السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
زوجي نطَق بالطلاق في حقي وأنا حائض, حاوَلتُ أن أُصلح الأمر، وأن أجعلَه يتراجع عن قراره، لكنَّه رفَض، لقد طلَّقني؛ لأني أردتُ أطفالاً.
هو لَدَيه أولاد من زوجته الأولى, فبعد أن أنجبَ أولاده، طلبَتْ منه زوجته الأولى - وهي مُلحدة - أن يعمل عمليَّة قطع القناة الدافقة، وعَمِلها, وعند زواجنا لَم يُخبرني بالأمر، وانتظرتُ أن أُنجب أولادًا مدة سنتين ونصف, وبعد ذلك أَلحَحْتُ عليه للذهاب إلى طبيب مُختص، وعَمِلت تحاليل أثْبَتَت كلها سلامتي، وطلب منه الطبيب عملَ تحاليل روتينيَّة، لكنه أبى، حاوَلت إقناعه، وبعد العديد من المحاولات أخبَرني بالأمر، وقال لي: إنه عَمِل عمليَّة قبل زواجنا؛ حتى يُعيد فتح القناة، فأصرَرْتُ على وجوب عمل التحاليل، فوافَق، وأثبَتَت التحاليل أنه لا يستطيع الإنجاب بطريقة طبيعية، وحين طَلَبت منه القيام بعملية تخصيب، رفَض وبدَأ يصرخ، وقال لي: إنه لَدَيه أطفال، وهذا كافٍ بالنسبة إليه، وليس لديه ما يَصنعه لي.
أنا أصرَرْتُ على أني أريد أطفالاً، وأنَّ هذا من حقي، وبأنه بتفكيره هذا أنانيٌّ جدًّا، ثم نطَق في حقي بالطلاق.
أنا الآن أدعو عليه في كلِّ صلاة، وفي كلِّ وقتٍ بحِرمانه من أولاده كما حرَمني من الأطفال، وأُريد أن أعرفَ إذا كان دعائي هذا فيه إثم.

ومعذرة على الإطالة، ولكم جزيل الشكر.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه أمَّا بعدُ:
فإن الإنجاب حقٌّ للزوجة، كما أنه حقٌّ للزوج، ولا يجوز للرجل أن يمنعَ زوجتَه من الإنجاب، وقد نصَّ جُمهور العلماء - من المالكيَّة، والشَّافعية، والحنابلة، وغيرِهم - على أنَّ الزَّوج لا يعْزِل عن زوجته إلاَّ بإذْنِها، فإن أبَت عليه، لَم يَعزل، فلا شكَّ أنكِ ظُلِمْتِ بتَعنُّت ذلك الرجل معكِ، ومَنْعِكِ من الإنجاب، والطلاقُ - وإن كان الأصل فيه الحظر - إنما يُباح للحاجة المعتبَرة، والدواعي الطارئة؛ لِما فيه من قَطْع النكاح الذي تعلَّقتْ به المصالح الدينية والدنيويَّة، وما ينتج عن هذا الزواج من ذُريَّة طيِّبة، ويدلُّ على هذا الأصل ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي: ((أيُّما امرأة سألتْ زوجها الطلاقَ من غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنة)).
ودلَّ القرآنُ الكريم على أنَّ التفريق بين الزوجين من أقبح أفعال السَّحرة؛ قال تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102].
وأخبَرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الطلاق هو الغاية التي يريدها الشيطان من أتْباعه، وأنه من أهم العوامل التي يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية؛ فقد روى مسلم عن جابر مرفوعًا: ((إن إبليس يضع عرشَه على الماء، ثم يَبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يَجيء أحدُهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنَعتَ شيئًا، قال: ثم يَجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنتَ!)).
من أجل هذا جعَله الإسلام في أضْيق الحدود، ونهاية المطاف بعد فشل جميع محاولات التوفيق.
وتأسيسًا على ما سبَق، فما دام الرجل على الحال التي ذكَرتِ، وكان ظالمًا لك، فإنه يجوز لك الدعاءُ عليه؛ لأن الدعاء على الظالم مشروعٌ، والظالم يجوز الدعاء عليه؛ قال - سبحانه -: ﴿ لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148].
جاء في "تفسير ابن كثير" عن ابن عباس: " ﴿ لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾، يقول: لا يحب الله أن يدعوَ أحدٌ على أحدٍ، إلاَّ أن يكون مظلومًا؛ فإنه قد أرخَص له أن يدعوَ على مَن ظَلَمَه، وذلك قوله: {إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ}، وإن صَبَرَ، فهو خيرٌ له". اهـ.
وجاء في "تفسير السعدي" - رحمه الله -: ﴿ إِلا مَن ظُلِمَ ﴾؛ أي: فإنه يجوز له أن يدعوَ على مَن ظَلَمه، ويَتَشَكَّى منه، ويجهرَ بالسوء لِمَن جَهَر له به، من غير أن يَكذِبَ عليه، ولا يزيد على مَظلمتِه، ولا يتعدَّى بشَتْمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوُه وعدمُ مقابلته أَوْلَى؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]" . اهـ.
ومما يدل على جواز الدعاء على الظالم - ولو كان مسلمًا - ما رواه مسلم في "صحيحه" عن عُروة عن أبيه: أنَّ أرْوى بنت أُويس ادَّعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصَمَتْه إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سَمِعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وما سَمِعتَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: سَمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أخَذ شبرًا من الأرض ظُلمًا؛ طُوِّقَه إلى سبع أرَضين))، فقال له مروانُ: لا أسألُكَ بيِّنةً بعد هذا، فقال: اللهمَّ إن كانت كاذبةً، فعَمِّ بصرَها، واقتُلْها في أرضها، قال: فما ماتَت حتى ذَهَبَ بصرُها، ثم بينما هي تمشي في أرضها؛ إذ وَقَعَتْ في حفرةٍ، فماتَت.
ودعاء سعيد بن جُبير على الحجاج - لَمَّا أمَر بقتله - مشهورٌ، فقد قال: "اللهمَّ لا تُسلِّطْه على أحدٍ يقتُلُه بعدي"؛ ذكَره الذهبي في السِّيَر.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ لَمَّا أرسَله إلى اليمن: ((واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ)).
ولكن يُشترط في الدعاء عليه: ألاَّ يكون أعظمَ من فعلِه وجِنايته, ولا شكَّ أنَّ الدعاء على أطفاله بالموت أكبرُ بكثيرٍ مما فعَله معكِ، وقد قال الإمام القَرافي في الفروق: "وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالِم، فلا تدعو عليه بمؤْلِمَةٍ من أنكاد الدنيا، لَم تَقتَضِها جِنايتُه عليك، بأن يجنيَ عليكَ جنايةً، فتدعوَ عليه بأعظمَ منها، فتكونَ جانيًا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى ﴾ [البقرة:194]، ولا تدعو عليه بملابسةِ معصيةٍ من معاصي الله تعالى ولا بالكفر؛ صريحًا أو ضمنًا". اهـ.
هذا، وإن كنا نختار لكِ أن تُفوِّضي أمركِ إلى الله؛ عسى أن يُخْلِفَ عليك بما هو خيرٌ منه، واعلمي أنَّكِ إذا دعوتِ عليه، فقد انتصَرتِ منه, ولن يكون لك - حينئذٍ - جزاءُ الصابر المُحتسب؛ لأن العلماء قد نصُّوا على أنَّ الدعاء انتصارٌ، وأن مَن دعا، فقد اقتصَّ من ظالمه؛ كما قال الإمام أحمد: "الدعاء قِصَاصٌ"، وقال: "فمَن دعا، فما صبَر"؛ أي: فقد انتصَر لنفسه.
وعفو المظلوم عن الظالِم خيرٌ من الانتصار منه ولو بالدعاء؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة:237]، وقال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى:43].
وقد كان العفوُ والصفحُ هما خُلُقَ النبي الكريم؛ فقد سُئِلت عائشة - رضي الله عنها - عن خُلق رسولِ الله, فقالت: ((لَم يكن فاحِشًا، ولا مُتفحِّشًا، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يَجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح))؛ رواه أحمد، والترمذي.




http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4OOOM5IAE