثر عليهم فهم صائرون إلى جهنم خالدون تفلح وجوهم النار وهم فيها كالحون»([3]).
    المسألة السابعة
    قضية وجوب الإيمان وحرمة الكفر قبل الرسالة، ثم الكلام في مدارك الوجوب فقد اضطرب الناس فيها ولهذا يجب ألّا أجزم بقول حتى يتضح لي دليله كما ينبغي إن شاء الله.
    وهذا شيخ الإسلام ينسب قولين لأصحاب الحديث في نفي التحسين والتقبيح وإثباته، وإذا سمّى من يقول به فلا يذكر إلا نفراً يسيراً كالسجزي والزنجاني ونحوهما.
    ونسبت طائفة كهبة الله الطبري وعلاء الدين السمرقندي: عدم وجوب الإيمان وحرمة الكفر بالعقل إلى أصحاب الحديث والأشعرية والمعتزلة البغدادية القائلين بضرورية المعارف.
    وهنا إشكال ثالث وهو فَرْض القبلية على دعوة الأنبياء إلى توحيد الله ونفي الشرك!
    وأرى أنه
    خيال فكري لا حقيقة له، وإلا فلم يخل العالم عن رسالات الأنبياء؛ لأنّ أوّل البشر آدم عليه السلام وكان نبياً وقد ثبت بشرعه إباحة ما أبيح وحظر ما حظر.
    على أنّه كان الناس بين آدم وبين نوح عليهما على التوحيد والإسلام لعشرة قرون كما جاء في الأخبار والآثار وإشارات الكتاب العزيز.
    وبعد ذلك لم يخل زمان عن رسول أو ممن يقوم مقامه، وأدلة العلماء كمعجزات الأنبياء من جهة حتى بعث الله محمدا رحمة للعالمين.
    قال أبو الحسن ابن القصّار (397هـ) رحمه الله:
    «إن الكلام في هذه المسألة تكلّف لأنه لا يقعل الناسُ حالاً قبل الرسل والشرائع؛ لأن الرسل بعد آدم عليه السلام، فقد تقرّرت الشرائع في جميع الأشياء بالرسل عليهم السلام»([4]).
    وقال الإمام أبو منصور الماتريدي:
    «التكلّم في هذه المسألة ضائع لأن زمانا لم يخل عن الشرع لأن أول البشر آدم عليه السلام وهو كان نبيا وقد ثبت بقوله إباحة ما أبيح وحظر ما حظر، وبعد لم يخل زمان عن نبي أو ممن يقوم مقامه.
    قال الإمام العالمي: إلا أنا نقول: هذه المسألة تقديرية. ومعناه: لو قدّر خلوّ زمان عن شرع ما قضية العقل فيها؟...»([5]).
    وقال سراج الدين البلقيني رحمه الله:
    «إن الخلاف المذكور في الأفعال الاختيارية قبل البعثة لا يتحقّق؛ إذ قبل آدم عليه السلام لم يتحقّق وجود قومٍ حتى يتحقق الخلاف، وبعد وجوده كان مكلّفا بما شرعه الله له، واستمرّت الشرائع، ولا يصحّ حمل الكلام على حالة الفترة لأن الكلام قبل ورود الشرع المستدلّ عليه بقوله:﴿وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا﴾»([6]).
    وقال الإمام ابن أبي موسى الشريف الحنبلي (428هـ)رحمه الله:
    «وكان كلّ نبي يعرّف أمّته معبودهم كقول نوح لقومه:﴿قال يا قوم إني لكم نذير مبين* إن اعبدوا الله﴾ وكقول شعيب:﴿يا قوم اعبدوا الله﴾ وكذلك في قصص غيرهم من الرسل، كلّ منهم يديم الدعوة لقومه، فإذا قبض كان حكم شريعته قائما في حال الفترة إلى أن ينسخها الله بإرسال نبي آخر، فيقوم الثاني لأمته في التعريف والدعوة قيام الماضي لأمته، فما أخلى الله الخلق من سمع يعرفونه به، ويستدلون به على ربوبيته ومعرفة أسمائه»([7]).

    ومن الأدلة على هذا الأصل قوله تعالى:
    ﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾
    ﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾
    ﴿إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد﴾
    ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا فاعبدون﴾
    ﴿وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون﴾
    ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله﴾
    فدعوة ﴿اعبدوا الله ما لكم من إله غيره دين الأنبياء والمرسلين أجمعين ولم تخلّ أمة من رسالة تدعو إلى إفراد الله بالعبادة فالمشرك محجوج بمخالفة دعوة الأنبياء والمرسلين؛ ولهذا قال عليه السلام لبعض أصحابه:
    «حيثما مررت بقبر مشرك فبشّره بالنار».
    وقال لآخر: «ما أتيتَ عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك، فقل: أرسلني إليك محمد ﷺ ([8]) فأبشر بما يسوؤك، تجرّ على وجهك وبطنك في النار» فقال: يا رسول الله، وما فَعل ذلك بهم! وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال: «ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى بعث في آخر كل سبع أمم نبيّا، فمن عصى نبيّه كان من الضالين، ومن أطاعه كان من المهتدين».
    وقال الإمام ابن القيم (751هـ) رحمه الله:
    «إن من مات مشركا فهو في النار، وإن مات قبل البعثة؛ لأن المشركين كانوا قد غيّروا الحنيفية دينَ إبراهيم، واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم، من أولهم إلى آخرهم؛ فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها؛ فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل»([9]).

    المسألة الثامنة
    أما أوّل الواجبات على المكلّفين فهو الاعتقاد الجازم بالحق من الإيمان بالله ورسله... كيما حصل، وبأي وجهٍ ثبت، من غير قصر على نظر في دليل معيّن، بل كلّ من حصل له اليقين بالحق وبصدق الرسول مع النطق بالشهادتين عند المقدرة فهو من المؤمنين.
    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: «ما على الأرض نفس تموت، لا تشرك بالله شيئا، تشهد أني رسول الله، يرجع ذاكم إلى قلب موقن، إلا غفر الله لها»
    «من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه دخل الجنة..»
    «من مات وفي قلبه لا إله إلا الله دخل الجنة».

    الخلاصة:

    - جاهل التوحيد على المفهوم السابق كافر لقيام الدليل على كفره، سواء قيل بارتداده، أو ببقائه على أصله.

    - المقلد في الإيمان على المفهوم السابق مؤمن بالله ورسوله.. غير عاص بترك النظر والاستدلال الكلامي.

    - الكلام فيما كان قبل الرسالة فرضيات ذهنية مخالفة للواقع وليس له آثار حكمية واضحة.

    - من لم تبلغه الدعوة التوحيدية في أطراف الدنيا فإن أشرك بالله وعبد غيره فهو كافر لعموم الأدلة في تكفير أهل الأوثان في كل زمان ومكان.
    وإن عبد الله ولم يشرك فهو ناج من الوعيد لنقائه من نجاسة الشرك، وإيمانه بالله، ولعموم أدلة الوعد لأمثاله، ولبقائه على الفطرة سواء قلنا: إنها نقاء يستلزم موجبه إن سلمت من المغيّرات كما يقوله ابن تيمية في "درء التعارض" أم بغير ذلك.


    ([1]) السنة لعبد الله بن أحمد (260، 261، 262) والسنة لأبي بكر الخلال (1104) والخطيب في التاريخ (13/368) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1579، 1580).

    ([2]) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة (ص97-).

    ([3])كتاب الإملاء على مشكل الأحياء (6/557).

    ([4]) المقدمة في الأصول (ص156).


    ([5]) بذل النظر في الأصول (ص663).


    ([6]) ترجمة سراج الدين البلقيني (ص277).


    ([7]) درء تعارض النقل والعقل (9/6-7).

    ([8]) قال ابن القيم:إرسال تقريع وتوبيخ لا تبليغ أمر ونهي. زاد المعاد (3/599).

    ([9]) زاد المعاد (3/599).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •