الشفاعة لا تنفع عند الله جل وعلا مطلقا كما قال سبحانه ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾[المدثر:48]، فليس كل شافع يُشفَّع وليست كل شفاعة تُقبل بل لا تنفع الشفاعة لا من الأنبياء ولا من الملائكة إلا بوجود شرطين فيها:
الشرط الأول: أي يأذن الله للشافع أن يشفع.
الثاني: رضا الرحمن جل جلاله عن المشفوع له.
كما قال سبحانه ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾[النجم:26]، وقال سبحانه ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[الزخرف:86]، يعني فيمن تنفعه الشفاعة، لهذا قال العلماء يُشترط لحصولها وقبول الشفاعة:
أولا: إذن الرحمن جل وعلا.
الثاني:الرضا.
إذا تبين ذلك:
فالمقصود بالإذن الإذن الشرعي والإذن الكوني، فإن العبد لا يبتدئ بالشفاعة كونا إلا بعد أن يشاء الله جل وعلا أن تقع منه الشفاعة كونا؛ يعني في الدنيا وفي الآخرة، وكذلك لا بد لتحقيق هذا الشرط من الإذن الشرعي، فإذا شفع فيمن لم يؤذن شرعا بالشفاعة فيه، فإن الشفاعة لا تقبل.
مثاله شفاعة إبراهيم في أبيه قال ﴿لَأَسْتَغْفِرَن َّ لَكَ﴾[الممتحنة:4] فلم تنفعه، وقال سبحانه في حقه ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾[التوبة:114]، فلما تبين له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه.
كذلك شفع نوح عليه السلام في ابنه ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾[هود:45] فأجابه الرحمن جل وعلا فـ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[هود:46].
وكذلك شفع النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في عمِّه وقال «لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عن ذلك»، فنزل قول الله جل وعلا ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[التوبة:113].
فإذن: ولو وقعت الشفاعة بإذن الله الكوني فإنها لا تنفع حتى يكون إذن الله الشرعي؛ يعني حتى تكون الشفاعة موافقة للشرع؛ موافقة للشرع يعني الإذن الشرعي في صفتها وفي المشفوع له وفيما يكون في ذلك، وهذا الشرط مهم فيما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الثاني الرضا: كما قال سبحانه ﴿وَيَرْضَى﴾[النجم:26]، وقال جل علا في سورة الأنبياء في ذكر الملائكة ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾[الأنبياء:28]، هذا الرضا هو رضا الله جل وعلا عن الشافع ورضا الله جل وعلا عن المشفوع له:
رضا الله عن الشافع في قوله ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[الزخرف:86].
ورضا الله عن المشفوع له في قوله ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى﴾، وآية النجم في قوله ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾[النجم:26] كذلك.
إذن فالرضا شرط:
¨ رضاه سبحانه عن الشافع ولذلك الكافر لا يشفع.
¨ الثاني رضا الله جل وعلا عن المشفوع له.
ويرد على هذا شفاعته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لعمه أبي طالب، فهي مستثناة من هذا الشرط لأجل أن الله جل وعلا رضي نصرته للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فحصل من أبي طالب من الفعل ما فيه نوع رضا لله جل وعلا عن الفعل لا عن الفاعل.
فإذن هو إيراد على الشرط، والجواب أن هذا استثناء وسبب الاستثناء ما ذُكر.[شرح الطحاوية]