قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «من المعلوم أننا لا نحمل فعل الرسول ﷺ على الخصوصية إلا حيث تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فإنه لا يجوز حمل النص على الخصوصية؛ لأن الأصل التأسي به ﷺ، قال الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب: 21]، فإذا كان الأصل التأسي به فلا وجه لحمل النص على الخصوصية مع إمكان الجمع إلا بدليل»اهـ([1]).
وقال الشيخ رحمه الله: «قوله: «ويباح للذكر من الفضة الخاتم»؛ لأن النبي ﷺ اتخذ خاتمًا من ورِق؛ أي: من فضة، ومعلوم أنَّ لنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، ولا يقول قائل: إنَّ هذا خاص به؛ لأن الأصل عدم الخصوصية، فمن ادعى الخصوصية في شيء فعله الرسول ﷺ فعليه الدليل»اهـ([2]).
وقال الشيخ رحمه الله: «فإن قال قائل: ثبت أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم، روى ذلك عبد الله بن عباس ابن أخت ميمونة رضي الله عنها وهو عالم بحالها.
فالجواب: على ذلك من وجهين:
الأول: سبيل الترجيح.
الثاني: سبيل الخصوصية.
أما الأول: وهو سبيل الترجيح، فإن الراجح أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال لا حرام، والدليل على هذا أن ميمونة رضي الله عنها نفسها روت أن النبي ﷺ تزوجها وهو حلال، وأن أبا رافع رضي الله عنه السفير بينهما ـ أي؛ الواسطة بينهما ـ أخبر أن النبي ﷺ تزوجها وهو حلال، وعلى هذا فيرجح ذلك؛ لأن صاحب القصة، والمباشر للقصة أدرى بها من غيره.
فأما حديث ابن عباس ﭭ فجوابه أن يقال: إن ابن عباس رضي الله عنه لم يعلم أن الرسول ﷺ تزوجها إلا بعد أن أحرم الرسول ﷺ، فظن أن الرسول ﷺ تزوجها وهو محرم بناء على علمه، وهذا الوجه قوي وواضح ولا إشكال فيه.
وأما الثاني: وهو الخصوصية، فإن من خصائص الرسول ﷺ أن يتزوج وهو محرم؛ لأنه أملك الناس لإربه، وغيره لو تزوج وهو محرم لدعته نفسه وشدة شهوته أن يتصل بامرأته، وربما جامعها، وله ﷺ في النكاح خصائص متعددة.
وهل حمله على الخصوصية أمر غريب بحيث لا نوافق عليه، أو نوافق؟
الجواب: ليس أمرًا غريبًا؛ ولكن إذا تعارض التخصيص، أو الترجيح فأيهما أولى؟
الجواب: الترجيح أولى؛ لأن الأصل عدم الخصوصية.
فإذا يكون مسلك الترجيح أولى، وهو أن الرسول ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال»اهـ([3]).
وقال الشيخ رحمه الله: «وأصَّل بعض أهل العلم أصلًا ليس بأصيل، ومال إليه الشوكاني، وهو أن النبي ﷺ إذا أمر بأمر، وفعل خلافه، صار الفعل خاصًّا به، وبقي الأمر بالنسبة للأمة على مدلوله للوجوب.
وهذا ضعيف؛ لأن سنة الرسول ﷺ تشمل قوله ﷺ وفعله؛ فإذا عارض قوله فعله، فإن أمكن الجمع فلا خصوصية؛ لأننا مأمورون بالاقتداء به قولًا وفعلًا، ولا يجوز أن نحمله على الخصوصية مع إمكان الجمع؛ لأن مقتضى ذلك ترك العمل بشطر السنة، وهو السنة الفعلية»اهـ([4]).
وقال الشيخ رحمه الله: «من المعلوم أننا لا نحمل فعل الرسول ﷺ على الخصوصية إلا حيث تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فإنه لا يجوز حمل النص على الخصوصية؛ لأن الأصل التأسي به ﷺ، قال الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب: 21]، فإذا كان الأصل التأسي به فلا وجه لحمل النص على الخصوصية مع إمكان الجمع إلا بدليل.
ويدل على أن فعله ﷺ أو قوله لا يحمل على الخصوصية إلا بدليل قول الله تعالى: ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين﴾ [الأحزاب: 50]؛ ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى بَيَّن أنها خالصة للنبي ﷺ، ولولا ذلك لكان مقتضى النص أنه يجوز للإنسان التزوج بالهبة.
ودليل آخر أن الله تعالى قال في قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها: ﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾ [الأحزاب: 37]، وكانت زينب تحت زيد بن حارثة، وكان النبي ﷺ قد تبناه، فلما أحل الله له زينب قال: ﴿لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا﴾ [الأحزاب: 37]؛ فهذا الحكم خاص، وعلته عامة، وعلى هذا فالحكم الذي يثبت للرسول ﷺ يثبت للأمة؛ وإلا لم يكن لقوله: ﴿لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم﴾ فائدة»اهـ([5]).


[1])) «الشرح الممتع» (1/ 370).

[2])) «الشرح الممتع» (6/ 106).

[3])) «الشرح الممتع» (7/ 152، 153).

[4])) «الشرح الممتع» (1/ 305، 306).

[5])) «الشرح الممتع» (1/ 370، 371).