موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس\ الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلسي


بقلم د فالح الكيلاني
( الشاعر ابن الزقاق البلنسي )


هو ابو الحسن علي بن عطية الله بن مطرف بن سلمة اللخمي لكنه لم يعرف إلا بلقب أبيه (ابن الزقاق) نسبة الى عمل والده في بيع الزقاق وقيل ( البلنسي) نسبة إلى مدينة (بلنسية )التي ولد فيها في الأندلس .
ولد في مدينة ( بلنسية ) في عام \490 هجرية - 1096 ميلادية و كان والده يعمل في بيع الزقاق واحدها (زق ) والزق يعمل من جلد الاغنام وبقية الحيوانات لحفظ المواد السائلة و كذلك كان مؤذنا في مسجد في ( بلنسية) لم يكن قادراً على توفير متطلبات معيشة اولاده ..
اتجه ابن الزقاق منذ طفولته إلى العلم والأدب واحبهما ولم يجد من يعينه في مقتبل طفولته وصباه على التعلم الا نفسه فقد كان ابوه يمنعه من السهر لانه لا طاقة عنده على شراء زيت الانارة التي يسهر عليها ولده علي . لكنه استطاع ان يشق طريقه بصعوبة وتتلمذ على يد (أبي محمد بن السيد البطليوسي) العالم اللغوي الشهير وخاله الشاعر المعروف ابن خفاجة الاندلسي حتى نظم الشعر . فنظم اول قصيدة له في مدح ( ابي بكر بن عبد العزيز ) صاحب( بلنسية ) فاكرمه وانعم عليه بجائزة مقدارها \300 دينار ..
وكان في حقيقة نفسه ينأى عن المدح لكنه كان مجبرا عليه للتكسب والعيش فيه لانه يرى بعض ممدوحيه لا يستحقون المدح انما كانت الحاجة تجبره على مدحهم . مما اضطره الى هجاء بعضهم :
وكان قد احب مدينته ( بلنسية )فقال فيها :

بلنسية إذا فكَّرتَ فيها
وفي آياتها أسْنَى البلاد

واعظم شاهدي منها عليها
بأنَّ جمالَها للعينِ باد

كساها ربّنا ديباج حسن
له علمان من بحر وواد

عاصر والده الملك الشاعر المعروف (المعتمد بن عباد اللخمي) فهما من قبيلة واحدة وكانت تربطهما علاقة قرابة وكونه كان من بني عباد الا انه لم يستفد من من قريبه الملك . ولما قضي على (المعتمد بن عباد ) من قبل المرابطين فخاف والده على نفسه وعياله فترك ( اشبيلية ) وانتقل والده الى ( بلنسية) هناك ولد شاعرنا .
ولما مات الاخ الشقيق واسمه ( حسن ) لشاعرنا ابن الزقاق وكان يحبه حبا مفرطا فرثاه بقصائد عديدة رثاءا صادقا نابعا من اعماق قلبه ومنها هذ ه الابيات يقول :
على حسنٍ أنت دموعيَ حرةً
ومن بعض ما أُفني العزا والتجلّدُ

سأبكيه ما حج الحجيج وما دعا
هوديلاً على الأيك الحمام المغرّدُ

وفي حياته توفيت زوجته واسمها ( درة ) فرثاها رثاءا شديدا
بعد ان فجع بها فقال فيها :

لمغناكِ سحَّ المزنُ أدمَع باكِ
ورجَّعَتِ الورقاءُ أنَّةَ شاكِ

وشقَّ وميض البرق ثوباً من الدجى
كأن لم يكن يُجلى بضوء سناكِ

أظاعنةٌ والحزن ليس بظاعنٍ
لقد أوحش الأيامَ يومُ نواكِ

نوي لا يُشدُّ السَفْرُ راحلةً لها
ولا يشتكيها العيسُ ليلَ سُراكِ

وأن الشبابَ الغضَّ والصونَ والنهى
طوى الكلَّ منها الحين حين طواكِ

غدا الدهر من مرّ الحوادث كالحاً
ولم أدرِ أن الدهرَ بعضُ عِداكِ

عجبت له أنّى رماك بصرفِهِ
ولم يغش عينيه شعاعُ سناكِ

فيا درُّ إن أمسيت عطلاً فطالما
غدا الدرُّ والياقوتُ بعض حُلاكِ

ويا درُّ ما للبيت أظلم كسرُهُ
تُراكِ تيممَّتِ الترابَ تُراكِ

ويا زهرة أذوى الحِمامُ رياضها
لقد فَجَعَتْ كفُّ الحِمامِ رُباكِ

قال عنه صاحب كتاب( المسهب) :
( من فتيان عصرنا الذين اشتهر ذكرهم وطار شعرهم وهو جدير بذلك فلشعره تعشق بالقلوب وتعلق بالسمع واعانه على ذلك مع الطبع القابل كونه استمد من خاله ابو اسحاق بن خفاجة ونزع منزعه )
توفي ابن الزقاق في ( بلنسية ) سنة 528 هجرية – 1134 ميلادية وقيل 530 هجرية اما صاحب الخريدة فذكر وفاته في سنة 540 هجرية فيكون عمره ثمان وثلاثون سنة او اربعون سنة او خمسون .
يتميز ابن الزقاق بشاعرية خصبة أصيلة تعبر روح العصر و عن خوالج نفسه الفياضة وكان قوي الحس مرهف الشعور سريع الانفعال وله القابلية على التوفيق بين اللفظ والمعنى وبين الصورة الشعرية وقال في اغلب الفنون الشعرية من شعره الغزلي :

و مفتان قتول الدلّ وسنى يجاذبُ خَصْرَها رِدْفٌ رَدَاح

سرتْ إذ نامتِ الرُّقَباءُ نحوي ومسكُ الليل تُهديه الرياح
وقد غنَّى الحليُّ على طلاها بوسواس فجاوبه الوشاح
تحاذِرُ من عمودِ الصبح نوراً مخافة أن يلمّ بنا افتضاح
فلم أر قبلها والليل داج صباحاً بات يَذعَرُهُ صباح
ويقول في الخمرة :
رقَّ النسيمُ وراق الروضُ بالزَّهَرِ
فنبّهِ الكاسَ والإبريقَ بالوتر

ما العيشُ إلا اصطباحُ الراحِ أو شَنِبٌ
يُغني عن الراحِ من سَلْسَال ذي أُشُر

قلْ للكواكبِ غُضِّي للكرى مُقَلاً
فأعْيُنُ الزَّهْرِ أولى منك بالسَّهر

وللصباحِ ألا فانْشُرْ رداءَ سناً
هذا الدُّجى قد طَوَتْهُ راحةُ السَّحَر

وقامَ بالقهوةِ الصهباءِ ذو هَيَفٍ
يكاد مِعْطَفُهُ ينقدُّ بالنَّظَر

يطفو عليها إذا ما شجَّها دُرَرٌ
تخالُها اخْتُلِسَتْ من ثغره الخَصِر

فالكأَسُ في كفِّه بالراحِ مُتْرَعَةٌ
كهالةٍ أَحْدَقَتْ في الأُفْق بالقمر

اما في الموشحات فكانت موشحاته رفيعة المستوى الفاظها غاية في الرقة ومعانيها تلفها غلالة من البساطة والصور الحية والخلابة ومن موشحاته هذه الابيات :
خذ حديث الشوق عن نفسي وعن الدمع الذي همعا
ماترى شوقي قد اتقدا
وهمى بالدمع واطّردا
واغتدى قلبي عليك سدى

اه من ماء ومن قبس ومن طرفي و الحشا جمعا
بابي ريم اذا ســفرا
اطلعت ازراره قـمرا
فاحذروه كلما نظرا
فبالحاظ الجفون قسي انا منها بعض من صرعا
ارتضيه جار او عدلا
قد خلعت العذل والعذلا
انما شوقي اليه فلا
كم وكم اشكو الى اللعس ظمئي لو انه نفعا
ضل عبد الله بالحور
وبطرف فاتر النظر
حكمه في انفس البشر
مثل حكم الصبح في الغلس ان تجلى نوره صدعا

شبهته بالرشا الامم
فلعمري انهم ظلموا
فتغنى من به السقم
اين ظبي القفر والكنس من غزال في الحشا رتعا

واختم البحث بهذه القصيدة من شعره :
قفا نقتبس من نور تلك الركائب
فما ظعنتْ الا بزُهرِ الكواكبِ

وإلا بأَقمارٍ من الحيِّ لُحْنَ في
مشارق من أحداجها ومغاربِ

سرت وعباب الليل يزخر موجه
ة لا نمنشآت غير هوج لواغبِ

فما زلتُ أُذري أبحراً من مدامعي
على خائضات أبحراً من غياهبِ

وما بيَ إلا عارضٌ سلبَ الكرى
بخفة ِ برقٍ آخرَ الليلِ واصبِ

أضاء بذات الأثل والأثل دونه
وجيف المطايا والعتاق الشوازبِ

فيا دين قلبي من تألق بارق
سرى قاتَّقَته مُقلَتي بسحائبِ

ويا لحمامات بكين وإنما
غدوتُ قتيلَ الشوقِ وهي نوادبي

كِلُوْنَا لأطرافِ الرماحِ فإننا
نكلنا جميعاً عن لحاظ الحبائبِ

وإنَّا لمنْ قومٍ تهابُ نفوُسُهُمْ
عيون المها دون القنا والقواضبِ

تمرُّ بنا الأنواءُ وهي هواطلٌ
فترغب عنها بالدوموع السواكبِ

وفاءً لدهرٍ كان مستشفعاً لنا
بسودِ الليالي عند بيضِ الكواعبِ

فكم ليلة ليلاء خلّيت مثلها
من الهمّ في غربيبها المتراكبِ

بكل فتاة إن رمتك بسهمها
فعن حاجب تشبيهه قوس حاجبِ

تنسمتُ من أنفاسِها أَرَجَ الصَّبا
وجنبت علويّ الصبا والجنائبِ

وما جنّت الظلماء إلا لبسيتها
دثاراً على ضافي شعور الذوائبِ

وقد أَذهلتني عن نجومِ سمائِها
نجومُ حُليٍّ في سماءِ ترائبِ

أَوانَ هصرتُ الوصلَ تندى فروعُهُ
جنى ّ ووردت الأنس المشاربِ

فقد أَفْلتتْ تلك المها من حبائلي
ونكّب إسعاف المنى عن مطالبي

تغيرت الأيام حتى تغيرت
بها أَقربائي غدرة ً وأجانبي

وعلمني صرف الزمان وريبه
بأ نّ اقتناء الناس شرّ المكاسبِ

وكنت إذا فارقت إلفاً بكيته
بكاءَ عديٍّ صنوَهُ بالذَّنائِبِ

فها أنا إنْ أُشعِرتُ رحلة َ ظاعنٍ
تلقيته منها بفرحة آيبِ

فلم تحمِل الغبراءُ أنجبَ من فتى ً
رمى غير أعلام العلا بالنجائبِ

ولا صحبتْ كفّي على دلجِ السُرى
أبرَّ وأَوفى منْ رقيقِ المضاربِ

ولا کنتُدبتْ فوقَ البَنان يراعة
ٌ لأوجبَ من تحسين ذكر کبن واجب

شهابٌ لو کنّ الليل أُلبسَ نُورَهُ
نضا مِعطفيهِ من ثياب الغياهبِ

وروضة علم أغدقت جنباتها
بشؤبوبِ وبْلٍ للبلاغة صائبِ

نماه إلى العلياء كلّ مرجب
عظيم رماد النار سبط الرواجبِ

من القومِ شادوا مجدهمْ بمواهِبٍ
تُريك الغمامَ الوُطف أدنى المواهبِ

غطارفة شمُّ الأُنوفِ تسنَّمُوا
من الدولة ِ الغَرَّاءِ أعلى المراتبِ

وَهَيْنُونَ إلا أنهم لِعَدوِّهِمْ
أبيُّونَ أمثالَ القرومِ المصاعبِ

هم أدبوا الأيام حتى تحصنت
ذنوبُ عواديها بحْسنِ العواقبِ

وهم أكملوا العلياء من بعد كونها
خداجاً وحلوها بغر المناقبِ

لها من نجوم السعد أيمن طالب
ومن صاحب الأحكام أفضل صاحبِ


امير البيـــــــــــ ــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــــــــ ــدروز

****************************** ***